مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

روسيا تتخوف من أبعاد الضربة الامريكية ضد العراق

نساء و أطفال العراق يتظاهرن في بغداد عقب الغارة الجوية مساء الجمعة الماضي Keystone

رد الفعل الروسي على الغارات الأمريكية البريطانية على بغداد جاء مساء الجمعة الماضية سريعا ومستنكرا بشدة. فهل يؤشر ذلك لمخاوف في موسكو من توجهات الإدارة الأمريكية الجديدة،أم أن الغارات اعتبرت رسائل إنذارية إلى روسيا وبعض الاطراف الأخرى؟

كان دوي الغارات الأمريكية البريطانية على بغداد عنيفا جدا في موسكو، و ربما أقوى من رد الفعل في العديد من العواصم العربية، و خاصة بعد الساعات الأولى من القصف،
وذلك نابع من عدة أسباب، من بينها أن موسكو اعتبرت الغارات البريطانية والأمريكية نذير شؤم بسياسة جديدة تتبعها إدارة الرئيس بوش الجديدة، وهي رسالة تود أن تقول انه على روسيا وسائر دول العالم أن ترضخ لإدارة واشنطن و إرادتها شاءت أم أبت.

البعد الآخر في القراءة الروسية يتمثل في رؤيتها إلى أن الغارة الجوية تهدف إلى إحباط جهود تقوم بهاموسكو لإجراء وساطة بين العراق من جهة والمملكة العربية السعودية والكويت من جهة أخرى، حيث كُلِف رئيس الوزراء الروسي السابق “سيرغي ستيباشن” بمهمة من هذا القبيل.

أي أن موسكو راهنت على جهود تبذلها على هذا الصعيد لتطويق مضاعفات أزمة الخليج، ولأن يكون لها دور في قضية التسوية التي تعقب ذلك، إضافة إلى هذا فإن روسيا عملت على ترتيب حوار بين بغداد و هيئة الأمم المتحدة، و لكن الغارات كانت نسفا واضحا لتلك الجهود.

إقتصاديا بدأت روسيا تكثف نشاطها من أجل توسيع علاقاتها الاقتصادية و التجارية مع العراق بشكل لا يخل بالقرارات الدولية، و لكن من وجهة نظر أخرى، حيث يفتح التقارب مع بغداد ثغرات و أبوابا للبدء في هدم جدار الحصار، و في هذا المجال فإن محاولات روسيا لاستئناف رحلات جوية منتظمة بين موسكو و بغداد قد تكون عاملا بالغ الأهمية لإحداث ثغرة في جدار الحصار، فالغارات تعني أيضا محاولة لوقف هذه الجهود الروسية.

من كل ما تقدم تخلص روسيا إلى أن الغارات الأمريكية البريطانية هي مجموعة رسائل وليست رسالة واحدة، و هناك مخاوف في الكرملين من أن الغارات كانت مجرد الإشارة الأولى و قد تعقبها إشارات أخرى قد تتمثل في تصعيد عسكري ضد العراق أو حتى الإطاحة بالنظام و بكل ما يترتب على ذلك من مضاعفات إقليمية و دولية.

من ناحية أخرى فإن تعامل الإدارة الأمريكية الجديدة مع الملفات الدولية تعتبره روسيا أسوا مما كانت عليه في زمن الحرب الباردة، فمن الواضح أن واشنطن لا تعتبر موسكو حاليا ندا لها لخوض حرب باردة جديدة، بل تريد أن تفرض الآراء على روسيا، فعلى سبيل المثال جرى العرف أن يكون أول لقاء لوزير خارجية أمريكي جديد مع نظيره الروسي، اما الادارة الامريكية الجديدة فقد تجاهلت تماما طلب اللقاء مع وزير الخارجية الروسي أيغور ايفانوف، و قبلت به بعد إلحاح روسي، على أن يكون اللقاء بين باول وايفانوف ليس في موسكو أو واشنطن و إنما في القاهرة.

إذن هناك مخاوف من أن تكون الغارة الامريكية على العراق رسالة إلى موسكو بأنه ينبغي عليها الخضوع لرغبة واشنطن في انشاء المظلة الامريكية للوقاية من الصواريخ، وهذا يعني الخروج من معاهدة “سالت 1” الموقعة عام 1972، و التي تعتبرها موسكو أساسا للتوازن الاستراتيجي في العالم، أي أن هناك عدة إيحاءات بأن الإدارة الأمريكية الجديدة تفرض سياسة مختلفة و هى سياسة القوة و منع التحالفات الإقليمية و الدولية التي يمكن أن تواجه السياسة الأمريكية حاليا و مستقبلا.

موسكو تجري الآن اتصالات مع بعض العواصم العربية و العالمية للنظر في إمكانية المطالبة بعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي، لمواجهة التطورات الخطيرة الناجمة عن الغارات الأمريكية البريطانية على بغداد، والتي تعتبرها موسكو استئثارا أمريكيا بدور الحاكم و الحكم في العالم، وتجاهل مجلس الأمن الدولي وأعضائه الدائمين بكل ما يترتب على ذلك من تهميش لدور روسيا و فرنسا و الصين و سائر الدول الغير دائمة العضوية في مجلس الأمن.

وإضافة إلى ذلك ستحاول روسيا الآن إنشاء ما يمكن أن يوصف بأنه جبهة عالمية لمواجهة الموقف الأمريكي و البريطاني تضم في الأساس الدول الثلاث الدائمة العضوية في مجلس الأمن، إضافة إلى أن مثل هذه الجبهة قد تتوسع لتشمل بلدانا مهمة في أوروبا، حيث يوجد تركيز على ألمانيا لجذبها إلى هذا المحور على الرغم من صعوبة ذلك ، نظرا للعلاقات الاستراتيجية المتميزة التي تربط بين برلين و واشنطن.

كل هذه الجهود ممكنة إلا أن هناك تخوفا من ارتباك روسي في اللحظات الأخيرة، لترضخ للإرادة الأمريكية خوفا من عقوبات أو ضغوط اكبر، استغلالا للضعف السياسي والاقتصادي الذي تعاني منه روسيا حاليا.

جلال الماشطة – موسكو

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية