مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

سويسرا تبحث احتمالات رفع دعوى قضائية ضد ليبيا بتهمة انتهاك حقوق الإنسان

وزيرة الخارجية السويسرية ميشلين كالمي - راي رافقت ماكس غولدي في رحلة العودة مساء 14 يونيو 2010 من طرابلس إلى زيورخ مرورا بالعاصمة التونسية Keystone

بعد عودة رجل الأعمال السويسري ماكس غولدي إلى بلده، تَدرس سويسرا احتمالات اتخاذ إجراءات قانونية ضدّ ليبيا، التي كان غولدي مُحتجزاً فيها لمدة 23 شهراً. وتُلقي كريستين كاوفمان، الخبيرة في القانون الدولي والأوروبي، الضوء على الاحتمالات المُـتاحة أمام سويسرا وإمكانية تقديم شكوى ضد ليبيا بتُـهمة اختطاف اثنين من مواطنيها.

وكانت وزيرة الخارجية السويسرية ميشلين كالمي – ري طرحت في الآونة الأخيرة، فكرة استخدام الطرق القانونية لِمُحاسبة ليبيا بتُهمة انتهاك حقوق الإنسان، وذلك لمُناقشتها أمام الرأي العام.

وحسب كريستين كاوفمان، الخبيرة في القانون الدولي والأوروبي وأستاذة القانون الدستوري والإداري في جامعة زيورخ، لا يُمكن لسويسرا التوجه إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ستراسبورغ بخصوص هذه القضية، بسبب عَـدَم مُصادقة ليبيا على الإتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان. كما لا يُمكِن للدول بِحد ذاتها الوصول إلى اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان، حيث يقتصر ذلك حصراً على الأفراد والمنظمات غير الحكومية.

ومن الناحية النظريةً، قد يكون هذا احتمالاً متاحاً لِـرَجُلي الأعمال السويسريين ماكس غولدي ورشيد حمداني، اللذين كانا مُحتَجزيْـن في ليبيا منذ 19 يوليو 2008، ذلك أن ليبيا كانت قد وقَّـعَت على الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان.

وليس بإمكان محكمة العدل الدولية في لاهاي – وهو خيار آخر – أن تَبُـت في هذا الموضوع، إلا بِموافقة ليبيا. وحَسب كاوفمان: “هناك مجالات عِـدّة لا تَقْبل فيها ليبيا بسُلطة القضاء الدولي”. ومع ذلك، فقد وقَّـعَت ليبيا على اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بالرهائن.

وبناءً على هذه الإتفاقية، يُمكن لِمحكمة العدل الدولية أن تُمارس إختصاصها هنا، ولكن، وحسب كاوفمان دائما، فإن “الوضع القانوني مُعَقَّـد هنا، حيث يَتَوجّـب على سويسرا أن تُثبِـت – ضِمن جُـملة من الأمور – أن الرجلين السويسرييَن كانا مُعتَقَلَيْـن من أجل إجبار سويسرا على إتخاذ إجراءاتٍ مُحدّدة، غير أنَّ هذا الأمر سيكون صعباً للغاية”. وتُعَلِّق خبيرة القانون الدولي: “يجب على سويسرا أن تَتَساءل أيضاً عن الفائدة المَرجوة من إجراءٍ كهذا”.

الإثباتات الصعبة

وتُشكك خبيرة القانون الدولي بإمكانية اعتبار خطّـة العمل التي وقعتها سويسرا مقابل الإفراج عن ماكس غولدي باطلة، بسبب “الإكراه”، حيث تقول: “من الصعب جداً الحُـكم على الكيفية التي ظهرت بها هذه الخطّـة إلى حَيّز الوجود. وتستغرق إجراءات عدم ثبوت (بطلان) عقدٍ ما بسبب الإكراه، الكثير جداً من الوقت والعمل”.

وعلى المرء أن يُثبت هنا بأن ليبيا قد اعتقلَت المواطنَيْـن السويسرييْـن، لِفَرض توقيع هذه الإتفاقية. ولا تتوفر لغاية اليوم حقائِق كافية تَدْعَم هذه الفِـكرة. كما أنه من الصعب إثبات العلاقة بين مَنع المواطنَيْـن السويسريين من مُغادرة الأراضي الليبية واعتقال هانيبال القذافي في جنيف (في 15 يوليو 2008 بتهمة سوء معاملة خادميْـن عربيين)، إن لم يكُـن مستحيلاً.

وجدير بالذكر أن طرابلس قد احتجزت رجلَـيْ الأعمال السويسرييْـن ماكس غولدي ورشيد حمداني بعد أربعة أيام من إيقاف نجل الزعيم الليبي في جنيف. وبعد أن قضيا 10 أيام رهن الإعتقال في السجن أفرج عنهما بكفالة مالية وظلا أكثر من عام ونصف محتجزين في الجماهيرية. ثم أفرجت ليبيا عن رشيد حمداني في 22 فبراير الماضي، بينما ظل ماكس غولدي ليقضي حُـكماً بالسجن لمدة أربعة أشهر، بالقرب من العاصمة الليبية، حتى تمّ الإفراج عنه في 10 يونيو الجاري، ليعود بعد ذلك بأربعة أيام إلى سويسرا.

انتهاك تأشيرة السفر؟

منذ بداية هذه القضية، تنفي ليبيا وجود علاقة بين اعتقال نجل القذافي واحتجاز رَجلَـي الأعمال السويسرييْـن، ذلك أنها وجهَت لكلٍّ من غولدي وحمداني تهمتي “انتهاك قوانين الإقامة والهجرة” و”مُمارسة أنشطة تجارية غير مُعلَنة”.

وبالنسبة لكريستين كاوفمان، من المُحتمل جداً أن يكون المواطنان السويسريان قد انتهكا قواعد تأشيرات السفر، من وجهة النظر الليبية، حيث تقول: “فيما يخُصّ التأشيرات، تملك ليبيا تعليمات مُعَقَّـدة وغير شفافة، حتى أن البعض منها غير معروف بالتفصيل للمواطنين الليبيين أنفسهم، وهو ما يجعل عملية الإمتثال لهذه التعليمات أمراً صعباً، ولكن، وحتى لو انتَهَك المواطنان السويسريان قواعد التأشيرات، فإنّ ذلك لا يُبَرِِّر عملية اختِطافهما”.

أمام هيئات الأمَم المتحدة

وتقول كريستين كاوفمان: “لا يزال الطريق مفتوحاً لسويسرا لإثارة موضوع انتهاك حقوق الإنسان أمام الأمم المتحدة”. وتضيف: “هناك طريقتان لإثارة هذه القضية على جَدول أعمال الأمم المتحدة، وتشمل هذه كلّ من مجلس حقوق الإنسان ولجنة حقوق الإنسان، التابعيْـن للأمم المتحدة”.

ويَضُم مجلس حقوق الإنسان مُمَثلين عن دول مُنفردة، وباستطاعة هذا المجلس، تَقييم أي دولة عضوة في الأمم المُتَّحدة، بِغَضّ النظر عن الإتفاقيات المُتعلِّـقة بحقوق الإنسان، التي وقَّعَت عليها الدولة المَعنية.

أمّا لجنة حقوق الإنسان، فهي هيئة مُختصّـة، تَستنِد مُباشرة على معاهدة لحقوق الإنسان والمُتَمَثِلة بالمعاهدة / العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والذي يُسَمّى اختصاراً بالعهد الدولي الثاني (UN Convent ll). ويعمل في هذه اللجنة، خُبراء لا يُمثلون بلدانهم، غير أنهم يملكون كفاءات مَشهود بها في مجال حقوق الإنسان. ويقتصر تركيز هذه اللجنة على الدول التي صادَقَت على العهد الدولي الثاني، وحَسب كاوفمان “تشترك ليبيا في هذه الإلتزامات القانونية”.

ومع ذلك، لا تُمَثِـل كلتا اللَّـجنتيْـن محاكِـم يُـمكنها فرض العقوبات. وحسب قول الخبيرة القانونية: “يتعلق الأمر عموماً بإجراء حوارٍ، تجري من خلاله الإشارة إلى الصعوبات، وقد يؤدّي في أفضل الحالات إلى حَمْـل الدولة المَعنية، على إصلاح حالة حقوق الإنسان فيها”.

وفي النهاية، تُصدِر كلتا اللّـجنتين تقارير تحمل توصيات نِهائية، يُطلَـب فيها من الدولة المَعنية إتخاذ تدابير تَصحيحية. وكما تقول كاوفمان: “يَتَوَجب على الدولة المَعنية في وقت لاحق، تقديم إثباتات تُبَرهن فيها على قيامها بإتخاذ الإجراءات اللازمة فعلاً، وبالتالي، لَن تذهب هذه التقارير أدراج الرياح. مع ذلك، لا تُمَثل هذه التوصيات حُـكماً قضائياً مُلزِما”.

وبطبيعة الحال، لن تُبَدِّل إثارة هذا الموضوع في إحدى هاتين الهيئتين شيئاً بالنسبة للمواطنَين السويسرييَن، اللذين تم إختطافهما في ذلك الوقت، غير أنها قد تكون مُهِمّة في المستقبل، حيث أن هذين المواطنين، ليسا حالات مُنفردة.

وقد، نشرت منظمة العفو الدولية تقريراً يوم 23 يونيو 2010 يُثبت لجوء ليبيا إلى اعتقال أشخاص – من ضِـمنهم مواطنون ليبيون – بشكلٍ مُتكرّر وبطريقة تعسُّـفية. وتُعَلِّق كاوفمان قائِلة: “يُمكن أن تُساعد إثارة هذا الموضوع مِثل هؤلاء الأشخاص”. ويتوجب على ليبيا تقديم تقريرها الدّوري أمام مجلس حقوق الإنسان في شهر نوفمبر القادم.

وتقول كاوفمان مُعَلِّـقـة: “حينئذٍ، سوف تصبح ليبيا موضوعاً للمناقشة في هيئات الأمم المتحدة، بِغَضّ النظر عمّا إذا كانت الدبلوماسية السويسرية نشطة في ذلك الوقت أم لا..”.

التحكيم الدولي

وتشرح الخبيرة القانونية قائِلة: “في القانون الدولي، يُمكن اللجوء دائِماً إلى هيئة للتحكيم، كلما كان هناك صِـراع بين الدول، ولا علاقة للأمم المتحدة بذلك”.

ومن الناحية النظرية، كان بالإمكان تَعْـيين هيئة تحكيمية، ليس في قضية إلقاء القبض على هانيبال القذافي في جنيف فقط، بل كذلك في قضية انتهاك حقوق الإنسان بالنسبة للمواطنَيْـن السويسرييْـن غولدي وحمداني.

وتقول كريستسن كاوفمان: “غير أن هذا الأمر كان يتطلَّب موافقةً من ليبيا”، وتضيف: “تَتَطَلّـب لجنة التحكيم دائِماً موافقة الطرفيْـن ولا يُمكن للمرء أن يتصوّرها، مثل محكمة وطنية داخل بلدٍ ما”.

ولدى كل من غولدي وحمداني الفرصة لطرح قضيتهم أمام الأمم المتحدة من خلال اللجنة المَعنية بحقوق الإنسان. وهنا تقول كاوفمان: “مع ذلك، يجب أن تكون الخطوة الأولى من داخل ليبيا، إذ يتوجب على غولدي وحمداني رفع قضية ضدّ ليبيا من هناك، حسبما تقتضي قواعد هذه اللجنة”. و في رأي كاوفمان، قد يكون استثناء لجنة حقوق الإنسان لهذا الشرط، أمراً مُحتَمَلاً في مثل هذه الحالة.

وتقول كاوفمان: “بإمكان المنظمات غير الحكومية أيضاً، اتخاذ هذه الخطوة بالنيابة عن غولدي وحمداني. وعلى سبيل المِثال، يُمكن لمنظمة العفو الدولية أو منظمة مراقبة حقوق الإنسان، تقديم ما يُسمّى بـ “تقرير الظل” إلى لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة”.

وتضيف كاوفمان بِأنَّ حالات من هذا النوع تحدث وبأنها تتوقع أن تقوم منظمة العفو الدولية بفِعْلِ ذلك الآن، ذلك أنَّ لدى هذه المنظمة معلومات مُفَصَّـلة كثيرة جداً، متعلّقة بهذه القضية، كما كانت هناك حالات أخرى قام فيها أشخاص برفع دعوى انفرادية ضد ليبيا في الأُمم المتحدة. وحسب كاوفمان، فقد “ثَبَّـتَت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان كذلك انتهاكات عديدة للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في حالاتٍ مُختلفة”.

إيفلين كوبلر – swissinfo.ch

تم اعتقال المواطنَيْـن السويسريين ماكس غولدي ورشيد حمداني في ليبيا مرة أولى قبل نحو عامين، بعد 4 أيام من اعتقال هانيبال القذافي في جنيف. وبعد 10 أيام من السجن أفرج عنهما بكفالة وظلا محتجزين داخل الأراضي الليبية.

في منتصف سبتمبر 2009، وعلى إثر نَشر الصحافة السويسرية صوراً التقطت لهانيبال القذافي لدى اعتقاله من طرف الشرطة، تم استدراج الرجلين للخروج من مقر السفارة السويسرية في طرابلس حيث كانا يقيمان بدعوى إجراء فحوص طبية ليتم اختطافهما وإيداعهما في مكان غير معلوم لأكثر من 50 يوما.

وفي منتصف سبتمبر من عام 2009، وبعد قيامهما بإجراء فحوص طبية، اقتيد كلّ من غولدي وحمداني إلى مكان لم تكشفه طرابلس، قبل تسليمهما إلى سفارة بلدهما مجددا في 9 نوفمبر 2009. وقد وصف غولدي احتجازهما هذا بمثابة “اختطاف”.

وأكد غولدي أنه أمضى 53 يوما في غرفة مظلمة وفي عزلة تامة. وقال إن حرّاسه تصرّفوا بشكل سليم، غير أنهم كانوا مُتحفِّـظين ولم يرغبوا في أي اتصال مُباشر معه.

وفي 22 فبراير، أُطلِق سراح رشيد حمداني، التونسي الأصل والحامل للجنسيتين التونسية والسويسرية، بعد تبرئته من التهم المنسوبة إليه والتي تخص “الإقامة بشكل غير مشروع” و”مُمارسة أنشطة اقتصادية غير مشروعة”.

أما ماكس غولدي، فلم يتمكن من مغادرة ليبيا إلا يوم 13 يونيو 2010، إثر إفراج السلطات الليبية عنه، بعد أن ظَلَّ مُحتجزاً هناك مدة 700 يوماً. وقد قَضّى غولدي الأشهرالأربعة الأخيرة في سجنٍ الجديدة القريب من العاصمة الليبية طرابلس.

وعقب وصوله إلى سويسرا، قال ماكس غولدي أمام الصحافة: “لقد أمضيْـت فترة 23 شهراً من عدم اليقين والخوف. وقد كنتُ ضحية لصراعٍ ليس لي علاقة به”.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية