مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“الذين دعموا العنف ضد البعثات الدبلوماسية الأمريكية.. أقلية”

يقوم سيروس ماكغولدريك، المسؤول في مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية بالتقاط صورة لمعلقة إشهارية تتضمن شعارات معادية للمسلمين مُلصقة في إحدى محطات مترو الأنفاق بمدينة نيويورك يوم 24 سبتمبر 2012 بعد أن أجبرت محكمة فدرالية شركة النقل المحلية على عرض النص الذي حررته المدونة باميلا غيللر، المديرة التنفيذية للمبادرة الأمريكية للدفاع عن الحرية. Keystone

مع أن الرئيس أوباما دعا في بداية فترته الرئاسية في خطابه الشهير بجامعة القاهرة، إلى "بداية جديدة" في العلاقات بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي، تقوم على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل..

جاء الفيلم المسيء للرسول محمد الذي أنتجه مسيحيون متطرِّفون في ولاية كاليفورنيا، ليفتح صفحة جديدة من ردود الفعل الغاضبة، بل والعنيفة أحيانا في أنحاء العالم الإسلامي، حيث أودى العنف في ليبيا بحياة السفير الأمريكي وثلاثة أمريكيين آخرين.

في هذا السياق، بدأ الرأي العام الأمريكي يتساءل عن طبيعة العلاقات الأمريكية مع العالم الإسلامي، وما يمكن أن يكون مستوى الإنخراط الأمريكي في قضاياه، ولذلك أجرت جامعة ميريلاند بالإشتراك مع برنامج قياس اتجاهات الرأي حول العالم استطلاعا لآراء عيّنة من الشعب الأمريكي حول وجهات نظرهم في خمسة موضوعات رئيسية هي:

أولا: كيف أثرت الهجمات على البعثات الدبلوماسية الأمريكية في القاهرة وبنغازي على آراء الأمريكيين في مصر وليبيا وفي المساعدات الأمريكية إلى مصر؟

ثانيا: هل تواصل الولايات المتحدة انخراطها الدبلوماسي في الشرق الأوسط بنفس المستوى أم أقل أم أكثر؟

ثالثا: كيف ينظر الأمريكيون إلى العرب والمسلمين وطبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي؟

رابعا: ما هو الموقف الذي يرى الأمريكيون ضرورة اتخاذه إزاء مطالبة إسرائيل بشن هجوم لإجهاض البرنامج النووي الإيراني؟

خامسا: ما هي الخيارات التي يرى الأمريكيون أنها الأنسب للتعامل الأمريكي مع الصراع الدائر في سوريا؟

مشاعر الأمريكيين إزاء العنف الإسلامي

أشرف على الإستطلاع الدكتور شبلي تلحمي أستاذ “كرسي أنور السادات لدراسات السلام والتنمية” بجامعة ميريلاند الذي أطلع swissinfo.ch على مُلخّص لأهم نتائجه موضحا أن “أبرز ما أظهره الإستطلاع هو أن غالبية الأمريكيين يعتقدون بأن الذين دعموا العنف ضد البعثات الدبلوماسية الأمريكية في القاهرة وبنغازي هم أقلية من المسلمين المتطرفين وليست الأغلبية في البلدين، لكن الإستطلاع أظهر كذلك أن أكثرية الأمريكيين يعتقدون بأن الحكومات العربية لم تقم بواجبها سواء لحماية البعثات الدبلوماسية الأمريكية أو منع الهجمات أو انتقادها أو ملاحقة منفذيها”.

وأضاف الدكتور تلحمي أنه لهذا السبب كان هناك تحول في موقف الأمريكيين من المساعدات المقدمة لمصر مثلا حيث “أعربت نسبة 42% منهم عن اعتقادهم بأنه يتعين خفض المساعدات لمصر ولكن 29% طالبوا بقطعها تماما، وبالمقارنة مع استطلاع أجري في يونيو 2012، كانت نسبة من طالبوا باستمرار تقديم المساعدات عند نفس المستوى 29%، ولكن نسبة متزايدة من هؤلاء الأمريكيين غيّروا رأيهم وانضمّوا للمجموعة المطالبة بخفض المساعدات لمصر”.

الإستطلاع أظهر أيضا أن نسبة من يكنون مشاعر سلبية لمصر بين الأمريكيين وصلت إلى 54 في المائة بعد أن كانت أغلبية تصل إلى 60 في المائة تكن مشاعر إيجابية إزاء مصر بعد الثورة الشعبية في عام 2011، كما أن نسبة من يشعرون بمشاعر سلبية إزاء ليبيا وصلت إلى 75 في المائة من الأمريكيين. ومع ذلك، فقد أعربت غالبية من الأمريكيين عن تحبيذهم لمواصلة دعم الولايات المتحدة للتحول الديمقراطي في العالم العربي حتى لو جاءت الإنتخابات بحكومات عربية أقل تعاونا وصداقة مع الولايات المتحدة.

وفيما يتعلق بآراء الأمريكيين في ما يجب أن يكون عليه التواصل الدبلوماسي الأمريكي مع دول الشرق الأوسط أظهر الإستطلاع أن 64 في المائة من الأمريكيين يرون ضرورة الحفاظ على المستوى الحالي من الإنخراط الدبلوماسي الأمريكي في الشرق الأوسط، وفضّلت نسبة 34 في المائة من الأمريكيين أن تخفّض الولايات المتحدة من تواصلها الدبلوماسي مع المنطقة، بينما طالبت نسبة 14 في المائة من الأمريكيين بزيادة الإنخراط الدبلوماسي الأمريكي في الشرق الأوسط.

هل تعود نظرية صراع الحضارات؟

الدكتور شبلي تلحمي لخّص أيضا آثار موجة الغضب في العالم الإسلامي ضد الولايات المتحدة على آراء الأمريكيين في العرب والمسلمين وفي توصيف العلاقة القائمة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي فقال: “كان الديمقراطيون من الأمريكيين، بالتأكيد أكثر ميلا للقول بأن توتر العلاقات مع العالم الإسلامي يعود بشكل أساسي إلى صراع حول النفوذ السياسي والمصالح من الجمهوريين الذين يميلون أكثر لتفسيره على أنه يعود لاختلاف الديانة والثقافة”.

نسبة الجمهوريين الذين يرون أن هناك صراع حضارات بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي وصلت إلى 56 في المائة مقابل 36 في المائة من الديمقراطيين، بينما أعربت نسبة 53 في المائة من الأمريكيين عن إيمانهم بأنه من الممكن التوصّل إلى أرضية مشتركة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي وساندت أغلبية وصلت إلى 66 في المائة من الأمريكيين أن الحفاظ على علاقات طيبة مع العالم الإسلامي من الأولويات الخمس الأولى الهامة للمصالح القومية الأمريكية.

خيارات التعامل مع إيران وسوريا

الإستطلاع حاول أيضا التعرف على وجهات نظر الأمريكيين في فكرة قيام إسرائيل بشن هجوم إجهاضي ضد المنشآت النووية الإيرانية وما الذي يجب أن يكون عليه موقف الولايات المتحدة من مثل ذلك الهجوم. الدكتور شبلي تلحمي قدّم أبرز نتائج الإستطلاع في هذا الخصوص وقال: “كان من الملفت للنظر أن 15 في المائة فقط ممن استطلعت آراؤهم من الأمريكيين يعتقدون بأنه لو شنت إسرائيل مثل ذلك الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية فستؤخر فرصة حيازة إيران للسلاح النووي لمدة تزيد على خمسة أعوام، ولكن سبعين في المائة من الأمريكيين أعربوا عن اعتقادهم بأنه لو أقدمت إسرائيل على ذلك الهجوم فإن الولايات المتحدة ستتورط في حرب مع إيران التي ستشن هجمات انتقامية على القواعد والقوات الأمريكية في المنطقة. كما أعربت نسبة 86 في المائة عن خشيتهم من أن الهجوم الإسرائيلي لو وقع فسيؤدي إلى ارتفاع هائل في أسعار البترول، كما رأى خمسة وخمسون في المائة من الأمريكيين أن شن هجوم إسرائيلي على البرنامج النووي الإيراني سيُقوّض الوضع العسكري والاستراتيجي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط”.

وفيما يتعلق بخيارات الولايات المتحدة في التعامل مع الصراع الدائر في سوريا منذ أكثر من عام ونصف شرح الدكتور شبلي تلحمي ما يفضله معظم الأمريكيين بالقول: “ساندت نسبة ستين في المائة من الأمريكيون زيادة العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية على سوريا ولكن كان من الملفت للإنتباه أن 59 في المائة من الأمريكيين يساندون كذلك فرض حظر للطيران فوق سوريا وهو ما يظهر فهما متواضعا لحقيقة أن فرض حظر الطيران هو عمل عسكري قد يتصاعد، بينما اقتصرت نسبة الأمريكيين الذين يساندون تزويد المعارضة السورية بالأسلحة عن 22 في المائة”.

من جهة أخرى، أظهر الإستطلاع أن نسبة الأمريكيين الذين يُساندون إرسال قوات أمريكية للتدخل عسكريا في سوريا لم تزد عن 13 في المائة…!

توجّه أوباما أم سيناريو المحافظين الجدد؟

ولمعرفة وجهة نظر المسلمين في أمريكا في نتائج استطلاع آراء الأمريكيين عن العرب والمسلمين، توجهت swissinfo.ch بالسؤال إلى الإمام محمد ماجد، رئيس الجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية وهي أكبر وأقدم المنظمات الإسلامية في الولايات المتحدة الذي قال: “يُظهر الاستطلاع أن أمام المسلمين الكثير من العمل لتجنب تكرار الوقوع في شراك ينصبها أعداء الإسلام لهم عن طريق الإقدام على عمل يثير مشاعرهم الدينية فيستولي عليهم الغضب ثم يقع بعضهم في فخ العنف الذي يريد المُغرضون استخدامه في الترويج لأن الخلاف بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي هو صراع بين حضارتين ولا يمكن إيجاد أرضية مشتركة، ولكن الإستطلاع أظهر أن أكثرية من الأمريكيين تراه صراعا سياسيا وتنافسا على المصالح وأنه يجب العمل على إقامة علاقة طيبة بالعالم الإسلامي خدمة للمصالح الأمريكية، وهو ما حاول الرئيس أوباما عمله منذ خطابه الشهير بجامعة القاهرة”.

الدكتور شبلي تلحمي يتفق مع هذا التحليل إلا أنه يُنبّه إلى أن ثوابت السياسة الأمريكية حالت في كثير من الأحيان دون وفاء أوباما بوعوده التي أعلن عنها في القاهرة.

في مقابل ذلك، يعتقد تلحمي أن الخلاف الأمريكي مع العالم الإسلامي قد يتم استثماره بطريقة سلبية إذا فاز مت رومني بانتخابات الرئاسة القادمة وقال لـ swissinfo.ch: “أغلبية الجمهوريين يروِّجون لفكرة أن الخلاف مع العالم الإسلامي يستند إلى اختلاف الديانة والثقافة، ومن ثم فهو صراع حضارات، ونظرا لأن مستشاري رومني، هم الذين سيصوغون توجهاته إذا أصبح رئيسا، فمن الناحية العملية ستشهد العلاقات الأمريكية مع العالم الإسلامي أزمات بسبب حقيقة أن 17 من بين مستشاريه الأربعة والعشرين، جاؤوا من معسكر المحافظين الجُدد الذين أحاطوا بجورج بوش الابن وأثاروا كل ما عكّر صفْو العلاقات مع العالم الإسلامي” خلال العشرية المنقضية.

دافعت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون عن دعم الولايات المتحدة “للربيع العربي” مؤكدة أنه “ضرورة استراتيجية”، وقالت إن واشنطن لن تتراجع أبدا عن هذا الموقف.

وقالت كلينتون يوم الجمعة 12 أكتوبر 2012 “لن نعود أبدا إلى الخيار الخاطىء بين الحرية والإستقرار. ولن نتراجع عن دعمنا للديموقراطيات الناشئة عندما تتعقد فيها الأمور”. وأضافت أن ذلك سيكون “خطأ استراتيجيا يكلفنا غاليا ويقوّض مصالحنا وقيمنا”.

واستغل الجمهوريون اعتداء الحادي عشر من سبتمبر في بنغازي (شرق ليبيا) حيث قتل السفير الاميركي كريس ستيفنز، لشن حملة شرسة على إدارة الرئيس باراك أوباما التي اتهموها بالإخفاق في حماية الدبلوماسيين وتأمين تغطية لهم.

وقتل في هذا الهجوم أربعة دبلوماسيين بينهم السفير الذي كان أول مُوفد على هذا المستوى يُقتل خلال الخدمة منذ 1979.

وقالت كلينتون في خطاب في مركز الدراسات الإستراتيجية أن “الدبلوماسية بطبيعتها تجري في معظم الأحيان في أماكن خطيرة”. وأضافت الوزيرة الأمريكية أن “رجالنا لا يستطيعون العيش في ملاجىء مُحصّنة تحت الأرض ويقوموا بعملهم”، مشددة على أن “كريس ستيفنز أدرك أن الدبلوماسيين يجب أن يعملوا في عدة أماكن لا وجود للجنود فيها ولا يمكنهم أن يكونوا فيها (…) ولا يمكن ضمان الأمن فيها”.

وتابعت أنها حذرت القادة العرب خلال اجتماع في الدوحة قبل أسابيع من الثورة في مصر التي بدأت في يناير 2011 من أن “أسس المنطقة تغرق في الرمال”. وأضافت “كان من الواضح ان الوضع القائم لا يمكن ان يستمر ورفض التغيير بحد ذاته اصبح تهديدا للإستقرار”.

واكدت كلينتون “لذلك، بالنسبة للولايات المتحدة، دعم عمليات التحول الى الديموقراطية ليس مسألة مثاليات بل ضرورة استراتيجية”.

الا انها رأت ان “تحقيق ديموقراطية حقيقية ونمو على نطاق واسع سيكون عملية صعبة وطويلة”.

وتابعت “ستكون هناك نكسات خلال المسيرة واوقات يتساءل فيها البعض هل يستحق الامر فعلا ذلك. لكن العودة الى الوضع الذي كان قائما في كانون الاول/ديسمبر 2010 ليست فقط غير مرغوب فيها بل مستحيلة”.

وقالت وزيرة الخارجية الأمريكية ان الهجوم الذي وقع في شهر سبتمبر الماضي في بنغازي “كشف تصاعدا للتطرف يهدد هذه الشعوب والمنطقة والولايات المتحدة”.

واضافت “لكننا في المقابل شهدنا امورا كان من الصعب تصورها قبل سنوات، اي قادة منتخبين ديموقراطيا وشعوب حرة في دول عربية تقف من اجل مستقبل يعمّه السلام وتعددي”.

وتابعت كلينتون “ما زال من المبكر جدا التكهن بما ستنتهي اليه عمليات الإنتقال الى الديموقراطية. لكن ما لا شك فيه هو انه سيكون لأمريكا حصة كبيرة في ما سيأتي”.

وقالت إن الولايات المتحدة حركت مليار دولار منذ بدء الثورات وطلبت من الكونغرس 770 مليونا إضافية مرتبطة بالتقدم الذي يتحقق في الإصلاحات السياسية والإقتصادية.

وأكدت كلينتون انه بعد اسقاط عدد من القادة المستبدين، تتغير الوقائع على الارض. وقالت “اليوم هذه العمليات الإنتقالية تدخل مرحلة يفترض أن تتسم بالتصالح أكثر من المواجهة، بالسياسة اكثر من الإحتجاج”.

وأكدت وزيرة الخارجية الأمريكية أنها “مقتنعة بأن شعوب العالم العربي لم تستبدل استبداد ديكتاتور باستبداد الجماهير”.

واضافت ان الولايات المتحدة تعمل على مساعدة الديموقراطيات الجديدة بثلاث طرق هي “استخدام كل الوسائل التي نملكها لمساعدة شركائنا في المغرب (العربي) على مكافحة الارهاب” وادخال اصلاحات اقتصادية وتعزيز الديموقراطية.

وتابعت أن واشنطن تساعد الشعوب في منطقة المغرب العربي على إزالة الحواجز التجارية وإحداث وظائف واسواق. وأضافت أن “شمال إفريقيا اليوم هو أقل منطقة تكاملا في العالم. الأمر يجب ألا يكون كذلك. فتح الحدود بين المغرب والجزائر سيكون خطوة مهمة في هذا الإتجاه”.

وكان الرئيس الأمريكي باراك اوباما أكد في خطاب امام الجمعية العامة للامم المتحدة نهاية سبتمبر الماضي، أنه متفائل بالثورات غير المسبوقة التي أزاحت في 2011 عددا من زعماء العالم العربي. واعتبر أن “الربيع العربي” يشكل “تقدما”.

(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ ف ب بتاريخ 13 أكتوبر 2012)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية