مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

سوريا على كف “العفريت الدولي”

مشهد من الشارع السوري: بائع شراب الخروب المبرد في أحد أحياء دمشق العتيقة swissinfo.ch

هل أوشكت "الثمرة اليانعة" السورية على السقوط؟

هذا السؤال، الذي طرحه بعض المحللين الأمريكيين قبل شهور عدة، مكررين مراراً استخدام تعبير “الثمرة اليانعة”، لم يعد افتراضيا الآن بعد سلسلة التطورات المتلاهثة التي شهدها ويشهدها الهلال الخصيب مؤخراً.

سوريا، وبعد بدء انسحابها من لبنان، باتت وجهاً لوجه أمام فواتير داخلية (الجولان، الاقتصاد، السياسة) مؤجلة منذ 30 عاماً واستحقت دفعة واحدة. وسوريا الآن دخلت مرحلة انتقالية سيَتحدّد فيها، ليس مصير نظامها الحالي فحسب، بل ربما أيضاً مصير الشكل الراهن لكيانها السياسي.

ثم، وهنا الأهم، سوريا باتت مطروحة على جدول أعمال ما يبدو أنه “وفاق ودّي” أمريكي- بريطاني – فرنسي جديد في الشرق الأوسط، سيكون هو من سيُـحدّد طبيعة هذه المرحلة الانتقالية ومدتها ووجهتها.

وعلى أي حال، أي استقراء سريع للبيانات والدراسات والمواقف التي صدرت مؤخراً في واشنطن أساساً، وأيضاً في باريس ولندن، تشير إلى وجود ثلاثة خيارات دولية حيال سوريا:

إما تعديل توجّـهات النظام السوري بالتدريج عبر تطويعه وتطويره ورسم أدوار جديدة له، بشكل يتلاءم مع الانقلابات الإستراتيجية التي حدثت في المنطقة بعد 11 سبتمبر 2001، ثم خاصة في أعقاب غزو العراق عام 2004، وهذا هو “الخيار القذاّفي” إن صح التعبير.

أو تغيير النظام بالقوة، من خلال القيام بعملية عسكرية واحدة سريعة وقاضية، وهذا هو “الخيار الصداّمي”.

أو تنفيذ “انقلاب قصر” في دمشق، يعاد فيه بناء النظام من جديد، من خلال الإفادة من تجربة تغيير النظام في العراق، وهذا هو “الخيار البرويزي” (تيمناً بالرئيس الباكستاني برويز مشرف).

الأنصار

كل من هذه الخيارات الثلاثة له أنصاره الكثر. فالخيار “القذافي” يحظى بدعم واسع من جانب وكالة الاستخبارات المركزية (السي. أي. آي)، ووزارة الخارجية الأمريكيتين. الأولى تقول إن تعديل النظام بالتدريج سيحفظ لواشنطن “الكنوز الاستخبارية” التي تحصل عليها الآن من دمشق في المعركة ضد الإرهاب. والثانية تقول إن هذا التعديل سيبقي الباب مفتوحً أمام “شراكة السلام” الحقيقية المستمرة بين سوريا وإسرائيل منذ 30 عاماً.

والخيار “الصدامي” له دُعاة متحمّـسون في البنتاغون، الذي يسيطر عليه المحافظون والمحافظون الجدد، ولدى بعض أعضاء مجلس الأمن القومي الأمريكي.

وقد كشف “مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن” النقاب قبل أيام عن أن وزارة الدفاع الأمريكية انتهت مؤخراً من وضع خطة لتوجيه ضربة عسكرية ماحقة واحدة إلى سوريا، بهدف حرمان المقاومة العراقية من عمقها الإستراتيجي الوحيد.

هذا السيناريو تطور بعد اغتيال رفيق الحريري على النحو الآتي: الأسرة الدولية ستفرض شروطاً عدة على سوريا، من التحقيق الدولي بجريمة الاغتيال إلى تغيير كل السياسات الخارجية والأمنية والاقتصادية السورية. ولأن سوريا لن تستطيع تلبيتها، ستعمد واشنطن وحلفاؤها إلى تضييق الخناق حول رقبتها، وصولاً إلى توجيه الضربة العسكرية.

ويشير مركز الدراسات إلى أن كل التقديرات تؤكّـد أن الجيش السوري سيُـهزم خلال أيام، وسيؤدّي ذلك إلى سقوط الرئيس الأسد. وبعد فترة احتلال قصيرة، تعود القوات الغربية إلى بلادها، على أن تستبقي قوات صغيرة في كل من سوريا والعراق، وعلى أن يتم جلب قوات عربية وإسلامية للمساعدة على إعادة بناء سوريا.

ويتضمّـن هذا السيناريو أيضاً (وفق صحيفة “واشنطن تايمز”، الناطقة باسم المحافظين الجدد) تشجيع نشوب اضطرابات شعبية داخلية في سوريا، تشمل حفز الأكراد والدروز وبعض الفصائل السنّـية الإسلامية على شق عصا الطاعة على النظام، مع وعود بدعم لوجستي، وحتى عسكري، يسبق هذه “الانتفاضات” أو يليها.

أما “الخيار البرويزي”، فهو المفضّـل لدى وكالة الاستخبارات المركزية ووزارة الخارجية، في حال فشل الخيار “القذافي”، لأن هاتين المؤسستين لهما أصدقاء كُـثر في النّـخبة الحاكمة السورية قد يكونوا مستعدين للقيام بـ “انقلاب القصر”، ثم تغيير التوجهات الداخلية والخارجية السورية.

هل انتبهنا إلى شيء مهم هنا؟ يفترض ذلك. ففي كل هذه الخيارات المتعددة، ثمة قاسم مشترك واحد: نسف الأمر الواقع السوري الراهن، بما فيه (بل وعلى رأسه) الدور الإقليمي السوري في حلّـته التي تعود إلى ما قبل 11 سبتمبر 2001.

بكلمات أوضح: ثمة قرار دولي نهائي بإلغاء “الإمبراطورية السورية” وإعادتها إلى الحدود الداخلية السورية، ثم تعديل أو تغيير النظام السوري على هذا الأساس. أما مسألة أي من هذه الخيارات سيسود، فسيعتمد على مسألتين اثنتين:

الأولى، طريقة السلوك السورية، خاصة في لبنان. فإذا ما تبيّن أن دمشق تنوي حقاً خوض معركة بقاء نظامها الحالي عبر تفجير لبنان، فإن الخيار “الصدامي” سيصعد بسرعة قصوى إلى رأس الأولويات. والثانية، جدول الأعمال الأمريكي – الفرنسي- البريطاني، الذي ستتقاسم بموجبه الدول الثلاث مناطق النفوذ في سوريا ولبنان والعراق. والسؤال هنا هو: هل يمكن لهذا الجدول أن ينتظر التغيرات البطيئة في سوريا، أم أنه يتطلب عمليات جراحية لتسريع وراثة “الإمبراطورية السورية”؟

خريطة قوى المعارضة

الآن، كيف سيتفاعل الداخل السوري مع الانقلابات الخارجية الكاسحة؟

هذه أولا لوحة الخريطة السياسية السورية الراهنة. فقوى المعارضة السورية تندرج في ثلاث فئات:

– التجمع الوطني الديمقراطي، ويضم أحزاب الاتحاد الاشتراكي العربي الناصري (وهو الأكبر)، والحزب الشيوعي برئاسة رياض الترك، وحزب العمال الثوري العربي، وجماعة 23 فبراير، وحركة الاشتراكيين العرب، والمثقفين المنضوين ضمن “حركة إحياء المجتمع المدني”. ويتخذ التجمع موقفاً عنيفاً من كل سياسات النظام الداخلية والخارجية، برغم أنه حاول مرّات عديدة فتح أقنية حوار معه، خاصة بعد وصول الرئيس بشار الأسد إلى سدة الحكم. وعلى سبيل المثال، أصدر التجمع في 2 فبراير بياناً حول الوضع في لبنان جاء في بعضه: “.. يعمد النظام السوري باستمرار إلى تغليف إخفاقاته بغطاء من الوطنية والقومية والنضال، واضعاً نفسه موضع المدافع عن الأمة وقضاياها، فيما لا يعمل حقيقة سوى لحماية نفسه، مستخدما لغة منافقة ومضللة لم تعد تثير اهتمام أحد..” كما وردفيه: “.. انتهك النظام دستور لبنان وتجاهل إرادة قطاعات واسعة من اللبنانيين والمصلحة الوطنية العليا لسوريا ولبنان، وتم استئناف اغتيال القادة اللبنانيين. إن عروبة لبنان وحماية المقاومة والعلاقات الأخوية التاريخية بين الشعبين والدولتين، ليست رهينة بوجود السلطة السورية وأجهزتها الأمنية في لبنان. ونحن ندعم جهود أشقائنا اللبنانيين للتحرر من هيمنة الدولة الأمنية التي فُـرضت عليهم، ونعتبر أن معركة الحرية واحدة في البلدين للخلاص من دولة الاستبداد وأجهزتها القمعية..” (انتهى الإقتباس).

– حركة الأخوان المسلمين (وفصائل إسلامية سرية أخرى). هذه القوة هي الأكثر جماهيرية من كل قوى المعارضة الأخرى، برغم أنها تلقت ضربات تنظيمية قاسية بعد معركة حماة في أوائل الثمانينات. الإخوان ليسوا موحدين، وقد شهدوا خلال العقدين الماضيين انشقاقا واجتهادات متباينة عدة حول الموقف من النظام. وقد عكست هذه الانقسامات نفسها على مراكز القرار الأمريكي والغربي التي انقسمت هي الأخرى بين مؤيد لأطراف ما في “الإخوان”، وبين متخوّف من كل توجهات هذه الجماعة.

– حزب الإصلاح السوري، الذي يقوده وليد الغامدي، وهو رجل أعمال ثري يعترف بأنه يُـقيم علاقات وثيقة للغاية مع العديد من الأجهزة الأمريكية. وعقد الحزب سلسلة مؤتمرات في الفترة ما بين 2001 و2004 في واشنطن وبروكسل لعدد من قوى المعارضة السورية في الخارج، وهو يدّعي أن لديه آلاف الأنصار في الداخل السوري، ويدعو الحزب إلى إقامة دولة ليبرالية ديمقراطية، وينص دستوره على تشكيل مجلس للمقاطعات العشر في سوريا على نمط مجلس الشيوخ الفدرالي الأمريكي، إضافة إلى الجمعية العامة (البرلمان).

– الأحزاب الكردية، التي تمثّل نحو مليوني كردي سوري، والتي استعرضت قوتها بعنف العام الماضي، حين نفّـذت اضطرابات شعبية امتدت من القامشلي إلى دمشق.

الداخل والخارج

كل من هذه القوى غير قادرة وحدها على تغيير النظام، سواء بالأساليب الديمقراطية أو العنيفة. لكنها في ظروف دولية مواتية، في وسعها هز النظام بقوة، كما أثبتت ذلك ثورة الأكراد الأخيرة. وقد لخّص رياض الترك، المعارض السوري البارز هذه المعطيات بقوله: “النظام بات ضعيفاً للغاية. لكن المعارضة ضعيفة أيضاً. ولذا، لم يبق هناك سوى التدخل الخارجي لحسم الأمور”.

تدخل “العفريت الخارجي” بدأ. وبرغم أنه ما يزال يصول ويجول في “ضواحي سوريا” (لبنان والعراق والأردن وفلسطين)، إلا أن الأمر لن يطول قبل أن يبدأ بدق أبواب دمشق نفسها. فالمسألة لم تعد سوى مسألة وقت، ليس إلا.

سعد محيو – بيروت

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية