مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

سلام دارفور.. بين الانتماء للوطن وأحلام الانفصال

روبرت زوليك، نائب وزيرة الخارجية الأمريكية يصافح خليل إبراهيم، زعيم حركة العدالة والمساواة (إحدى حركات التمرد في إقليم دارفور) في بداية إحدى جلسات مفاوضات السلام في الإقليم يوم 2 مايو 2006 في أبوجا بنيجيريا Keystone

تعيش دارفور (ومعها السودان) هذه الأيام على وقع وساطة ثم مهلة ثم أخرى وسط اهتمام دولي واسع بالتوصل إلى حل يحظى بموافقة جميع الأطراف المعنية.

فربما ينتهي الأمر منتصف ليل الخميس 4 مايو بتوقيع اتفاق للسلام ينهي الصراع المحتدم منذ ثلاث سنوات، وربما يتحول الأمل إلى كابوس مخيف إن أنهى الوسطاء الأفارقة جهودهم بالانسحاب من الحلبة.

تعيش دارفور على وقع وساطة ثم مهلة ثم أخرى. فربما ينتهي الأمر بتوقيع اتفاق للسلام ينهي الصراع المحتدم منذ ثلاث سنوات، وربما يتحول الأمل إلى كابوس مخيف إن أنهى الوسطاء الأفارقة جهودهم بالانسحاب الحزين، لاسيما في ظل مطالب ذات سقف عال جدا تطرحه حركتا التمرد، وقبول حكومي مبدئي لخطة الوسيط الإفريقي، ممزوج بموقف غير نهائي يرفض أي تعديلات جذرية على النص الأصلي.

ضغوط من كل حدب وصوب

لكن المهل الزمنية وحدها لا تكفي. فهناك ضغوط تُمارَس من كل جنسية تقريبا في إشارة إلى اهتمام غير مسبوق بحل قضية إفريقية فرضت نفسها على “أجندات” بلدان أوروبية وإفريقية وعربية والولايات المتحدة والصين وغيرهم، ولكلٍ مسعاه وأهدافه الخاصة معلنة أو مضمرة.

والأمل في نهاية سعيدة يُـتوّج بقبول الأطراف المعنية كلها لنص الاتفاق، سواء عدل كليا أو في بعض مواده، هو أكثر ما يشغل الوسطاء الأفارقة الذين صرفوا الجهد لمدة ستة أشهر متواصلة من أجل التوصل إلى نص اتفاق يراعي الجزء الأكبر من مطالب كل طرف من جانب، كما يراعي نصوص اتفاقية السلام الموقعة في نيفاشا بين حكومة الخرطوم والحركة الشعبية لتحرير السودان، والتي بدأ العمل بها بالفعل مطلع العام المنصرم من جانب آخر. وكأن السودان تعاد صياغته وفق جراحة دولية بكل المقاييس.

هذه الصياغة المتوازنة التي كانت محل رعاية من المفاوض الإفريقي، راعت أيضا ـ وإن كان ذلك ضمنيا ـ أن يظل إقليم دار فور جزءا غير قابل للانسلاخ من الدولة السودانية، وحتى لا تكون هناك سابقة تقبل التكرار على دول إفريقية أخرى، وما أكثر من يرفع السلاح فيها ضد الحكومات القائمة.

ولعل ذلك يفسر إصرار المفاوضين الأفارقة على أن الاتفاق غير قابل للتعديل الكلي، كما يطالب بذلك المتمردون، والذين يرون أن النص غير موفق ولا يلبي مطالبهم الأساسية في توحيد الإقليم وفي منصب نائب للرئيس وضمانات دولية.

اعتراضات في الداخل

والحق هنا أن النص يجد معارضة وتحفظات من قبل قوى سودانية في الداخل، ربما نكاية في الحكومة وتقربا من حركتي التمرد.

ومن بين هذه الاعتراضات غموض النص، وميله إلى مطالب الحكومة، وتلك بدورها مفهومة في أن المنتقدين من المعارضة أساسا، وعدم شموله أرقام واضحة وعادلة للأنصبة السياسية والاقتصاد، وتسليم زمام الأمور لقوات الاتحاد الإفريقي، التي أثبتت عدم مقدرتها على القيام بمهام الحماية والمراقبة، وغياب النص على محاسبة ومساءلة مرتكبي الجرائم في دارفو، والنظر إلى الإقليم باعتباره مقسما، وليس موحدا كما كان قبل الاستقلال، وغياب آليات تمويل الحكم الفدرالي في الإقليم وخضوعه للتمويل القادم من المركز.

فكرة رئيسية

من المهم هنا أن نلقي نظرة على المفهوم العام لنص الاتفاق، إذ يقوم على فكرة رئيسية، وهي أن دارفور لابد أن تظل جزءا من السودان الفدرالي بصورته القائمة حاليا، أي المقسمة إلى ثلاث ولايات، وفي ظل الحدود المعلنة منذ الأول من يناير 1956. وحتى إذا أراد أهل دارفور النظر إلى الإقليم كإقليم واحد، فلابد من استفتاء تؤيِّـد نتيجته هذا المطلب، بمعنى ألا يؤخذ مطلب حركتي التمرد باعتباره شيئا مفروغا منه، بل مطلوب أن يكون له سند شعبي عبر استفتاء.

فسواء ظل الإقليم مقسما أو تم توحيده، فليس في النص ما يشير إلى أنه سيكون قابلا للتحول إلى كيان قابل للانسلاخ عن الدولة السودانية. فلا توجد حكومة للإقليم، وإنما سلطة انتقالية، وبعدها إدارة محلية ذاتية واسعة السلطات نسبيا، ومن هنا جاءت مفوضيات للأمن وللأراضي والإعمار وإعادة التوطين، جنبا إلى جنب أن يكون أبناء الإقليم مندمجين في مستويات الحكم الاتحادي المختلفة.

ووفقا لتكوين السلطة الانتقالية من ولاة الأقاليم الثلاثة ورؤساء المفوضيات الأربعة ورئاسة مساعد رئيس الجمهورية، وهو المنصب الذي استُـحدث ليشغله أحد المرشحين من حركتي التمرد بصلاحيات واسعة، بدلا من منصب نائب الرئيس، فإن هذه السلطة ستظل تحت رعاية الرئاسة السودانية التي تمثل الرمز الأعلى لوحدة البلاد، إضافة إلى مجلس تشريعي فدرالي ومجلس تنفيذي وهيئة قضائية، تُـحدَّد في ضوء الدستور المعمول به وفقا لاتفاقية السلام.

أوهام محبطة

هذا التكوين للسلطة من شأنه أن يُـحبط حركتي التمرد اللتين ظلّـتا تحلمان بأحد أمرين، إما أن تأتي قوات دولية وفقا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وتقوم بفصل الإقليم عمليا عن سلطات حكومة الخرطوم، ومن ثم يكون للحركتين اليد العليا في شؤونه بعيدا عن المركز، وإما أن تقوم الولايات المتحدة مدعومة من بريطانيا باتخاذ قرارات لحظر الطيران فوق الإقليم بصورة منفردة، كما حدث مع إقليم كردستان العراق، وتفرضان أوضاعا غير مريحة للسلطات الحكومية، ومن ثم يكون لحركتي التمرد فرصة الانفراد بشؤون الإقليم، والتمهيد إلى فصله بصورة أو بأخرى مستقبلا. فالحلم، أو بالأحرى الوهم، تعلّـق أساسا بفرصة الانفراد بشؤون الإقليم وإعطائه هوية منفردة، إقليميا ودوليا، وبما يبرر لاحقا دعوة الانفصال أو الاستقلال.

ولعل هذا الحلم/الوهم هو الذي يفسر لماذا تُـصر الحركتان ـ العدل والمساواة وحركة تحرير السودان ـ على تعديلات أساسية على نص الوثيقة، ويفسر أيضا لماذا تتمسك الحكومة، التي وقعت مبدئيا على الاتفاق بألا يحدث أي تغيير جوهري، أو بمعنى آخر ألا يتم إدخال مفاهيم جديدة في الوثيقة من شأنها أن تفتح الباب أمام منح إقليم دارفور هوية ذات طابع دولي مستقل.

هذا الحلم نفسه يفسر أيضا مطلب حركتي التمرد بأن يكون لهم نائبا للرئيس، والذي يبدو صعب المنال، ومن ثم تحوّلوا إلى المطالبة بمناصب وزارية سيادية، كالدفاع والمالية ووزارة النفط، وأن يكون لهم تمثيل عددي في المستويات التنفيذية الاتحادية كلها، وهو الأمر الغير وارد في نص الاتفاق، حيث اكتفى النص بأن يكون لأهل دارفور تمثيل في كافة مستويات الحكم والقضاء مع الأخذ في الاعتبار الكفاءة والمؤهلات المناسبة.

تعديلات جزئية مرجحة

وفي ضوء الُمهل الزمنية التي توفرت، يومين ثم يومين آخرين وربما يومين خامس وسادس، فإن مبدأ التعديلات الجزئية يبدو هو الأرجح، والأفكار الأمريكية تصب في واقع الأمر في هذا الاتجاه. أبرزها، أن يتم نزع سلاح “الجنجويد” المتهمة بأنها وراء أعمال العنف واسعة المدى ضد الأهالي في الإقليم، وأن يوضع برنامج زمني محدّد لدمج بعض المنتمين لحركتي التمرد في الأجهزة الأمنية الحكومية، وأن تكون هناك ضمانات دولية وإقليمية لحُسن تطبيق الاتفاق، وهي تعديلات لا تمس صميم المفهوم الذي قامت عليه الوثيقة الإفريقية في أصلها الأول.

ولذلك، يبدو أن الحكومة قد تقبلها، بعد التدقيق في صياغتها، ومراعاة أن العادات القبلية المعمول بها في الإقليم منذ مئات السنين لا تقبل النزع الكامل للسلاح من كافة أبناء القبيلة، وأن كثيرا من المجموعات القبلية شبه المسلحة لا تعد مشمولة بنزع السلاح، كما هو الحال مع هؤلاء المعروفين “بالجنجويد”، والذين هم في الواقع عناصر يصعب التعرف عليها بشخوصهم.

مشكلة القوات الدولية

لكن تظل هناك مشكلة كبرى فيما بعد الاتفاق، تتعلق أساسا بقدوم قوات دولية إلى الإقليم، ووفق أي فصل في ميثاق الأمم المتحدة، وما هي وظيفتهم إن جاءوا إلى الإقليم، وكيف ستكون علاقتهم مع القوات الإفريقية الموجودة بالفعل في الإقليم لمراقبة وقف إطلاق النار.

والمفهوم هنا، أن موقف حكومة الخرطوم بإمكانية قبول القوات الدولية جنبا إلى جنب القوات الإفريقية، بعد التوقيع على اتفاق للسلام في الإقليم، يسهل جزئيا مهمة هذه القوات، حيث لن تكون هناك مواجهة سودانية دولية، كما يوضح غرضها الرئيسي في الإشراف على الأوضاع الأمنية وعودة اللاجئين إلى ديارهم، وتلك مهام مقبولة طالما أنها جاءت وفق الفصل السادس وليس السابع.

د.حسن أبوطالب – القاهرة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية