مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

زيارة بوش: تناقضات الفكرة والدولة

AFP

ثمة تناقض واضح وأكيد في زيارة الرئيس الأمريكي جورج بوش إلى إسرائيل وتلك اللاحقة بعد ساعات إلى أرض السلطة الفلسطينية في مدينة رام الله بالضفة الغربية.. وهو تناقض كادت تختزله "تاريخية" الزيارة غير المسبوقة.

هي طبعا مسبوقة بأخرى قام بها سلفه الرئيس بيل كلينتن إلى غزة عام 1998 لحضور تأبين بند ميثاق المجلس الوطني الفلسطيني الخاص بتدمير اسرائيل، وهي غير مسبوقة أيضا لرئيس امريكي يدعو خلال ولايته، غلى قيام دولة فلسطينية.

ولعل حديث الرئيس الامريكي في قاعة مقر الرئاسة الفلسطينة أسفل صورة للزعيم الراحل ياسر عرفات عن “دولة فلسطينية ديمقراطية متواصلة” في الضفة الغربية وقطاع غزة، قد طغى على روح الزيارة كلها.

ربما أيضا أن الاجراءات الأمنية الصارمة “غير المسبوقة” التي اتخذتها السلطة الفلسطينية لاستقبال سيد العالم، قد غطت على بعض تفاصيل الزيارة، لكنها لم تتمكن، في ذات الوقت، من حجب الصورة العامة كلها.

هناك متفاؤلون واخرون ناقدون غاضبون يقدمون تفسيرات متباينة لماهية جولة بوش الى الشرق الاوسط، لاسيما ذلك الجزء المتعلق بالصراع الفلسطيني الاسرائيلي، لكن تفسيرات الجانبين وحدها غير قادرة على الاتيان برد كامل.

فتفاصيل وصول بوش وإقامته في فندق “الملك داود” المطل على بلدة القدس القديمة وبرنامج لقاءاته وطبيعة الشخصيات التي التقاها على الجانبين، إضافة الى تصريحاته المختلفة، كل ذلك جميعا يتوجب أن يدخل في ميزان حسابات الزيارة والنتائج المترتبة عليها.

وحتى طريقة إجابته على اسئلة الصحافيين، أو الهروب منها والتركيز على ضرروة وجود “رؤيا لتسوية الصراع، رؤيا بعيدة عن “الحقوق والشرعية الدولية” رؤيا تاخذ بالحسبان الاميركي اولوية التحرك والتقدم دون الانتباه أو التوقف عند أصل وطبيعة الصراع.

لا وجه للمقارنة بين الزيارتين

يقول مهدي عبد الهادي، مدير الجمعية الأكاديمية الفلسطينية للشؤون الدولية بالقدس إن بوش وخلال زيارته الى اسرائيل “حرص على زيارة نصب المحرقة (ياد فاشيم) ورقص على انغام النشيد القومي الصهيوني وتحدث عن يهودية دولة اسرائيل”.

وقد حرص بوش كذلك على لقاء مختلف مستويات قادة اسرائيل الرسميين والمعارضين على حد سواء اضافة الى ممثلي شرائح المجتمع المختلفة لاسيما ممثلي منظمات المجتمع المدني.

ولم يغفل بوش كذلك عن تناول العشاء في منزل رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت ، في لفتة واضحة الى رابط من “الحميمية” بين الطرفين، بل ان العشاء ضم كذلك الوزير افيغدور ليبرمان، أحد أعتى المشتددين الرافضين لاعطاء الفلسطينيين حقوقهم.

أما في رام الله، فكانت الصورة مختلفة والزيارة مختزلة الى أبعد الحدود، تحمل، وفق ما قال عبد الهادي “تناقضات كبيرة بين الدبلوماسية وبين الوقع لاسميا ما تعلق في مسالة الدولة الفلسطينية، بين حديث بوش عن دولة ديمقراطية والمطلب بدول ذات سيادة مستقلة وبحدود معترف بها على اساس خط وقف إطلاق نار 1949”.

على الجانب الفلسطيني وصل بوش إلى رام الله التي كانت تعيش شبه حظر تجوال كامل، بسبب الاجراءات الامنية المشددة، ولدى خروجه من سيارته لم يكن ثمة نشيد وطني يُعزف، بل إنه بالكاد مر أمام حرس شرف فلسطيني محدود وفي وقت قياسي نحو مدخل المقر.

وفي داخل مقر الرئاسة، اقتصرت المحادثات على لقاءات رسمية. لم يكن وجود لأي لقاء مع مؤيدين ولا حتى معارضين مع التاكيد على أن البرنامج لم يتضمن أي لقاء مع أي داعية ديمقراطية أو ناشط حقوق انسان فلسطيني. ساعات محدودة وانتهت اللقاءات.

اللافت ان بوش تحدث في مؤتمره الصحافي المشترك مع الرئيس محمود عباس، أسفل صورة لعرفات على بعد أمتار من ضريحه الذي لم يزره، عن الحاجة إلى “نسيان” قرارات الشرعية الدولية، مادام، كما قال، “هناك مفاوضات تجرى بين قادة منتخبين من الجانبين”.

ويقول ناصر الدين الشاعر، الوزير السابق في حكومة حماس في حديث لسويس انفو “لم يأت بوش باي جديد، بل إنه تغاضى عن كل ما هو جوهري ومهم فيما يتعلق بالدولة الفلسطينية، ما نريد ان نسمعه هو كلام واضح وقاطع بقيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 مع جميع الحقوق الفلسطينية”.

“اتفاق الرف”

بيد ان هناك من يقول، إنه يتوجب الالتفات إلى الجوانب الايجابية من زيارة الرئيس الامريكي بوش، لاسيما وأن “المنطق” يقول إن الحديث عن عدم جدوى الزيارة أمر تنقصه الكياسة.

ويقول الكاتب السياسي محمد هواش لسويس انفو “زيارة بوش تعني أنه يقول للجميع إنه يؤيد حل الدولتين، وإنه وضع زمنا محددا للتفاوض على إقامة الدولة الفلسطينية حتى تلبية شروط ذلك”.

ويضيف هواش “تحدث بوش عن أمر مهم وهو ترسيم الحدود بموافقة الطرفين، لكن المسالة تعتمد على جدية اسرائيل، وهل لديها الإرادة الكافية والقوية لتحويل الزخم الذي أعطته زيارة بوش إلى إنهاء للاحتلال”.

المقربون الذين تواجدوا على طاولة لقاءات بوش في رام الله يؤكون أنهم خرجوا “مرتاحين” وليس “مسرورين”. وثمة فرق بين الراحة والسرور لاسيما إذا كان اأامر يتعلق بالقضية الفلسطينية.

وخلاصة ما بعتقده هؤلاء أن زيارة بوش إنما تؤهل وتعد “للتوصل الى اتفاق رف، اتفاق مكتوب على قيام دولة فلسطينية، لكنه غير مُلزم بالتطبيق، حتى استكمال الشروط”.. الشروط التي تتحكم فيها اسرائيل.

ويعلق عبد الهادي “يريد بوش تقديم حل سريع على طريقة الوجبة الامريكية السريعة، انسوا التاريخ والشرعية الدولية والحقوق، وتعالوا نصنع شيئا جديدا”..

هشام عبدالله – رام الله

القدس (رويترز) – بدأت اسرائيل والفلسطينيون يوم الاثنين 14 يناير 2008 أكثر محادثات السلام جدية بينهما منذ سبع سنوات على الرغم من الخلافات حول ما يهدف كل طرف لتحقيقه.

واستغرق الأمر نحو سبعة أسابيع لبدء ما يسمى بمحادثات الوضع النهائي والتي أعلنت خلال مؤتمر للسلام عقد برعاية أمريكية في أنابوليس بولاية ماريلاند الامريكية مما يسلط الضوء على العقبات التي تواجه الرئيس الامريكي جورج بوش في التوصل لاتفاق باقامة دولة فلسطينية خلال آخر عام له في الرئاسة.

وبدأت تسيبي ليفني وزيرة الخارجية الاسرائيلية التي ترأس وفد التفاوض الاسرائيلي وأحمد قريع رئيس المفاوضين الفلسطينيين ورئيس الوزراء الفلسطيني الاسبق المحادثات في فندق في القدس والتي ستتناول قضايا مثل الحدود ومصير القدس واللاجئين الفلسطينيين.

ولكن مسؤولا اسرائيليا قال ان من غير المُرجح أن تكون ليفني مستعدة لبدء مناقشة هذه القضايا بالتفصيل في مثل هذه المرحلة المبكرة. وأضاف “انه أول اجتماع والاجتماع الاول بطبيعته يجب أن يكون تمهيديا.”

وخَوَل رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت والرئيس الفلسطيني محمود عباس ليفني وقريع بدء محادثات الوضع النهائي ولكن الزعيمين ما زالا مختلفين بشأن نطاق الاتفاق الذي يحاولان التوصل اليه.

وقال مسؤولون اسرائيليون ان أولمرت يسعى للتوصل لاتفاق يحدد “اطارا” لدولة فلسطينية تقام في المستقبل مع تأجيل التنفيذ الى أن يكون بامكان الفلسطينيين ضمان أمن اسرائيل. ويريد عباس معاهدة سلام نهائية تمكنه من اعلان قيام دولة فلسطينية بنهاية عام 2008.

وقال المفاوض الفلسطيني صائب عريقات ان الخلاف بين الموقف الفلسطيني والموقف الاسرائيلي يتمثل في رغبة الفلسطينيين في التوصل لمعاهدة سلام بنهاية عام 2008 مضيفا أنه يجب أن ينتهي الجانبان من وضع اطار اتفاق خلال شهر أو شهرين على أقصى تقدير.

ولكن المحادثات المهمة بشأن قضايا مثل القدس يمكن أن تعرض حكومة أولمرت الائتلافية للخطر. وهدد حزب اسرائيل بيتنا اليميني بالانسحاب من الحكومة ربما الاسبوع الحالي على أقرب تقدير.

وكان من المفترض أن تبدأ أول محادثات منذ عام 2001 بشأن الوضع النهائي بعد فترة قصيرة من مؤتمر أنابوليس الذي عقد في نوفمبر تشرين الثاني ولكن الفلسطينيين طالبوا اسرائيل أولا بأن تلتزم بوقف كل الانشطة الاستيطانية تماشيا مع خطة ” خارطة الطريق” لاحلال السلام المتعثرة منذ فترة طويلة.

وتحت ضغوط أمريكية رد أولمرت بوقف أعمال بناء جديدة في مستوطنات الضفة الغربية ولكنه لم يلغ خططا لبناء مئات المنازل الجديدة في مستوطنة قرب القدس معروفة للاسرائيليين باسم هار حوما وللفلسطينيين باسم جبل أبو غنيم.

وقال أولمرت ان بوش أكد له أثناء زيارته انه يجب أن ينفذ الفلسطينيون التزاماتهم الامنية تماشيا مع خطة خارطة الطريق قبل تنفيذ أي اتفاق سلام.

ولم يتضح كيف يمكن لعباس وأولمرت ابرام اتفاق. ولا يتمتع عباس بسلطة كبيرة خارج الضفة الغربية بعد أن سيطرت حركة المقاومة الاسلامية (حماس) على قطاع غزة في يونيو حزيران.

ويمكن أن يواجه أولمرت الذي أضعفته حرب لبنان في عام 2006 دعوات جديدة للاستقالة في نهاية الشهر الجاري عندما تصدر لجنة تحقيق تقريرها النهائي بشأن الصراع.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 14 يناير 2008)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية