مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

سويسرا لم توقع على البرتوكول!

يهدف البرتوكول الإضافي لمعاهدة منع التعذيب إلى خلق آلية تسمح بمراقبة ما يجري وارء جدران السجون والمعتقلات Keystone

عندما صادقت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2002 على إضافة برتوكول جديد إلى معاهدة حظر التعذيب، كان الفضل في تحقيق تلك الخطوة يعود إلى سويسرا.

لكن سويسرا، التي لم تنضم إلى الأمم المتحدة إلا في سبتمبر 2002، لم توقع إلى اليوم على البرتوكول الرامي إلى تأسيس آلية جديدة لمكافحة التعذيب!

أمر مثير للدهشة فعلاً. فإذا كانت سويسرا قد جاهدت، وبشق الأنفس، كي تُخرج البرتوكول أفضافي لمعاهدة حظر التعذيب إلى النور، فإنه من باب أولى أن تكون هي السباقة إلى التوقيع عليه قبل غيرها.

لكنها سويسرا .. القرارات فيها تقتل بحثاً وتمحيصاً قبل أن تتحول إلى واقع على أرضها.

ربما لذلك، قد لا يزيد التقصير البادي في هذه القضية عن مسألة إجرائية، سمتها الجدية في التعامل مع بنود البروتوكول، والرغبة في مواءمة الشروط الواردة فيه مع ما هو متواجد في السجون السويسرية قبل التوقيع عليه.

كان وليداً سويسرياً..

لا يوجد شك في الأهمية التي أولتها سويسرا لقضية إضافة بروتوكول جديد إلى معاهدة منع التعذيب. ذلك أن إنشاء آلية لمراقبة السجون بغرض منع التعذيب كانت من بنات أفكار السويسري جون جاك جوتييه.

تقوم الفكرة على إنشاء لجنة فرعية لمنع التعذيب، تكون مهمتها تنظيم زيارات دورية إلى السجون في البلدان الموقعة على البروتوكول، يجريها خبراء دوليون ومحليون الذين يتفقدون خلالها أوضاع السجون والمساجين، للتأكد من عدم إخلالها بالمعايير الإنسانية المطلوبة.

لقد دعا رجل القانون والداعية لحقوق الإنسان جوتييه إلى تلك الآلية قبل ربع قرن، وتبنت الفكرة بعد ذلك الدبلوماسية السويسرية، التي ما فتئت تطالب وتدعو الدول الأخرى إلى دعمها، حتى تمكنت من تقديمها إلى لجنة حقوق الإنسان عبر كوستاريكا (لأن سويسرا لم تكن عضوة في الأمم المتحدة آنذاك)، واستطاعت حشد تأييد عدد كاف من الدول لتمريرها.

وعندما أقرت الجمعية العامة إضافة البرتوكول الاختياري في 18 ديسمبر من عام 2002، اعتبرت سويسرا – ومعها المجتمع الدولي – تلك الخطوة نصراً دبلوماسياً لها.

لكن برن، التي انضمت إلى الأمم المتحدة في سبتمبر 2002، لم توقع على البرتوكول إلى اليوم، كما لم يصادق برلمانها عليه أيضاً!

أسباب موضوعية وراء التأخير..

من الناحية الموضوعية، يبدو من قبيل المبالغة القول إن سويسرا “تأخرت” في الإيفاء بالتزامها التوقيع على البرتوكول. ويعود ذلك إلى عدد من الأسباب العملية والإجرائية.

فالأمم المتحدة لم تفتح مجال التوقيع على البروتوكول إلا في الرابع من فبراير من عام 2003.

كما أن بعض المصادر المطلعة أفادت بأن الانتخابات التشريعية التي شهدتها سويسرا في 19 أكتوبر 2003، وأدت إلى تنحية وزيرة العدل والشرطة روث ميتسلر في 10 ديسمبر من نفس العام، وحلول زعيم حزب الشعب السويسري كريستوف بلوخر محلها، أدت في مجملها إلى تجميد وعرقلة العديد من القرارات والمشاريع في الوزارة إلى حين استكمال عملية التغيير الوزاري.

وأسباب غير موضوعية أيضاً؟

رغم ذلك، فإن البعض قد يرى أن تلك العوامل الموضوعية ليست شفيعاً كافيا لسويسرا، التي لطالما ضُرب بها المثل في تبنيها لمعايير حقوق الإنسان قولاً وفعلاً.

فقد استغربت على سبيل المثال صحيفة التاغس أنتسايغر، الناطقة باللغة الألمانية والتي تصدر في زيوريخ، عدم توقيع برن على البروتوكول.

وألمحت بصورة مواربة إلى وجود موقف معارض من قبل وزير العدل اليميني الجديد بلوخر لهذه القضية، أو على الأقل إلى أنها “لا تتصدر سلم أولوياته”.

“لاشك في نية سويسرا”

لكن المتحدث باسم وزارة العدل شدد في حديث خص به سويس إنفو على أنه لا مجال للشك في نية سويسرا.

فقد قال السيد فولكو جالي “لا أريد أن اترك مجالاً للشك في نية سويسرا في هذا الشأن خاصة مع ما حدث في العراق”.

وأوضح السيد جالي قائلاً “الحكومة الفدرالية.. سويسرا ستوقع على هذا البرتوكول.. وبعد القيام بذلك سُيحول الطلب ليأخذ الآلية الخاصة به من حيث تشكيل لجنة متعددة الأطراف لبحثه، وتحويل التوصيات الصادرة عنه إلى البرلمان للمصادقة عليه”.

يدعم موقف السيد جالي اتخاذ سويسرا بالفعل عدد من الإجراءات الرامية إلى تبني البرتوكول.. بصورة عملية. فقد أرسلت الحكومة العام الماضي بنسخة من البرتوكول إلى كل كانتونات الكنفدرالية لإبداء مواقفهم تجاهه، لاسيما وأن الكانتون في النظام الفدرالي هو المسؤول عن إدارة المؤسسات العقابية والسجون. وقد أعربت جميعها، باستثناء كانتون أبنزيل إينرهودين، عن الترحيب بما جاء فيه.

لم يبق إلا تحديد موعد لترجمة كل تلك الخطوات في فعل واحد، أي مصادقة البرلمان على البرتوكول. أما الموعد المحتمل لذلك – حسب رأي السيد جالي – فهو “العام المقبل، والمسألة مسجلة أصلاً على جدول أعمال البرلمان للعام القادم”.

إلهام مانع – سويس إنفو

اقترحت سويسرا في عام 2002 آلية جديدة لمكافحة التعذيب.
تقدمت سويسرا بالمقترح إلى الأمم المتحدة عبر كوستاريكا لأنها لم تكن آنذاك عضوة في المنظمة الأممية.
صادقت الدورة 58 للجنة حقوق الإنسان في أبريل 2002 على إضافة برتوكول للمعاهدة الدولية لمناهضة التعذيب.
أقرت الدورة الإضافة بموافقة 29 دولة، وامتناع 14 دولة، ورفض 10 دول، كان من بينهم السعودية وليبيا وسوريا والسودان.
لم تكن الولايات المتحدة ممثلة آنذاك في دورة اللجنة، لكنها استخدمت نفوذها دون جدوى لإجهاض المشروع.
في 24 يوليو من عام 2002 اقر المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة البرتوكول.
وفي ديسمبر من نفس العام أيدت الجمعية العامة للأمم المتحدة إضافة البرتوكول إلى معاهدة حظر التعذيب بموافقة 127 دولة ورفض 4 دول، وامتناع 42 دولة.
وقعت على البروتوكول 25 دولة، ولم تعتمدها إلى اليوم سوى ثلاث، هي ألبانيا وبريطانيا ومالطا.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية