مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

ربيع الثورات العربية يُـثير المخاوف في صفوف النُّـخبة الإسرائيلية

5 يونيو 2011: متظاهرون سوريون وفلسطينيون يحملون جريحا أصيب برصاص الجنود الإسرائيليين قرب مدينة القنيطرة في سياق احتجاجات على استمرار الإحتلال الإسرائيلي لمرتفعات الجولان. Keystone

قبل أسابيع قليلة، حاول رئيس الوزراء الإسرائيلي التقليل من شأن ربيع الثورات العربية، بإصراره أمام الكونغرس الأمريكي مؤخرا على طرح السلام على الفلسطينيين بالشروط الإسرائيلية.

وقد توجه نتنياهو بالخطاب إلى النواب الأمريكيين في واشنطن وكأن شيئا لم يحدث في المنطقة على مدى الأشهر الستة المنقضية ومتجاهلا أن الثورات العربية هـزت بعدُ الأسس التي يقوم عليها سلام إسرائيل الهَـش الذي أقامته مع حكام مُـوالين للولايات المتحدة، وليس مع شعوبهم.

وسعيا منه لإلقاء نظرة أعمق على صدى الثورات العربية لدى النخبة الإسرائيلية، استضاف مركز الحوار العربي في منطقة واشنطن الكبرى خبيريْـن فلسطينيين يعمَـلان في جامعة حَـيْـفا، هما الدكتور أسعد غانم، أستاذ العلوم السياسية والدكتور نهاد علي، أستاذ علم الإجتماع لتقييم ردّ الفعل الحقيقي داخل النخبة والمجتمع الإسرائيليين.

إعادة ترتيب الأوراق

وفي بداية الندوة، أوضح الدكتور أسعد غانم أن الإسرائيليين بشكْـل عام والنخبة الإسرائيلية بشكل خاص، يُـدركون أن ثورات الربيع العربي ستتمخَّـض عن أوضاع غيْـر مُـواتية ستتطلب إعادة ترتيب الأوراق الإسرائيلية، في ظلِّ انتهاء عهْـد الإعتماد على حكَّـام عرب، لتسهيل حصول إسرائيل على وضْـع إستراتيجي متميِّـز، وتتمنَّـى النُّـخب الإسرائيلية أن لا تنجَـح الثورات العربية، خاصة في مصر، في التحوُّل السِّـلمي إلى الديمقراطية، لأن نجاح التحوُّل الديمقراطي، سيقتَـضي أن يعبِّـر النظام الجديد عن شعبه.

ولا يخفى على النُّـخبة الإسرائيلية أن الشارع العربي، سواء في مصر أو سوريا أو اليمن أو الجزائر أو في أي بلد عربي مناصر لحقوق الفلسطينيين ومعادٍ لتعنُّـت إسرائيل ومواصلتها حِـرمان الشعب الفلسطيني، من حقه في إقامة دولته المستقلة على أرضه. وفي هذا السياق، قال الدكتور أسعد غانم: “تخشى النُّـخبة الإسرائيلية من أن السنوات القادمة ستشهَـد إجبارا من الجماهير العربية للنُّـخب الحاكمة في الأنظمة العربية الجديدة، التي ستتمخَّـض عنها عملية التحوّل الديمقراطي بعد الثورة، على اتِّـخاذ مواقف حاسِـمة لمُـناصرة حقوق الشعب الفلسطيني واتِّـخاذ مواقف أكثر تشدُّدا إزاء المُمارسات الإسرائيلية والدَّعم الأمريكي لها”.

على العكس من ذلك، اختلف الدكتور نهاد علي، أستاذ عِـلم الاجتماع بجامعة حَـيْـفا، مع هذا التحليل وأعرب عن اعتقاده بأن النُّـخبة الإسرائيلية لم تتفهَّـم بعدُ حقيقة ما يُـمكن أن تتركه ثورات الربيع العربي من تغيُّـرات إستراتيجية، رغم مسارعة اليساريِّـين الإسرائيليين إلى تنبيه النُّـخبة الحاكمة في إسرائيل، إلى ضرورة استخدام التحوّل نحو الديمقراطية في العالم العربي في الدخول في سلام حقيقي على أساس حلّ الدولتيْـن، وقال الدكتور نهاد علي: “أجريْـت بحثا عِـلميا لقِـياس صدى الثورات العربية على النُّـخب الإسرائيلية، وفوجِـئت بأن الغالبية العُـظمى من تلك النخب لا زالت تعيش وهْـم أن ما كان في الماضي، هو ما سيكون في المستقبل وتُـراهن على أن ثورات الربيع العربي، لن تنجح في التحوُّل نحو الديمقراطية”.

ومع ذلك، يرى الدكتور نهاد علي أن الهروب من مواجهة الحقيقة، يعود إلى خوْف النُّـخب الإسرائيلية من  تغيّـر وزْن الشارع العربي في توجيه القرار العربي الرّسمي وبروز حقيقة أن الولايات المتحدة يُـمكن أن تتخلَّـى عن أقرب حلفائها في العالم العربي، تحت الضغط الشعبي العربي. كما أن نجاح التحول الديمقراطي، سيحرم إسرائيل من التذرُّع بحجَّـة أنها “الديمقراطية الوحيدة” في الشرق الأوسط.

كامب ديفيد على المحك

وشرح الدكتور أسعد غانم، أستاذ العلوم السياسية بجامعة حيفا، كيْـف أن أكبر مخاوِف النُّـخبة الإسرائيلية حاليا، هو أن تُـسفر الانتخابات في مصر عن صعود قوى سياسية لا ترغب في الإلتزام بمعاهدة كامب ديفيد كما هي، وأن تُـحاول إعادة النظر في الشروط المجحفة بحق مصر أو تراجع مدى الالتزام المتبادل، خاصة مع ظهور مؤشِّـرات أوَّلِـية لتغيَّـرات غيْـر مواتية في سياسة مصر الخارجية بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، تمثلت في الانفتاح على الفلسطينيين واحتِـضان جهود المصالحة الفلسطينية وفتح المعابِـر وإنهاء الحصار على غزّة، بالإضافة إلى المطالب المتصاعدة بإعادة التفاوض حول تصدير الغاز الطبيعي لإسرائيل.

ويتفق الدكتور نهاد علي مع هذا الطرح ويقول: “تشعر النخبة الإسرائيلية بقلَـق عميق من سلسلة التغيُّـرات في السياسة الخارجية المصرية بعد إسقاط نظام مبارك، الذي كان يوصَـف بأنه كنْـز إستراتيجي لإسرائيل، ولذلك تُـركِّـز تلك النخب على التردُّد على العواصم الأوروبية وعلى واشنطن، للحصول على تطمينات بأن الغرب سيسعى لدى مصر ما بعد الثورة للإبقاء على التِـزامها بمُـعاهدة كامب ديفيد مع إسرائيل، وبما أن المجلس العسكري الحاكم كان الوحيد الذي أكَّـد مثل ذلك الالتزام، فإن النخبة الإسرائيلية تفضِّـل استمرار حُـكم المجلس العسكري، لخِـشيتها ممَّـا يُـمكن أن تأتي به صناديق الاقتراع بحلول نهاية العام الحالي”.

هل يتعلم الإسرائيليون درْس الربيع العربي؟

طرحت swissinfo.ch السؤال على الخبيريْـن الفلسطينيين فقال الدكتور أسعد غانم: “للأسف، لم يتعلَّـم الإسرائيليون الدَّرس ولم يستوعِـبوا حتى الآن ما تعنِـيه ثورات الربيع العربي من النواحي الإستراتيجية، وظلُّـوا عازفين عن طرح أي تصوُّر واقعي لتسوية الصراع مع الفلسطينيين، مما سيزيد تعقيد الوضع الإستراتيجي لإسرائيل وتُـصبح عُـرضة للتَّـهديد، ليس بسبب التحوُّلات الديمقراطية في العالم العربي، وإنما بسبب الإصرار على تجاهُـل تغيُّـر الواقِـع المُـحيط بإسرائيل والإصرار على مُـواصلة سياساتها القديمة.”

ويرى الدكتور أسعد غانم، أن الثورات العربية ستُـعزِّز مفهوم النِّـضال الشعبي الفلسطيني، ليتحوَّل إلى شكل من أشكال النضال غيْـر المسلَّـح وغيْـر العنيف، للخروج بالقضية الفلسطينية من النَّـفق المُـظلم وإجبار إسرائيل على التعامل المُـنصف مع مظالم ما حدث في عام 1948 ووقْـف ممارسات هدْم البيوت ومصادرة الأراضي الفلسطينية.

وخلُص الدكتور غانم إلى أن الدَّرس الذي سيستفيد الفلسطينيون منه في أعقاب ثورات الربيع العربي، هو كسْـر حاجِـز الخوف من العُـنف الإسرائيلي وضرورة أن تكون القيادة الفلسطينية ممثَّـلة لكل الشعب الفلسطيني وأن تُـنتَـخب بشكل ديمقراطي.

أما الدكتور نهاد علي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة حيفا فقال: “إن النخب الإسرائيلية لا زالت تعتقِـد بأنه سيكون بإمكان نظام بشار الأسد قمْـع الانتفاضة الشعبية السورية وسيكون بإمكان نظام العقيد القذافي الحفاظ على بقائه في السلطة في ليبيا” وأضاف أنه “لا يوجد إسرائيلي واحد يُـساند إسقاط النظام السوري، رغم القمع الوحشي للشعب السوري. فالنخبة الإسرائيلية تُـدرك أن وصول حكومات مُـنتخَـبة إلى الحُـكم في مصر وسوريا وفي العالم العربي ككل، سيكون في غيْـر صالح إسرائيل. لذلك، تحلُـم النخب الإسرائيلية بأفُـول الربيع العربي، دون أن يسفر عن تحوّلات ديمقراطية حقيقية، خاصة في دمشق والقاهرة، لكي تواصل إسرائيل طرْح تصوُّراتها الخاصة بالسلام على الطريقة الإسرائيلية”.

أما بالنسبة لتأثير ثورات الربيع العربي على مفهوم النضال الفلسطيني، خاصة لدى حركة حماس في ضوء المصالحة الفلسطينية التي طال انتظارها وكانت من أولى ثمراتها، فيرى الدكتور نهاد علي أنه من خلال دراساته للحركات الإسلامية الفلسطينية، يمكنه التأكيد على أن حركة حماس لن تقبل مُـطلَـقا بالشروط التي قبلت بها حركة فتح، لأن أرض فلسطين بالنسبة لحماس، هي أرض وقْـف إسلامي لا يجوز التصرُّف في أي جزء منها، وبالتالي، يدرك اليمين الإسرائيلي أن رُسوخ الفِـكر الأيديولوجي الإسلامي لدى أنصار حركة حماس، يُـسفر عن قناعة لا تتزعْـزَع بأن إسرائيل ستظل جِـسما غريبا مزروعا بالقوة في الجَـسد الفلسطيني، وأن مقاومته لابد أن تستمِـر، وشجَّـع حركة حماس على ذلك صمود حزب الله في حرب عام 2006 ضد كل ما أمكن لإسرائيل استخدامه من تِـرسانتها المدجَّـجة بالسلاح والتكنولوجيا.

وذهب الدكتور نهاد علي إلى أن “الثورات الشعبية العربية في مصر وتونس واليمن وسوريا وليبيا، عززت مفهوم النضال لدى الفلسطينيين، خاصة حركة حماس التي باتت تعتقِـد بأن الصمود والنِّـضال، سيُـسفران في نهاية المطاف، عن تقصير عُـمر دولة إسرائيل”.

توقَّـع وزير الدفاع الإسرائيلي ايهود باراك الاثنين 6 يونيو، سقوط الرئيس السوري بشار الأسد، الذي اتهمه بتشجيع الاضطرابات على الحدود الإسرائيلية السورية، لتحويل الانتباه عن مشاكله الداخلية.

وصرّح باراك للإذاعة العامة “أعتقد أنه سيسقط. لقد فقد شرعيته، ربما لا زال قادرا على المحافظة على استقراره لستة أو تسعة أشهر أخرى، ولكنه سيضعف كثيرا”. وأضاف “إذا توقف عن استخدام العنف اليوم، فسيُـنظر إليه على أنه ضعيف وستتم الإطاحة به. وإذا ما استمر، فإن القتل سيزداد وستبدأ التصدعات في الظهور بما في ذلك في صفوف الجيش”.

وأكد أن “مصيره قد تحدّد بالفعل، واعتقد أن مصير (علي عبد الله) صالح في اليمن و(معمر) القذافي في ليبيا قد تحدد كذلك”. وقال أيضا “قد يكون السوريون هم الذين يشجعون (الاحتجاجات على الحدود) ربما كانوا يعتقدون أنها تحول الانتباه”. وأضاف “ليس أمامنا خيار، علينا أن ندافع عن حدودنا، وبرأيي فإن الأسد سيسقط في النهاية”.

وقال باراك، إن إسرائيل ستواصل الدفاع عن حدودها وإن الأسد لن يتمكن من استغلال المواجهات على الحدود لتجنب تبِـعات الحركة الاحتجاجية الواسعة التي تهز سوريا.

وذكر التلفزيون السوري الحكومي أن 23 شخصا قتلوا كما أصيب 350 آخرين برصاص الجنود الإسرائيليين.

من ناحيته، تحدث رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو باللهجة نفسها في كلمة أمام الكتلة البرلمانية لحزب الليكود الذي يتزعمه. وقال “مع الأسف، لم تقم سوريا بكل ما يمكنها القيام به لمنع هذا التحريض وسمحت لهم بالنهاية بالوصول إلى الحدود”، في إشارة إلى المتظاهرين الذين حاولوا اجتياز خط وقف إطلاق النار عام 1974 الذي يفصل القسم المحتل من هضبة الجولان والقسم السوري منها.

وأضاف “ربما يكون الأمر متعلقا بمحاولة تحويل الأنظار الدولية عن مجازر المدنيين التي تُـرتكب في المدن السورية”.

وبرر نتانياهو إطلاق الجيش الإسرائيلي النار على المتظاهرين، معتبرا أن “جيش الدفاع الإسرائيلي تحرك طِـبقا للقانون الدولي بالدفاع عن الحدود”، مشيرا إلى أنه تم مسبقا تحذير الدول العربية المجاورة لإسرائيل للسهر على “سلامة أراضيها”.

وأشار الجيش الإسرائيلي إلى أن عشرة متظاهرين قتلوا فقط عندما انفجرت ألغام سورية في القنيطرة، بسبب قنابل حارقة ألقاها المتظاهرون.

(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ.ف.ب بتاريخ 6 يونيو 2011)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية