مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

حل وسط يلوح في الأفق بين برن وبروكسل

يسعى مجلس الشيوخ (الغرفة العليا بالبرلمان الفدرالي) السويسري الجديد إلى بناء علاقات طيبة مع الاتحاد الاوروبي، لكنه يرغب أيضاً في التوصل إلى إتفاقية إطارية أفضل. كذلك فإن المفوضية الجديدة في بروكسل تسعى إلى إقامة علاقات جيّدة مع برن، لكنها تنتظر معرفة قرار الكنفدرالية في مايو القادم بشأن حرية تنقل الأفراد. لهذا لم تنفك حتى الآن أية انسدادات، لكن لم تقع كذلك أية خسائر. فيما يلي تحليل للوضع.

بعد موافقة الغرفة السفلى بالبرلمان الفدرالي (مجلس النواب) يوم 3 ديسمبر الجاري، تلتها الغرفة العليا (مجلس الشيوخ) في تأييدها لـ الإسهام السويسريرابط خارجي الثاني، بمبلغ 1،3 مليار فرنك لفائدة دول الإتحاد الأوروبي في جنوب وشرق القارة. وسيتم ربط السداد بشرط، ألا يتخذ الاتحاد الأوروبي أية إجراءات تمييزية ضد سويسرا. والمقصود بها، أن يُعارض الاتحاد دخول البورصة السويسرية لأسواق المال الأوروبية.

إن من شأن ما يعرف بـ “إسهام التماسك” تعويض عدم التكافؤ الاقتصادي والاجتماعي في تلك الدول، والمشاركة في تمويل الإجراءات المتخذة في مجال الهجرة.

وهي لا تعد إجراءً تضامنياً من قِبل الكنفدرالية مع الدول الأقل نمواً، بل إنها تتفق كذلك مع مطالب الإتحاد الأوروبي، حيث تستفيد سويسرا بوصفها بلدا غير عضو من السوق الداخلي الموسع، بفضل هؤلاء الأعضاء الجدد في الاتحاد الأوروبي.

تخفيض المطالبات قليلاً

لقد قرر البرلمان السابق في مناقشاته الأخيرة، تكليف الحكومة السويسرية بإجراء مباحثات إضافية مع بروكسل بهدف إدخال بعض التحسينات على الإتفاق الإطاري في مجال حماية الأجور، والمساعدات الحكومية وبشأن اللوائح الخاصة بمواطني الاتحاد الأوروبي.

أما الالتماس الذي كان يُطالب بإجراء سويسرا لمباحثات إضافية حول نقاط أخرى، فقد رفضه البرلمان الجديد مؤخراً.

ما هي الخطة القادمة؟

لقد أسفرت القرارات المتخذة في برن، عن عدم سعي سويسرا إلى إفشال المباحثات المسدودة الأفق منذ أشهر مع الاتحاد الأوروبي. إلا أنها قد أظهرت كذلك، أن مسودة المباحثات المقدمة منذ نهاية عام 2018 ليست متوازنة بعدُ بالنسبة لسويسرا. وهذا على الأقل في ثلاث أو أربع نقاط، فهناك تحسينات لاحقة ذات أهمية كبرى بالنسبة لسويسرا، وذلك فيما يتعلق بعدم الوضوح في المجالات السالفة الذكر، وهي حماية الأجور، والتعليمات بشأن مواطني الاتحاد الأوروبي، والمساعدات الحكومية. وحتى الآن، لم يُبد الاتحاد الأوروبي استعداداً لإجراء مباحثات لاحقة، وهذا ما لن يتغيّر حالياً، على الأقل رسمياً. فطالما أن الاتحاد الأوروبي لم يجد حتى الآن حلاً مع بريطانيا، فيما يتعلق بالـ “بريكزيت” أو خروج بريطانيا منه، فإنه لن يقدم موافقات لسويسرا، قد يكون لها طابع الحكم المُسبق.

الإتفاق المؤسّساتيرابط خارجي

بوصفها بلدا غير عضو في الاتحاد الأوروبي، قامت سويسرا بتنظيم علاقاتها مع الاتحاد حتى الآن من خلال حوالي 120 اتفاقية ثنائية. ولأن هذا أصبح مُكلفاً جداً للاتحاد الأوروبي، لذلك تُطالب بروكسل منذ سنوات بتوضيح للمسائل المؤسّساتية، بهدف جعل الدخول المتبادل إلى الأسواق مُتاحاً في المستقبل.

هل هناك جدوى من المباحثات الإضافية؟

لقد أظهرت مُجريات عملية خروج المملكة المتحدة من الإتحاد الأوروبي أنه بالإمكان التناقش مع بروكسل إذا ما قام الشريك التفاوضي (كما فعل رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون) بتقديم اقتراح منطقي ومُجد لكلا الطرفين.

ماهو الاقتراح المجدي؟

في المباحثات اللاحقة، يُمكن لسويسرا أن توضح للاتحاد الأوروبي عدم وجود سوى خيارات ثلاثة:

أولاً: أن توافق سويسرا على المسودة المقدمة، وان تخاطر برفض الناخبين السويسريين لها في نهاية المطاف.

ثانياً: أن ترفُض سويسرا المسودة من أساسها وأن تُفشل المباحثات.

ثالثاً: أن تبحث سويسرا والاتحاد الأوروبي عن حل متوازن لنقاط الخلاف من خلال المباحثات اللاحقة.

قد لا يرغب الاتحاد الأوروبي أيضاً في الخيارين الأول والثاني. فصحيح أن العلاقات المتبادلة لا تمثل أهمية كبرى بالنسبة له، مثلما هي بالنسبة لسويسرا، لكنه يستفيد منها كذلك. وهذا منطقي: ذلك لأن الاتفاقيات الثنائية تجري بما يتفق مع المصالح المتبادلة. فالاتحاد الأوروبي يمكنه بيع المزيد من السلع والخدمات إلى سويسرا، أكثر مما هو بالعكس. كما أن مواطني الاتحاد الأوروبي الذين يعيشون في سويسرا أكثر من المواطنين السويسريين الذين يعيشون في الاتحاد الأوروبي. وهناك حوالي 315000 عابراً للحدود مع فرنسا وألمانيا وإيطاليا والنمسا يأتون للعمل يومياً إلى سويسرا. 

هل يجب على سويسرا القبول بجميع مطالب الاتحاد الأوروبي؟

الحقيقة هي أنها ليست سويسرا، بل الاتحاد الأوروبي هو من يُطالب بتعديل الاتفاقيات القائمة. وصحيح أن هذا من حقه، لكن تلك التعديلات في بعض نقاطها ليست في مصلحة الطرف الأضعف في المباحثات. وهذا الطرف، أي سويسرا، ليس عليه القبول بكل ما يمليه عليه الطرف الأقوى، بل يمكنه المطالبة ببعض الاستثناءات فيما يتعلق بالمسائل التي تعد حيويةً له. بل إن هذا ما ينص عليه الاتفاق نفسه. وقد يكون أيضاً من غير المعقول المبالغة في تقدير الأهمية الذاتية، ورفض جميع مطالب الاتحاد الأوروبي من أساسها. 

ماذا لو ضرب الاتحاد الأوروبي بمطالب سويسرا عرض الحائط؟

في هذه الحال، ينبغي ألا تسعى سويسرا نفسها إلى إفشال الاتفاقيات الثنائية، بل عليها أن تقترح على الاتحاد الأوروبي إبرام اتفاقية انتقالية، هكذا كتب ميخائيل آمبوهل مؤخراً في تعليق للقراءرابط خارجي، بصحيفة “نويه تسورخر تسايتونغ” (تصدر بالألمانية من مدينة زيورخ). فالدبلوماسي السابق رفيع المستوى، والأستاذ الحالي بالمعهد التقني الفدرالي العالي في زيورخ في مجال إجراء المباحثات وإدارة النزاعات كان رئيساً للجولة الثانية من المفاوضات السويسرية الثنائية في الفترة ما بين 2001 و2004.

لِمَ ينبغي على الاتحاد الأوروبي القبول بمثل هذا الحل الوسط؟

ذلك لأن الجانبين لديهما مصلحة في عدم الإضرار بالعلاقات القائمة.

“فعن طريق مثل هذه الاتفاقية يمكن التخلص من التطورات السلبية واستئناف المباحثات حول الاتفاقية المؤسسية الإطارية في وقت لاحق. فقد يستطيع الطرفان الاتفاق فيها على الاستمرار في تحديث الاتفاقيات القائمة في الإطار المعتاد من ناحية، وعلى تخلي سويسرا عن المطالبة بإبرام اتفاقية جديدة تتيح لها الدخول إلى أسواق جديدة من ناحية أخرى”، على حد ما يقترحه آمبول.

“وكدليل على حسن النوايا يمكن لسويسرا إبداء مزيداً من السخاء في مساهمة التماسك التي تدفعها. وهذا سيلائمها أكثر من إبرام اتفاقية إطارية غير متوازنة، أو من تلقي وخزات غير متوقعة من الاتحاد الأوروبي”، على حد ما كتبه الدبلوماسي السابق، في إشارة إلى رفض الاتحاد الأوروبي لدخول البورصة السويسرية إلى أسواق المال الأوروبية.

إن اعتبار مبلغ 130 مليون فرنك سنوياً (أو إجمالياً 1،3 مليار، موزعة على عشرة أعوام) بالمقارنة بالناتج المحلي الإجمالي المنتج الوطني لسويسرا، والبالغ حوالي 690 مليار، ليس سخياً بدرجة كبيرة، يتضح من خلال المقارنة مع النرويج. فتلك الدولة العضو في المنطقة الاقتصادية الأوربية تدفع حوالي ثلاثة أضعاف هذا المبلغ.

وفي الثلاثاء الماضي لم يُبدِ البرلمان جانبه السخي. فقد ربط دفع تلك المساهمة بشرط ألا يمارس الاتحاد الأوربي التمييز ضد سويسرا. وهذا يعتبر إشارة إلى السياسة الداخلية، التي من شأنها البرهنة للناخبين على عدم وجود رغبة في التضحية بمصالح الشعب السويسري بكل بساطة لصالح الاتفاقية الإطارية.

ما الذي سيقوله الناخبون؟

إن الجهود المبذولة من أجل المباحثات ستكون قد ذهبت سدى، إذا ما قبل الناخبون في الاقتراع ـ  المزمع إجراؤه على الأرجح في مايو 2020 ـ بمبادرة “من أجل هجرة جماعية” (مبادرة الحد من الهجرة الجماعيةرابط خارجي) التي اقترحها حزب الشعب السويسري. وقد طالبت هذه المبادرة الحكومة الفدرالية بالخروج من اتفاقية حرية تنقل الأفراد المبرمة مع الاتحاد الأوروبي، من أجل تنظيم هجرة الأجانب إلى سويسرا بصورة مستقلة. فتأييد الناخبين لهذه المبادرة سوف يكون إذن بمثابة “سويكست” أوخروجاً لسويسرا من الاتفاقيات الثنائية، على غرار ما حدث في بريطانيا. أما إذا ما رفض الناخبون هذه المبادرة، فإن الحكومة سيمكنها استئناف الحوار مع الاتحاد الأوربي بصورة أقوى. إلا أنه يجب الحيلولة في أثناء ذلك دون توقيع سويسرا في بروكسل على اتفاقية غير متوازنة، لا يكون أمامها أيضاً فرصة للصمود أمام سلطة الناخبين. فالاتفاقية في صورتها الحالية تفتقر إلى التوازن الذي يجعلها تتخطى تلك العقبة.

مداخلات لامست الوتر

بما أن أعضاء البرلمان الجدد مطالبون طبقاً للأعراف غير المكتوبة بالتحفظ إلى أقصى درجة في الجلسة الأولى، لذلك فإن النقاش حول “إسهام التماسك” لم تُسمع فيه سوى الأصوات المعروفة سلفاً. وفيما يلي مقتطفات من بعض المداخلات التي لامست هذا الوتر:

“إن المبلغ الذي تُساهم به سويسرا يمكن مقارنته بذلك الذي تدفعه مالطا” –  هانزـ بيتر بورتمانرابط خارجي، الحزب الليبرالي الراديكالي (يمين)

“إن بلدنا هي أقدم خطة سلام في أوروبا. لكن الاتحاد الأوروبي يضطهد جامعاتنا، ويقاطع بورصتنا” – روجر كوبلررابط خارجي، حزب الشعب السويسري (يمين محافظ).

“إن الأمر يتعلق بتماسك أوروبا. فالأقوى من شأنه مساعدة الأضعف. وهذا مبدأ سويسري عريق” – سيبيل آرسلانرابط خارجي، حزب الخضر (يسار)

“إننا لا نقوم بالدفع في وعاء خاص بالاتحاد الأوروبي، بل لأجل مشروعات محددة في دول جنوب شرق أوروبا. ولن نقوم بسداد أية مبالغ، طالما نحن نُضطهد من قِبل أوروبا”. إليزابيت شنايدرـ شنايتررابط خارجي (عضو مجلس الشيوخ، عن الحزب الديمقراطي المسيحي)

“إن موافقتكم على القروض الإطارية [إسهام التماسك]، لا تعني أنكم ستمنحون شيئاً في الوقت الراهن. ولأجل القيام بالخطوة الأخيرة، فإن الكرة ستصبح مجدداً في ملعب الاتحاد الأوروبي”. وزير الخارجية إينياتسيو كاسيسرابط خارجي رابط خارجيموجهاً حديثه إلى البرلمان.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية