مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

رؤيتان متناقضتان للإنتخابات في العراق

بلغت نسبة الإقبال على التصويت (حسب تصريحات مسؤولي المفوضية العليا المستقلة للإنتخابات في العراق) حوالي 60% من إجمالي عدد الناخبين المسجلين Keystone

كيف ينظر العراقيون المقيمون في سويسرا إلى أول انتخابات تعددية تجري في العراق منذ نحو نصف قرن، ولكن في ظل احتلال أجنبي خارجي؟

سويس إنفو طرحت هذا السؤال على شخصيتين عراقيتين معروفتين في سويسرا، وخرجت بحصيلة متناقضة في رؤاها، وإن اتفقت على ثوابت معينة.

اتفقا على أن انتخابات الثلاثين من يناير كانت هزيمة للإرهاب، وأن إنهاء الاحتلال واجب، لكنهما اختلفا في وجهات نظرهما تجاه كل ما عدا ذلك.. وفي اختلافهما كانت مواقفهما واضحة، كلٌ يؤمن بها عن قناعة وإيمان، وكلٌ يعبر عنها بقوة واقتناع وإلحاح.

هما، الشاعر العراقي على الشلاه، ورئيس المركز الثقافي العربي السويسري الذي مقره زيورخ، والكاتب العراقي علاء اللامي المقيم في جنيف.

سويس إنفو أجرت معهما الحوار التالي في اليوم الموالي لانتخابات العراق، وفيما يلي نص الحوار.

سويس إنفو: ما تقييمك لما حدث يوم الثلاثين من يناير في العراق؟

على الشلاه: أنا اعتقد أنه يوم تأسيس الجمهورية العراقية الحقيقي. أعتقد أن ما حصل كان أفضل من المتوقع بكثير، نسبة المشاركة كانت عالية جداً، نسبة المقاطعة كانت منخفضة، والمثقفون السنة اشتركوا، الإسلاميون السنة قاطعوا، وأنا لست حزيناً على من قاطع لأن هذه هي الديمقراطية وعلينا أن نحترم رأيهم، وأن لا نجبرهم على المشاركة كما حاول البعض أن يفعل.

علاء اللامي: يوم الثلاثين من يناير كان وقفة حاسمة بالدرجة الأولى ضد الإرهاب، الإرهاب السلفي، الذي أستهدف الأبرياء، ولكنه لشديد الأسف من الناحية الانتخابية كان نكسة كبيرة حيث استثمرت سلطات الاحتلال وحلفاء سلطات الاحتلال، استثمروا رغبة وتوق العراقيين إلى الديمقراطية الحقيقية، ولهذا فهي مناسبة مزدوجة: الأول منها أنها أفرزت وقفة قوية ضد الإرهاب وتحديا وشجاعة خارقة لدى جمهور الناخبين. وثانياً، هي أفرزت واقع تقسيم فعلي على الأرض بين أقلية وأغلبية هنا، وأغلبية هناك.

سويس إنفو: كيف تفسر حجم الإقبال على التصويت؟

علي الشلاه: أعتقد أن الناس تلقوا الرسالة بشكل مضبوط. الرسالة كانت كالتالي: إذا ذهبتم إلى الانتخابات سنبيدكم عندها. الناس استلموا الرسالة بشكل مختلف. استلموا الرسالة أنكم أرُهبتم في زمن صدام لتنتخبوا شخصاً واحداً لا شريك له، واليوم نريد أن نمنعكم من أن تنتخبوا أي أحد، ولذلك قرروا أن ينتخبوا، والأعمال الإرهابية أدت إلى نتيجة معكوسة، إذ تعمق الشعور لدى الناس بأن هذه الأعمال تريد أن تقضي على العراق ولا تحمل مشروعاً وطنيا.

علاء اللامي: كما قلت قبل قليل. حجم الإقبال هذا هو مبالغ فيه كثيراً لأن جموع المسجلين ثمانية ملايين، أما الذين يحق لهم التصويت فهو 14 مليون، ومن هذه الثمانية ملايين قيل بأن الذين صوتوا وصلت نسبتهم إلى 72%. مع ذلك، تبقى نسبة ال 72% من الثمانية ملايين هي نسبة عالية، وأنا توقعت في حديث قبل فترة لإحدى الفضائيات، توقعت إقبالا واسعا في بعض المناطق، وإحجاما ومقاطعة واسعة في مناطق أخرى. هذا أمر مؤسف حقيقة ولكن هذا يفسر من ناحية ثانية كما قلت شوق العراقيين وتوق العراقيين إلى ديمقراطية حقيقية بعد ظلم نظام صدام، الذي استمر زهاء ثلاثين سنة كانت مليئة بالعذابات والسجون والإرهاب والقمع وتكميم الحريات.

مقاطعة أقلية مهمة في العراق للانتخابات هل تضعف من مصداقيتها؟ وهل ستضعف من مصداقية ما سيترتب عليها؟

علي الشلاه: هناك سوء فهم سائد في الإعلام عن هذه المقاطعة. الذين قاطعوا ليسوا السنة، الذين قاطعوا هم الحركيون السنة، هؤلاء هم موظفو أوقاف صدام السابقون، ومتحالفون مع الإسلاميون من وراء الحدود. هم الذين قاطعوا، أما عامة الناس كلهم كانوا يريدون المشاركة، المثقفون السنة عبر عدة قوائم شاركوا.

كيف يمكن أن نقول أن السنة قاطعوا، وهناك رئيس الجمهورية سني ولديه قائمة، عدنان الباجه جي سني ولديه قائمة، نصير الجادرجي سني ولديه قائمة، إضافة إلى السنة المنتشرين في قوائم الحزب الشيوعي العراقي والائتلاف الوطني، والأكراد، الأكراد في غالبيتهم العظمى سنة. لكن هناك من يريد تصوير الأمر كأن هناك المسألة مسألة طائفية.

أنا أعتقد أن المنشورات التي وزعت في أحياء بغداد، والتي تقول إنهم يقاطعون هذه الانتخابات لأنها تساوي بين المرأة والرجل، وبين المسلم والمسيحي، وبين السني و”الرافضي”، هذا هو المنطق، منطق الماضي الذي يجب أن يغادر، وهؤلاء إذا لم يشاركوا، فأعتقد أن الذي يستجيب لهذه الدعوات البدائية المتخلفة هو غير المأسوف عليه في العملية الديمقراطية، لأن الديمقراطية بالنسبة له تحد خارجي كبير وهو لا يستطيع أن يمارسها، والذين قاطعوا هم الذين كانوا واثقين من أن صناديق الاقتراع لن تجلب لهم حظوظاً وافرة.

علاء اللامي: هذه الانتخابات فاقدة المصداقية أصلاً لأنها أولا أجريت في ظل الاحتلال، في ظل وجود 150 ألف جندي معززين بأحدث الأسلحة، ثانياً هي جرت من قبل هيئة مجهولة، ما يسمى بالمفوضية العليا المستقلة هي هيئة مجهولة لا أحد يعرف منها أحد سوى شخص واحد هو السيد فريد أيار رئيسها، ثم لم يكن هناك مراقبون دوليون تماماً، هذا ما يفقد الانتخابات الكثير من المصداقية، ولكنها مع ذلك تظل علامة على طريق الشعب العراقي نحو ديمقراطية حقيقية، أعتقد أنه بزوال الاحتلال سوف يستطيع العراقيون بناء ديمقراطيتهم التي تتناسب مع بيئتهم الاجتماعية.

سويس إنفو: هل تعتقد أن الانتخابات بالشكل الذي تمت به ستفتح مجالاً لمصالحة وطنية شاملة؟

علي الشلاه: أنا لا أعتقد أن هناك مشكلة بين أطراف المجتمع العراقي لكي تتم مصالحة، أنا أعتقد هناك مشكلة بين بعض أزلام النظام السابق من كل الجهات، وهؤلاء مشكلتهم ليست مع الشعب العراقي وليست مع المكون الرئيسي مثلا الشيعة والأكراد أو السنة العرب، وإنما مشكلتهم الأساس مع القضاء العراقي، والذي يريد أن يقيم مصالحة على حساب العدالة، هذه مسألة مرفوضة. لأن هذه ستعني أن في غفلة ما من الزمن سيظهر ديكتاتور أخر يقفز على دبابة أو قد يقفز على حصان، لا أدري، ليتولى السلطة مرة أخرى.

أنا مع العدالة ومع ثقافة التسامح، لكني لست مع تكريم القتلة والمجرمين بحجة المصالحة الوطنية، المصالحة تتم بين مختلفين، لا توجد طوائف عراقية مختلفة، توجد مشاكل بين الأفراد والقضاء العراقي، ويجب أن تُحل من خلال القضاء وبإشاعة ثقافة التسامح، مرة أخرى، ثقافة التسامح ليست بين السنة والشيعة وبين العرب والأكراد، حتى بين السنة والسنة وبين الشيعة والشيعة وبين الأكراد والأكراد، إنها ثقافة عامة تعني أن البلد يتعايش بكل مكوناته مسلمة ومسيحية، عربية وكردية وتركمانية وأقليات أخرى، ثقافة التسامح للجميع وليست مصالحة بين أطراف.

علاء اللامي: على الإطلاق، هي عززت الانقسام المجتمعي القائم أصلا، وكرست ورسخت مفهوم الغالب والمغلوب، وكان الأحرى بالقوى السياسية التي تحالفت مع الاحتلال أن تتجنب هذا الطريق، يعني الآن أصبح العداء أكثر، الاستقطاب الطائفي بين شيعة وسنة أصبح أقوى من السابق، العداء الشوفيني أو القائم على الأساس القومي بين عرب وأكراد أصبح أكبر من السابق، أصبحت حتى بعض المدن مقسمة، مدينة كركوك مقسمة، مدينة الموصل مقسمة، بغداد مقسمة إلى أحياء، قسم مع الانتخابات وقسم ضد الانتخابات، وهذا لا يعزز على الإطلاق المصالحة الوطنية، المصالحة الوطنية تأتي قبل الانتخابات وليس بعدها.

سويس إنفو: هل تعتقد أن إجراء الانتخابات سيسرع بخروج الاحتلال أم أنه سيطيل من أمده؟

علي الشلاه: إنه الوسيلة الوحيدة لإخراج الاحتلال، لا أدري من سيتفاوض على إخراج المحتل؟ أليست الحكومة المنتخبة؟ من يمتلك شرعية أن يتحدث باسم الشعب العراقي إلا الأشخاص القادمون عبر صناديق الاقتراع. قد لا تكون هذه الانتخابات هي المأمول مائة بالمائة، لكنها وعلى مسئوليتي الشخصية أفضل انتخابات جرت في أكثر البلدان العربية وأتمنى أن تحترم نتائجها وأن لا يجري في العراق مثل ما حصل في الجزائر، نتمنى أن تحترم النتائج أيا كانت، لأن هذه بداية الديمقراطية، وعلينا جميعاً أن نقبل بها، وأنا أول الذين سيقبلون، حتى لو كان الأشخاص المثقفون الأكاديميون والعلمانيون الذين دعوت لهم سيخسرون.

علاء اللامي: أعتقد أن الاحتلال سيزول في يوم ما، تتحكم بزوال الاحتلال جملة من الظروف ولا أعتقد أن هذه الانتخابات ستؤثر لأن الجميع متفقون الآن، يعني الذين ساهموا في الانتخابات متفقون ضمناً على بقاء الاحتلال، لكن اشتداد الصراع بين الرافضين للاحتلال وبين المحتلين، وتعقد وبروز مشاكل جديدة حتى بين الأحزاب الفائزة والأحزاب الخاسرة، جملة المشاكل ستضعضع وتضعف الاحتلال وبالتالي ستدفع به ربما إلى الانسحاب.

أجرت الحوار: إلهام مانع – سويس انفو

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية