مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

رهـائـن الـمـعـبَـريـن

أطفال فلسطينيون تقطعت بهم السبل إثر غلق معبر رفح المؤدي إلى قطاع غزة (تاريخ الصورة: 8 يوليو 2007) Reuters

غادرت سناء أحمد شنن (29 عاما)، وهي أم لثلاثة أطفال من غزة ومريضة بتليف الرِّئتين، منزلها إلى أحد مستشفيات القاهرة قبل نحو شهرين، لكنها تُـوفيَّـت، وهي تحاول عبور معبَـر رفح على الحدود مع مصر، المُـغلق منذ منتصف شهر حزيران الماضي.

ولا زال جثمان شنن يرقُـد داخل ثلاجة مستشفى معهد ناصر بالقاهرة في انتظار فتح المعبر، حيث ينتظر كذلك نحو 6 آلاف شخص للسَّـماح لهم بالعبور إلى منازلهم في مُـدن وبلدات ومخيَّـمات قطاع غزة.

بِـوفاة شنن، ارتفع عد الوفِـيات بين المرضى العالقين، الذين يُـقدِّر المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان في غزة عددهم بحوالي 1800 إلى 16 متوفيا.

وقد تحوّلت قضية معبر رفح، بوابة غزة الوحيدة إلى العالم الخارجي، إلى مسألة غاية في التعقيد، تُـخفي وراءها معاناة عشرات آلاف الأشخاص الذين لم يعد بمقدورهم الحركة في الاتجاهين، الذهاب والإياب.

وثمّـة آلاف قد أصبح العراء ومنازل الأقارب والأصدقاء والساحات والحقول، ملاذهم الوحيد، بعد أن تقطعت بهم السُّـبل، ولم يعد أمامهم سوى الانتظار إلى حين أن تسمح إسرائيل للمراقبين الأوروبيين بالوصول إلى المعبر لتشغيله أو ربّـما بانتظار التوصُّـل إلى تسوية، تسمّـح بانتقال المسافرين العالقين للدخول عبر معبر كرم أبو سالم، عند الحدود المصرية أيضا أو احتمال التوصُّـل إلى اتفاق آخر. وبانتظار كل هذا، سيبقى هؤلاء الفلسطينيون رهائِـن المعبَـرين.

وقد امتدّت الأزمة لتشمل جميع الفلسطينيين الآخرين من القطاع الموجودين في مصر، لعمل أو زيارة أو دراسة، ولا يُـمكنهم المخاطرة بالتوجُّـه إلى المعبر والانضمام إلى قائمة العالقين هناك.

كما تَـطال المُـعاناة مئات آخرين كانوا قد شدّوا الرِّحال في عمل أو زيارة إلى الخارج، وتحمِـل تذاكر سفرهم القاهرة كوِجهة نهائية، يتوجّـب على هؤلاء المُـكوث في أماكنهم، حتى يُـعطى الضوء الأخضر بالتوجّـه إلى القاهرة وثم إلى رفح.

في انتظار الدخَّـان الأبيض

تقول أندريا كونغ، المتحدِّثة باسم الصليب الأحمر في حديث لسويس انفو، “إن إنهاء أزمة إغلاق المعبر، أمر يتعلّـق بمُـختلف الأطراف السياسية، إسرائيل والسلطة الفلسطينية وحركة حماس، التي فرضت سَـيطرتها على قِـطاع غزة منتصف شهر يونيو الماضي”، وأضافت أن أوضاع العالقين “صعبَـة وقاسية، لكن المسألة رهنٌ باتِّـفاق الأطراف جميعا حتى يتسنَّـى فتح المعبَـر”.

وفي حين يتبادل الأطراف الاتهامات، يقول المحامي راجي الصوراني، مدير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان في قطاع غزة، إن إسرائيل “هي المسؤول الأول والأخير عن المعبر، لأنها تسيطر على قطاع غزة بقوة احتلال حربي، عمليا وقانونيا”.

لكن الصوراني لا يعفي أيضا كلا من الطرفين الفلسطينيين، الرئاسة وحركة حماس الإسلامية، التي باتت تسيطر على القطاع، من مسؤوليتهما، وقال “على حماس والرئاسة الكفّ عن اللَّـعب بمُـعاناة آلاف المواطنين”.

ويشرح ذلك بقوله، أن اتفاق السلطة الفلسطينية حول المعابر مع إسرائيل، يقضي بتولِّـي أمن الرئاسة مسؤولية الأمن على المعبر، في حين يقوم الأوروبيون بالإشراف على العمل والمراقبة.

بيد أن حماس لا تسمح، منذ سيطرتها على القطاع لأمن الرئاسة بوصول المعبر، وتقول في المقابل إنها على استعداد للسماح للشرطة التي تديرها وشركة خاصة بإدارة المعبر، لكن الرئاسة ترفض ذلك وتخشى من إرسال قواتها، خوفا من تجدُّد الاشتباكات مع حماس.

أما إسرائيل، فإنها ترفض السماح للمراقبين الأوروبيين بوصول المعبر، ما دام حرس الرئاسة غير قادر على تولي مسؤولية الأمن هناك.

وعندما وافقت إسرائيل على السماح للمسافرين باستخدام معبر كرم أبو سالم، الخاضع لسيطرته الكاملة، رفضت حماس الحل بحجّـة أن الأمر سيمنح إسرائيل فرصة اعتقال أفراد المقاومة أو أقاربهم، لحظة عبورهم كرم أبو سالم.

وقد اتَّـهمت الحكومة الفلسطينية، على لسان وزير الإعلام رياض المالكي، حركة حماس بالوقوف وراء عمليات قصف معبر كرم أبو سالم بالصواريخ لردع إسرائيل عن فتح المعبر أمام المسافرين الفلسطينيين.

وفي المقابل، اتهمت حركة حماس، على لسان أكثر من مسؤول، الرئيس محمود عباس بالوقوف وراء إغلاق معبر رفح، بهدف فرض ضغوط على الحركة الإسلامية.

غـزة تختنق

غير أنها ليست المرة الأولى، التي تغلق فيها إسرائيل المعبر، حيث تفيد إحصاءات محلية أن السلطات الإسرائيلية أغلقت المعبر لفترات بلغت تسعة أشهر خلال العام الماضي.

وقد ارتفع خطّ الفقر، ليَـطال نحو 89% من مجموع الأسَـر الفلسطينية في قطاع غزة، في حين بلغت نسبة البطالة مستويات غير مسبوقة فاقت 50%، حسب تقديرات محلية.

وفي كل مرة يغلق فيها معبر رفح وتشدد الإجراءات على معبر كرم أبو سالم، تَـطال المُـعاناة كل قطاعات المجتمع الفلسطيني في قطاع غزة، لاسيما المستوى الاقتصادي، الذي شهد خلال الأعوام الأخيرة أسوأ أوقاته.

وقال وزير التخطيط في الحكومة الفلسطينية، سمير عبد الله، في حديث لسويس انفو “يمكن الحديث الآن عن إدخال مساعدات إنسانية، لكن الخطر الأكبر طال القِـطاع الخاص، لقد دُمِّـر تماما”. ولم يعد بمقدور أحد الحركة في اتِّـجاه الدخول والخروج.

ومن جانبه، يقول المحامي الصوراني “لقد دمِّـرت حركة المواطنين تماما، فضلا أن معبر رفح، هو المكان الذي ليس له مثيل، حيث الإهانة والإذلال”.

هشام عبد الله – رام الله

تتواصل معاناة نحو ستة آلاف فلسطيني من العالقين على الجانب المصري من معبر رفح، بعد مضي (45) يوماً على إغلاق المعبر، وبالرغم من وفاة عدد من المرضى، الذين رصد المركز دخول (19) جثة من جثثهم عبر معبر كرم أبو سالم واستمرار معاناة عشرات المرضى الآخرين، فإن المجتمع الدولي لم يتحرك للضغط على إسرائيل للسماح بفتح المعبر فوراً وإنهاء معاناتهم.

وتمضي سلطات الاحتلال الإسرائيلي في تسييس معاناتهم وتتذرع بغياب الطرف الفلسطيني المناط به الإشراف على المعبر، متجاهلة أنها سبق وأن سمحت بفتح المعبر مرات كثيرة لإدخال العالقين، بعد أن أغلقته لأكثر من شهرين متواصلين، إثر تنفيذها لخطة الفصل أحادي الجانب، وفي حينه، لم تكن حركة حماس هي من يُـسيطر على غزة، لتبرر إغلاق المعبر، ومع ذلك سمح، بإدخال العالقين دون وجود لسلطات الاحتلال أو أي طرف دولي مراقب.

والجدير ذكره أن من بين العالقين حوالي (87) مريضاً يترددون على مستشفى العريش وحوالي (103) مريضاً يترددون على مستشفى الهلال الأحمر الفلسطيني في القاهرة، الأمر الذي ينذر بوفاة مزيد من المرضى والمسنين، وهم في انتظار العودة إلى عائلاتهم.

كما تشير المعلومات المتوفرة إلى وجود حوالي (78) شخصاً محتجزين في مطار العريش، أي أنهم مقيدي الحركة ورهن الاحتجاز بسبب إغلاق المعبر وعدم انطباق شروط دخول الأراضي المصرية عليهم. وبالنظر إلى التجارب القاسية السابقة، فإن المركز يعتقد أنه لا توجد عقبة حقيقية أمام تشغيل المعبر لعدة أيام استثنائياً لإدخال آلاف العالقين الأطفال والمرضى والمسنين وغيرهم من المدنيين الذين يعيشون في ظروف بالغة القسوة، سوى إمعان قوات الاحتلال في إيقاع العقاب الجماعي بحق السكان المدنيين.

مركز الميزان لحقوق الإنسان إذ يجدد استنكاره لاستمرار إغلاق المعبر وحرمان الفلسطينيين من سكان قطاع غزة من حقهم في حرية التنقل والحركة، وحرمان آلاف العائلات من أن يلتئم شملها من جديد، بل وتهديد حياة المئات ممن يعانون الأمرين في الحصول على مأوى وعلى طعام ويعيشون حياة صعبة، واستمرار التهديد الجدي بفقدان مزيد من المدنيين حياتهم بسبب ظروف عيشهم القاسية والتي تتواصل لدى البعض منذ (45) يوماً.

ويجدد مركز الميزان تأكيده على أن استمرار إغلاق المعبر، يمثل شكلاً فظاً من أشكال العقاب الجماعي التي تمارسها قوات الاحتلال بحق المدنيين، بل واستمراراً لتسييس معاناتهم وإخضاع مسألة حقوق الإنسان بالنسبة للفلسطينيين لمواقف سياسية لا علاقة لها بحقوق الإنسان.

ويحمل المركز إسرائيل، بوصفها دولة الاحتلال الحربي التي لا تزال تسيطر سيطرة مطلقة على قطاع غزة والمعابر المؤدية إليه بما في ذلك السيطرة المطلقة على الأجواء والمياه الإقليمية، كامل المسؤولية عن معاناة آلاف العالقين على جانبي معبر رفح البري، ويطالبها بفتح المعبر فوراً.

(المصدر: مركز الميزان لحقوق الإنسان في قطاع غزة بتاريخ 25 يوليو 2007)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية