مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

حماسة مغاربية تقابل بتهميش أمريكي

زيارات أوروبية مكثفة لعواصم المغرب العربي مقابل تهميش امريكي ظاهري لدورها في الحرب على الارهاب swissinfo.ch

ما ان يغادر وزير خارجية اوروبي عاصمة مغاربية الا ويحل زميل له. حركة دؤوبة شهدتها الايام الماضية منطقة المغرب العربي، والعنوان تداعيات تفجيرات نيويورك وواشنطن والدور المغاربي في الحملة التي تشنها الولايات المتحدة ضد الارهاب.

بعد خايمي غاما، وزير خارجية البرتغال، وصل جوزيب بيكي وزير الخارجية الاسباني، ليتبعه نظيره الفرنسي هوبير فيديرين. الوزراء الثلاثة جالوا في تونس والجزائر والمغرب والتقوا قادتها وبحثوا مع كبار مسؤوليها، العلاقات الثنائية والوضع الاقليمي وبالتأكيد تطورات الحملة الامريكية ضد الارهاب.

واذا كان يجمع بين الدول التي جال وزراؤها والدول التي استقبلتهم الكثير من القضايا الثنائية التي يستوجب بحثها بين فترة واخرى او ملفات عالقة بحاجة الى ابقائها مفتوحة، فإن الامن، بأشكاله المختلفة وعناوينه المتعددة، يبقى الملف الرئيسي في المباحثات التي اجريت.

فقضايا الامن متداخلة ومتشابكة وكل طرف يحاول استثمار انفجارات الحادي عشر من شهر سبتمبر، للوصول الى تسوية تتوافق مع مصالحه الامنية التي كان يسعى اليها منذ سنوات. اوروبيا، وتحديدا اسبانيا، يبقى ملف الهجرة السرية الهم الآني متداخلا مع ملف المخدرات.

لكن هذا ليس الهم المغاربي الآني واساسا الجزائر. هناك ملف المعارضين المقيمين في اوروبا، وتحديدا الاصوليين منهم، الذين وجدوا في التسامح الاوروبي قاعدة آمنة لتحركهم.

الاصوليون، بعناوينهم المختلفة، اضحوا الآن العدو الاساسي والرئيسي وربما الوحيد “للحضارة والامن والاستقرار العالمي”، بعد ان كان عداؤهم يقتصر على انظمتهم. فالولايات المتحدة الامريكية، سيدة العالم، حددت الاصوليين عدوا عالميا، وهذه فرصة لانظمتهم اولا لتصفية الحساب معهم. وثانيا التشفي مع من كان يأويهم، وثالثا الاستفادة من خلال عرض الخدمات والتسهيلات للمساهمة في هذه الحملة الدولية، لاثبات البراءة مما كانت تتهم به من قمع للحريات وشطط في استخدام القوة ضد خصومها او لتحقيق مكاسب سياسية في ملفات اخرى.

حماس مغاربي دون مقابل امريكي

كانت دول المغرب العربي، بما فيها ليبيا التي لم تشملها جولات الوزراء الاوروبيين، من اوائل الدول التي ادانت تفجيرات نيويورك وواشنطن واعلنت استعداداتها للتعاون في كافة المجالات الامنية والعسكرية في الحملة ضد الارهاب، دون ان تضع شروطا لهذا التعاون، فالشرط الجزائري بعدم استهداف اية دولة عربية او اسلامية تاه في غبار الانفجارات وضاع في ضجيج الحرب التي تدق طبولها.

لكن هذا الحماس المغاربي، لم يقابل بحماس امريكي مماثل، اذ اكتفت الادارة الامريكية، على مستوى السفراء فقط، بالتعبير عن شكرها وتقديرها، ليس لانها فقط لا تريد ان تدفع مقابل هذا الحماس بل ايضا واساسا لان ما تملكه دول المغرب العربي للمساهمة بالحملة، اما يمكن الاستغناء عنه لعدم حاجتها اليه، او انه كان لدى واشنطن منذ سنوات.

من الناحية اللوجستيكية، القواعد العسكرية التي عرضها المغرب والتي كانت تستفيد وزارة الدفاع الامريكية منها خلال عقود الحرب الباردة، لم تعد تتمتع بنفس الاهمية الاستراتيجية، خاصة وان الهدف في هذه الحملة، هو افغانستان واسامة بن لادن، وهو هدف بعيد بالاف الاميال عن المغرب.

وعلى صعيد المعلوات الاستخباراتية، فإن عواصم المغرب العربي كانت قد قدمت، في اطار محاربتها للتيارات الاصولية، كل المعلومات التفصيلية التي تملكها حول هذه التيارات.

لكن لاوروبا حساباتها المختلفة عن الحسابات الامريكية، اضافة الى القرب الجغرافي، هناك الانعكاسات المباشرة لاي توتر او عدم استقرار امني في جنوب البحر الابيض المتوسط على الاوضاع في شماله. كما ان أي استنكاف عن التعاون الامني بين دول الضفتين، سيضر بها جميعا.

لذلك وجدت اوروبا نفسها ملزمة بإعادة الاعتبار لنفسها بعد ان اشعرتها واشنطن ان الحملة القادمة امريكية، قرارا وتخطيطا وتنفيذا، وان المطلوب منها التأييد فقط وايضا اعادة الاعتبار لدول المغرب العربي التي اهملتها الادارة الامريكية ولم توفد أي مسؤول للتشاور معها حول ما يمكن ان تقدمه، حتى ولو من باب اللياقة.

والمهملون او المهمشون، اوروبا والمغرب العربي، قد يشكلون قوة سياسية قريبا اذا ما تبنت اوروبا جديا، اقتراح العاهل المغربي الملك محمد السادس بعقد مؤتمر لدول البحر المتوسط لبحث القضايا الامنية على ضوء تطورات الحادي عشر من سبتمبر الامريكي.


محمود معروف – الرباط

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية