مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

حوار مفاجئ ونتائج مجهولة

محاولة موسكو لايجاد حل للنزاع الشياشاني كانت خطوة مفاجأة لكل المراقبين swissinfo.ch

أعلنت الحكومة الروسية أن مفاوضات مع من تصفهم بالمتمردين الشيشان لم تحقق أي تقدم، واتهمتهم بعدم تقديم آلية لنزع سلاح المقاتلين، على الرغم من عدم تقديم روسيا لحلول عملية.

حينما أعلن الكرملين انضمامه إلى الإتلاف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة لمحاربة الإرهاب توقع عدد من المحللين أن تستثمر موسكو الغطاء الذي وفرته أحداث سبتمبر أيلول لتوجيه ضربة ساحقة للمقاومة الشيشانية بحجة أن الإرهاب واحد سواء كان في أفغانستان أو الشيشان .

وبدأ أن الأمور سائرة بالفعل في هذا الاتجاه، إذ أن الدول الغربية خففت من انتقاداتها للحملة القوقازية، فيما أخذت أجهزة الأمن الروسية تتحدث عن صلات مباشرة بين أسامة بن لادن والشيشانيين، في محاولة للإيحاء بأن ضرب تنظيم القاعدة في أفغانستان ينبغي أن يتزامن مع الحاق هزيمة بالانفصاليين في جنوب روسيا.

إلا أن فلاديمير بوتين فاجأ المراقبين باقتراحه عقد حوار بين موسكو والشيشانيين، وقدم الرئيس الروسي افكاره في صيغة فهمت على أنها إنذار نهائي، إذ طُلِب من رجال المقاومة أن يبدأوا في غضون اثنين وسبعين ساعة مفاوضات بشأن إلقاء سلاحهم.

وأظهرت التطورات اللاحقة أن هذه الصياغة كانت مبادرة ذكية للتخلص من انتقادات الجنرالات الذين يرفضون أي سبيل غير القوة لحل المشكلة.

اتصالات في الخفاء .. ونتائج غير مرضية

وجرت وراء الكواليس اتصالات أسفرت عن عقد أول لقاء علني بين فلاديمير كازانتسيف ممثل رئيس الدولة في جنوب روسيا وأحمد زكايف ممثل الرئيس الشيشاني اصلان مسخادوف، الذي وصل إلى موسكو من اسطنبول على متن طائرة خاصة، رافقه فيها زعيم حزب الديمقراطيين الأحرار التركي بسيم تبوك الذي صار بمثابة وسيط بين الطرفين.

وأحيطت المباحثات التي جرت في قاعة الشرق في مطار شيرميتيفو الدولي في موسكو بسرية تامة ، واتفق الطرفان على عدم الكشف عما دار فيها، إلا أنهما تحدثا عنها بروح إيجابية، وقال زكاييف أنها فتحت صفحة جديدة يمكن أن تعقبها اتفاقات تؤدي إلى وقف إراقة الدماء، فيما أشار الجانب الروسي إلى احتمال عقد جولة أخرى مما نسميه موسكو بـ”الاتصالات”، حيث ترفض رفضا باتا استخدام مصطلح “المفاوضات”، لانه يعني التكافؤ بين الطرفي، وهو ما لا تعترف به روسيا حاليا.

إلا أن التطورات اللاحقة أثبتت توقعات المراقبين في شأن وجود معارضة قوية لمبدأ الحوار:

فعلى الجانب الشيشاني تجاهل موقع “صوت القوقاز” على شبكة الإنترنت، الذي يعبر عن رأي الجناح الراديكالي في المقاومة، تجاهل كل إيجابيات الحوار، وتحدث باستخفاف عن لقاء موسكو.

وفي روسيا صدرت عن عدد من الجنرالات تصريحات تنم عن استياء مكظوم، وجاهر الشيشانيون المتعاونون مع روسيا برفضهم المفاوضات، وأشار أحمد قادروف الذي عين رئيسا للإدارة المدنية أن الحوار يمكن أن يوفر لرجال المقاومة فرصة لالتقاط الأنفاس ومعاودة القتال.

وإزاء هذه الضغوط اضطرت السلطة إلى القيام بتراجع تكتيكي، فقد أعلن كازاتسيف أن لقاءه مع زكاييف لم يسفر عن أية نتائج ملموسة وكرر دعوته لنزع سلاح المقاومة.

مصالح متضاربة تعوق الحلول الفعالة

بيد أن المراقبين يكادون يجمعون على أن الحوار لن ينقطع إذ أن بوتين الذي كان قد جاء إلى السلطة على حصان الحرب الشيشانية، لم يتمكن بعد ما يربو على السنتين تحقيق انتصار فعلي، وغدا القوقاز جرحا نازفا يدمي روسيا و ينهك اقتصادها ويزعزع مواقعها الدولية، وقد يهدد مركز السلطة فيها.

وعلى الرغم من ادعاء الجنرالات بأن المقاومة قد تشرذمت ولم تعد قادرة على الصمود، فإن العمليات مستمرة في كل أنحاء الشيشان، وقد أضطر القادة العسكريون إلى الاعتراف بوجود زهاء عشرة آلاف مسلح، وليس بضع مئات كما أعلن الكرملين سابقا.

إلا أن هناك أطرافا كثيرة لها مصلحة في استمرار الحرب، ففي الداخل ثمة جهات حصلت على مكاسب مالية أو سلطوية، ما كانت لتحصل عليها لولا استمرار المعارك، ويعارض وقف القتال صقور القوات المسلحة وقادة الهياكل الإدارية المعنية في الشيشان.

وفي الخارج هناك دول عديدة قريبة أو بعيدة عن موقع الأحداث لها مصلحة في شاغلة روسيا و استهداف خاصرتها الجنوبية الرخوة.

وأخيرا فإن الرأي العام الروسي كان تعرض لعملية غسل أدمغة استمرت بضع سنوات، وكان من نتائجها أن اسم “الشيشاني” صار لدى المواطن الروسي مرادفا للإرهاب والجريمة، ولذا فسيكون من الصعب على موسكو أن تقنع الشعب بأهمية الجلوس إلى طاولة واحدة مع رجال المقاومة.

والأغلب أن الكرملين سيضع هذه الاعتبارات في حسابه، لكنه سيحاول في الوقت ذاته إيجاد صيغة تسمح بفتح قنوات مع الجناح المعتدل في المقاومة متمثلا في أصلان مسخادوف الذي ما برح رمزا للشرعية.

والأرجح أن يشارك مسخادوف نفسه في جولة قادمة من مفاوضات سيكون هدفها وضع نهاية لحربين أودت خلال اقل من عشر سنوات بحياة ما لا يقل عن مائة و خمسين ألف روسي وشيشاني.

جلال الماشطة – موسكو

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية