مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

سفير الصومال يُناشد العالم التحرك لمواجهة المجاعة في القرن الإفريقي

نازحات من جنوب الصومال بسبب الجفاف والمجاعة ينتظرن دورهن للحصول على المساعدات الغذائية في مخيم بمقديشيو يوم 20 يوليو 2011 Keystone

في الوقت الذي قرعت فيه منظمة الأمم المتحدة جرس الإنذار بخصوص حجم المجاعة التي تعاني منها بلدان القرن الافريقي، وإعلانها منطقتين من جنوب الصومال مناطق منكوبة بالمجاعة، يسترعي الإهتمام كفاح سفير الصومال في جنيف من أجل مواصلة إسماع صوت بلده المفكك منذ أكثر من عشرين عاما.

ومنذ عدة سنوات، يحاول السفير يوسف محمد إسماعيل الحفاظ على تواجد دبلوماسي لبلد مُنهار يعاني اليوم من تأثيرات الجفاف والمجاعة بعد أن قاسى من انهيار مؤسسات الدولة وويلات الإقتتال بين أبنائه على مدى عقدين كاملين.

وقد يبدو سرياليا، تواجد سفير لتمثيل هذا البلد لدى المقر الأوروبي للأمم المتحدة في جنيف في الوقت الذي يعاني فيه الصومال منذ أكثر من 20 سنة من حروب مدمرة حركتها، ولا تزال، التدخلات الاقليمية والدولية تارة، والخلافات القبلية والطائفية أحيانا كثيرة. ويعترف السفير يوسف محمد إسماعيل بأن “هناك أزمة سياسية بالطبع”، لكنه يشدد على حجم “الأزمة الإنسانية التي يعرفها الصومال اليوم والتي تعد الأكثر خطورة منذ 60 سنة”.

وكانت منظمات إنسانية ومنظمة الأمم المتحدة قد قرعت جرس الإنذار بخصوص الوضع الصحي والغذائي في منطقة القرن الافريقي عموما وفي مخيمات اللاجئين الصوماليين في أثيوبيا بالخصوص. إذ أعلنت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين يوم الثلاثاء 19 يوليو في جنيف أن “نسبة الوفيات بلغت 7،4 من 10 آلاف”، وهو ما  “يفوق النسبة المتوسطة لبلدان جنوبي الصحراء”، حسب رأي بول شبيغل، خبير شؤون الصحة لدى المفوضية.

وإذا كان إطلاق مفهوم “المجاعة” على منطقة من المناطق يتطلب توفر إحصائيات محددة حول المنطقة بأكملها وليس فقط بمخيمات اللاجئين، فإن خبير مفوضية اللاجئين أوضح بأن “نسبة سوء التغذية داخل المخيمات بلغت 26،8%”.  وكانت منظمة الأغذية والزراعة قد أشارت الأسبوع الماضي الى أن أكثر من 12 مليون شخص يُعانون من تأثيرات الجفاف والمجاعة في بلدان القرن الافريقي (أي أريتريا وأثيوبيا والصومال).

إنذارات متكررة.. وانتقادات

في هذا السياق، يُذكـر السفير يوسف محمد إسماعيل بأن الإنذار باحتمال وقوع كارثة تكرر عدة مرات خلال السنوات العشر أعوام الماضية. والنتيجة اليوم، رغم عدم توفر أرقام محددة بل مجرد تقديرات، هو نزوح أكثر من 4 ملايين شخص من الصومال وحدها في اتجاه  كينيا وإثيوبيا، بالإضافة الى النزوح الداخلي في اتجاه المناطق المستقرة في شمال البلاد وفي اتجاه العاصمة مقديشو.

وأضاف السفير الصومالي “لقد كررنا مرارا تحذيرنا  للمجموعة الدولية من خطر بروز أزمة كامنة، ولكن أحدا لم يُعر انتباها للمعلومات التي كنا نقدمها”.

من جهة أخرى، ينتقد يوسف محمد إسماعيل النقص المسجل في التنسيق بين الوكالات التابعة للأمم المتحدة ويقول: “ما نلاحظه هو أن كل منظمة أممية تقوم بنشاطاتها على انفراد وبدون تنسيق لا مع المنظمات الأخرى ولا مع الحكومة الصومالية، بل حتى مع قوات حفظ السلام الأممية المتواجدة على الأرض”، وهو ما يعتبره “ردا غير ملائم لمواجهة الأزمة الحالية”.

اتهامات بالتسييس

وبخصوص التحرك الحالي الذي أطلقته المنظمة الأممية، يرى السفير الصومالي أنه “في الوقت الذي نشدد فيه على ضرورة قيام منظمة الأمم المتحدة بإجراءات وقائية، نلاحظ أنها تركز على عمليات المساعدة الطارئة وحدها”.

ويذهب يوسف محمد إسماعيل إلى حد توجيه اتهامات بتسييس العمل الإنساني من طرف البعض مشيرا إلى أن “رد المنظمات الإنسانية على حجم المأساة ليس بالشكل المطلوب خصوصا وأنها تسيّس أزمة إنسانية، وهو ما يعمل على تعقيد الأمور أكثر، لتمديد نشاطاتها بالشكل الحالي في الوقت الذي يطمح فيه الشعب الصومالي بعد عقدين من الصراع لرؤية الاهتمام بكافة أوجه حقوق الإنسان التي تعتبر جنيف مقرا لها”. ولدى استفساره عما يقصده بـ “تسييس العمل الانساني”، رد السيد يوسف محمد إسماعيل قائلا: “لقد أظهرت الأزمة الحالية أن الإهتمام بحقوق الإنسان في الصومال لا يتم بالشكل الذي يضمن مراعاة كل الحقوق”.

السفير الصومالي انتقد بوجه خاص مجلس حقوق الإنسان (الذي يُوجد مقره في جنيف) بسبب عدم إيلاءه الإهتمام المطلوب لقضايا حقوق الإنسان في الصومال، “ليس فقط بعدم قيامه بعقد جلسة خاصة حول الأوضاع في الصومال، بل أيضا لعدم تحريك الآليات الخاصة من مقررين خاصين حول الحق في الغذاء أو الحقوق الإقتصادية والثقافية”، على حد قوله.

وطالب السفير أيضا “بضرورة محاسبة المنظمات الأممية والإنسانية العاملة في الصومال على كيفية صرفها للأموال المُجمّعة، وإجبارها على تقديم حصيلة نشاطاتها أمام ممثلي المجموعة الدولية”.        

نداء إلى الدول الاسلامية والعربية

وفي معرض تقييمه لما تتطلبه المرحلة الحالية، يرى السفير يوسف محمد إسماعيل أنه “يجب العمل على معالجة الأسباب الفعلية للأزمة الحالية وتفادي تجدد تأثيرات حقبة جفاف جديدة العام القادم، الأمر الذي قد يثقل كاهل الدول المانحة”.وتوجه السفير الصومالي بالخصوص إلى الدول العربية والإسلامية بقوله: “إذا كانت الأزمة الإنسانية الخطيرة التي يعرفها الصومال حاليا لتحرك المشاعر الانسانية، فالأولى ان تحرك مشاعر إخواننا وأخواتنا في العالمين العربي والإسلامي، لأن ما يلحق بالصومال اليوم قد يحدث لأي بلد آخر”.

وعن حقيقة تحرك المؤسسات العربية والإسلامية في الأزمة الصومالية يقول السفير: “لقد صدر نداء عن منظمة المؤتمر الإسلامي لمطالبة الأمة الاسلامية بمساعدة الإخوة والأخوات في الصومال”. ودون أن يذكر أسماء البلدان العربية والإسلامية القليلة التي استجابت لهذا النداء إلى حد الآن، عبّر مندوب الصومال لدى المقر الأوروبي للأمم المتحدة في جنيف عن الأمل في “رؤية البلدان الإسلامية تهب في تنسيق فيما بينها لنصرة إخوانهم في الصومال خصوصا وأننا على أبواب شهر الصيام  المبارك”.

وعن سبب إحجامه عن انتقاد الدول العربية والإسلامية في الوقت الذي لم يتردد في توجيه النقد إلى المنظمات الإنسانية والوكالات الأممية، جاء رد السفير الصومالي في صيغة ملاحظة وردت على لسان أحد الدبلوماسيين الغربيين الذي كان يناقش معه الوضع وما يمكن القيام به، حيث تطرق إلى مبادرة فرنسا التي دعت إلى عقد اجتماع طارئ بمقر منظمة الأغذية والزارعة في روما يوم 25 يوليو الجاري، وتساءل: “أليس الأجدى أن تتقدم الجامعة العربية أو منظمة المؤتمر الإسلامي بمبادرة مماثلة؟”..

مسؤولية الصوماليين.. أولا وأخيرا

في ظل الإقرار بوجود تدخلات خارجية متعددة أسهمت في التعقيدات التي يشهدها الوضع الصومالي، تبقى مسؤولية ما يحدث في الصومال منذ أكثر من عقدين من الزمن، ملقاة بالدرجة الأولى على عاتق أبنائه على اختلاف ميولاتهم وانتماءاتهم السياسية والعقائدية والقبلية.

وفي هذا السياق يعترف السفير يوسف محمد إسماعيل بأنه “ما من شك في أننا نحن الذين حطمنا البلاد بأيدينا وعلينا تحمل مسؤولية ذلك”، ويضيف مستدركا “لكن بفضل الله سبحانه وتعالى وبفضل التضامن القائم بين أبناء الصومال مازال الشعب الصومالي موجودا ولم يختف من خارطة العالم على الرغم من حجم الدمار ومن طول مدة الصراع الذي لم يبدأ بانتهاء حكم (الرئيس الأسبق) سياد بري في عام 1991، بل عند توقف الحرب الأثيوبية الصومالية في عام 1978”.

ولم يتردد السفير يوسف في تقديم الشكر للجالية الصومالية في الخارج التي أكد أنها “تقوم بدعم الأهل في الداخل كل حسب مقدوره”، لكنه يُقر بأن الحل يكمن في “إيجاد حل سياسي وهذا ما على الصوماليين وحدهم الإهتداء إليه”.

وبخصوص مبادرات السلام الساعية للحل المشكل الصومالي، أفاد السفير الصومالي أن “هناك تعبئة داخل البلاد وخارجها، سواء فيما يتعلق بالعمل الانساني لمواجهة الأزمة الطارئة، على مستوى رجال الدين والوجهاء، أو من أجل معالجة المشكل الصومالي من أساسه”.

وفي سياق متصل، يرى الدبلوماسي أن لبّ المشكلة الصومالية “يكمُن في كيفية التوفيق بين المعايير التقليدية وبين متطلبات نظام حكم عصري”، ويذهب إلى أن الحل يتمثل برأيه في “الإهتداء الى مسار سلمي لبناء الدولة، وبعبارة أخرى التوفيق بين المسارين في آن واحد: مسار بناء الدولة، ومسار إقامة السلام”.

وبالنظر إلى ما تم إنجازه مؤخرا في جنوب السودان، يرى السفير الصومالي (لكن من وجهة نظره الخاصة) أن “التقسيم ليس حلا مقبولا أو معقولا بالنسبة للصومال، بل الحل يكمن في إقامة نظام فدرالي وحكم لامركزي يُراعي تقاسم الموارد والتمثيل السياسي للجميع ويراعي احترام الأقليات”.

وبخصوص الخطوات العملية من أجل البحث عن حل للمشكل السياسي في بلاده، أفاد السفير يوسف محمد إسماعيل أن “هناك نقاشا لم يُحسم بعد لعقد مؤتمر بعد شهر رمضان (أغسطس 2011) تشارك فيه جميع التيارات وتشارك فيه سلطات منطقة صومالي لاند (أي جمهورية أرض الصومال) أيضا لوضع حد لصراع لم يعُد مقبولا أن يستمر، وأدى إلى التضحية بجيلين كاملين” من الصوماليين.    

عند إثارة موضوع كيفية قيام سفير الصومال لدى المقر الأوروبي لمنظمة الأمم المتحدة في جنيف  بمهامه في الظروف التي تعرفها البلاد من استمرار لصراع مسلح ومدمّر منذ موفى سنة 1991، وتقلب في الحكومات المتعاقبة، وقلة في الموارد، صمت السفير يوسف محمد إسماعيل طويلا قبل أن يجيب بأنه “الموضوع الأصعب والذي يثير المشاعر أكثر ولو أن على الدبلوماسي أن يتجنب ذلك”.

فقد تم تعيين الرجل في منصب ممثل الصومال لدى الأمم المتحدة في جنيف في عام 2008 بعد معاناة سلفه من مرض عضال تاركا له ليس فقط مهمة التمثيل الدبلوماسي لبلد منهار، بل أيضا مهمة دفع نفقات البعثة ونفقات علاج السفير الأسبق في المستشفى في غياب أية موارد قادمة من العاصمة مقديشو.

في هذا السياق، أعاد السفير الصومالي “تقديم الشكر لدولة الكويت ولبعثتها في جنيف التي تحملت نفقات البعثة الصومالية منذ انهيار دولة الصومال في عام 1991، وإلى دولة الإمارات العربية المتحدة التي تحملت نفقات علاج السفير الصومالي الأسبق في مستشفى جنيف، وإلى سفارة السودان في جنيف التي أهدت للبعثة الصومالية سيارة لاستخدامها في تحركات السفير”.

في المقابل، لم تمنع قلة الموارد السفير الصومالي لدى الأمم المتحدة في جنيف من الحصول على الدعم داخل مجلس حقوق الإنسان لتمرير خمسة (5) مشاريع قرارات متعلقة بالأوضاع في الصومال، بل تمكنت بعثة الصومال من الإيفاء ببعض الإلتزامات الدولية وقدمت تقرير الصومال أمام آلية الإستعراض الدوري الشامل (التابعة لمجلس حقوق الإنسان) في شهر مايو 2011.

بكثير من التواضع، يقول السفير يوسف محمد إسماعيل “إن القيام بمهمة التمثيل الدبلوماسي في الظروف التي تعرفها بعثة الصومال يتطلب التضحيات الكبرى من أجل الوصول بالصومال إلى مرحلة الوقوف في مصاف دول العالم كما كانت من قبل”، مضيفا أنه “إذا كان في هذا العمل خدمة لمواطن صومالي واحد، فهذا عمل جيد ثوابه عند الله”.  

في إطار رد فعلها على أزمة الجفاف الجديدة في منطقة القرن الافريقي، خصصت السلطات السويسرية حوالي 4،5 مليون فرنك إضافية كمساعدات طارئة تضاف إلى 14 مليون فرنك قدمتها منذ بداية العام الجاري لدعم المناطق المتضررة من الجفاف في كل من كينيا وإثيوبيا والصومال.

تسهم سويسرا بهذه الأموال في تمويل عدة مشاريع تقوم بتنفيذها منظمات أممية مثل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أو منظمات دولية كاللجنة الدولية للصليب الأحمر أو منظمات إنسانية سويسرية.

في تعقيبه على هذا الاعلان، عبر سفير الصومال السيد يوسف محمد إسماعيل عن “الشكر للسلطات السويسرية لتخصيصها الأموال لدعم اللاجئين”، وعبر عن الأمل في أن “يُسهم الشعب السويسري والجالية المسلمة  المقيمة في سويسرا في مجهود التخفيف من معاناة إخوانهم في الصومال”.

من جهتها أوضحت “سلسلة السعادة”، وهي مؤسسة خيرية تابعة لهيئة الإذاعة والتلفزيون السويسري تُعنى بجمع التبرعات لفائدة ضحايا الكوارث داخل سويسرا وخارجها، أن تزامن إصدار نداء لجمع التبرعات لصالح ضحايا الجفاف في القرن الافريقي مع بداية عطلة الصيف، جعل نسبة الإستجابة للنداء أقل بكثير من المعتاد. وهو ما دفعها إلى تكثيف حملاتها عبر وسائل الإعلام السويسرية لحث المواطنين على مزيد التبرع.

يرى السفير الصومالي لدى الأمم المتحدة في جنيف أن بإمكان سويسرا أن تلعب دورا أهم في بعض المجالات التنموية ومن ذلك “إمكانية اشتراكها في مشروع إقامة تحالف دولي يشرف على مشروع لتأمين الحق في الحصول على المياه الصالحة للشرب والمجاري الصحية في الصومال”.

تشير أحدث المعطيات المتوفرة إلى أن عدد الصّوماليين المقيمين في سويسرا يزيد عن 10 آلاف شخص ما بين لاجئ سياسي ومقيم بصفة دائمة.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية