مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

حلول “مُـفـخـّخـة” لإنقاذ العملية السياسية في العراق الجديد!

يوم 10 نوفمبر 2010، افتتح رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي معرض بغداد الدولي في العاصمة العراقية Keystone

كما هي الحياة اليومية للعراقيين منذ سقوط نظام صدام في 9 أبريل 2003 ، المعجونة برغيف التفخيخ والتفجيرات المبرمجة والعشوائية، فان الحل الجديد الذي قدم لإنقاذ العملية السياسية في العراق، والإتفاق على نوري المالكي لتشكيل حكومة جديدة بعد مخاض عسير استمر زهاء عشرة أشهر، يصفه بعض المتابعين، بـ "قنبلة مفخخة"، قد تدخل العراقيين في دوامة جديدة من العنف السياسي، وتزيد من تأجيج "صراع الإرادات" بين إيران، المهيمن الأول في هذا البلد، والولايات المتحدة ومن يسير في فلكها ودول إقليمية خصوصا في المحيط العربي.

فما سماه البعض بالصفقة “الايرانية – الأمريكية ” بموافقة أو مباركة سورية، لاعلان المالكي رئيسا للوزراء لولاية ثانية، رأى فيه عارفون “فخا” أمريكيا ربما لم يكن مقصودا، لكنه يعكس بالتأكيد ارتباك السياسة الأمريكية في العراق، وكونها أصبحت أسيرة المواقف الايرانية.

لقد نجحت إيران في إقناع حليفها السوري، برفع الفيتو عن المالكي، كما مارست ما تستطيع من ضغوط لإرغام زعيم التيار الصدري سيد مقتدى الصدر على القبول به برغم أنه كان أخبر قاسم سليماني، قائد “فيلق القدس” (التابع للحرس الثوري الإيراني) أن تنصيب المالكي رئيسا للوزراء لن يتم إلا بعد ” وفاته”. وكان يفترض أن تعلن رئاسة المالكي للحكومة باتفاق بين الكتل الثلاث الفائزة: الشيعة بشقيهم المجلس الاسلامي الأعلى والصدريين مع المالكي، والأكراد، واستبعاد الكتلة الأكبر الفائزة بزعامة إياد علاوي، وهي تعليمات إيرانية مشددة للإلتفاف على محاولة نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن “تقاسم السلطة” بين المالكي وعلاوي واستبعاد الصدريين من المعادلة..

كما نجحت إيران في إحباط أي مبادرة أخرى إقليمية لاعادة التوازن السياسي داخل العراق، وتفردت هي من خلال علاقاتها التاريخية المستمرة مع جميع القوى السياسية الفاعلة داخل العراق، في فرض حلولها، التي تتعارض في معظمها مع الحلول الأمريكية التي تأتي متأخرة، وكالعادة، تكون مرتبكة، ولا تنسجم مع واقع الحال.

حتى في الحل الأخير الذي جاء من كردستان، فهو ما أرادته واشنطن لتعويض خسارتها أمام إيران التي قررت استبعاد علاوي، وشق صف تحالفه “غير المتماسك ” بتطميع المتحالفين معه بوزارة هنا ووزارة هناك. إن الإعلان عن تشكيل “المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية” برئاسة علاوي، لحل أزمة الحكومة، هو في الواقع إستمرار لاقتراح بايدن في شأن تقاسم السلطة بين علاوي والمالكي، على أن يُمنح المجلس الصلاحيات في اتخاذ أو رفض قرارات تنفيذية هي من شؤون الحكومة!.

وإذ غاب المجلس الأعلى الاسلامي عن اجتماع ” التحالف الوطني ” الذي وافق على صفقة الحل التي وصفها المالكي بـ “البداية لتأسيس الدولة العراقية وليس فقط الحكومة”، فان هذا الحل من وجهة نظر الكثيرين، يظل ناقصا، بل يحمل في طياته بوادر اندلاع أزمة جديدة، خصوصا وأن المالكي نفسه لم يعلن ثقته الكاملة بمن سماهم “شركاء العملية السياسية”، باستغلال الدولة لضرب الدولة، واستغلال السجال لفتح بوابة لدخول الإرهاب وعناصر البعث إلى العملية السياسية، متهما شركاء الحكم بـ”الازدواجية في المواقف”.

تباينات!

المجلس الأعلى الاسلامي الذي كان من المبادرين الى التفاوض مع علاوي، نكاية بالمالكي، وليس تعبيرا عن “سعة صدر”، أزعجه الإتفاق الذي أطاح بآماله في أن يتولى عادل عبد المهدي رئاسة الوزراء. وبعكس المالكي الذي بدا منتصرا “رغم أنه يرى أن الاتفاق مؤقت ومحصور فقط بهذه الدورة الانتخابية، وأن المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية يمارس مهمات استشارية ولايملك قدرة على منافسة نفوذه وصلاحياته التنفيذية، اعتبر المجلس الأعلى أن الإتفاق يكرّس وجود سلطتين تنفيذيتين، بما يتعارض مع الدستور أولا، ولا يتفق مع أصل نظام المُحاصصة الذي يلعنه الجميع، ويرجعون له عندما يتعلق الأمر بالحصول المكاسب.
أما الصدريون فقد عدوا المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية “هاماً جداً” لضمان عدم تفرد جهة ما أو تهميش وإقصاء بعض المكونات نتيجة اتفاقات سياسية غير معروفة.

ويضم المجلس، الذي يحتاج إلى تعديل دستوري لإقراره، الشؤون السياسية، والسياسات الخارجية والداخلية، والشؤون الاقتصادية والنقدية، والشؤون الأمنية والعسكرية، وشؤون الطاقة (النفط، الغاز، الكهرباء، الماء . . وغيرها)، وشؤون البيئة والأمن الغذائي.

وإذ اتفق الجميع على ترشيح المالكي لولاية ثانية، وسارت الأمور لإعادة تنصيب الطالباني رئيسا للجمهورية، وحتى مع تحفظات المجلس الأعلى القوية على ما سموه بحصول السّنة على أكثر من “حقهم” رئاسة البرلمان ورئاسة المجلس الوطني على قاعدة أن علاوي أخذ يُحسب في خانة الحصص السنية “، فقد أظهر “التحالف الوطني” تماسكا أفضل محققا مصالح “طائفية”، متحديا الرهان الأمريكي على عقدة علاقة الصدريين بالمالكي، والخلاف الأزلي بين حزب الدعوة وتيار الحكيم في المجلس الأعلى، فيما تتبعثر أوراق “العراقية” بزعامة علاوي في ضوء ما يصفه البعض بـ “غيابٍ للنوايا الصادقة والتكالب على المناصب”.

أزمة أم حل؟!

ربما لا يجد العراقيون حلا للأزمة السياسية المتفاقمة، ما لم يتوقف السجال بين علاوي ونوري المالكي، لأن إيران لا تبدو حتى الآن راغبة في أن ينجح الرئيس الأمريكي باراك أوباما في تنفيذ وعده بأن يكون علاوي على رأس المجلس الوطني “الجديد”، اللهم إلا إذا حصلت على ما تريد في شأن الملفات الإقليمية الأخرى وأهمها النووي، ولبنان وحتى أفغانستان. وقد أعلن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد صراحة أن بلاده تطالب بدور في حل “أزمات العالم”.

وقبل ذلك، هناك “أنا” السلطة التي تعاظمت أكثر خلال السنوات الماضية من عمر النظام السياسي في العراق الجديد، وقد لا ينفع إستحداث منصب جديد على مقاس علاوي في حل أزمة الحكم المستعصية. فعلاوي يرفض تماما أن يكون المجلس بلا سلطات تنفيذية حقيقية، ويريده مجلسا تتساوى سلطته مع سلطة رئاسة الوزراء، وأن يصبح له 100 مستشار وأن يكون له “فوجان للحماية بدل فوج واحد”.

ومما يزيد من المخاوف هو أن هذا المجلس – من وجهة نظر المتحفظين حول صلاحياته – سيكرس العلاقة التي يعمل السياسيون (ربما عن غير قصد) على جعلها غير مستقرة بين السنة والشيعة، ما يعني احتمال وقوع انفلات أمني في أي لحظة، في كل حالة اضطراب جديدة في معادلة التوازن.

وبرزت بالفعل خشية من أن تستجيب القوى السياسية المتحالفة مع إيران (التحالف الوطني) أو الصديقة لها (الأكراد) لفكرة تجاوز علاوي (وخلفه الإرادة السنية) عبر التسويف والمماطلة في إقرار المجلس الوطني للسياسات الإستراتيجية بالمواصفات التي وعد بها أوباما علاوي .

ويعيد المتخوفون الى الأذهان ما يسمونه بنقض تعهدات سابقة منها تعديل الدستور الذي أقر العام 2005 ، ووثيقة الإصلاح السياسي التي تقدمت بها بعض الكتل كشرط للموافقة على الإتفاقية الأمنية، العام 2008. وكانت وثيقة الإصلاح تتضمن مطالب شبيهة بالاتفاقات الحالية مع “العراقية” مثل إجراء تعديلات على قانون المساءلة والعدالة، وإعادة التوازن في الأجهزة الأمنية والحكومية إضافة إلى إطلاق سراح السجناء، وصادق مجلس النواب على وثيقة الإصلاح السياسي في تشرين الثاني العام 2008.

أما بالنسبة لدولة القانون فقد أعلنت بعد الجلسة الثانية لمجلس النواب التي بررت فيها القائمة العراقية انسحابها من الجلسة السابقة بـ “سوء الفهم”، وشددت على أن الكتل السياسية اتفقت على تشكيل المجلس الوطني للسياسيات الإستراتيجية دون صلاحيات تنفيذية، وأن “قراراته غير ملزمة لعدم وجود غطاء دستوري وقانوني لهذا المجلس”رغم” أن “دولة القانون” أشارت إلى أن مجلس النواب سيبحث تشريع قانون للمجلس الوطني الجديد الشهر المقبل.

يقول علاوي وصحبه إن الإتفاق المبرم مع مسعود برزاني ونوري المالكي يقضي بأن تكون قرارات المجلس الوطني الجديد مُلزمة بشرط أن يحصل على نسبة موافقة تبلغ 80 بالمائة في البرلمان، وهو أمر قد لا يتحقق بسهولة دون اتفاق مُسبق، خصوصا وأن كثيرا من القوانين تصدر بأغلبية بسيطة (يعني النصف زائد واحد)، وأن تشكيل الحكومة يتم من طرف الكتل الأكثر عددا، بالنصف زائد واحد أي 163 عضوا . وتكمن الصعوبة عندما تم انتخاب رئيس البلاد، حيث يشترط حصوله على الثلثين (أي 235 عضوا) في الإقتراع الأول، وهو ما لم يحصل عليه جلال طالباني، فجرى اقتراع ثان كان كافيا لأن يحصل على أكثرية الأصوات فقط.

ضغوط أميركية وخلافات

أخفقت واشنطن في أن تلتف على الدور الإيراني النافذ، والذي عكس الفرحة بالنصر علانية في خطب أئمة الجمعة في المدن الايرانية وتصريحات كبار قادة النظام، الذين حضوا المالكي وباقي حلفائها، على المضي قدما في تشكيل الحكومة بعلاوي ومن دونه.

وحتى الأكراد – الذين حفظوا ماء الوجه “الأمريكي” باستضافتهم اجتماعات الإتفاق الأخير – فانهم مستعدون للإستماع الى ما تريده إيران، وبشكل خاص بعد الضغوط الأمريكية التي مورست على طالباني للتخلي عن رئاسة الجمهورية لمصلحة علاوي.

وكانت ضغوط واشنطن قد تكثفت من خلال زيارة وفد الكونغرس الذي ضم نوابا من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وترأسه جون ماكين إلى جانب لندسي كراهام وجو ليبرمان وشاركهم في المباحثات مع القادة العراقيين كل من السفير الأميركي جيمس جيفري والقائد العام للقوات الجنرال لويد أوستن.

يشار إلى أن جدول أعمال اجتماعات القادة تضمن 11 ملفا، وهي: ترتيبات الجلسة البرلمانية والإلتزام بالدستور ومسألة التوافق السياسي. أما الملف الرابع فيتعلق بالتوازن في توزيع المناصب، ثم المجلس الوطني للسياسات العليا.. والنظام الداخلي لمجلس الوزراء. ويتعلق السابع بموضوع المصالحة الوطنية.. ثم قانون هيئة المساءلة والعدالة.. والإصلاحات الضرورية ويحوي أربعة فروع. أما الملف العاشر فيختص بالمسائل العالقة بين الحكومة المركزية والإقليم.. والحادي عشر بالضمانات الواجب التوقيع عليها للإلتزام بتنفيذ ما يتم التوصّل اليه حول الملفات السابقة.

فهل نحن أمام حل للأزمة أم على أعتاب أزمة جديدة وما قد تجره من تفجيرات أمنية تـُهـدر المزيد من دماء العراقيين؟!

واشنطن (رويترز) – قال مسؤول رفيع بوزارة الدفاع الامريكية أمام الكونجرس يوم الخميس 18 نوفمبر 2010 إنه من غير المتوقع أن يؤدي الانسحاب الامريكي المقرر من العراق بحلول نهاية عام 2011 الى زيادة كبيرة في العنف.

وقال كولن كال نائب مساعد وزير الدفاع الامريكي للشرق الاوسط في تصريحات معدة سلفا أمام لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب “رغم تقارير وسائل الاعلام المبالغ فيها التي تصور العراق على انه على شفا الانهيار فإن الوضع الامني الاساسي مازال قويا”.

وتراجع العنف في العراق بشكل كبير منذ ذروته أثناء المجازر الطائفية في 2006-2007 لكن لاتزال البلاد تشهد أعمال قتل وتفجيرات بشكل يومي في حين يقع كل بضعة أسابيع هجوم كبير مدمر من جانب المسلحين.

واعترف كال بوقوع هجمات كبيرة في الآونة الاخيرة من جانب متمردين يتبعون القاعدة إلا أنه قال “أخفقت تلك الهجمات مرارا في انجاز هدف (القاعدة في العراق).. ان تعيد تفجير التمرد على نطاق واسع والحرب الطائفية الاهلية”.

وتحول اهتمام الرأي العام الامريكي بشكل كبير بعيدا عن حرب العراق التي لا تحظى بشعبية والتي كلفت الولايات المتحدة قرابة تريليون دولار وقتل فيها ما يزيد على 4400 من أفراد القوات الامريكية.

وانتهت رسميا في أغسطس 2010 العمليات القتالية الامريكية ويتعين ان تغادر القوات المتبقية وقوامها 50 ألف جندي أمريكي العراق بحلول نهاية 2011 بموجب بنود اتفاق أمني أمريكي عراقي.

وقال كال: “وجودنا العسكري على الارض خفيف حاليا مقارنة بما اعتاد ان يكون عليه لدرجة تجعل من المستبعد جدا ان يفجر الانسحاب المتبقي زيادة كبيرة في العنف.”

واصبح لايران القوة الشيعية نفوذ كبير في العراق منذ سقوط صدام حسين الذي شن حربا ضدها استغرقت ثماني سنوات خلال الثمانينات. ويمثل هذا النفوذ احد العوامل التي يستشهد بها المحللون عند الحديث عن ضرورة استمرار تواجد امريكي قوي في العراق بعد 2011 .

وأنحت الولايات المتحدة باللوم على ميليشيات عراقية تدعمها ايران في سقوط ربع الخسائر في صفوف قواتها في الحرب. وانتقد جيفري فلتمان مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الادنى “دعم ايران المتواصل وتدريبها للجماعات المتشددة التي تستهدف كلا من الجنود العراقيين والامريكيين”.

واضاف في شهادته امام اللجنة “يجب على ايران احترام السيادة العراقية وانهاء دعمها لهؤلاء الذين ينفذون هجمات ارهابية في العراق.”

وقال وزير الدفاع الامريكي روبرت غيتس مرارا إنه مستعد لحوار بشأن الاحتفاظ ببعض القوات الاضافية في العراق اذا طلبت حكومته الجديدة ذلك.

وتوصل القادة السياسيون العراقيون الاسبوع الماضي الى اتفاق لانهاء حالة من الجمود السياسي استمرت ثمانية اشهر بعد الانتخابات غير الحاسمة في مارس 2010 وهو الاتفاق الذي يمنح رئيس الوزراء الشيعي نوري المالكي فترة ولاية ثانية.

وقال جيف موريل المتحدث الصحفي باسم وزارة الدفاع الامريكية ( البنتاغون) ان الجدل بشأن تشكيل الحكومة الموسعة سيؤجل المناقشات المحتملة حول اي تمديد لتواجد القوات الامريكية في العراق بعد 2011.

وقال موريل “لديهم الكثير من العمل خلال الايام الثلاثين المقبلة لتشكيل بقية الوزارات الرئيسية”. وأضاف “نحن منفتحون بشأن اجراء مثل هذا النقاش مع الحكومة العراقية في الوقت المناسب. لكنني اعتقد ان لديهم أولويات أخرى في الوقت الراهن.”

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 18 نوفمبر 2010)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية