مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

خبير سويسري: “العدالة الجنائية الدولية تمر بمنعطف خطير”

مقر المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة في انتظار توافد القائد السابق لجيش صرب البوسنة Keystone

يرى الخبير السويسري غينائيل ميتّرو أن العدالة الجنائية الدولية تشهد توظيفا متزايدا، وهو ما قد يعمل على تشويه مصداقيتها، مثلما يتضح من الحوار الخاص الذي أجرته معه swissinfo.ch.

أدى انفصال سلوفينيا عن كرواتيا قبل عشرين عاما، إلى بداية انهيار دولة يوغسلافيا الإتحادية. وأسهمت حماقة السياسيين من ذوي النزعات القومية وجشع بعض المتشبثين بالسلطة في إثارة الحرب الدموية التي يعرفها الجميع والتي لازالت آثارها ملحوظة حتى يوم الناس هذا.

ولم يتم إلقاء القبض على اثنين من أكبر مجرمي الحرب المطلوبين في العالم خلال العشرين عاما الماضية إلا مؤخرا. ففي الأسابيع الماضية، جرى اعتقال راتكو ملاديتش وغوران هادزيتش في صربيا وتم تسليمهما إلى محكمة لاهاي التي ينشط فيها سويسريون على مستوى المحكمة الجنائية الخاصة بيوغسلافيا السابقة.

وإذا كانت كارلا ديل بونتي الشخصية الأكثر بروزا حيث شغلت منصب النائب العام في محاكمة جرائم الحرب في يوغسلافيا السابقة ما بين عامي 1999 و 2007، هناك مواطن سويسري آخر يشتغل في محكمة لاهاي منذ سنوات، ولكن بعيدا عن الأضواء. فقد بدأ غينائيل ميتّرو نشاطه في المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا سابقا كمستشار لدى قضاة المحكمة قبل أن يلتحق بفريق الدفاع. وفي هذه المهمة الجديدة، استطاع أن يحصل على أولى أحكام التبرئة لشخصيات متهمة أمام المحكمة.

ويعتبر غينائيل ميتّرو في وضعية جيدة لتقييم التطور الذي مرت به المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا سابقا، وهو يرى أن الخطر الأكبر يكمُن في زيادة حجم التوظيف “السياسي للمحكمة”، وهو ما قد يؤدي إلى تهديد مصداقيتها.

swisinfo.ch: كمحام يدافع عن حقوق الإنسان، كيف يمكنكم الدفاع عن شخص متهم بقتل عشرات الآلاف من الأشخاص؟

غينائيل ميتّرو: هناك طريقتان يمكن الرد بهما على هذا السؤال: بأن على القاضي إصدار الأحكام وليس المحامي. وأن دور المحامي هو للحفاظ على حقوق المتهم قدر المستطاع. والرد الثاني هو أنني كمحام، ولحسن الحظ، لم يُعهد لي بالدفاع إلا عن شخصيات تدخل في خانة “الأبرياء القلائل”، حيث تمت تبرئة ساحة مُوكّـلـيّ الاثنين سيفر هليلوفيتش و ليوبي بوسكوسكي.

وحتى (بصفتي) محامي الدفاع، لا أعمل على نفي حدوث الجرائم، بل إن ما يهمني هو محاولة معرفة ما إذا كان مُوكلي قد ارتكب تلك الجرائم، وهل يمكن إلصاق التهمة به.

لكن ما يؤسف له هو أن الحكم على المتهمين يتم بشكل مُسبق من قبل الرأي العام. إذ كلما اتّهم شخص بارتكاب جرائم حرب يعتقد كثيرون أنه يكون قد ارتكبها بالفعل. وحتى وإن كان لدينا تفهم لمثل هذه المواقف، فإن ذلك يظهر جليا في هذا الميدان، صعوبة قبول المبدإ القائل بأن “المتهم بريئ حتى تثبت إدانته”.

ففي حرب مثل التي وقعت في البوسنة والهرسك، يصبح تقييم ارتكاب الخطأ أو تحمل المسؤولية أمرا نسبيا. ولا يعاقب القانون المسؤولية بقدر ما يعاقب الشخص الذي شارك بطريقة فعالة في الجريمة إذ يوجد فرق بين المسؤولية القانونية، والمسؤولية الأخلاقية، والمسؤولية السياسية. ولا تُصدر المحكمة  الجنائية الدولية أحكاما إلا بخصوص المسؤولية القانونية وحدها.

هل تستعدون لاستقبال موكلين جديد محتملين قادمين من ليبيا أو من سوريا؟

غينائيل ميتّرو: لا، لا أشتغل وفقا لهذه الطريقة. لست أنا الذي يبحث عن موكليه بل إن الأشخاص هم الذين يتصلون بي لأنهم يعتقدون بأنني قادر على الدفاع عنهم. وهذا ما يتطلب مني عدم تشكيل أفكار مُسبقة بخصوص المتهمين، لأن التجربة علمتني بأن هناك دوما أناسا أبرياء من بين المتهمين. وبعبارة أخرى، هذا ما يجعل ممارسة هذه المهنة عملا ذا جدوى.

وهذا لا يعني أن مُوكلي سيكونون في المستقبل أيضا فقط من المتهمين الذين يصرخون في كل المحافل بأنهم أبرياء. يضاف الى ذلك أنني كمحام مُعيّن من قبل المحكمة، فإن عملي يندرج في إطار خدمة العدالة عموما. فالقانون لا وجود له بدون وجود دفاع، لأن المحامين هم الذين يضمنون بعملهم توفر القضاة على كل الدلائل الدامغة. وهذا هو عملي وليس التحيّز لهذا الطرف أو ذاك.

وكيف تحكمون على تلقي بعض موكليكم دعما من قبل بعض السياسيين الغربيين الذين تم انتخابهم بطريقة ديمقراطية؟

غينائيل ميتّرو: لست من فئة المحامين الذين يمارسون السياسة، بل أحاول على العكس من ذلك إبقاء السياسة بعدية عن المحكمة، ولكن من ناحية أخرى نحن في حاجة الى دعم سياسي وتعاون مع السياسيين. إذ يصبح الإتصال بالعالم السياسي أمرا لا مفر منه عندما ترغب في الإطلاع على دفاتر الأرشيف، أو عندما تريد الإستماع إلى الشهود.

لكن ما ألاحظه، وهذا أمر يزعجني بشكل متعاظم، هو أن المحاكمات الدولية أصبحت تخضع لتوظيف متزايد. فقد أصبحت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بالنسبة للبعض وسيلة للوصول إلى هدف معين وليست هدفا في حد ذاتها.

فالقانون له بُعد دولي لذلك يجب ألا يصبح مُسيّسا، ويجب أن يطبق ويحترم في كل مكان. لكن ما نلاحظه اليوم هو أن الأحكام أصبحت تُحرّف عن أهدافها الحقيقية لكي تُوظف لخدمة أهداف سياسية.

هل يمكن أن يُلحق ذلك مساسا بمصداقية وموضوعية المحكمة؟

غينائيل ميتّرو: مشكلة الجدية تتجسد بكل أبعادها من خلال العلاقة القائمة بين سياسيين منتخبين بطريقة ديموقراطية وقادة أنظمة غير شرعية. فهؤلاء القادة، الذين خدمهم أو ما زال يخدمهم مُوكّلي، لم يتحولوا إلى أصحاب مشاكل بين عشية وضحاها، بل أثيرت بخصوصهم تساؤلات منذ زمن بعيد وعلى مرأى ومسمع من قبل الرأي العام.

ولكن هذا لم يمنع سياسيين منتخبين بطريقة ديمقراطية من الدخول معهم في صفقات تجارية إلى أبعد الحدود الممكنة. فكيف يمكن تقبل أن يتحول هؤلاء فجأة إلى مرتكبي جرائم حرب يُراد تقديمهم للمحاكمة. لذلك على المحكمة أن تتحول في يوم من الأيام “نحونا” لكي تحافظ على مصداقيتها. وأقصد “نحن” السويسريين ، والألمان، والفرنسيين، الخ…

وهذه الإشكالية شغلتنا بالفعل أثناء إثارة قضية (سلوبودان) ميلوزيفيتش وشارلز تايلور (رئيس ليبيريا الأسبق). وقد تطرح أيضا لو يتم تسليم السوداني عمر البشير أو الليبي معمر القذافي للمحاكمة في لاهاي. والسؤال المطروح هو إلى أي حد يمكن للأحكام القضائية أن تبقى محايدة؟.

مَن الذي من حقه أن يقرر بأن مجرمي الحرب يجب توجيه التهمة لهم ومن يجب تجنيبهم ذلك؟ وهل من حقنا أن نناقش أيضا شرعية أو عدم شرعية الإجراءات القضائية؟ يبدو لي أننا لم نصل بعدُ إلى هذه المرحلة ولكننا نقترب بشكل سريع من لحظة طرح جميع هذه التساؤلات.

يعمل المحامون بالمحكمة الجنائية الدولية  ضمن فرق من القانونيين ينحدرون من بلدان المتهمين، أي من صربيا والبوسنة والهرسك وكرواتيا.

وعندما تولى غينائيل ميتّرو الدفاع عن وزير الداخلية في مقدونيا ليوبي بوسكوسكي، كان يرافقه في ذلك مجموعة من المحامين من البوسنة.

وأثناء محاكمة الجنرال السابق في الجيش البوسني صفر حاليلوفيتش، تولى غنائيل ميطرو عملية الدفاع مرفوقا بمحام من استراليا.         

حاصل على شهادة ليسانس في القانون من جامعة لوزان في عام 1996، وعلى إجازة في القانون الدولي من جامعة لندن في عام 1998 وعلى الدكتوراه في القانون الجنائي الدولي  من معهد لندن للدراسات الاقتصادية في عام 2007.

يمارس القانون الجنائي الدولي منذ العام 2000 كمحامي الدفاع أمام عدد من المحاكم الجنائية الدولية في لاهاي (محكمة يوغسلافيا سابقا)، وباقي انحاء العام (المحكمة الخاصة بلبنان، والغرفة الإستثنائية بالمحاكم الكمبودية).

يتولى منذ شهر سبتمبر 2010 مهمة التدريس بكرسي القانون الدولي العام والقانون الأوروبي بقسم القانون الجنائي الدولي في جامعة فريبورغ السويسرية.

تمكن من الحصول على تبرئة ساحة الجنرال السابق المسلم في الجيش البوسني صفر حاليلوفيتش، وتولى الدفاع عن وزير الداخلية الأسبق في مقدونيا ليوبي بوسكوسكي.

في أبريل 2011 التحق بفريق المحامين الذي دافع عن الجنرال السابق في كرواتيا آنتي غوتوفينا، الذي صدر في حقه حكم بالسجن لمدة 24 عاما لإرتكابه جرائم حرب ضد الصرب، وهو الحكم الذي تم تقديم استئناف بشأنه.

ألف عدة كتب عن مسؤولية مختلف مستويات القيادة، وحول المحكمة العسكرية الدولية في نورمبرغ، وحول المحاكم الجنائية الدولية عموما.

(ترجمه من الألمانية وعالجه: محمد شريف)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية