مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

زيوريخ: مهرجان المتنبي في عامه الثالث

swissinfo.ch

اختتم المركز الثقافي العربي السويسري مساء السبت في زيوريخ اعمال "مهرجان المتنبي العالمي الثالث" بحضور شعراء عرب وسويسريين واوروبيين تناولوا موضوع الشعر والدين.

ثمانية شعراء عرب ومثلهم من الاوروبيين كانوا ضيوف مهرجان هذا العام. ولعل مفاجأة هذه الدورة تمثلت في خليط الضيوف من الشعراء العرب الذي جمع بين أنصار العلمانية المطلقة ومؤيدي المنهج الوسطي في ربط الدين بالحياة دون غلو أو تعصب، وهو ما جعل النقاش في ورش العمل يتحول أحيانا إلى جدل بين الاطراف العربية وحدها ويتابعه الاوروبيون من خلال ترجمة فوريه ممتازة إلى اللغة الالمانية.

كما تنوعت جنسيات المشاركين لتغطي المنطقة العربية من مشرقها إلى مغربها والجزء المتحدث بالألمانية في اوروبا مع امريكا اللاتينية وروسيا والصين، وهو تجمع فريد من نوعه لمناقشة علاقة الشعر بالدين.

تأثير الشعر على الدين في الواقع العربي

“…اليوم أكثر من أي يوم آخر يشهد العالم ولادة يقظة وحضارة جديدة، حضارة روحية صارت تمد بسطتها خطوة خطوة من الشرق إلى الغرب، إن العهد الجديد توليفة فكرية روحية، حسية، وطرائق حياة تجمع أقدم المعتقدات والانجازات الثقافية والحضارية بأحدثها”.

هذه الرؤية للشاعرة الاماراتية ظبية خميس حملت عنوان “في كف الرحمن ما بين الشعر والدين” عبرت فيها بأسلوب شعري رقيق عن مدى امتزاج الدين بالحياة اليومية حتى تشبعت به شخصية العربي أو المسلم بصفة عامة وينعكس ذلك تلقائيا في سلوكه بشكل أو بآخر وفي عمله وفي إبداعاته حسب المجال الذي يعمل فيه.

الشاعر الاردني طاهر رياض اتفق مع زميلته الاماراتية في هذه الرؤية من ناحية “قوة علاقة العربي بلغته وشدة استيعابه لجمالياتها الواثق على غناها في التعبير عن مكنونات نفسه” معتبرا “ان المتصوفين العرب كانوا الورثة الحقيقيين للغة القرآن واسلوبه.

 مداخلة مثيرة للجدل !

ويعترف الشاعر الالماني من اصل سوري سليمان توفيق في مقدمة مداخلته بأن فكرة البحث عن الطمأنينة متغلغلة في عمق الفكر الشرقي، وأن هذه الطمأنينة تنعكس في الموسيقى والشعر الذي وصفه ب “أنه الناطق الحقيقي الذي يستطيع أن يتحدث مع القلب والشجن الانساني”.

ويقر سليمان توفيق بالتأثير الروحاني للدين على سلوك الفرد، حتى في أدق تفاصيل الحياة اليومية.إلا أنه ناقض هذا كله قائلا بأن “الدين نزع دور الشعر في علاقة الانسان بتجربته الكيانية والمعرفية”، ثم انتقل إلى القول “إن الدين ككيان سياسي قام بتهميش دور الشعر وانتزاع دوره الاساسي في علاقة الانسان بتجربته الكيانية والمعرفية، بل ذهب إلى “أن هذا الكيان السياسي قام بنزع علاقته بذاته وبوجوده”.

هذه المداخلة اثارت حفيظة الحاضرين سواء من الشعراء العرب او من الجمهور العربي. وساعدت الترجمة الالمانية المتميزة للمستشرق الالماني غونتر اورت، على نقل وجهات النظر المختلفة بين الحضور من العرب والاوروبيين في مختلف محاور النقاش.

وللغرب وجهة نظره

ويبدو أن هذه المداخلة كانت السبب الرئيسي في تحويل دفة المداخلات بدلا من تفرع النقاش إلى موضوعات بعيدة عن مجال المهرجان، لتسمح للشعراء الأروبيين بالإدلاء بدلوهم في علاقة الشعر بالدين في ثقافاتهم.

فكانت مداخلة الشاعرة الاسبانية كارلا يانس على شكل دراسة قيمة حول تأثير شعر الحلاج وفلسفة ابن عربي وفريد الدين عطار على الشعراء الاسبان ومدى استمرار هذا التأثير على الادب الاسباني بصفة عامة.

أقصر المداخلات وأكثرها غموضا كانت من الشاعرة النمساوية ليزا ماير. فقد وصفت تجربتها الشعرية بأنها “الانتباه إلى شعاع الضوء وتمثل دافعا للبحث أملا في العثور على المعارف والشجاعة التي تستبدل بها كل ما يمكن لمسه بالفهم اليومي البسيط”.

وأشارت في حديثهاإلى سويس انفو أن موضوع الدين والشعر يمكن أن يكون بالفعل أحد قنوات التواصل والحوار بين الشرق والغرب، وإن كانت تعتقد بأن موضوعين فقط هما اللذين يمثلان محور التواصل وهما “الحب” و “الموت”.

مجهود جيد .. يحتاج إلى تقوية

على الرغم من أن الدين لم يعد يحظي باهتمام القطاع العريض من الاوروبيين ويقتصر الشعر على الفئة المثقفة منهم، إلا أن اختيار محور علاقة الشعر والدين كموضوع المهرجان لهذا العام وجد استحسانا من الكثير من الاطراف الاوروبية، فكان فرصة جيدة لتعريف الانسان الاوروبي بزاوية جديدة من الدين الاسلامي تبتعد عن الاحكام المسبقة والصور السلبية الملتصقة به.

وتبقى جهود المركز الثقافي السويسري العربي ذات أثر ايجابي في محاولاته الجريئة والناجحة لاظهار الجانب الانساني من الثقافة العربية، وذلك في فترة تتعرض فيه للتشهير تارة وللتشويه تارة أخرى. وفي غياب أي نشاط ثقافي عربي جدي شبيه أو مماثل يتحمل المركز والقائمون عليه عبئا كبيرا ومسؤولية جسيمة وينتظر منه عشاق الثقافة العربية الكثير والكثير، لا سيما وأن على رأسه شاعرا شابا عراقي المولد هو علي الشلاه.

وكان من المفترض أن يتفادى منظموا المهرجان أخطاء ما كان يجب أن يقعوا فيها، مثل اختلاف النصوص العربية والالمانية في التعريف بالشعراء والمشاركين في فعاليات المهرجان. فلماذا يحرم القارئ العربي من معلومات ثرية عن مشاركة شعرية أوروبية كتبت فقط بالالمانية وتم اختصارها باللغة العربية إلى الحد الادنى؟ وكذلك هو الحال مع الشعراء العرب.


تامر ابوالعينين

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية