مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

سويسرا- أفغانستان: من المساعدات الطارئة إلى التنمية المستدامة

فتيات ونساء أفغانيات يتظاهرن في الشوارع بكابول يوم 15 أبريل 2009 احتجتجا على مشروع قانون أقره الرئيس الأفغاني حامد قرضاي أخيرا ويتعلق مشروع القانون بتنظيم العلاقات الزوجية داخل الأقلية الشيعية في البلاد Keystone

أعادت سويسرا التأكيد على دعمها للشعب الأفغاني ولمؤسساته الشعبية والرسمية خلال مؤتمر دولي حول أفغانستان عقد بداية شهر أبريل 2009 بلاهاي. وشدد مارتين داهيندن، رئيس الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون وممثل سويسرا في ذلك اللقاء، على الحاجة الماسة لإقتلاع ظواهر الفقر والعنف والتطرف من جذورها.

ورحبت العديد من المنظمات غير الحكومية بما تراه توجها دوليا لزيادة دعم المدنيين في أفغانستان، وبتغييرات رصدتها على مستوى الإستراتيجية الدولية في هذا البلد، خاصة منذ انتخاب الإدارة الأمريكية الجديدة، إذ تضاعف الاهتمام بمشاريع التنمية المستدامة بعد أن كان التركيز في البداية على المساعدات العاجلة والطارئة، وعلى العمليات العسكرية.

ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن سام زافيري، مدير منظمة العفو الدولية بالبلدان الآسيوية، قوله: “تجدد الاهتمام الدولي بأفغانستان يبعث الأمل في نفوس المواطنين هناك ويجعلهم يأملون في انخراط أوسع للبلدان المانحة من أجل تنمية طويلة الأمد، ومن أجل تحقيق الأمن والحكم الرشيد”.

اهتمام سويسري دائم بأفغانستان

أما اهتمام سويسرا بالأوضاع في أفغانستان، فلم يقترن بالتحولات الدولية الأخيرة فقط، إذ تُعتبر أفغانستان من البلدان القليلة التي تحظى ببرنامج دعم خاص من الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون منذ السبعينات من القرن الماضي.

ويرجع هذا الاهتمام، كما يبين جون-فيليب يوتسي، الناطق باسم وزارة الخارجية السويسرية “لكون أفغانستان من البلدان الأشد فقرا في العالم، ويعاني المدنيون فيها من تبعات الحروب والصراعات المتتالية منذ الغزو الروسي سنة 1979”.

ومنذ سقوط نظام طالبان في نوفمبر 2001، تضاعفت مشاركة سويسرا في جهود إعادة الإعمار واستعادة الاستقرار السياسي، وتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للسكان. ولتحقيق ذلك، تخصص الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون منذ 2002 ما معدّله 20 مليون فرنك سنويا، وتـرصد سويسرا هذه السنة 19.7 مليون فرنك لدعم أفغانستان.

وتدرك البلدان المانحة، ومن بينها سويسرا، على حد قول السيد يوتسي، أن “الاستقرار والأمن والتنمية في أفغانستان، شروط أساسية لحفظ السلام الشامل في منطقة آسيا الوسطى بأكملها”.

من المساعدات المُلحة إلى التنمية المستدامة

هذا الوعي الاستراتيجي بمحورية الأوضاع في أفغانستان، أدى منذ خمس سنوات تقريبا إلى تحوّل أساسي في النظرة السويسرية للأوضاع هناك. فبدل الاكتفاء بتقديم مساعدات عاجلة وطارئة وآنية إلى السكان الأفغان المتضررين من الأعمال الحربية بين القوات متعددة الجنسيات والمتمردين الأفغان، بدأت جهود سويسرا تأخذ شكل البرنامج المتكامل والمستدام.

وترى وزارة الخارجية السويسرية على لسان الناطق الرسمي بإسمها، أن “هذا الخيار أجدى في حل المشكلات الهيكلية التي يعاني منها المجتمع الأفغاني، وإن كان ذلك لا يـُنقص من أهمية المساعدات العاجلة لنجدة الضحايا وإعادة بناء ما دُمّـر”.

وللبرنامج السويسري في أفغانستان هدفان أساسيان: الأول، هو الحد من الفقر من خلال العناية بمشروعات مثمرة تعود على السكان بمداخيل تسد احتياجاتهم وتكفل استقلاليتهم، وتطوير مشروعات في مجال الصحة والتعليم من أجل تحسين الأوضاع المعيشية للسكان، أما الهدف الثاني، فيتعلق بحماية حقوق الإنسان، خاصة الفئات الاجتماعية المهمّشة كالنساء والأطفال.

وتعترف الوكالة السويسرية للتعاون والتنمية بوجود صعوبات حقيقية في الوصول إلى تحقيق أهدافها، ويشرح أحد مسؤوليها ذلك فيقول: “إعادة إعمار أفغانستان عملية معقّدة وطويلة، وأي مشروع تنموي يتطلب ضرورة الاستقرار والأمن، ولذلك، لا يمكن عزل الجهود السويسرية عن جهود المجتمع الدولي في هذه البلاد، الجهود العسكرية والمدنية على حدّ السواء”.

معضلة الفساد الإداري والسياسي

وما صحة التقارير الدولية التي تتحدث عن الفساد الإداري والسياسي المستحكم في مفاصل النظام الأفغاني المدعوم دوليّا؟ وإلى أي حد تعيق ذلك الجهود الدولية في مجال البناء والإعمار؟

هنا أيضا تقر دوائر وزارة الخارجية السويسرية بالأضرار البالغة التي تلحقها هذه الظاهرة بجهود الإعمار في أفغانستان، وفضلا عن الأضرار الاقتصادية، يشدد الناطق الرسمي باسم الوزارة على “مخاطر وعواقب انتشار الفساد الإداري والسياسي لما ينجرّ عنه من اهتزاز الثقة في المؤسسات الحكومية ومن تشكيك في شرعيتها”.

أما عن كيفية الحد من تلك الأضرار، فيقول المسؤول جون-فيليب يوتسي: “اخترنا التعامل مباشرة مع منظمات المجتمع المدني ومع المؤسسات الدولية الموجودة على عين المكان، كبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي”.

ومن بين الأهداف الأساسية لهذا البرنامج الدولي: “مساعدة البلدان النامية على اكتساب المعرفة والخبرة والموارد من أجل مساعدة شعوبها على التمتع بحياة أفضل والتعاون معها، لإيجاد الحلول لمواجهة التحديات التنموية وتطوير قدراتها المحلية”.

ومن مظاهر الفساد السياسي في أفغانستان، والتي أثارت أخيرا لغطا إعلاميا كبيرا، إقدام حكومة الرئيس حامد قرضاي، ولدوافع انتخابية بحتة، على وضع مشروع قانون لتنظيم العلاقة بين الأزواج داخل الأقلية الشيعية، يحد من حرية المرأة ويفرض عليها قيودا تنال من كرامتها، وهو ما يتناقض تماما مع مطالب المجتمع الدولي والدول المانحة اللذان جعلا من حقوق الإنسان أحد أهدافه الرئيسية. هذه الخطوة لقيت الرفض والتنديد، خاصة في البلدان الغربية وأثيرت خلال قمة حلف شمال الأطلسي التي عقدت أخيرا على الحدود الفرنسية – الألمانية.

وأكد مسؤول بوزارة الخارجية السويسرية في حديث إلى سويس إنفو تدخّل بلاده لدى الحكومة الأفغانية لثنيها على إقرار هذا القانون المثير للجدل، مؤكدا في الوقت نفسه أنه “لا يمكن التقدم على طريق البناء والتنمية بإجبار النساء على البقاء في المنازل”، كما “يجب أن يُـسمح لهن بالمشاركة في انتخابات حرة”، مشددا على أن “حقوق الإنسان، فضلا عن كونها معايير دولية، لا تقبل المساومة، فإنها شروط لابد منها لتحقيق التنمية والديمقراطية”.

سويسرا مع الحوار بين جميع الأطراف

إستراتيجية التنمية والإعمار وإغفال الأسباب الحقيقية للمأزق الأفغاني، والمتمثل في الغزو العسكري الأجنبي، “رؤية عقيمة من الأساس”، على حد تعبير الخبير السويسري في القضايا الأمنية جاك بو، لكن أصحاب تلك الرؤية يجيبون بأن خروج القوات الأجنبية من البلاد بشكل متسرع لن يكون في صالح المدنيين الأفغان ولن يعزّز في شيء من احترام حقوق الإنسان هناك.

وفي هذاالسياق، تؤكد وزارة الخارجية السويسرية على لسان الناطق بإسمها أن “أي تدخّل عسكري يجب أن يحترم قواعد القانون الإنساني، بدءً بالتمييز بين الأهداف العسكرية والأهداف المدنية واحترام كرامة السكان المدنيين، وما لم يحصل ذلك، لن يحقق أيّ تدخل عسكري أغراضه التي قام من اجلها”، على الرغم من أن سويسرا تشدد بإستمرار، كما يبدو من خلال تصريحات نفس المتحدث، على التمييز بين المهام الأمنية التي يتولى تنفيذها عسكريون، ومهام التنمية التي يتولى الإشراف عنها مدنيون.

وللخروج من الأوضاع المضطربة في أفغانستان وفي بلدان أخرى مشابهة، كما هو الحال في العراق، تعير سويسرا إهتماما بالغا للحلول الدبلوماسية وتشيد بالحوار بين جميع الأطراف، وتلخص هذه الرؤية العبارة التي تتكرر دائما على لسان وزيرة الخارجية ميشلين كالمي -ري: “لن تتحقق المصالحة ولن يكون هناك تنافس ديمقراطي إلا إذا قبل الجميع بالجلوس إلى طاولة الحوار والمفاوضات”. فهل يستمع الأفغان لنداء الوزيرة السويسرية؟

سويس إنفو- عبد الحفيظ العبدلي

منذ زمن طويل، لم تذق أفغانستان طعم الإستقرار، ونشير هنا إلى ابرز الأحداث منذ أربعة عقود:
1979: بداية الغزو السوفييتي لأفغانستان
1989: انتصار المجاهدين الأفغان على القوات السوفياتية، وانسحابها من البلاد
1992: المجاهدون يستولون على كابول وانتخاب برهان الدين رباني رئيسا.
1994: مجموعة طالبان تستولي على السلطة وتطرد فلول المجاهدين من العاصمة كابول.
1998: زلزال عنيف يضرب شمال أفغانستان، ويقتل أكثر من أربعة آلاف شخص.
نوفمبر 2001: سقوط نظام طالبان بعد الغزو الامريكي عقب هجمات 11 سبتمبر.

تتوزع المساعدات التي قدمتها سويسرا إلى أفغانستان سنة 2008 على النحو التالي:

الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون:

المساعدات الإنسانية: 4.18 مليون فرنك
التعاون في مجال التنمية: 12.65 مليون فرنك

مساعدات سويسرية أخرى

وزارة الدفاع: 500.000 فرنك
المكتب الفدرالي للهجرة: 230.000 فرنك، صرفت على اللاجئين الأفغان في سويسرا.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية