مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

سوريا لا تستبعد “إنفجار الشرق الأوسط”

آلاف اللاجئين العراقيين تجمعوا أمام مقر المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في دمشق يوم الأحد 11 فبراير 2007 لتسجيل أسماءهم والحصول على صفة لاجئ Keystone

كيف يبدو المشهد الشرق أوسطي من النافذة الدمشقية؟ هذا السؤال الهاجس كان الفكرة الأولى التي سيطرت على كاتب هذه السطور لحظة دخوله من لبنان إلى عاصمة الأمويين قبل يومين، وهي، على أي حال، فكرة فرضت نفسها بنفسها.

فدمشق تعيش بالفعل هذه الأيام كل مخاضات المنطقة بلا استثناء بسبب عوامل عدة، على رأسها وجود أكثر من مليون لاجئ عراقي بدأوا يُـثيرون قلقاً شديداً لدى السوريين كافة، مواطنين ومسؤولين.

يشكو المواطنون من غلاء أسعار الشقق وارتفاع أسعار السلع بسبب هؤلاء اللاجئين، الذين يمتلك العديد منهم، على ما يبدو، قدرة شرائية قوية، ويخشى المسؤولون انتقال صراعات العراق المذهبية بين السُـنة والشيعة إلى أراضيهم، خاصة وأن العاصمة السورية شهدت في الآونة الأخيرة إشتباكات بين اللاجئين العراقيين على خلفية هذه الصراعات.

وقد بدأت الحكومة السورية مؤخراً باتخاذ إجراءات للحدّ من تدفق اللاجئين العراقيين إلى أراضيها من جهة، ولحفز بعض المقيمين منهم على المغادرة من جهة أخرى.

وإلى العراق، هناك لبنان

صحيح أن الحدود السورية – اللبنانية تشهد حركة تنقلات برية شحيحة بعد أن استقبلت خلال حرب الصيف بين إسرائيل و”حزب الله”، أكثر من نصف مليون لاجئ لبناني جلّـهم من الشيعة، إلا أن هذا لا يُـلغي حركة من نوع آخر: الصراع على مصير نفوذ سوريا في لبنان من خلال تحرّك المعارضة اللبنانية المدعومة منها ضد الحكومة المدعومة، أمريكيا وغربياً، والصراع على مصير سوريا نفسها من لبنان، والذي يكاد يتلخّـص في مسألة المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رئيس الحكومة اللبناني السابق رفيق الحريري.

زيارات وفود المعارضة اللبنانية إلى دمشق تكاد لا تتوقّـف، لكنها، وعلى عكس الأيام الخوالي قبل الانسحاب العسكري السوري من لبنان عام 2005، تتِـم وراء ستار من الكِـتمان، لئلا تبدو حركة المعارضة كامتداد للإرادة السورية.

ومع العراق ولبنان، هناك فلسطين

وهنا، لا تبدو مخاضات المنطقة في دمشق أقل عنفاً. ففي هذه وضواحيها، يعيش نصف مليون فلسطيني، على رأسهم زعيم حركة “حماس” خالد مشعل والعديد من قياداتها، إضافة إلى القادة الرئيسيين لحركة الجهاد الإسلامي، ونحو عشر فصائل معارضة فلسطينية.

وخلال وجودنا في العاصمة السورية، كان الرئيس بشار الأسد يجتمع بقادة حزب البعث الحاكم ويبلغ إليهم قراره بمُـواصلة دعم حركة حماس، “برغم الضغوط الأمريكية وغير الأمريكية علينا”، وهذا موقف أثار ارتياح الفصائل الفلسطينية، التي كانت تخشى منذ فترة أن تتعرض إلى قيود على حركتها في سوريا بسبب هذه الضغوط.

أمران مثيران

هذه المُـعطيات كانت حاضرة بقوة في الذهن، حين ولجنا مكتب مسؤول سوري كبير، يُـعتبر من المقربين للرئيس السابق حافظ الأسد والرئيس الحالي بشار الأسد. كان الاجتماع خاصاً، ولأن المجالس بالأمانات، كما يُـقال، لن نشير إلى إسمه.

أمران مثيران للغاية في حديث المسؤول الكبير، الذي يجمع الكثيرون على أنه قد يكون القُـطب الوحيد في طاقم الحرس القديم بقيادة عبد الحليم خدّام، الذي لم تلسعه لعنة الفساد: الأول، الإطلالة الخاصة للغاية على طبيعة الصراع في الشرق الأوسط، والثاني، التأكيدات الجازمة حول الجهة المسؤولة عن اغتيال الحريري.

في النقطة الأولى، يُـشدد المسؤول على أن الصِّـراع من ألِـفه إلى يائِـه، يكاد يختصر في حيِّـز الإيديولوجيا. فبرأيه، ما يجري في الشرق الأوسط، هو جهد واضح يقوده الأصوليون الإنجيليون الأمريكيون لتغيير وَجه المنطقة، الثقافي والفكري والإستراتيجي، لصالحهم ولصالح إسرائيل، ولغير صالح الحضارة الإسلامية، وهو يعيد إلى الأذهان، في لفتة ذات دلالة، إلى أن أحد أجداد الرئيس الأمريكي الحالي جورج بوش، وهو قِـس إسمه أيضاً جورج بوش، دعا عام 1830 إلى حرب شاملة ضد الإسلام.

المسؤول الكبير لا ينفي عوامل الصِّـراع الأخرى، وعلى رأسها النفط، لكنه يرى أن هذه العوامل هامشية بالمقارنة مع العوامل الأيديولوجية المحرّكة للسياسات الأمريكية. فالنفط، من جهة، كان قبل غزو العراق، وما يزال تحت القبضة الأمريكية، وأمريكا، وبرغم مَـتاعبها الراهنة في العراق وأفغانستان، لا منافس دولياً لها في الشرق الأوسط، وهذا ما يفسح المجال أمامها لتطبيق طموحاتها الإيديولوجية.

لوهلة، يبدو تحليل المسؤول شططاًُ فكرياً أو إستراتيجياً. ففي النهاية، جذر الصراعات في التاريخ، حروب الموارد والاقتصاد والأسواق، لكن أي نظرة إلى الوراء حول طبيعة ما حدث ويحدث في الشرق الأوسط، جنباً إلى جنب مع نظرة أخرى إلى الأمام نحو مستقبل الأصوليات الإنجيلية في الولايات المتحدة (التي يُـقال أنها ستشكل قريباً نحو 60% من الناخبين الأمريكيين)، تجعلنا لا نتسرّع كثيراً في تجاوُز هذا التحليل.

اغتيال الحريري

الأمر الثاني المثير في حديث المسؤول، هو تشديده القوي على أن سوريا لا علاقة لها بالمُـطلق باغتيال رفيق الحريري، “ولذا، فأنا شخصياً (يضيف المسؤول)، من أشد الداعين إلى تشكيل المحكمة الدولية أو ذات الطابع الدولي”.

سألناه: إذا ما كان الأمر كذلك، لماذا كان الموقف الإعلامي والسياسي لسوريا ضعيفاً في مواجهة الاتهامات ضدها؟

المسؤول يرد بنقطتين: الأولى، أن سوريا “جسمها لبيَس” (وهو تعبير شعبي في بلاد الشام يعني القابلية للاتهام). والثانية، أن التطورات منذ لحظة الاغتيال الأولى كانت متسارعة للغاية، من توجيه الاتهامات لدمشق إلى التظاهرات الكبرى العدائية، مما جعل الأمور تفلت من يد هذه الأخيرة.

في حديث المسؤول إشارات قوية إلى دور إسرائيل الكبير في عملية الاغتيال، وإشارات أقوى إلى أن هذه العملية تمّـت بصاروخ كروز أطلِـق من الجو وليس بشاحنة مفخخة، وهو يدعو هنا إلى المقارنة بين الحفر، التي تسبّـبت بها الصواريخ الإسرائيلية خلال الحرب الأخيرة مع حزب الله، وبين الحفرة التي نجمت عن اغتيال الحريري.

فماذا في جعبة المسؤول أيضاً؟ الكثير:

• فهو يخشى أن يقدِم الرئيس بوش على مُغامرة عسكرية ضد إيران لإنقاذ مشروعه الشرق أوسطي، الغارق في مستنقعات العراق.
• ولا يستبعد عدواناً إسرائيلياً جديداً على لبنان.
• ويتهم واشنطن بتحريك الفتنة المذهبية في العراق ولبنان وبقية المنطقة، لصالح المشروع الإسرائيلي.

حين كنا نهم بمغادرة عاصمة الأمويين، لفتنا شجار، قيل لنا بأنه بين مواطنين عراقيين في شارع تجاري مزدحم، كما لفتنا وجود سيارات تحمل الهوية اللبنانية توقفت قرب موقع الشجار ليتابع أصحابها بتوتر هذا الإشكال.

وكان ملفتاً أن يعلّـق سائق التاكسي الذي يقلّـنا، وهو فلسطيني مقيم في دمشق بقوله: “أنظروا، فلسطين لم تعد القضية الأولى للعرب. ألا يلخص هذا الحادث الذي ترون في سوريا كل تمخّـضات الشرق الأوسط”؟ السائق على حق.

سعد محيو – دمشق

دمشق (رويترز) – قال المفوض السامي للاجئين التابع للامم المتحدة يوم الجمعة إن سوريا طمأنت المنظمة الدولية الى انها ستواصل استضافة مليون لاجئ عراقي رغم فرض لوائح جديدة للاقامة.

وابلغ انتونيو جوتيريس الصحفيين في دمشق ان الاجراءات التي فرضت قبل اسابيع قليلة وتطلب من العراقيين سرعة التقدم بطلب تصريح اقامة هي اجراءات ترجع الى بواعث قلق امنية ولا تمثل تغيرا في سياسة الحكومة بشأن استضافة اللاجئين.

وقال جوتيريس بعد الاجتماع بمسؤولين سوريين كبار “كان هناك تصريح واضح من اعضاء الحكومة الذين التقيت بهم انه لن يرد عراقيون الى العراق رغما عنهم في الظروف المأساوية الحالية.”

واضاف في مؤتمر صحفي “ستستمر سياسة سوريا الخاصة باستضافة اللاجئين العراقيين.”

وبموجب اللوائح الجديدة سيطلب من العراقيين ملء استمارة دخول لدى وصولهم الى سوريا والتقدم بطلب للحصول على اقامة خلال 15 يوما بدلا من ثلاثة اشهر.

وتصر السلطات السورية ايضا على ان العراقيين الذين يقيمون في البلاد بدون تصريح اقامة يجب ان يتقدموا للحصول على تصريح.

وانتقد السياسيون العراقيون بشدة الاجراءات الجديدة قائلين انها ستحد بشدة من خيارات العراقيين الذين يفرون من العنف. وفرض الاردن وهو وجهة اخرى للاجئين العراقيين قيودا صارمة على دخولهم.

وتضررت الروابط بين سوريا والحكومة العراقية المدعومة من الولايات المتحدة بسبب المزاعم عن دعم سوري للمتمردين المناهضين للوجود الامريكي. وما تزال العلاقة متوترة رغم استعادة الروابط الدبلوماسية في ديسمبر كانون الاول.

ويقول لاجئون عراقيون ان السلطات السورية ترحل العراقيين المتهمين بإذكاء التوترات الطائفية في وطنهم.

ويقدر المفوض السامي للاجئين ان ما يصل الى مليوني عراقي انتقلوا الى الدول المجاورة وخاصة الى سوريا والاردن قبل ومنذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 للعراق في حين نزح 1.7 مليون شخص داخليا.

وقال جوتيريس انه يتفهم بواعث القلق الامني لدى سوريا.

ويزور المفوض السامي الشرق الاوسط في رحلة تستمر اسبوعا لحشد الدعم الدولي للدول المضيفة ولجمع تمويل للنداء الذي وجهته المفوضية عن حاجتها الى 60 مليون دولار.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 9 فبراير 2007)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية