مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

رقم قياسي أول.. لا تفتخر به سويسرا

التدرب على الرماية بالأسلحة النارية ممارسة شعبية واسعة الإنتشار في سويسرا Keystone

يحِـق لسويسرا بالتأكيد أن تفخر بهذا الكمّ الكبير من الأرقام القياسية، التي استحقته بدون منازع، غير أن أحد هذه الأرقأم لا يدعوها لذلك على البَتّـة، حيث ألقت دراسة جديدة أجرِيّـت مؤخّـراً في مستشفى جامعة زيورخ الضّـوء على امتلاك سويسرا على أعلى نسبة من حالات من الإنتحار بالأسلحة النارية من بين أقرانها في الدول الأوروبية.

ولا توجد دولة أخرى وصَـل فيها عدد المُنتحرين بالأسلحة النارية إلى الرقم القياسي، الذي حطّـمته سويسرا التي تُرتَكَب فيها نسبة تتراوح من 24 إلى 28٪ من هذه الحالات ويجعلها صاحبة الرقم القياسي الأول في أوروبا.

وفي شهر يناير من هذا العام وقبل يومٍ واحدٍ من افتتاح المُنتدى الإقتصادي العالمي في دافوس، هَـزَّ خبَـر إقدَامَ ماركوس رينهارت، رئيس جهاز أمن المنتدى وقائد الشرطة المحلية على الانتحار، وسائل الإعلام السويسرية والعالمية. وقد عُثِر على رينهارت البالغ من العمر 61 عاماً ميِّـتاً في غرفة الفندق الذي كان يُـقيم فيه. وحسب التصريح الذي أعلنته شرطة كانتون غراوبوندن، فإن جميع الدلائل كانت تُـشير إلى انتحار رينهارت بمُسدّسه المُخصّـص للخِـدمة.

وقد تسبّ،بت حالة الإنتحار هذه – والتي لم تكن الأولى من نوعها التي يُسْتَخدَم فيها السِّـلاح الناري – بإثارة القلق والذهول العميقيْـن بين قطاعات واسعة من الشعب. ولم يكن الحادث المذكور حالة معزولة أو فريدة من نوعها. ففي الفترة الزمنية بين عامي 1996 و2005، تمّ الإبلاغ عن 3410 حالة انتحار ارتُـكبت باستخدام الأسلحة النارية.

إحصاءات ومراتب

وَوِفقاً لدِراسة نُشرت منذ عام 2006، احتلَّـت سويسرا المرتبة الثانية عالمياً، بعدَ الولايات المتحدة، في هذه الدّراسة التي دارت حول مُقارنة نسبة عمليات الإنتحار بالأسلحة النارية مع جميع أساليب الانتحار الأخرى.

وتقدّمت الولايات المتحدة القائِمة بنسبة تقرب من 57٪. ومن المُلفت للنظر أيضاً، هو أن أعداد الأُسَـر التي تملِـك الأسلحة النارية في هذه الدولة الصغيرة، هو أعلى من المتوسط.

وتَبِعَتْ كلٌّ من فنلندا والنرويج القائمة في المركزيْـن الثالث والرابع بنسبة 20٪، أما ألمانيا، فقد جاء موقِـعها في أسفل القائمة وبنسبة تقِـلّ قليلاً عن 8٪، في حين بلغت هذه النسبة في إسبانيا 5.5٪.

ويُعْتَبَر الانتحار باستخدام السلاح الناري، الطريقة الأشدّ فَتكاً والتي تحمل مُعدّلات عالية للوفاة، حيث تؤدّي 90٪ منها إلى الموت المُـباشر. كما أنَّ النتائج المُترتّـبة على المحاولات الفاشِـلة، تحمل نتائج وخيمة جداً.

وفي حين تميل النساء أكثر إلى اختيار أساليب أقل فتْـكاً، (كتناول السمّ أو جرح أنفسهنَّ بآلة حادة)، يلجأ الرجال غالباً إلى أساليب فتاكة، كما هو الحال بالنسبة للأسلحة النارية.

“المُفضَلة” بين الرّجال

يُعتبَـر الانتحار باستخدام الأسلحة النارية، الأسلوب الأكثر شيُـوعا في سويسرا، ولا يميل سوى الرجال إلى هذه الطريقة تقريبا، حيث تُشير النِّـسب الى أنَّ 95٪ من جميع حالات الانتحار بهذه الإسلحة، تُرْتَكَب من قِبَلِهِم.

ويرى الأستاذ فلاديتا آجاسيك – غروس، عالِـم الإجتماع والُمحاضر وكبير المساعدين في الطبّ النفسي في مستشفى جامعة زيورخ، سببيْـن لإختلاف أساليب الإنتحار بين الرجال والنساء، حيث يقول: “من الناحية الأولى، هناك مسألة بالِـغة الأهمية تتعلّـق “بتوفّـر الوسيلة” المُستخدمة (وهي الأسلحة النارية في هذه الحالة)، ومن الناحية الأخرى، هناك قابلية الفرد على التّـعامل مع هذه “الوسيلة”.

ويضيف الباحث، الذي يعمل على الدِّراسة المذكورة منذ بدايتها: “تُظهِـر البيانات السويسرية بأن النساء تتعاملن مع الأسلحة النارية بصورة أسوأ بكثير من الرجال، وبالتالي، فهُنَّ لا تستخدمن سِـلاحا نارياً لقتل أنفسهنَّ”، أمّا الرجال، فيختار ثُـلثهم الذين يميلون إلى الإنتحار هذا الأسلوب.

كثافة عالية للأسلِحة في الأسَـر السويسرية

وألقت هذه الدِّراسة الضّـوء أيضاً على عدد الأسَـر التي تَقتَني سِـلاحاً في المنزل، وأبرزت النتائج المُعلَـنة في عام 2000، بأنّ عدد الأسَـر “المُسلّـحة”، كان يشكِّـل نسبة 35.7%، مما يعني أن “توفّـر الوسيلة” في سويسرا أعلى من المتوسط.

وفي دراسة نشرها معهد بحوث “مسح الأسلحة الصغيرة” في جنيف في عام 2007، بلغ عدد ما يُخَزَّن من الأسلحة النارية في المنازل السويسرية الخاصة، قريباً من 3,4 مليون سلاح ناري.

أمّا وزارة الدفاع السويسرية، فترى من جهتها بأن العدد كان يقترِب (في العام نفسه) من 2.2 مليون سلاح ناري فقط، كانت 535.000 قِـطعة منها تعود إلى الجيش (وهذا يشمل 235.000 قطعة من المُعِـدّات الشخصية التابعة للأفراد العاملين في الجيش و245.000 قطعة سُلِّـمت كَمُمتلكات خاصة و55.000 سلاح ناري مؤجّـر لغرض الإستخدام من قِبَـل أندِية الرّماة والرُماة الشباب).

وحيث يميل مُـعظم الرجال الذين يقدِمون على الإنتحار إلى إستخدام الأسلحة النارية. فمن المُعتقد بأن مُـعظم هذه الحالات تتِـم بواسطة سِـلاح الجيش. ويعتقد آجاسيك – غروس بأن حوالي 40٪ من حالات الانتحار بالأسلحة النارية تُنفّـذ بتلك الأسلحة، التي سُلِّمَت إلى الأفراد كجُـزء من مُعدّاتهم العسكرية في الجيش، في حين تُنَفّـذ الحالات الباقية بأسلحة نارية يتِـم شراؤها قانونياً في محلاّت بيع مثل هذه الأسلحة.

وهنا، يبرز السؤال فيما إذا كانت هناك علاقة بين عدد حالات الإنتحار بالأسلحة النارية بارتفاع عدد الأُسَـر التي تمتلك مثل هذه الأسلحة، وهي صِـلة واضحة بالنسبة للباحث.

توفّـر الأسلوب بشكل ملحوظ

وأوضحت الأرقام، التي أبرزتها الدراسة التي يعمل عليها آجاسيك – غروس أيضا، ارتفاع عدد حالات الإنتحار بالأسلحة النارية في الدّول التي تتواجد فيها نِـسبة عالية من الأسَـر المُسلَّحة. ويقول الباحث: “عند اختيار الأسلوب، فإن عامل “التوفر” يلعَـب دوراً أساسياً” ويضيف: أن “سهولة الوصول إلى وسائل فتّـاكة، تزيد من احتمالية تعامُـل الفرد معها”.

ويشرح قائِلاً: “ما تُـمثِّـله الأسلحة النارية في سويسرا، تُـمثله مُـبيدات الآفات والحشرات في البُـلدان النامية، بسبب سُـهولة الوصول إليها”. ويضيف: “من صِـفات العديد من حالات الانتحار، كونها عَرَضية وارتجالية، ممّـا يعني بأن القرار يُتّـخذ في فترة زمنية قصيرة للغاية”.

في لحظات كهذه، يلعب عامِـل “توفّـر الوسيلة” دوْرا حاسما، وكما يقول الباحث: “إذا كان على الشخص أن يبذل جُهداً للوصول إلى الوسائل القاتلة، فإن ذلك سيُشكِّـل عاملا وِقائياً قوياً”.

كما أظهرت الدراسة، التي قام بها آجاسيك – غروس، انخفاض عمليات الإنتحار بالسِّـلاح الناري في دول كالنرويج وكندا وأستراليا بشكل ملحوظ. وقد إتخذت هذه الدول تدابير تشريعية للحدّ من توفّـر الأسلحة النارية فيها؟

لا يمكن استِـبدال الأسلوب بسهولة

ولكن، هل يمكن بالفعل منع عمليات الإنتحار من خلال الحَدّ من عامل “توفر الوسيلة”؟ ومَن سَيَضمن عدم لجوء الأطراف المَعنية الى أساليب أخرى؟ للإجابة يقول الباحث آجاسيك – غروس: “نحن نعلم بأنَّ هناك تحوّلا إلى أساليب مُماثلة”، ويضيف: “لو أراد شخص ما الإنتحار بالمُخدّرات، سيكون من الصّـعب عليه اختيار السلاح الناري كبديل”.

وتقِـف خَـلف ذلك أنماط سلوكية مُعّـينة، ليس من السهولة إستبدالها، حيث يقول آجاكيس – غروس: “في حالة الأسلحة النارية، نرى أن التحوّل في الوسيلة سيكون إلى طريقة فتاكة شديدة وتضمن الموت، ألا وهي الشنق”.

وتشير الأبحاث إلى لجوء نِـسبة تتراوح من نصف إلى ثلثي الرّاغبين في الإنتحار بالأسلحة النارية، إلى أسلوب آخر إن لم يكن الأول متوفراً. وكما يقول آجاكيس – غروس: “لا يُمكن للتّـدابير الوقائية منع جميع أشكال الانتحار بالتأكيد، ولكن بالإمكان مَنع عددٍ كبير منها”.

– swissinfo.ch

في سويسرا هناك 3-4 أشخاص يقومون بالانتحار يومياً، وهذا العدد يمثِّـل ما نسبته 19.1 فرد لكل 100.000 من السكان.

ويبلغ عدد المُتوفِّـين بواسطة الانتحار سنوياً 4 أضعاف من لاقى حتفه عن طريق حوادث الطرق، حيث يصل عدد المُنتحرين في كل عام من 1300 إلى 1400 شخص. وفي عام 2008، كان عدد الأفراد الذين لاقَـوا حتفهم بسبب حوادث الطّـرق 357 شخصاً.

وتعود نسبة أكثر من 90٪ من جميع حالات الإنتحار إلى أمراضٍ نفسية، كما يسبب الاكتئاب 60٪ منها.

لا يوجد في سويسرا برنامج وطني لمنع الإنتحار، لكن هناك أنشطة تقوم بها الكانتونات والسلطات والمؤسسات المختلفة في أنحاء البلاد للوقاية من هذه الحالة. ومن ضمن التدابير الوقائية التي تقف في المقدّمة:

رفع مستوى الوعْـي العام للسكان حول مسألة الإنتحار.

تداور المعلومات مع المِهنيين الذين يتعاملون مع قطاعات واسعة من السكان كالأطباء والمعلمين والقساوسة وغيرهم.

التعرف على “الفئات المُعرّضة للخطر”،(كالمصابين بالأمراض العقلية والأرامل والسجناء وغيرهم) والإبلاغ عنهم..

تقيِـيد الوصول للوسائل المُستَخدَمة في الإنتحار، كالحدّ من توفير الأسلحة النارية والتقليل من حجم عبُـوات الأدوية ووضع الشبكات أمام الجسور وغيرها من وسائل الوقاية.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية