مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

انخراط خليجي مُـتزايِـد في جهود مكافحة الفساد

بعد أن وُجدت الهياكل والمباني والتشريعات في معظم الدول العربية، ينتظر الجمهور بفارغ الصبر التفعيل الحقيقي لآليات مكافحة الفساد ميدانيا. Null

مع تزايُـد مفاعيل العوْلمة التي قرّبت بين البلدان والمجتمعات، وفي ظلِّ تبلْـور نخَـب جديدة في بلدان الخليج باتت تتناقل أفكار الحوْكمة والشفافية، حدثت سابِقة ذات دلالات سياسية وثقافية، تمثلت في استضافة الكويت يوم 19 ديسمبر 2013 أول اجتماع لرؤساء هيئات مكافحة الفساد في مجلس التعاون الخليجي، لدرس إبرام اتفاقية خليجية تخُـصّ مكافحة الفساد والإنضمام إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، على غرار الإتحاد الأوروبي. لكن لا يُعرف مدى انعكاس التطورات الأخيرة التي قادت إلى قرار السعودية والبحرين والإمارات سحب سفرائها من قطر في تعطيل ذلك التعاون.

الإجتماع استمر يومين وترأَّسه المستشار عبد الرحمان النمش، رئيس الهيئة العامة لمكافحة الفساد في الكويت، وكان الهدف منه رسميا “بناء كيان خليجي متكامِل لمكافحة الفساد ومنْعه”، بما في ذلك سَنّ مشروع قانون مُـوحَّد في هذا الشأن، بالإضافة إلى التعاون والتنسيق والتشاوُر وتبادُل المعلومات بين الأجهزة المسؤولة عن حماية النّـزاهة ومكافحة الفساد.

وقال النمش لـ swissinfo.ch، إن الاجتماع كان “لبنة في سِياق جهود الحكومات في دول الخليج لتوحيد الرُّؤى وتبادُل الخِبرات في مجال تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد”. وأوضح أن الإجتماع بحث أيضا “وضْع نظام متكامِل يكفُـل تبادُل الخِبرات والتجارب بين هيئات وأجهزة مكافحة الفساد بدُول المجلس، وإنشاء لجنة تنسيقية دائمة بين هيئات وأجهزة مكافحة الفساد بالدول الخليجية، تكون مهمّتها، توحيد الرُّؤى والآراء فيما يخصّ القضايا الخليجية والعربية والدولية، ذات العلاقة بموضوعات النّزاهة والشفافية ومكافحة الفساد”.

حازت نحو 84% من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، المشمولة بمؤشِّر مدركات الفساد الذي تُعده دوريا منظمة الشفافية الدولية، على درجة أقل من 50 من أصل 100 (الدرجة 100 تعني انطباعا بانعِدام الفساد في القطاع العام)، وأفضلها الإمارات وأسوأها السودان.

هذه النتائج تعني أنها ثالث أسوَأ مِنطقة في العالم، من حيث انطباعات الفساد، بعد أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى اللّتين احتلّت نحو 95% من دولهما رُتبةً أقلّ من الدرجة 50، وجنوب الصحراء الإفريقية التي جاء 90% من دولها في درجة أقلّ من 50.

في المقابل، أتت منطقة الإتحاد الأوروبي وأوروبا الغربية في الرُّتبة الأولى عالميا، من حيث ضعف الإنطباعات عن الفساد، إذ أحرزت أكثر من ثلاثة أرباع دولها درجات تفُوق 50، كدلالة على قلّة الفساد.

انخراط خليجي

اللاّفت هذه المرة، أن الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي، التي تتّخذ من الرِّياض مقرّا لها، لم تَـر غضاضة في عقْد هذا الإجتماع، الذي لم يكن الْـتِئامه مُمكنا قبل عشر سنوات من الآن، بل شجّعت على انضمام مجلس التعاون، بصِفته منظمة إقليمية، إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، على غرار الإتحاد الأوروبي، وحثَّـت على لسان الأمين العام لمجلس التعاون عبد اللطيف الزياني، الذي حضر الإجتماع، دُول المجلس على الإنضمام لاتِّـفاق إنشاء الأكاديمية الدولية لمكافحة الفساد، بصِفتها منظمة دولية.

في الأثناء، لم يكن غريبا أن تستضيف الكويت هذا الإجتماع الأول من نوعه، إذ أنها تعهّدت بالوفاء بالْـتِزاماتها تُجاه اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، في أعقاب سّنِّ مرسوم تشكيل الهيئة العامة لمكافحة الفساد. وفي هذا السياق، أوضح النمش أن ذاك المرسوم يهدِف إلى “تحقيق مجموعة من الأهداف الوطنية والدولية، التي تتناسق في مُجمَلها وبشكل كبير مع أحكام اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد”. وأكّد أن الهيئة تعكف على إعداد الصِّيغة النهائية لمشروع اللائحة التنفيذية المُفصّلة والمكمّلة لأحْكام المرسوم.

ويرمي المرسوم أيضا إلى إخضاع كلٍّ من رئيس وأعضاء المجلس الأعلى للقضاء والقُضاة وأعضاء النيابة العامة ورئيس وأعضاء إدارة الفتوى والتشريع والمدير العام وأعضاء الإدارة العامة، للتحقيقات في وزارة الداخلية لأحْكام مكافحة الفساد والكشْف عن الذمّة المالية.

وبحسب النمش، تسعى الكويت لتوسيع نِطاق سَرَيان أحْكام مكافحة الفساد والكشْف عن الذمّة المالية لحماية جميع مؤسسات الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية والعسكرية. وأكّد أهمية دور وسائل الإعلام المختلفة، بالمساهمة في الجهود الوطنية الرّامية إلى منْع الفساد ومكافحة جميع صُوره وأشكاله، مشيرا إلى الدّور التَّـوْعَـوي الذي يلعبه الإعلام للوِقاية المُسبقة من الفساد.

يجدر التذكير هنا، بأن البرلمان المُنبثِـق من الإنتخابات النيابية الأخيرة في الكويت، وضع في مقدِّمة أولوياته “مكافحة الفساد بأشكالِه المختلفة واستقلالية القضاء”، وهو الشِّعار الذي كانت رفَعَته “الأغلبية المعارضة” في المجلس خلال حملتها الإنتخابية. وفي السّنة الماضية، قال عبد الله الدوسري، النائب الأول لرئيس مجلس النواب الكويتي، إن المنظمة العالمية “برلمانيون ضد الفساد”، اتفقت على إيجاد ميثاق شرف للبرلمانيين لمكافحة الفساد، مع تعزيز دور المجالس النيابية وتشجيع مؤسسات المجتمع المدني على أداء دوْرها لحماية المال العام.

وفي هذا السياق، أفاد الدوسري أن البرلمانيين المشاركين في المؤتمر الأخير لـ “برلمانيون ضد الفساد”، تعهَّـدوا بالعمل على تأسيس آليات محلية لتنفيذ اتفاقية مكافحة الفساد وسَنِّ تشريعات من أجل تكْريس التعاون بين الدول في مكافحة الفساد وغسيل الأموال وإشراك المرأة والمجتمع المدني في أعمال مكافحة الفساد. وبحسب الدوسري، شارك أكثر من 500 شخصية برلمانية من 67 بلدا في مؤتمر “برلمانيون ضد الفساد”، الذي استضافته الفيليبين.   

مع ذلك، استمر تراجُع الكويت بثلاث نِقاط في “مؤشِّر مُدركات الفساد” لعام 2013، الذي تصدره سنويا “منظمة الشفافية الدولية”، ويشمل 177 بلدا، إذ احتلت المرتبة 69 عالميا، وهي الأخيرة بين دول مجلس التعاون الخليجي. وكانت الكويت تبوّأت المرتبة 35 عند دخولها لأول مرة إلى المؤشر في عام 2003، وهي مرتبة مُساوية لإيطاليا آنذاك على سبيل المثال.

أما عن باقي الدول الخليجية، فاحتلت الإمارات المتحدة الرُّتبة 26 عالميا والأولى خليجيا، وأتت قطر في الرُّتبة 28 عالميا والثانية خليجيا، وحلّت البحرين في موقعٍ بعيدٍ نِسبيا، إذ احتلت المرتبة 57 عالميا والثالثة خليجيا. في المقابل، أتت سلطنة عُمان في المرتبة 61 عالميا والرابعة خليجيا، تلتها السعودية التي حلّت في الرُّتبة 63 عالميا وقبل الأخيرة (قبل الكويت) خليجيا.

وفي حدث نادِر، قضت محكمة عُمانية يوم 16 فبراير 2014 بسِجن مسؤولين سابقين في الحكومة لمدة ثلاث سنوات في قضية فساد، إضافة إلى واحد وعشرين مُـتَّهما آخرين صدَرت في حقِّهم أحكام بالسِّجن لمدة عام واحد. وقالت وسائل إعلام حكومية في عُمان، إن المسؤوليْن الحكومييْن أُدِينا بتُهمة “إساءة استِخدام سلطاتِهما”، موضِّحة أن المحاكمة تندرِج في إطار سلسلة من المحاكمات، بدأت العام الماضي للحدِّ من الفساد في السلطنة. وكشفت النِّقاب عن أن أحد المسؤولين المُدانِين كان وكيلا لوزارة الإسكان، والثاني هو أمين عام اللجنة العُليا لتخطيط المُدن، التي تمّ إلغاؤها وحلّت محلّها هيئة جديدة.

غير أن تعثر التعاون الخليجي مثلما عكسته الأزمة الديبلوماسية الراهنة بين قطر من جهة والسعودية والإمارات والبحرين من جهة ثانية قد يُلقي بظلاله على مجالات التعاون الإقليمي وربما يعطلها إذا ما توسّعت رقعة الخلافات بين أعضاء مجلس التعاون الخليجي.

بعد حادثة انهيار جُزئي لجِسر معبَر الجمال على الطريق السريع الرياض – الدمّام، كلّفت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد “نزاهة” فريقا متخصِّصا من المهندسين بمُعايَنة الموقِع لمعرفة أسباب انهياره.

وحذّرت الهيئة من أن الشركة التي نفّذت المشروع، هي التي تُنفِّذ أيضا أعمال الصِّيانة لجِسر آخر، هو جِسر الثمامة القريب من مطار الملك خالد الدولي في العاصمة الرياض، الذي سبق أن انهار قبْل أشهر.

وأوردت “نزاهة” أن فريقها لاحظ وجود آثار للصَّدإ والتآكُل على الكوابِل (الحبال) مُسبقة الشد في القِسم المُنهار من الجِسر، وهو ما اعتبره المهندسون مؤشِّرا على تسرُّب الماء إلى الطبقة الخرسانية لسقف الجِسر قبل أن ينهار.

الهيئة طالبت وزارة النقل باتِّخاذ الإجراءات الكفيلة بتفادي تِكرار تلك الحوادث، من خلال متابعة مقاولي الصيانة والتشغيل للطُّرقات والأنفاق والجُسور في مختلف المناطق، وتحديد المسؤولين عن متابعة تنفيذ عقود الصيانة.

هيئات جديدة

يمكن القول أن تزايُـد الإهتمام بمكافحة الفساد في الخليج وارتفاع نَـبْرة الجمعيات الأهلية والنشطاء العاملين في هذا المجال، أوجدا مناخا عامّا في الإقليم، بات يطرح هذه المسألة بقوّة. ومن دلائل هذا النّزوع القوي، الذي ينم عن ثقافة جديدة، الإعلان مؤخرا عن تشكيل “الشبكة الوطنية لاسترداد الأموال المنهوبة” في اليمن، والتي ساهمت في تأسيسها “الهيئة الوطنية لاسترداد الأموال المنهوبة” مع أكثر من ثلاثة وثلاثين منظمة يمنية.

وبحسب مؤسسي الشبكة، فإن هذه الأخيرة ترمي لتوحيد المجتمع المدني من أجل رصْد الأموال المنهوبة والعمل على إعادتها إلى خزينة الدولة وكفّ أيْدي مَن وصَفوهم بالفاسِدين، عن النّهب وإحالتهم إلى القضاء. وأشارت مصادر مُختلفة داخل اليمن وخارجه، إلى أن الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح وبطانته ما فتِئا يُحوِّلان الأموال إلى حِساباتهم في بلدان عربية وغربية منذ انتصار الثورة في عام 2011. ويُقدِّر المسؤولون في “الهيئة الوطنية لاستِرداد الأموال المنهوبة” مُجمل حسابات صالح المُهرَّبة إلى الخارج بأكثر من 17 مليار دولار.

واعتبرت أروى حسن، الخبيرة الدولية في التنمية، أن اليمن يسير في الإتِّجاه الصحيح، إلى جانب الأردن في مَجال تهيِئة الشروط لمكافحة الفساد. إلا أن السيدة أروى حسن، التي تعمَل مع منظمة “الشفافية الدولية” (غيْر حكومية)، أكّدت أن الحكومات تزيد اليوم من القُـيود التي تحجّم قدرات منظمات المجتمع المدني على العمل، مُشيرة إلى أن جميع الدول العربية تقريبا (عدا السودان وسوريا)، وقَّـعت على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، التي تضمَن حريات مدنية شامِلة، ولكن هذه الدول لا تحترم الْـتِزاماتها الدولية ولا تنفِّـذها، وهي لا تلتزِم أيضا بحماية حقوق المواطنين فيما يتعلّـق بحرية التجمّع والتعبير عن الرأي.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية