مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

سويسرا والآفاق الاقتصادية في العالم العربي

رئيس الغرفة العربية السويسرية للتجارة والصناعة فيرنر أوبرلي يتوسط كلا من الأمين العام إلياس عطية ومحاسب الغرفة. swissinfo.ch

أثارت الغرفة العربية السويسرية للتجارة والصناعة في دورتها السنوية الثانية والثلاثين موضوع التبادل التجاري بين سويسرا والعالم العربي الذي لم يرتق الى المستوى المطلوب.

كما تطرق النقاش الى نظرة الغرب للإسلام كتيارات فكرية وعقائدية، وإلى الرؤى المختلفة لتلك التيارات إلى مسألة الحداثة، وسبل الخروج من المأزق الحالي.

بعد اثنين وثلاثين سنة من النشاط أظهرت الغرفة العربية السويسرية للتجارة والصناعة في اجتماعها السنوي هذا العام نوعا من الإرهاق والتراجع الذي تمثل في قلة الحضور وبالاخص من قبل ممثلي المؤسسات والشركات السويسرية التي تمثل ثقل هذه الغرفة.

ولا شك أن من المؤشرات على هذا التراجع في نشاط الغرفة، اعتراف أمينها العام السيد إلياس عطية بـ “عدم تلبية الأعضاء للدعوة التي وجهت لهم بتزويد الأمانة العامة بأفكار حول تحديث وتعزيز نشاط الغرفة”.

كما أن ما يوحي بتراجع في نشاط الغرفة، قلة المشاريع المبرمجة لهذه السنة باستثناء زيارة خاطفة في منتصف هذا الشهر لكل من الجزائر وتونس بهدف الوقوف على الإمكانيات التجارية المتاحة في البلدين. ولاشك أن أهم مؤشر على هذا التراجع في نشاط الغرفة يتمثل في إلغاء تنظيم ملتقى في الأردن حول تصنيع الأدوية البديلة (generiques)، طالبت به 50 من شركات صناعة الأدوية العربية، وذلك بسبب عدم استجابة الشركات السويسرية.

وهذا ما حاول الأمين العام للغرفة السيد إلياس عطية إرجاعه الى الظروف السائدة في المنطقة مثل “تعاظم الأزمات” من فلسطين الى سوريا ثم العراق فالسودان وانتهاء بالأزمة النووية الإيرانية، والتي أثرت لا محالة على الأوضاع الاقتصادية في المنطقة.

ميزان تجاري في صالح سويسرا

رئيس الغرفة العربية السويسرية للتجارة والصناعة السيد فيرنر اوبرلي شدد في مداخلته على ان الاقتصاد السويسري عرف تعزيز المبادلات مع دول الاتحاد الأوربي في حدود 80 % من الواردات السويسرية وحوالي 60 % من الصادرات وذلك بنمو مسجل في مجال الصادرات بحوالي 4،1% عن مستوى العام الماضي.

اما في علاقات سويسرا مع العالم العربي فيرى الأمين العام إلياس عطية انه على الرغم من تسجيل ارتفاع في الصادرات مع كل من الكويت ولبنان والمغرب، وزيادة في حجم الواردات مع كل من لبنان والجزائر والسعودية والإمارات، لا زالت الكفة في صالح سويسرا وبنفس النسبة تقريبا المسجلة في العام 2004. لكن على مستوى المبادلات البينية يلاحظ حلول الإمارات العربية المتحدة محل المملكة العربية كأكبر مستورد من سويسرا بحوالي 1،2 مليار دولار.

وتشكل المبادلات التجارية بين سويسرا وليبيا، الاستثناء الوحيد نظرا لكون الميزان التجاري في صالح الأخيرة بسبب ارتباط سويسرا الى حد كبير باستيراد النفط الليبي، ولتواجد محطات ليبية لتكرير وتوزيع البنزين فوق التراب السويسري.

آفاق تجارية لم تستغل

ضيف الغرفة الأول، السيد إلياس غنطوس الأمين العام للاتحاد العام للغرف العربية للصناعة والزراعة، تطرق للآفاق الاقتصادية في الدول العربية ومدى إمكانية الأوساط الاقتصادية السويسرية الإسهام في ذلك.

وفي تقييمه للوضع الاقتصادي في العالم العربي يرى السيد غنطوس أن الملفت للانتباه في الدول العربية أن النمو الاقتصادي يبقى من أولى أولوياتها في الوقت الحالي وان القطاع الخاص بدأ يحتل مكانة بارزة في ذلك.

ولتحقيق ذلك، يتم تسخير العلاقات الخارجية لهذه الدول بغرض جلب الاستثمارات الخارجية ونقل التكنولوجيا من أجل تطوير الاقتصاد الداخلي ورفع مستوى الدخل الفردي.

وبالنظر الى التطورات والتكتلات الدولية القائمة، يرى السيد غنطوس أن الدول العربية أصبحت تنظر الى الاندماج الإقليمي كإحدى الأولويات. ورغم الخطوات التي تم اتخاذها مثل الشروع في إقامة المنطقة التجارية العربية الحرة، يرى السيد غنطوس ان الطريق ما زال طويلا أمام الاندماج العربي الفعلي خصوصا وان المنطقة تشكل سوقا لحوالي 300 مليون نسمة وأنها منطقة مقبلة على مراحل تخصيص وتملك قوى عاملة مدربة.

ويرى أن الشركات السويسرية أمامها فرص كبرى للإسهام في “مرحلة التصنيع الجديدة” التي ترغب الدول العربية الشروع فيها. وهذا يعني استيراد معدات وآلات من الدول المصنعة بما في ذلك سويسرا. ويدخل في هذا الإطار نقل التكنولوجيا أيضا لتكوين الإطارات الوطنية.

ومن القطاعات التي تحظى بالأهمية قطاع الغذاء الذي يمثل حوالي 20 مليار دولار سنويا نظرا لأن العالم العربي لا زال يعاني من مشكلة الاكتفاء الذاتي في الغذاء. وهو ما يمكن تأمينه مرحليا عبر الاستيراد. وسواء تعلق الأمر بالاستيراد او بجهود تطوير الزراعة في العالم العربي، يرى المحاضر أن سويسرا بإمكانها أن تلعب فيهما دورا مهما.

الإسلام والحداثة

إيف بيسون، الدبلوماسي السويسري الأسبق، والمدير العام السابق لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين أونروا، والأستاذ الجامعي الحالي بجامعتي جنيف وفريبورغ حول الإسلام والعالم العربي، تطرق في مداخلته إلى موضوع “الإسلام والحداثة” من منظور الغرب.

وأوضح بيسون في مستهل مداخلته بأن الحديث عن الإسلام (في صيغة المفرد) يراد به العقيدة الصحيحة والأصلية التي يتمسك بها المسلم، أما الإسلام (بصيغة الجمع) فهو يعكس التنوع والمذاهب والتيارات التي تعرفها المجتمعات المسلمة منذ القدم وحتى عهدنا هذا، وهي “التي تهم الباحث ورجل العلم والمؤرخ”، حسب تعبيره.

وصنف المحاضر تلك التيارات إلى ست فصائل أولاها “التقليديون” وتنتمي إليها مثلا جماعات التبليغ، ثم “دعاة التطبيق الحرفي” المنادون بالعودة إلى الأصل، ثم “الإصلاحيون” الذين يرون ان التطبيق لا يعني تقليد ما كان متبعا في فجر الإسلام. وهناك “المتطرفون السلفيون” الذين يرغبون في إقامة أنظمة على أساس الشريعة. في المقابل، هناك “المنطقيون” الداعون إلى العودة الى النص ولكن بدون ان يتحول النص الى سجن للأفكار او للاجتهاد. أخيرا، أشار إيف بيسون إلى تيار “الصوفية” الذي لا يتمسك بالتأويل الحرفي للنصوص.

وعن الحداثة يقول إيف بيسون إن الإسلام كان في القرنين الحادي عشر والثاني عشر مصدر الحداثة والإشعاع الذي جلب للغرب معرفة الأجيال السابقة. ولكنه تقوقع على نفسه فيما بعد إثر فشل “النهضة”، أو فشل ما أسماها “المحاولات المتكررة للالتحاق بالحداثة” سواء عبر الربط بين الاشتراكية والإسلام أو عبر المزج بين الإسلام والليبرالية، وهو ما جعل الأوضاع تتحول إلى “بؤر مرارة واستياء تتغذى منها التيارات المتطرفة الحالية”.

وانتهي إيف بيسون الى القول بأن الإسلام الذي جلب هذه المعارف في القرنين الحادي عشر والثاني عشر لا يحتوي في داخله على أسباب الفشل بل إن الفشل نابع من “الصورة التي يعطيها عن نفسه في عالم معولم”.

دعوة إلى رؤية نقدية

واستشهد المحاضر على ذلك بقضية الرسوم الكاريكاتورية التي اعتبر أن الطرفين عالجاها بطريقتين مختلفتين. فهناك “أوروبا من جهة، التي تخلت الى حد بعيد عن تدخل الدين كعنصر فاصل في الميدان الاجتماعي والسياسي، بينما عالجها العالم الإسلامي بانغماس من جديد في هوية يطبعها العنصر الديني”. وهي ظاهرة اعتبرها من “نتائج عولمة مثيرة للإضطراب”، معترفا في هذا السياق بأن “المجتمعات المضطربة تعود في حالات الاضطراب هذه الى التمسك بأصالتها. وفي حال المجتمعات الإسلامية تعني الأصالة العودة الى الدين الإسلامي”، حسب قوله. واختتم إيف بيسون تحليله بالقول: “إن ازمة الرسوم الكاريكاتورية اثارت في العالم الإسلامي ثورة وجودية لا يجب على الغرب أن يرد عليها بطريقة تهكمية أو كاريكاتورية”.

ولكن الدبلوماسي السويسري السابق يرى أنه “في مواجهة هذا الغرب الأوربي المستمر في تطور تقني وتكنولوجي متسارع يرجح كفة الكسب المادي والإنتاجية والمردودية على الجانب الخلقي والديني، يتوجب على العالم الإسلامي، وبالأخص في الجانب العربي منه المتشبث بحرفية القوانين ان لم نقل بالمآثر التاريخية والإيديولوجية، أن ينظر الى نفسه بطريقة منتقدة. لأن ذلك هو السبيل الوحيد القادر على إدخال المسلمين في عالم الحداثة السياسية والاجتماعية، وإلا كان كل تصرف غير ذلك مجرد زينة تجميلية تقنية منقولة بطريقة سطحية عن نظرة تاريخية متزمتة يتم إضفاء طابع القدسية عليها”، على حد تعبيره.

وإذا كان هذا الاجتماع السنوي قد تميز بغياب نقاش بين أعضاء الغرفة العربية السويسرية للتجارة والصناعة حول كيفية تفعيل المبادلات التجارية بين العالم العربي وسويسرا، فإن الخلاصات التي توصل إليها البروفسور إيف بيسون عن الإسلام والحداثة، أثارت تدخلات متحمسة من الحضور إما منتقدة أو مؤيدة ولكن مع تحفظات عديدة.

محمد شريف – سويس إنفو – جنيف

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية