مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

حكومة ظل.. أمريكية في العراق!

الرئيس الأمريكي جورج بوش يجيب عن أسئلة الصحافيين بشأن الموقف في العراق (واشنطن - 12 يوليو 2007 ) Keystone

لا تخفي المجاملات الأمريكية لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، طبيعة موقف الإدارة في واشنطن من حكومة، أطلق عليها اسم "حكومة وحدة وطنية"، وهي تمشي في الواقع، على حقول من الألغام ينثرها في طريق المالكي، أعضاء مشاركون في نفس هذه الحكومة.

وتتحدّث معلومات مؤكّـدة هذه الأيام، عن نشاط استثنائي تقوم به قوى سياسية فاعلة محسوبة على الولايات المتحدة، لتشكيل ما سمتها “حكومة ظِـل عراقية”، تكون جاهزة لاستلام السلطة، في حال سقوط حكومة المالكي أو إسقاطها بأي الطُّـرق الممكنة، وهي كثيرة جدّا في العراق الجديد.

تُـجري هذه القوى اتِّـصالات بشخصيات، اختارت أن تكون بعيدة عن المشهد السياسي الرّاهن في عراق ما بعد صدّام، لتطلب منها إرسال “سيرة ذاتية”، لإيصالها إلى الأمريكيين، الحاكمين الفِـعليين في العراق الجديد، على نفس المِـنوال، الذي كان متَّـبعا قبل عملية الغزو الأنكلو أمريكي للعراق، والذي تم بمُـوجبه إسقاط نظام صدّام، والفشل حتى الآن، ورغم مرور أكثر من أربع سنوات، في إيجاد نظام بديل قادر على أن يطوي الماضي المترع بالديكتاتورية وثقافة الحزب والشخص الواحد.

صحيح أن في العراق الجديد دستورا وحكومة منتخبة ومجلس نواب ومؤسسات دولة، إلا أن نفوذ المليشيات القوي، التابعة لهذه الجهة أو تلك، حتى التي تدعي محاربة نفوذ الميليشيات، يجعل من الصعوبة بمكان الاعتراف أن تغييرا إيجابيا تحقِّـق للدولة العراقية منذ سقوط نظام صدّام في 9 أبريل عام 2003.

هذه الصورة، تجعل المواطن العراقي المسحوق بهموم كثيرة، أهمها فقدان الأمن والخدمات والوطن الواحد ومفهوم المواطنة، لا يتردّد هذه الأيام في استذكار ما نثره الشاعر معروف الرصّـافي شِـعرا، عندما قال في زمن رئيس الوزراء “المالكي” نوري السعيد وتحت مظلة الاحتلال البريطاني للعراق في القرن الماضي:

عَـلم ودستور ومجلس أمة، كل عن المعنى الصحيح محرّف،
أسماء ليست لنا سوى ألفاظها، أما معانيها فليست تُعرفُ،
من يقرأ الدستور، يعلم أنه وِفقا لصكّ الانتداب مصنفُ.

والدستور، الذي جرى الاستفتاء عليه من دون دماء (!) ما يثير موجة من التساؤلات عن تورّط مُـعظم الجهات المؤثرة في المشهد العراقي، في كل ما يجري فيه، سلبا أو إيجابا، لا يزال العراقيون يختلفون حوله، وطبعا العَـلم العراقي أصبح في خبر كان، لأن للأكراد علَـمهم الخاص بهم، وبقية المحافظات لا تزال ترفع العَـلم العراقي، الذي أدخل عليه الرئيس السابق صدّام بعض التعديلات، في ظل نقاش لم يتوقَّـف بعدُ حول العَـلم المطلوب ليُـوحِّـد العراقيين.

مجلس النواب، الذي لا يستطيع أن “يفك رِجل دجاجة”، يُـظهر نفسه من خلال مناقشاته، وكأنه يمارس صراع الدِّيَـكة! بينما يغيب عنها بشكل دائم نواب “منتخبون” منذ افتتاح الجلسة الأولى العام الماضي، والأكثر مرارة، أن مجلس النواب “استجاب” لأمر رئاسي أمريكي بالتخلي عن عطلته الصيفية لصالح… سن قوانين تخدم المصلحة العراقية.

أصوات المعتدلين!

المعارك في جبهة القتال ضد القاعدة وبقية الجماعات المسلحة المناوئة أو “المقاومة” للعهد الجديد، بغض النظر عن أهدافها ومن يقف خلف انطلاقها ودعمها، تترافق هذه الأيام مع تحرّك ملموس لتشكيل تحالف سني – شيعي – كردي جديد من بين كُـتل سياسية تتداول السلطة بينها، لقطع الطريق كما يبدو، أمام تأليف حكومة ظل بدعمٍ مباشر من واشنطن وبعض أذرعها الإقليمية.

التحالف الجديد سُـمي “أصوات المعتدلين” وأعلِـن عن تأسيسه من المجلس الأعلى الإسلامي العراقي وحزب الدعوة الإسلامية والاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني، إضافة إلى الحزب الإسلامي، وترافق أو سبق الإعلان عن هذا التحالف، إطلاق المالكي تصريحات، بدت وكأنها تباعد بينه وبين التيار الصدري، الذي أوصله إلى السلطة في انتخابات الائتلاف العراقي الموحَّـد، مقابل مرشح المجلس الأعلى عادل عبد المهدي، بل وفسَّـرت بأنها بداية جاءت متأخِّـرة نوعا ما لاستجابة المالكي بشكل كامل لمطالب أمريكية محددة حول تصفية جيش المهدي.

ولا يمكن للمالكي أن يُـطلق تصريحاته الحادة بشأن التيار الصدري، إلا بعد حسابات دقيقة، تشير إلى أنه أخذ يطبِّـق ما ورد في مذكرة مستشار الأمن القومي الأمريكي ستيفن هادلي، والتي دعا فيها المالكي إلى الخروج من سلطة أولئك الذين جاءوا به إلى الحكم، وقيادة “جبهة المعتدلين”.

لقد كان واضحا من قراءة مذكرة هادلي الشهيرة، أن مستشار الأمن القومي الأمريكي سعى إلى تعزيز مكانة رئيس الوزراء العراقي، بعد أن اجتمع به في 30 أكتوبر الماضي، ليكتب مذكِّـرته في 8 نوفمبر ويرسم للمالكي خُـطة طريق جديدة للحكم في العراق، تتجاوز النظام الطائفي والعرقي المعمول به حاليا، والذي أخذ يُـحرج كثيرا الرئيس الأمريكي جورج بوش، في مقابل تزايد المطالبين في واشنطن بالانسحاب من العراق، وهو خيار صعب قد يدفع بوش إلى استبدال المالكي، ومن هنا، تسربت الأنباء الخاصة عن تشكيل حكومة ظل تكون جاهزة للإعلان عنها متى شاء بوش.

ومن يعرف هادلي، يُـدرك تماما أن مستشار الأمن القومي يعمل جاهدا لإنقاذ رئيسه من الفشل الرّاهن في العراق، وهو يشير أيضا إلى بوش مرارا بقوله “نحن لم نفشل في العراق”، و”إننا سنفشل في العراق، إذا سحبنا القوات قبل أن نكون في وضع يسمح بمساعدة العراق”.

لكن هذا المستشار الأمريكي سيضع أمام المالكي صُـعوبات جمّـة في خياراته الممكنة، لعل من أهمِّـها علاقته بالتيار الصدري، تلك العلاقة التي شابتها العديد من الثغرات والصَّـدمات في الماضي، وفي هذا الواقع، وبعد سلسلة التصريحات الصدرية العنيفة ضد المالكي والتبشير بنهايته، انبرى المالكي إلى “تعديل” موقفه من التيار الصدري، محاولا رأب الصَّـدع وإغلاق الفجوة الكبيرة، التي أوجدها موقفه الأخير من التيار الصدري.

انقلاب أمريكي مُـنتظَـر

والمثير في كل هذا الشدّ والجذب بين المالكي والصدريين، هو غياب مستشاري رئيس الوزراء عن المنازلة الإعلامية والحرب الكلامية المفتوحة بين “ولي نعمتهم” وزعماء التيار الصدري، الذين عرفوا كيف يمسكون بخاصرة المالكي، وهم يُـذكرون بما حصل لسلفه إبراهيم الجعفري، وكيف أن بقية حلفائه داخل الائتلاف العراقي الموحد وضعوه لوحده في مواجهة استحقاق “كركوك” مع الأكراد وفي مواجهته غير المتكافئة مع السفير الأمريكي السابق زلماي خليل زادة.

ويرى مراقبون أنه كان يُـفترض بمستشاري المالكي، وبدلا من إطلاق تصريحات تستعدي الأكراد وبقية رموز مجلس الرئاسة (من خلال تصريح غير مدروس للمستشارة القانونية البعثية سابقا، مريم الريس، قلّـلت فيه بطريقة استفزازية، من شأن ودور مجلس الرئاسة)، العمل بذكاء لتوضيح موقف رئيسهم من التيار الصدري، لتجنُّـب استبعاده من جبهة المعتدلين، خصوصا وأن الواقع يؤكِّـد أن التيار الصدري، هو القوة السياسية والجماهيرية المؤثرة في الشارع العراقي، وهو يظل رقما صعبا على الاحتلال وعلى بقية المُـنضوين في جبهة التعاون معه، ممَّـن باتوا يُـسمُّـون أنفسهم، “المعتدلون”.

ويضيف نفس المراقبين أنه كان ينبغي أيضا برئيس الوزراء،التَّـعجيل بتعيين وزراء جُـدد من الأكفَّـاء، وليس على أساس المحاصصة، بديلا عن وزراء التيار الصدري، بعد أن منحه زعيمه السيد مقتدى الصدر حق الاختيار، وهي مِـنحة لم يستطع المالكي الاستفادة منها حسبما يبدو.

مستشارو المالكي (الذين يتحمَّـلون برأي كثيرين وِزر إعدام المالكي لصدّام، بالتوقيت والأسلوب، الذي شاهده العالم)، لم يحسنوا هذه المرة التعاطي مع التيار الصدري، وهاهم يحوِّلونه من حليف استراتيجي مؤثر إلى عدو محارب، قادر على تعقيد المعادلة، ليس فقط أمام المالكي، بل وفي عموم العراق، وها هو مقتدى الصدر يُـظهِـر مقدرة فائقة على التعاطي مع المتغيرات، وهو يُـجيد لعب دور “المنتظر”، بفتح التاء وكسرها على السواء، من خلال “غيبته الصغرى”، التي قد تتكرر وفق الضرورات وطبيعة المتغيرات.

وواضح أن المالكي، بعد انتخابه أمينا عاما لحزب الدعوة الإسلامية، وهو حزب لا يمارس العمل الحزبي، كما تفعل بقية الأحزاب، ويفقد بذلك قواعده وجماهيره، خاصة بعد فشله – وهو يتسلم الحكم مرتين – في عمل شيء لصالح ذوي الضحايا من أعضائه، الذين قضوا في النظام السابق، يُـعاني من وضع لا يُـحسد عليه، فهو في طريقه إلى أن يفقد دعم التيار الصدري وقد يواجه تحالفا جديدا بين الحزب الإسلامي والمجلس الأعلى داخل “أصوات المعتدلين”، وطبعا بدعم من الأكراد، ويَـنتظر انقلابا أمريكيا عليه، بذريعة فشله في قيادة العراق إلى برِّ الأمان.. وحكومة الظل التي ترعاها واشنطن.. جاهزة.

نجاح محمد علي – دبي

بغداد (رويترز) – قالت الشرطة العراقية إن 80 شخصا على الأقل قتلوا يوم الإثنين 17 يوليو في مدينة كركوك بشمال العراق في هجوم انتحاري بشاحنة ملغومة، في سوق مزدحمة وهجوم منفصل بسيارة ملغومة متوقفة في شارع مزدحم، وأضافت أن 136 آخرين أصيبوا في انفجاري كركوك وحذرت من احتمال ارتفاع الأعداد.

وقال مصور رويترز في المنطقة، إن مذبحة وقعت بعد انفجار الشاحنة الملغومة في السوق قرب مكتب للاتحاد الوطني الكردستاني، الذي يتزعمه الرئيس العراقي جلال الطالباني، وأضاف أن الجثث تناثرت في السوق بعد الانفجار، الذي أشعل النيران في العديد من السيارات وحاصر ركاب حافلة، حيث لقوا حتفهم حرقا.

وقالت الشرطة إن الانفجار بسيارة ملغومة في منطقة تجارية وقع قرب متاجر ومرأب حافلات، ووقع الانفجاران على بُـعد دقائق من بعضهما.

ومن ناحية أخرى هاجمت آلاف من القوات الأمريكية، ما يشتبه في كونه ملاذا آمنا لتنظيم القاعدة، جنوبي بغداد يوم الإثنين.

وقال الجيش الأمريكي في بيان، إن العملية تستهدف وقف تدفق السلاح والمقاتلين على جنوب العاصمة، حيث تخوض القوات الأمريكية والعراقية بالفعل قتالا عنيفا لطرد المسلحين من هناك.

وفي غارات بدأت قبل الفجر، وصلت القوات الأمريكية المحمولة جوا بطائرات الهليكوبتر إلى منطقة، وصفها الجيش الأمريكي بأنها ملاذ آمن للقاعدة حول وادي نهر الفرات، على بعد 35 كيلومترا إلى الجنوب من بغداد.

وقالت متحدثة باسم الجيش الأمريكي، إن المنطقة التي بها شبكة كبيرة من القنوات، كانت مسرحا لمعارك عنيفة بين القوات الأمريكية والمقاتلين من قَـبل وأن الجنود الأمريكيين طلبوا دعما جويا مرة واحدة على الأقل في الساعات الأولى من العملية، وأضافت الميجر الين كونواي “احتجزوا زعيما لخلية متشددة وسبعة من مقاتليه، وسيطروا على مصنع متنقل للمواد الناسفة بدائية الصنع”.

وفي منطقة بوب الشام التجارية في شمال شرق بغداد، قتل خمسة جنود عراقيين في انفجار قنبلة مزروعة على الطريق، وسقط قتيلان أيضا في انفجار قذيفتي مورتر سقطتا على جيب شيعي في منطقة الدورة بالعاصمة والتي تقطنها أغلبية سُـنية.

وتشن القوات الأمريكية والعراقية سلسلة من العمليات الأمنية الكبيرة منذ وصول 28 ألف جندي أمريكي إضافي قبل شهر، كان الرئيس الأمريكي جورج بوش أمر بنشرهم في العراق.

وتهدف العمليات إلى وقف أعمال العنف بين الأغلبية الشيعية والأقلية السُـنية، والتي تدفع البلاد إلى حافة حرب أهلية.

ويريد الكثير من الأمريكيين أن تعود القوات الأمريكية قريبا للوطن، وانضم أعضاء بارزون من الحزب الجمهوري إلى المطالب بتغيير إستراتيجية العراق، ولكن بوش يقول، إنه لن يُـغير الإستراتيجية إلى حين صدور تقرير منتظر عن التقدم في العراق من الجنرال ديفيد بتريوس، قائد القوات الأمريكية في العراق والسفير الأمريكي في بغداد رايان كروكر في سبتمبر القادم.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 16 يوليو 2007)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية