مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

89 سيدة في البرلمان المصري: وجود فعّال أم مُجرد ديكور؟

مشهد عام لمجلس النواب المصري في أول جلسة عقدها بتشكيلته الجديدة الذي ضمت 89 نائبة (على مجموع 458 عضو) في القاهرة يوم 10 يناير 2016. swissinfo.ch

اتفقت خبيرات مصريات مُـتخصّصات في شؤون البرلمان والسياسة والإعلام والقانون، على أن وصول 89 سيدة إلى مجلس النواب، هو حدث تاريخي غير مسبوق في حياة البرلمانات المصرية، وأشدن بوصول 75 منهن عن طريق الإنتخاب الحر المباشر، سواء بالمنافسة على المقاعد الفردية، أو عن طريق القائمة المُطلقة.

في المقابل، تباينت آراء الخبيرات حول تقيـيم الأداء البرلماني للنائبات بعد مُرور أسابيع على انطلاق أعمال مجلس النواب، ففيما رأت بعضهن أن البرلمان خلال الفترة الماضية كان مشغولاً بإعداد وإقرار اللائحة الداخلية للمجلس، واعتبرت أخريات أنهن أبلين بلاءً حسنًا فيما نوقش من قوانين، نفى فريق ثالث منهن أن يكن لهن أي تأثير يذكر حتى الآن، مرجعات السبب في هذا إلى قلة خبرة الكثيرات منهن، فضلاً عن كونها التجربة الأولى لهن تحت القبة”.

“الميزة الإيجابية”

في البداية؛ أوضحت النائبة البرلمانية الدكتورة سوزي عدلي ناشد جرجس، أن وصول 89 سيدة إلى قبة البرلمان يرجع إلى الميزة الإيجابية التي وضعها الدستور في المادة (11)، والتي تكفل التمثيل المناسب للمرأة في البرلمان، حيث اشترطت وجود عدد مناسب، وهو ما ضمن لها 56 مقعدًا في البرلمان، عن طريق القوائم المطلقة”.

وقالت “جرجس”، التي تعمل أستاذة القانون بكلية الحقوق جامعة الإسكندرية، لـ”swissinfo.ch”: “أضف إلى هذا 19 مقعدًا فزن بها في المنافسة على المقاعد الفردية، بخلاف 14 نائبة تم تعيينهن بقرار رئيس الجمهورية، ضمن نسبة الـ5% التي كفلها له الدستور”؛ معتبرة أن “نظام الإنتخابات البرلمانية ساهم بشكل كبير في أن يكون للمرأة في برلمان 2015 تمييز إيجابي، ووجود تاريخي”.

وأضافت النائبة، التي كانت عضوًا بالتعيين في مجلس الشورى عام 2012، بعد ترشيح الكنيسة لها: “هذا من ناحية الكم، أما من ناحية الكيف، وأقصد به الأداء، فإن النسبة الأغلب من هؤلاء النائبات من الحاصلات على مؤهلات عليا، فضلاً عن حصول عدد غير قليل منهن على درجة الدكتوراه، وهو ما يعني أنهن مؤهلات لدخول البرلمان، وذوات كفاءات علمية، أو يشغلن مناصب رفيعة في الدولة”.

وأشارت “جرجس”، التي سبق وأن كانت عضوًا باللجنة التأسيسية للدستور، إلى أن غالب النائبات في البرلمان المصري، سواءً المنتخبات أو المُعيّنات، مؤهلات للقيام بالدور البرلماني اللازم، فضلاً عن أن من بينهن عددا محدودا من ذوات الخبرة بالعمل البرلماني، رغم أن من ضمنهن عدد غير قليل من الوجوه الجديدة، واللاتي يدخلن البرلمان للمرة الأولى.

“أكثرهن بدون خبرة على الإطلاق”

ولدى سؤالها عن رأيها فيما اقترحته بعض النائبات من تشكيل ائتلاف خاص بالنائبات تحت القبة، خاصة وأن عددهن ليس بالقليل (89 نائبة)، أوضحت أن غالبية العضوات رفضن هذا المقترح، انطلاقًا من أن كل اللجان النوعية بالمجلس في حاجة إلى وجود وتمثيل المرأة، ومن ثم فليس من صالح المرأة حبس نفسها في ائتلاف واحد، فيما ستظهر قوتها بالتأكيد في التصويت على أي قرار سواءً في اللجان أو في الجلسة العامة.

وعن أبرز ملامح أجندتها البرلمانية فيما يخص قضايا المرأة، قالت جرجس إن “المادة 11 من الدستور أقرت بحوالي 12- 15 حقا للمرأة، وإقرار هذه الحقوق يستلزم تقديم عدد من التشريعات القانونية والدفاع عنها، وهي التي تحفظ هذه الحقوق، وتحولها من إطار دستوري إلى تشريع قانوني ملزم، وهو ما نسعى إليه خلال هذه الدورة البرلمانية”.

من جانبها؛ أوضحت الخبيرة الإعلامية، الدكتورة سحر وهبي، أنه “من حيث العدد طبعًا مكسبٌ للمرأة وصول هذا العدد، للمرة الأولى في تاريخ البرلمان المصري، بعضهن لديهن خبرة في العمل الإجتماعي والسياسي والعام، وأكثرهن لا خبرة لديهن على الإطلاق، وخاصة في السن الصغيرة، بدون أي خبرة في أي مجال”.

وقالت وهبي، التي تترأس قسم الإعلام بكلية الآداب، جامعة سوهاج، في تصريحات خاصة لـ”swissinfo.ch”: “بصراحة هناك قناعة بأنه برلمان قصير العمر، فقط كالمحلل للقوانين، واختيار السيدات كان عشوائيًا، ودون دراسة، خاصة من ترشحن على القوائم، في ضوء عزوف الكثير من السيدات أصحاب الفكر والتجارب الرائدة، عن الترشح، لعدم ملائمة المناخ العام لممارسة السياسة، وعدم وجود أحزاب حقيقية لديها قواعد شعبية”.

لن يستطيع أحد تقييم التجربة بحيادية وموضوعية إلا بعد مرور فترة كافية سمية رمضان، كاتبة وشاعرة

90% منهن حديثات عهد بالبرلمان!

في السياق ذاته؛ تمنت الكاتبة والشاعرة سمية رمضان، أن تجد النائبة البرلمانية الواعية، التي تخدم قضايا المرأة والأسرة بشكل عام، مشيرة إلى أنه “تأتيني يوميًا عشرات المشكلات كالتي تخص الأحوال الشخصية، ولن يشعر بمشكلات المرأة سوى المرأة نفسها، لأنها تعاني هذه المشكلات بشكل يومي”.

وقالت رمضان لـ “swissinfo.ch”: “التجربة لا تزال في بدايتها، وللمرة الأولى منذ أعوام طويلة، يجتمع هذا العدد من السيدات تحت قبة مجلسي الشعب والشورى، بمسمى جديد وهو مجلس النواب”؛ معتبرة أنه “لن يستطيع أحد تقييم التجربة بحيادية وموضوعية إلا بعد مرور فترة كافية، خاصة بعد الأحداث المتلاحقة التي مرت بها مصر خلال السنوات الخمس الماضية”.

وأوضحت أن “المشكلة تكمن في أن أكثر من 90% من عضوات مجلس النواب، حديثات عهد بالعمل البرلماني، ولم يتم تدريبهن وتأهيلهن على ممارسة هذا العمل بالشكل الكافي، ولهذا فإنهن سيحتجن لبعض الوقت، للتعامل مع تجربة جديدة عليهن داخل المجلس، ومن ثم فإنني أعتقد أنه من الصعب تقييم أدائهن في البرلمان إلا بعد مرور فترة كافية، لا تقل على دور انعقاد تشريعي كامل، أي سنة برلمانية”.

وردًا على سؤال بشأن الدور الذي كان يجب أن أن يقوم به المجلس القومي للمرأة في هذا الإطار، أجابت سمية رمضان: “ربما يكون للمجلس القومي للمرأة دور، من خلال بلورة وإبراز المشكلات التي تواجه المرأة داخل المجتمع المصري، ولكن يبقى الدور التثقيفي السياسي والقانوني، والذي يمكن أن يقوم به مجلس النواب نفسُه، من خلال عمل دورات تثقيفية للأعضاء الجدد، في مجالات السياسة والإقتصاد وقضايا المرأة، وكذلك الجانب القانوني”.

صعوبة تقييم أداء النائبات في الفترة الماضية

من جهتها، أرجعت الباحثة السياسية، ريم أبو حسين، الحاصلة على درجة الماجستير في العلوم السياسية من جامعة القاهرة، ارتفاع نسبة تمثيل المرأة المصرية في مجلس النواب إلى 16% من إجمالي عدد النواب، بشكل أساسي إلى التعديل القانوني الذي ألزم القوائم بنسبة محددة لتمثيل المرأة، مما زاد من عدد السيدات المنتخبات.

وقالت أبو حسين لـ”swissinfo.ch”: “مطلوب منهن القيام بدور فعال في المجلس، والتفاعل والمشاركة في الموضوعات المطروحة للنقاش، من أجل الضغط لتحسين أوضاع المرأة على كافة المستويات؛ اجتماعية واقتصادية وسياسية، ..إلخ”؛ وحثت الناجحات على المقاعد الفردية في الدوائر على “التفاعل لزيادة الثقة لدى الناخبين، في تمثيل المرأة، مما ينعكس على زيادة نسب تمثيل المرأة في المجالس المقبلة”.

في السياق، اعتبرت الباحثة السياسية أنه “من الصعب تقييم أداء البرلمان في تلك الفترة القصيرة، لعدة أسباب، هي: تركيز البرلمان على مناقشة اللائحة الداخلية، وعدم إذاعة جلسات مجلس النواب ومتابعة نشاط الأعضاء بما فيهم السيدات، وقلة التقارير الصحفية المنشورة التي تتعلق بجلسات البرلمان، فضلاً عن قلة المعلومات المنشورة على الصفحة الرسميةرابط خارجي للمجلس”.

القومي للمرأة يُشيد..

من جانبه؛ أبدى المجلس القومي للمرأةرابط خارجي إعجابه بمواقف النائبات في مجلس النواب حين رفضن إلغاء المادة الرابعة من اللائحة الداخلية، والتي تنص على التمثيل الملائم للمرأة في أجهزة مجلس النواب الرئيسية، حيث طالب العديد من الأعضاء بحذف تلك المادة، من منطلق أن بها شبهة عدم دستورية، مما دفع للإحتجاج والتهديد بالإنسحاب من القاعة، رفضًا للتصويت على إلغاء المادة، وهو ما أدى في النهاية إلى الإبقاء على تلك المادة كما هي دون تعديل.

وقد اعتبرت السفيرة ميرفت التلاوي، الأمينة العامة للمجلس القومي للمرأة، أن نجاح 12 سيدة في الوصول إلى المقاعد الفردية في المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب، منهن 9 مستقلات، و3 حزبيات، وفق إعلان اللجان العامة بـ 13 محافظة “يعبّر عن مدى كفاءة ونجاح ومثابرة السيدات في المنافسة الشرسة أمام الرجال”، على حد قولها.

في المقابل، أشارت غادة أبوالقمصان، رئيسة غرفة عمليات المركز المصري لحقوق المرأةرابط خارجي، إلى أن النساء أثبتن جدارتهن بالمنافسة والفوز على الرجال في المرحلة الثانية، وأن النساء تحدّين الرجال بالأداء العالي في المقاعد الفردية، وأنهن تَحدّين المال السياسي، مشيرة إلى أن المرأة المصرية “تصدّرت المشهد، مرشحةً وناخبة، وأثبتت للجميع أنها المنقذ والمتحكم الأول في نتائج الإنتخابات البرلمانية”، حسب رأيها.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية