مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

سلام فياض.. تعميد جديد لقيادي فلسطيني

رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض يشارك في رقصة شعبية أثناء حفل الإفتتاح لتظاهرة "القدس عاصمة للثقافة العربية" في بيت لحم بالضفة الغربية يوم 21 مارس 2009 Keystone

بعد أيام على تقديم رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض استقالته من منصِـبه، وقَـع سطْـو مسلّـح على أحد المصارف في مدينة البيرة بالضفة الغربية. وقبل ساعات من ذلك، اقتحم مجهولون مكتب النيابة العامة في مدينة بيت لحم. وقد لخص مواطنون ردّ الفعل الشعبي التِّـلقائي على ذلك بقولهم "لقد غادر فياض وعاد الانفلات الأمني".

كان يُـمكن لمثل هذين الحادِثين أن يمُـرّا في أي زمان أو مكان، دون أن أي تعليقات، لكن ردّة الفعل التلقائية تلك، تحمِـل معانٍ ودلالات لقصّـة الواقع الجديد في الضفة الغربية، منذ حلَّ فياض رئيسا للحكومة الفلسطينية صيف عام 2007، غَـداة سيطرة حركة حماس الإسلامية على قطاع غزّة ودخول الفلسطينيين في انقسام غير مسبوق، لا زالوا يعيشونه.

ولعلّ الأحداث التي أحاطت بقيام الرئيس محمود عباس بتكليف فياض (56 عاما) بتشكيل حكومة، لم تكن مُـغرية على الإطلاق لأي كان لقبُـول المنصب. ففي غزّة، كانت البندقية هي المُـسيطرة وكان قياديون في حماس يقولون إنهم سيؤدّون صلاة الجمعة التالية في (المقاطعة) مقرّ الرئاسة بمدينة رام الله، بالضفة الغربية.

في الضفة الغربية، كان المجهول سيد الموقف؛ مسلّـحون يجوبون شوارع المُـدن الرئيسية والكل يترقِـب مواجهة دامية أخرى بين حركتي فتح وحماس، على غِـرار ما جرى في غزّة، وكان الرئيس محمود عباس يعد لتكليف شخصية غير فصائلية لقيادة حكومة طوارئ لفترة شهر.

ويقول أحد مستشاري عباس الذين عمِـلوا على مساعدة الرئيس في تشكيل الحكومة الجديدة: “لم يكن عباس قد قرّر اختيار شخص بعيْـنه ولم يكن يريد لأحد أعضاء فتح تولّـي المهمة، لأن ذلك سيُـفسَّـر على أنه تعزيز للإنقسام الذي انطلق في غزّة”.

ولجأ عباس إلى دعوة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية للانعقاد في مقرّ المقاطعة برام الله، وطلب من الأعضاء تسمية شخصية لتشكيل حكومة الطوارئ. وقال المستشار، الذي رفض الكشف عن هويته، “طلب عباس من المجتمعين الاقتِـراع كتابةً، وكانت النتيجة أن 15 عضوا من نحو 18 من المجتمعين، اختاروا سلام فياض”. لم يتردّد فياض، وزير المالية في حكومة الوِحدة الوطنية، التي أطاح بها الانقسام، في القبول بالمنصب.

وقال علي خشان، وزير العدل في الحكومة وأحد القلائل الذين وافقوا على الانضمام إلى حكومة الطوارئ برئاسة فياض، “كانت الأمور صعبة جدا وكانت ثمّـة تهديدات، وتراجع أحد الوزراء عند أداء يمين القسم، إذ لم يكُـن مقتنِـعا بأن هذه الحكومة ستستمِـر”.

واعتبر الكاتب السياسي محمد هواش في حديث لسويس انفو، “هذه شجاعة يجب أن تحسب للرّجل وللوزراء الذين عملوا معه، كان يُـدرك أنه يقف أمام أقوى حركتيْـن على الساحة الفلسطينية، فتح وحماس، ولم تكن تلك ظروف لتشجِّـع أحدا للإقدام على مثل هذه الخطوة”.

طريق التعميد

كان وصول فياض، صاحب الخِـبرة الدولية في الإدارة والمال، إلى مرتبة مثل منصب رئيس حكومة فلسطينية خروجا على تقاليد السياسة الفلسطينية، التي لم تقبل يوما أحدا في القيادة، سوى أولئك الذين “تعمّـدوا بالدّم عبر مشوار النِّـضال والكفاح المسلح”.

فياض، المولود في قرية دير الغصون قرب طولكرم في شمال غرب الضفة الغربية، لعائلة عرفت السياسة (كان والده عضوا في مجلس الأعيان الأردني)، كان بمثابة الإستثناء لهذه القاعدة، لكنه “تعمّـد” بطريقة أخرى ساعدته أن يكون أهلا لهذه المرتبة العليا في سُـلَّـم القيادة، بعيدا عن اشتراطات الفصائل الإسلامية والوطنية، وهي اشتراطات ستعود لتُـسبِّـب له صُـداعا لاحقا.

قبل عودته إلى الأراضي الفلسطينية ممثلا لصندوق النقد الدولي في فلسطين عام 1995، كان فياض، الحاصِـل على شهادة في الهندسة من الجامعة الأمريكية ببيروت ودكتوراه في الاقتصاد من الولايات المتحدة، قد عمِـل لسنوات موظّـفا كبيرا في البنك الدولي.

وقد أتاح له العمل ممثلا لصندوق النقد الدولي في فلسطين، فرصة مناسبة للتعرّف على قنوات صُـنع القرار مع بدايات قِـيام سلطة الحكم الذّاتي. وعندما جرى اختياره وزيرا للمالية (أول مسؤول مالي من خارج حركة فتح) في عام 2002، كان فياض قد خطى خطوته الرئيسية الأولى نحو القيادة.

وشاءت ظروف الحِـصار، الذي فرضته إسرائيل على الرئيس الراحل ياسر عرفات في مقرّه بالمقاطعة من رام الله، أن تشكل مرحلة أساسية على طريق تعميد فياض سياسيا فلسطينيا بارزا. وقد قاده منصبه وزيرا للمال إلى مقر المقاطعة ووقع أسير الحصار أيضا.

ويقول أحد المسؤولين المقرّبين من عرفات في حينه، “طلب عرفات من مجموعة من المسؤولين الذين باغتهم حِـصار الجيش الإسرائيلي لمقر المقاطعة أن يعودوا إلى منازلهم، واستجاب معظَـمهم، إلا فياض، الذي أصر على البقاء إلى جانب عرفات حتى انتهاء الحصار”.

وفي عام الانتخابات الفلسطينية الأخيرة في 2006، قرّر فياض، وزير المالية الذي استطاع إدخال إصلاحات سريعة وجِـذرية، وبات شخصية دولية مرمُـوقة، الاستقالة من منصبه وتشكيل حزب “الطريق الثالث” مع مستقلين آخرين، لخوض أول انتخابات عامة بعد رحيل عرفات.

ولعلّ فوز الحزب الجديد بمقعَـديْـن من أصل 120 من مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني (حصلت فصائل مُـخضرمة على عدد مقاعد مساوٍ)، شكّـل المرحلة التالية قبل الأخيرة لوصول سلام فياض إلى منصب رئيس الوزراء، متجاوِزا سياسيين وقياديين مخضرمين، مستقلّـين ومنتمين إلى حركات وفصائل.

ربما شكّـل فوز “الطريق الثالث” بمقعدين، عنصرا آخر في الوصول إلى “المقعد الأول” في الحكومة، بيد أن فياض كان قد اكتسب ثقة الرئيس عباس الذي أرسله في أكثر من مهمّـة سرية للقاء مسوؤلين أمريكيين بمستوى وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك كوندلايزا رايس.

وبحسب أحد المسؤولين “كان مُـقنعا لمحاوريه وصلبا فيما يتعلق بالحقوق السياسية الأساسية الفلسطينية، كنت لتدهش من أسلوبه الواضح المكثّـف القوي والصريح والعملي في آن واحد”.

ويقول الكاتب السياسي هواش “من المهِـم الانتباه أن فياض يعبِّـر عن البرنامج الوطني لمنظمة التحرير وهو لا ينفكّ يؤكِّـد على مبادرة السلام الفلسطينية، التي تمثلت في إعلان الاستقلال عام 1988، والتي يعتبرها أقسى التنازلات التي يمكن للفلسطينيين تقديمها، وأنه يتوجّـب العودة لها والتركيز عليها”.

العمل في مواجهة الانتقادات

قُـدِّر لحكومة الطوارئ التي قادها سلام فياض أن تتجاوز عمرها الافتراضي لشهر واحد، ها هي الآن (حكومة تصريف أعمال) تقترب من عامها الثاني، وقد أنجزت الكثير، مقارنة مع الظروف التي انطلقت خلالها مع انقسام صيف عام 2007.

وبعد إقناعه الدُوَّل المانحة بضخِّ مساعداتها لخزينة الحكومة الفلسطينية، انصرف فياض إلى العمل على الأرض. وتشير الإحصاءات إلى أن الحكومة الفلسطينية ضخّـت نحو 300 مليون دولار في مشاريع بُـنى تحتية وتطوير في مختلف مناطق الضفّة الغربية، وواصلت صرف رواتب نحو 75 ألف موظف، في كل من الضفة وقطاع غزّة.

ذهب فياض إلى حيث لم يذهب أحد قبله من المسؤولين في الأراضي الفلسطينية، حيث شارك في موسم قطاف الزيتون مع المزارعين، ولم يتأخر عن تدشين مشروع في قرية أو مدينة أو مخيم لاجئين، في مختلف مناطق الضفّة الغربية.

راح فياض يروِّج لفكرة “تمكين الشعب الفلسطيني أمام ظروف الاحتلال”، وهي الفكرة التي طغَى عليها الانقسام الفلسطيني بين غزّة والضفة وحقيقة عدم تحقيق اختراق في المفاوضات السياسية مع إسرائيل.

وعن ذلك، قال فياض خلال أحد لقاءاته مع الصحفيين في مكتبه: “أعود وأقول إن كل شيء نعمله من أجل تثبيت المُـواطن على الأرض، وهذا يخدمنا في البقاء على هذه الأرض ليوم آخر ولليوم الذي يليه، وليس للتّـغطية على فشل التفاوض، لأن التفاوض ليس مشروعا نستثمر فيه بحدّ ذاته. ما نقوم به هو لتعزيز وضعنا التفاوضي من خلال تعزيز وضع المواطن في البقاء، إلى حين الحصول على ما هو مُـرضٍ، وإلى أن نحقِّـق ذلك، فنحن باقون على الأرض وهذا تترتّـب عليه مسؤولية”.

وبالفعل، تمكّـن فياض، لاسيما في المجال الأمني والإداري، من تحقيق ما لم تتمكّـن الحكومات السابقة، التي ضمّـت ممثلين عن مختلف الفصائل من تحقيقه. وبعد سنوات من الفلتان الأمني وتَـحوُّل الأجهزة الأمنية إلى “ممالك” متنازعة، يستطيع الفلسطينيون في مناطق سيطرتهم في الضفّة الغربية، الإشارة إلى وجود أمني تابع للحكومة، وليس لفصيل بعينه.

وبرأي الخبير الأمني العميد أحمد عيسى، أحد كوادر جهاز الأمن الوقائي، فإن “فياض تمكّـن من تحويل الأجهزة الأمنية من مجموعة من الممالك الخاصة إلى أجهزة مِـهنِـية تتّـبع أوامر محدّدة وتنفِّـذ سياسة حكومة محدّدة”.

وقال عيسى في حديث لسويس انفو “لم يكن ثمة غطاء سياسي للأجهزة الأمنية في السابق. الآن، هناك رئيس حكومة يتحدّث لغة واحدة أمام الأجهزة الأمنية، تماما كما يتحدّث في العلن وأمام الإعلام، ليست هناك ازدواجية”.

وقال فياض في إحدى لقاءاته الصحفية “أنا بحاجة إلى التذكير مِـرارا وتكرارا بالوضع الذي كان قائما في الضفة الغربية بعد سنوات متواصلة من الفوضى. بالمناسبة، لم يكن هناك فصيل واحد من الفصائل التي شاركت في انتخابات 2006، إلا وكان لديه شعار القضاء على الفلتان الأمني. كانت هناك درجة عالية من الفوضى بدأت تعصف، وبشكل مدمِّـر، بحياة الناس.. هناك حريق لابد من إخماده”.

وقد رفضت إسرائيل في البداية طلب فياض إعادة نشر القوات الفلسطينية، لكن ذلك لم يمنعه من مواصلة الضغط على الإسرائيليين للقبول بنشر قوات فلسطينية في مختلف المدن، التي كانت مُـنعت من دخولها إثر الاجتياح الإسرائيلي للضفة الغربية في ربيع عام 2002. واليوم، تنتشر هذه القوات في مُـدن مثل نابلس وجنين والخليل.

بالرغم من ذلك، فإن الانتقادات ضدّ فياض لم تتوقّـف، لاسيما تلك الصادرة عن مسؤولين في حركتَـي فتح وحماس. حماس ردّت على إعلان فياض استقالته بأنها “واجبة أصلا، لأن حكومته غير شرعية”. وقال مسؤول في حركة فتح، إن فياض “كان مستقيلا أصلا ولم يكن الإعلان الأخير سوى محاولة منه للتّـرويج لنفسه”.

وفي الوقت الذي تستأنف فيه كل من حركة فتح وحماس حوراهما حول المصالحة واحتمال تشكيل حكومة وفاق وطني، تبدو آفاق إعادة تكليف فياض تشكيل حكومة جديدة، أكثر احتمالا.

هشام عبدالله – رام الله

رام الله (الضفة الغربية) (رويترز) – قال وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي يوم الخميس 2 أبريل 2009 إن حكومة رئيس الوزراء سلام فياض التي قدمت استقالتها الشهر الماضي، ستمارس عملها لحين تشكيل حكومة جديدة.

وقال لرويترز إن الرئيس الفلسطيني رفض استقالة رئيس الوزراء سلام فياض وطلب منه البقاء في منصبه لحين توصل حركة فتح التي يقودها عباس وحركة المقاومة الاسلامية (حماس) الى اتفاق في المفاوضات الجارية بينهما حاليا بوساطة مصرية لتشكيل حكومة مؤقتة جديدة.

وأضاف “حتى لا يكون هناك فراغ دستوري ستبقى هذه الحكومة على رأس عملها”.

وقال “نأمل أن يتوج الحوار (في القاهرة) باتفاق حول حكومة توافق وطني.”

وكان فياض خبير الاقتصاد السابق في البنك الدولي قدم استقالته في السابع من مارس اذار على ان تصبح سارية اعتبارا من 31 مارس وذلك لمساعدة الفصائل الفلسطينية المتناحرة على التوصل لاتفاق.

وأوضح مسؤولون يوم الاثنين أن فياض باق في منصبه لحين استكمال محادثات القاهرة وأكد فياض يوم الاربعاء أنه لن يتنحى عن المنصب الآن.

وبدأت حركتا فتح وحماس جولة ثالثة من المحادثات في القاهرة بهدف ابرام اتفاق لتشكيل حكومة وحدة. وكانت حماس قد طردت قوات فتح من غزة في مواجهة جرت بينهما عام 2007 أدت الى سيطرتها على القطاع.

ونقلت قناة فلسطين التلفزيونية عن عباس قوله “ان الحكومة قدمت استقالتها من اجل تسهيل الحوار الوطني ولم تقبل هذه الاستقالة لذلك سنرى بعد جولة الحوار هذه ماذا سنفعل بعد التشاور أولا مع الاشقاء العرب.”

وأضاف “لا يمكن أن يبقى البلد بدون حكومة وترتيب هذا الامر سيبقى للتشاور حتى لا يشعر احد اننا نريد أن نخرب الحوار بل الحكومة قدمت استقالتها لتسهيل الحوار ورصف الطريق أمامه وليس لعرقلة الحوار وبالتالي كله سيتم بالمشاورة.”

وفرص التوصل لاتفاق بين فتح وحماس ضئيلة مما قد يعني أن فياض الذي عينه عباس في المنصب فور سيطرة حماس على غزة في يونيو حزيران 2007 سيبقى في رئاسة الوزراء لفترة طويلة.

ويقول دبلوماسيون ان فياض، الذي أعلن أنه لن يعيد النظر في الاستقالة، أصيب باحباط متزايد بسبب عدم احراز تقدم في محادثات السلام مع اسرائيل وبسبب معارضة داخل صفوف حركة فتح لسيطرته على الامور المالية في السلطة الفلسطينية.

وفازت حماس بانتخابات عام 2006 لكن قوى غربية انتقدت حكومتها لرفضها الاعتراف باسرائيل والتخلي عن المقاومة المسلحة والالتزام باتفاقات السلام المؤقتة المبرمة مع اسرائيل.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 2 أبريل 2009)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية