مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

زلازل دبلوماسية مرتقبة في الشرق الأوسط

نشطاء عرب وإسرائيليون ينصبون خيمة سلام في مدينة عكا يوم 12 أكتوبر 2008 بعد المواجهات العنيفة التي شهدتها المدينة بين سكان يهود وعرب Keystone

هل أزفت ساعة الزلازل الدبلوماسية - وربما الاستراتيجية - في منطقة الشرق الأوسط؟

يبدو أن الأمر كذلك، إذ تشهد المِـنطقة حالياً سباقاً محموماً بين الأطراف الرئيسية فيها، لإعادة التموضع الإستراتيجي على إيقاع التّـغيرات المُـحتملة في البيت الأبيض، خاصة بعدما اتضح الآن أن الرئيس الأمريكي الجديد سيكون باراك أوباما.

المركز الرئيسي لهذا الزلزال الدبلوماسي، هو تل أبيب، التي استفاقت فجأة في الأسبوع الأخير من شهر أكتوبر الماضي على أهمِـية مبادرة السلام العربية، الدّاعية إلى اعتراف جماعي عربي بها، مقابل انسحابها من الأراض المحتلة.

فبعد سنوات ستّ مُـتواصِـلة من الرّفض القاطِـع لهذه المبادرة، التي أقرّتها القمة العربية في بيروت عام 2006 ثم أكّـدتها قمة الرياض عام 2007، قام كل من وزير الدفاع باراك والرئيس الإسرائيلي بيريز بنفض الغُـبار عنها وبثَّـا فيها فجأة روحاً جديدة، حيث قال باراك: “في ظِـل المفاوضات المنفردة مع دمشق وعدم إحراز أي تقدّم على المسار الفلسطيني، ربما حان الوقت لكي تسعى إسرائيل إلى تحقيق اتفاق سلام شامل في المنطقة”، وقال بيريز: “سنسعى الآن إلى إجراء مفاوضات سلام مع العالم العربي على أسُـس مبادرة السلام العربية، عِـوض المفاوضات المنفردة، وباراك ورئيسة الوزراء المعيّـنة ليفني، يدعَـمان هذا التوجّـه”.

الاصطفاف الاستراتيجي

ماذا وراء أكَـمَـة هذه اليقظة الإسرائيلية المفاجئة حيال أهمية السلام الإقليمي مع العرب؟

أمر واحد في الغالب، هو (كما ألمحنا)، استباق التغيّـرات المحتملة في مَـناخات الشرق الأوسط، التي ستحدث مع احتمال وصول أوباما إلى سدّة البيت الأبيض، والتي ستتضمن انفتاحاً دبلوماسياً أمريكياً على إيران لإعادة تشكيل موازين القِـوى في المنطقة، وهذا يمكِـن أن يتِـم إذا ما نجحت الدولة العِـبرية في تحقيق الاصطفاف الإستراتيجي الجديد، الذي دعت إليه منذ أشهر وزيرة الخارجية الأمريكية رايس، والداعي إلى تشكيل مِـحور أمريكي – إسرائيلي – عربي “معتدل” في مواجهة إيران وحزب الله وحماس، إضافة إلى سوريا، إذا لم تبتعد عن فَـلك طهران.

“مؤسسة واشنطن لدراسات الشرق الأدنى”، المقربة من الليكوديين الإسرائيليين والمحافظين الجُـدد الأمريكيين، كانت قد شرحت في تقرير لها في مارس الماضي دوافع “الإصطفاف الإستراتيجي” على النحو الآتي:

– شبح إيران المسلحة نووياً والملتزمة (وفقاً لبياناتها نفسها) بتدمير إسرائيل، لا يحتاج إلى توضيح، وهذا ما يدفع العديد من الخبراء إلى الإتِّـفاق على أن الحفاظ على علاقة ردْع مُـستقرة مع إيران، سيكون أصعب بكثير من التّـجربة الأمريكية – السوفييتية في الحرب الباردة، كما أن إيران نووية وإيديولوجية وتوسعية، تمثَـل بوضوح تهديداً للدول الخليجية السُـنَية الغنية بالنّـفط. إيران توَسع الآن إدِّعاءاتها في حُـقول النفط والغاز الطبيعي في الخليج وبحر قزوين. وبالتأكيد، فإنها ستُـمارس حتْـماً سياسةً أكثر توكيداًً إذا ما إمتلكت الأسلحة النووية.

– هذا الوضع دفع الوزيرة رايس إلى صكّ تعبير “الاصطفاف الإستراتيجي الجديد” في الشرق الاوسط، بين الولايات المتحدة وتلك الحكومات الراغبة في تعزيز السلام والاستقرار، ضد أولئك الذين يدعَـمون التطرّف العنيف، وهو اصطفاف يضُـم تركيا وإسرائيل ومصر والأردن ودول مجلس التعاون الخليجي، جنباً إلى جنب مع قادة لبنان والسلطة الفلسطينية. وبرغم أن الفعالية المستقبلية لهذا الإئتلاف الإستراتيجي في مواجهة إيران لا يزال موضِـع شك، إلا أن التهديد الكامن الإيراني للإستقرار الإقليمي ليس كذلك.

– للمساعدة على تعزيز هذا “الاصطفاف الإستراتيجي الجديد”، يقترح بعض المحليِّـين وصنّـاع القرار، أن تعرض الولايات المتحدة مجموعة من الترتيبات الأمنية الرسمية والبيانات التي تؤكِّـد التزام الولايات المتحدة بالدّفاع عن إسرائيل وشركاء أمريكا الخليجيين ضدّ أي هجوم نووي، كما يساعد على تعزيزه (الاصطفاف) التقارير بأن تل أبيب، يبدو أنها تدرس عرض شراكة إستراتيجية مع بعض الدول العربية، تستند إلى المبادرة السعودية السلمية لعام 2002، التي تشجِّـع الدول العربية على الإعتراف بإسرائيل وإقامة السلام معها.

هذه النقطة الأخيرة تفسـّر إلى حدٍّ بعيد البيان المفاجِـئ الذي أصدره إيهود أولمرت عشية استقالته من رئاسة الحكومة الإسرائيلية، وقال فيه: “أقول لكم اليوم، إن لدينا فرصة محدودة زمنياً، يتعيّن علينا خلالها أن نقوم بخُـطوة تاريخية في علاقاتنا مع الفلسطينيين والسوريين؛ خطوة كان يجِـب أن نقوم بها منذ 40 سنة، لكننا اخترنا طيلة السنوات المنصرمة أن نغمض أعيننا عنها”.

وما هي هذه الخطوة؟

إنها لا تقل عن الإنسحاب من معظم أو حتى كل الأراضي الفلسطينية والسورية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية، هكذا تحدّث أولمرت، الصقر الإسرائيلي، الذي كان يطلق النيران الكثيفة على أي طرف يتلفظ بكلمة انسحاب، حين كان محافظاً للقدس المحتلة، والذي عمل على إحباط كل جهود التسوية مع العرب، حين كان الساعد الأيمن والمستشار الأول لشارون.

ثم ثمّـة دافع آخر أهم لهذا الانقلاب الإسرائيلي: تهيئة الأجواء الإقليمية وبُـعدها الدولية، لمرحلة المفاوضات الأمريكية – الإيرانية وما بعدها. فإذا ما بدا أن هذه المفاوضات تسير في طريق النجاح (وهذا ما تستبعده تل أبيب، نظراً إلى فجوة الثقة بين واشنطن وطهران)، ستكون إسرائيل وحلفاؤها الجُـدد في الشرق الأوسط في وارد المطالبة بضمانات كاملة حول ضرورة عدم امتلاك إيران الأسلحة النووية وتغيير سلوكها الإقليمي في العالم العربي، أما في حال فشلت المفاوضات أو تعثّـرت (وهذا ما تتوقّـعه أو تتمنّـاه الدولة العبرية)، فالطريق سيكون سالكاً أمام الخِـيار العسكري. وحينها، الاصطفاف الإستراتيجي الجديد في الشرق الأوسط، سيكون حاجة ملِـحّـة أكثر من أي وقت مضى.

باراك أوباما أيّـد هذا الخيار السِّـلمي المفتوح على جهنّـم الحرب، حين زار إسرائيل في يوليو الماضي وأعلن من هناك أن “الإسرائيليين سيُـهاجمون إيران في حال فشلت المساعي الدبلوماسية”. وقد اعتُـبر هذا الإعلان آنذاك بمثابة ضوء أخضر فاقِـع لإسرائيل للبدء في شن الغارات، إذا وصلت مساعي واشنطن لإقناع طهران بتغيير توجُّـهاتها النووية والإقليمية إلى طريق مسدود.

هذا لا يعني أن الدولة العِـبرية ستستسلِـم إلى كلّ ما قد يجري على جبهة المساومات الأمريكية – الإيرانية، خاصة إذا ما تضمّـن ذلك توجـّها لمراقبة إنتاج اليورانيوم في إسرائيل، في مقابل وقف تخصيبه في إيران أو إذا ما توصّـلت واشنطن وطهران إلى اتفاقات جُـزئية لا تُـرضي تل أبيب، وهي حينذاك ستسعى إلى نسْـف المسار الدبلوماسي بشتّـى الوسائل. بيد أنها الآن انحازت لخِـيار جمع الأوراق وتحضير الأجواء المناسبة، استعداداً لجولة الصِّـراع المقبلة.

بكلمات أوضح: تل أبيب تتّـجه إلى القيام بانقلاب دبلوماسي إقليمي استباقي لمواجهة التقلُّـبات المتوقعة في المناخات الإقليمية – الدولية، خاصة بعد أن بات من شِـبه المؤكّـد وصول أوباما إلى البيت الأبيض ومعه خطة بيكر – هاميلتون، للانفتاح مع إيران. و”تذكّر” إسرائيل لمبادرة السلام العربية الآن جزءً رئيسيا من هذا الانقلاب العتيد.

مشروع الليكود

هذه هي المعطيات التي يبدو أنها أملَـت على حزبي كاديما – العمل، التحرك نحو الانقلاب الدبلوماسي الجديد في الشرق الأوسط، لكن، هل سيوافق حزب الليكود على هذا الانقلاب؟

نواب الحزب أعربوا عن معارضتهم، ليس للمبادرة العربية ككل، بل لتلك البنود فيها التي تدعو إلى عودة أعداد كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين إلى فلسطين 48 وإلى تحويل القدس الشرقية إلى عاصمة للدولة الفلسطينية العتيدة.

لكن الليكود، مع ذلك، قد يجِـد في طرح المبادرة العربية على بِـساط البحث، مادّة دسِـمة لمشروعه الخاص بشطب القضية الفلسطينية واستبدالها بقضايا الصِّـراعات الإقليمية، وهو شطبٌ لم يعُـد نظرياً.

فقطبا السياسات الإسرائيلية الحالية، كاديما – العمل والليكود معا، طوّرا خُـططاً تُـسفر في النهاية عن إغلاق الملف الفلسطيني إلى أجيال عدّة مقبلة. الأول، عبر إقامة دولة فلسطينية إسمية لا تملِـك ولا تحكُـم في الضفة والقطاع، والثاني، من خلال تحويل الفلسطينيين إلى مجرّد مستهلكين اقتصاديين وعيِّـنات أنثروبولوجية لفُـرجة الحجّـاج الإنجيليين الأمريكيين على نهر الأردن.

بنيامين نتانياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي المُـقبل، على الأرجح، سواء بعد شهر أو سنة من الآن، فصـّل هذه الخطة الأخيرة على النحو الآتي:

– لا حاجة إلى دولة فلسطينية. الأراضي ستقسّـم إلى مجموعة من المناطق الجغرافية – الاقتصادية المكرّسة لمشاريع رجال الأعمال تحت شعار: البحبوحة تحقِّـق السلام، لا السلام يحقِّـق البحبوحة.

– يُـسمح للفلسطينيين بإدارة تجمُّـعاتهم السكانية في المُـدن والبلدات، لكن بقية الأراضي ستكون تحت سيطرة إسرائيل لأسباب إستراتيجية في إطار حزام أمني – عسكري شامل.

– التركيز الرئيسي للخطة هو، وِفق تعابير نتانياهو، نقل اهتمام العالم من مسألة الدولة الفلسطينية إلى قضية الصِّـراع بين الإسلام الراديكالي والغرب، التي باتت لها الآن الأولوية القُـصوى في جدول الأعمال العالمي، وهذا بالتحديد، ما يسعى إليه أيضا مشروعا الاصطفاف الإستراتيجي الجديد “الرايسي” والسلام الإقليمي “البيريزي”.

إنها حقا ساعة الزلازل الدبلوماسية (وربما الإستراتيجية) في الشرق الأوسط، سواء نجح هذا المشروع الإقليمي الإسرائيلي الجديد أم تعثّـر.

سعد محيو – بيروت

الرياض (رويترز) – قال الامير سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودية، إنه يأمل أن تحذو الحكومة الإسرائيلية الجديدة حِـذو الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريس، الذي دعا في الشهر الماضي الى إحياء مبادرة السلام العربية الإسرائيلية.

وكان بيريس دعا في كلمة أمام الجمعية العامة للامم المتحدة الملك عبد الله، العاهل السعودي الى “إعطاء دفعة” لخطة معلّـقة لمبادلة الارض بالسلام، أقرتها جامعة الدول العربية قبل ستة أعوام، وقال إن اسرائيل ستحضر أي لقاء يستهدف انهاء صراع مستمر منذ عقود مع جيرانها العرب.

وقال الأمير سعود الفيصل في مؤتمر صحفي بالرياض تعليقا على ذلك الاهتمام بالخطة السعودية للسلام، الذي عبر عنه الرئيس الاسرائيلي الذي لا يتمتع سوى بسلطات شرفية “أن تأتي عملية السلام في وقت متأخر، أفضل من أن لا تأتي”، وأضاف “نأمل من رئيسة الوزراء الجديدة أن تعمل على هذا الاتجاه الذي يؤدي الى السلام”.

ومنح بيريس وزيرة الخارجية الاسرائيلية تسيبي ليفني، المكلفة بتشكيل حكومة جديدة وقتا إضافيا هذا الاسبوع لتشكيل الحكومة الاسرائيلية الائتلافية القادمة.

وتعهّـدت ليفني بمواصلة مفاوضات السلام التي ترعاها الولايات المتحدة مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، والتي بدأها قبل عام ايهود أولمرت، رئيس الوزراء الإسرائيلي المنتهية ولايته.

كما قال وزير الدفاع الاسرائيلي ايهود باراك وشريك ليفني الرئيسي، الاسبوع الماضي إن الزعماء الاسرائيليين جادون في اعادة التفكير في مبادرة السلام السعودية لعام 2002، التي تدعو الى اعتراف عربي كامل باسرائيل، اذا انسحبت من الاراضي التي احتلتها في حرب عام 1967 وقبلت حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين.

ورفضت اسرائيل من قبل المبادرة السعودية، قائلة انه لا يجب أن تكون هناك شروط مسبقة للتقارب في الشرق الاوسط.

والخلافات بسبب الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية المحتلة والانقسامات بين الفلسطينيين، وجهت ضربة قوية لهدف واشنطن للتوصل الى اتفاق سلام اسرائيلي فلسطيني بنهاية هذا العام.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 21 أكتوبر 2008)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية