مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

زيارة ملكية لتعزيز العلاقات الثنائية

العاهل المغربي محمد السادس مستقبلا ملك إسبانيا لدى حلوله بمطار مراكش يوم 17 يناير 2005 Keystone

في أعقاب ثاني زيارة رسمية إلى المملكة المغربية منذ عام 1979، عاد العاهل الإسباني إلى بلاده بعد أن ظلل علاقاتها مع جارتها الجنوبية بدفء كانت بأمس الحاجة إليه.

ذلك أن العلاقات الإسبانية المغربية كانت بأمَـسّ الحاجة إلى زيارة رسمية يقوم بها الملك خوان كارلوس إلى المملكة في هذه المرحلة.

عاد خوان كارلوس، العاهل الإسباني إلى بلاده بعد أن ظلل علاقاتها مع المغرب بدفء كانت بحاجة إليه، لترسيخ أجواء التعاون الذي يطبعها منذ فوز الاشتراكيين الإسبان بقيادة خوسي لويس رودريغيس ثباتيرو، وقادوا إسبانيا وعلاقاتها مع المغرب باتجاه معاكس للمسار التي ذهبت به حكومة اليمين الإسباني بقيادة خوسي ماريا أثنار.

كانت العلاقات الإسبانية المغربية بأمَـسّ الحاجة إلى زيارة رسمية يقوم بها الملك خوان كارلوس إلى المغرب. والزيارة التي استغرقت ثلاثة أيام ما بين 17 إلى 19 يناير الجاري، حملت طابع زيارة دولة، وهي الأولى من نوعها منذ عام 1979 لتحمل، ليس فقط الطابع الرسمي البروتوكولي الودّي، بل أيضا رسالة من حكومة ثباتيرو إلى الفاعل السياسي الإسباني عن دور سياسي يلعبه الملك برغبة وتشجيع من الحكومة، بعد أن كانت حكومة أثنار تَـحُـول دون ذلك الدور وتتحسّس منه.

ودور ملك إسبانيا في العلاقات المغربية الإسبانية، مستمد من العلاقات الدافئة والحميمية التي ربطت بين القصر الملكي المغربي والقصر الملكي الإسباني، وهي علاقات نجحت، نسبيا، في عدم تحويل الأزمات التي عصَـفت بعلاقات الرباط ومدريد طوال السنوات الثمانية التي حكم فيها اليمين الإسباني، إلى قطيعة ومواجهات وكوارث.

علاقات وئام وتعاون

لم تُـسَـوّ زيارة خوان كاورلوس إلى المغرب القضايا العالقة في ملف العلاقات بين البلدين، إن كانت اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية. ولم يكن أحد ينتظر من الزيارة هذه التسوية. فبعض القضايا بحاجة إلى تحوّلات في البنْـيات الاقتصادية والاجتماعية، وبعضها بحاجة إلى المزيد من التفاوض، وبعضها الآخر بحاجة للمزيد من التفهّـم والتفاهم. لكن الزيارة، وكما قال اخيل ميخائيل موراتينوس، وزير الخارجية الإسباني، “ساعدت على تناول الملفات بروح إيجابية وإرادة للتسوية، بما يضمن مصالح البلدين”.

كان برنامج الزيارة حافلا سياسيا، في مباحثات مع الملك محمد السادس ولقاء رئيس الحكومة المغربية إدريس جطو ومخاطبة البرلمان، واقتصاديا، بافتتاح مؤتمر رجال الأعمال المغاربة والإسبان، وتدشين لمحطة غاز، ولقاء اللجنة المختلطة للرّبط القار بين ضفّـتي مضيق جبل طارق. وثقافيا، في افتتاح معرض إسبانيا – المغرب، ولقاء جمعية ابن رُشد للحوار الحضاري والثقافي، والإعلان عن جامعة الملكين الإسبانية في تطوان، إضافة إلى نشاطات اجتماعية قامت بها الملكة صوفيا في مراكش والرباط وطنجة.

هذا البرنامج، رغم أنه لزيارة ملكية، إلا أنه كان من ترتيبات حكومة خوسي لويس ثباتيرو، التي حرصت أيضا على أن يضم الوفد الملكي، إضافة للوزراء، ممثلين عن الكُـتل النيابية في الكورتيس (البرلمان)، وشخصيات سياسية عامة، لتبعث للرباط رسالة واضحة عن رغبتها في أن تكون العلاقات بين البلدين علاقات وئام وتعاون وتفهّـم.

ملفات عالقة

وملفات العلاقات الاسبانية المغربية ليست حديثة العهد أو وُجدت مع حكومة خوسي ماريا اثنار. فهي ملفات قديمة ومتوارثة على مدى ثلاثة عقود، وإن كانت استفحلت أوتضاعفت أوراقها مع حكومة اثنار، التي اعتمدت من الموقف المغربي الرافض لتجديد اتفاقية الصيد البحري مع الاتحاد الأوروبي، أساسا للنظر بريبة إلى الرباط وسياساتها الإقليمية.

كانت الرباط، ومنذ نهاية عام 1994، وقبل سنتين من تولي اثنار الحكومة، قد أعلنت أنها لن تجدد اتفاقية الصيد البحري مع الاتحاد الأوروبي، التي يستفيد منها أساسا أسطول الصيد الإسباني، لأن الرباط ترى أن ما تختزنه المياه الإقليمية والدولية، ثروة لا تريد الإفراط في استهلاكها. إلا أن حكومة مدريد كانت تعتقد أن عدم التجديد، تقليد مغربي يبدأ بالتمنع ثم بالتراجع أمام إغراءات التعويضات والمساعدات التي تقدّمها الاتفاقيات، أو أمام التهديدات والضغوطات التي تُـمارس عليها، إسبانيا وأوروبيا.

وعندما وجدت مدريد أن الرباط ظلّت مُـصرة في عام 2000 (أي حين انتهى مفعول اتفاقية 1994) على موقفها، فتحت لها كل الملفات العالقة، مثل ملف الهجرة السرية، وزراعة وتهريب المخدرات، وشنّـت حملة دبلوماسية وإعلامية مكثفة ضدّها، مسّـت حتى ما يُـعتبر في المغرب بالمقدسات، أي “الملك والوحدة الترابية”.

وذهبت مدريد أبعد من ذلك، حين نهجت مع الرباط سياسة المُـكايدة، فعمّـقت وطوّرت علاقاتها مع الجزائر “الشقيق اللّـدود” للمغرب، وتبنّـت في مجلس الأمن، الذي كانت تشغل به آنذاك مقعدا غير دائم، مواقف مُـناهضة للمواقف المغربية، فيما يتعلق بنزاع الصحراء الغربية، واستغلت نشر المغرب (في إطار محاربته للهجرة السرية) لعشرة من أفراد الدرك في جزيرة ليلى، التي تبعُـد عن الشاطئ المغربي بحوالي مائة متر، لتشن حملة عسكرية بالطائرات والسُّـفن الحربية، لتطرُدهم وتحتل الجزيرة، وتضع مضيق جبل طارق على شفير حرب بينهما، لولا التدخل الأمريكي، الذي أعاد الوضع إلى ما كان عليه، ثم استغلت وقوع هجمات انتحارية استهدفت أماكن سياحية في الدار البيضاء في 16 مايو 2003 ومشاركة مغاربة في أعمال مشابهة في عدد من العواصم، لتصور المغرب كوَكْـر للإرهاب.

تعاون وثيق

إثر ذلك أحدث فوز الاشتراكيين الإسبان في الانتخابات التشريعية، وبعد أيام قليلة من هجمات انتحارية استهدفت محطات القطار في مدريد في 11 مارس 2004، انقلابا في السياسة الإسبانية، الإقليمية والدولية.

فإذا كان العالم قد توقّـف طويلا أمام تمسك ثباتيرو بسحب القوات الإسبانية من العراق، واعتبار الحرب عليه عملا غير مشروع، والذهاب بعيدا عن التحالف البريطاني الأمريكي نحو الاندماج الأوروبي لينضم إلى التكتّـل الألماني الفرنسي، فإنه على الصعيد الإقليمي نبذ سياسة المحاور، وانتهج سياسة التقريب.

ولأن محور جنوب الإقليم، هما الجزائر والمغرب، اللتين لعب اثنار على خلافاتهما، فإن ثباتيرو بدأ سياسته الخارجية بمحاولة التقريب بين البلدين، بطرح جملة من الأفكار – وإن لم تلق حتى الآن قبول كل الأطراف – إلا أنها أعادت لمدريد دورا إقليميا يحظى بالاحترام.

ولم يخرج رئيس الحكومة الإسبانية عن تقليد أسلافه بتخصيص المغرب بأول زيارة رسمية خارج الاتحاد الأوروبي، وتبادل مع المسؤولين المغاربة الثقة ووضع أسس مقاربات جديدة للعلاقات بين البلدين، نجحت بخلق حميمية ودفء بين مسؤولي البلدين، والتعاطي بإيجابية مع الأزمات التي كانت ولازالت قائمة.

فلم تعد مدريد تُـحمّـل الرباط كل مسؤولية الهجرة السرية وتهريب المخدرات، ولم تعد الرباط تعتبر نفسها غيرُ معنية بهذين الملفين، وساعدت هذه الأجواء على بلورة تعاون وثيق في ميدان مكافحة الإرهاب، كما أبدت مدريد بالتعاون مع باريس استعدادا للدفاع عن ملف المغرب في السوق الأوروبية المشتركة.

وفي هذه الأجواء، رتبت زيارة الملك خوان كارلوس وعقيلته إلى المغرب، انتقل ما بين مراكش والرباط وطنجة حاملا للمسؤولين المغاربة إشارات إيجابية، سياسية واقتصادية واجتماعية، دون أن يتجاوز دوره الدستوري كملك يملك ولا يحكُـم، لكنه مستند إلى وئام مع رئيس حكومة بلاده، وصداقة تربط عائلته بالعائلة الملكية بالمغرب.

محمود معروف – الرباط

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية