مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“ما أسهل أن يُـصبح الأعـــداءُ أصــدقـاء”

Thomas Kern

الحوار، وسيلة فعّالة جدا في حلّ النزاعات، لذا يتعيّن الذّهاب إلى المناطق الأكثر خطورة على هذا الكوكب، والتحدّث وجها لوجه مع المقاتلين، بما في ذلك مجرمي الحروب. في هذه المقابلة، يُحدِّثنا ديفيد غورمان (44 عاما) عن التحديات اليومية التي تواجه وسطاء السلام.

تجتذِبه مناطق الصّراع في ليبيريا وإندونيسيا والفيليبِّين والبوسنة وأوغندا وإسرائيل وفلسطين… كالمِغناطيس! إنه الأمريكي ديفيد غورمان الذي يعمل بالتعاون مع مركز الحوار الإنساني في جنيف. التقينا به في مقرّ إقامته في قبْرص، بغرض معرفة المزيد عن حِرفة “وسيط السلام”.

swissinfo.ch: ما هي الصفات التي ينبغي أن يتمتّع بها الوسيط؟

ديفيد غورمان: لا أعتقد ضرورة توفّر متطلبات خاصة، وإن كان لابد، فسأذكر ثلاثة: فن الإستماع وحبّك لعملك والشخصية المرحة البشوشة.

البشاشة؟

ديفيد غورمان: في سياق أي مفاوضات، يكون من المفيد تهيِئة أجواء سليمة، تجعل الأطراف المشاركة تشعر بالأريَحِية، وتأنس إلى وجود الوسيط، مما يُساهم في سيْر العملية بسلاسة أكبر. وأكيد أنّ لديّ شخصيّا بعض الحِيَل والأسرار الخاصة بالمِهنة، لكني لا أستطيع الكشْف عنها.

ما هي الصعوبات التي تواجهونها على أرض الواقع؟

ديفيد غورمان: العمل في المنظمات غيْر الحكومية يحُدّ من إمكانية الإعتماد على الموارد البشرية، وإلى حدٍّ ما، تجِد نفسك لوحدك في الميدان، وقد يمضي وقت كثير، وأحيانا سنوات، وأنت في نفس الوساطة، مما يضطرك أن تكون على عيْن المكان، وهذا يجعلك تتغيّب كثيرا عن عائلتك… الأمر الذي ليس بالسهل.

وأثناء التفاوض، تنتابك الخِشية من فقدان السيطرة على الوضع، وتتخوّف من احتمالية عدم التوصل إلى اتفاق أو أن تتوقّف المحادثات، وعندما ترى بأن المحادثات انحرفت عن مسارها وأخذت اتِّجاها خاطئا، تسأل نفسك: “كيف يُمكنني الخروج”؟

أمريكي الأصل، ولِد في عام 1969، حصل على درجة الماجستير في السياسة الإجتماعية في البلدان النامية من كلية لندن للإقتصاد وفي العلاقات الدولية من جامعة فلوريدا.

بدأ حياته المهنية كوسيط سلام في الشرق الأوسط في عام 1993.

عمل لحساب عدة مؤسسات غير ربحية، فيما يخص النزاعات في أنحاء العالم (إسرائيل / فلسطين، وليبيريا والبوسنة وأوغندا وإندونيسيا والفيليبين).

انضم منذ عام 2000 إلى مركز الحوار الإنساني في جنيف، وحاليا، يشغل فيه منصب المدير الإقليمي لمنطقة أوراسيا. ويعتبر المركز واحدا من أهم المنظمات العالمية التي تقوم بدور الوساطة في حلّ النزاعات.

الفيلم الوثائقي “مايلز آند وور” (أنتج في عام 2012 من قبل شركة T & C للأفلام السينمائية في زيورخ، بالتعاون مع التلفزيون العمومي السويسري) للمُخرجة آن توما، سمح بتوثيق العمل الميداني الذي يمارسه ديفيد غورمان ورفاقه من وسطاء السلام في ساحات النزاع حول العالم.

هل سبق وأن حصل فعلا؟

ديفيد غورمان: قبل بضعة أشهر، خلال مفاوضات السلام بين الجبهة الوطنية لتحرير مورو [منظمة تُحارب من أجل استقلال جنوب الفلبين، ذو الأغلبية المُسلمة – التحرير] والحكومة الفلبينية، طُلِب مني التعجّل في إيجاد أرضية مشتركة تخصّ مسألة ما.

وأتذكّر بأنني بقيت جالسا على الطاولة وحْدي، بينما خرج الآخرون لتناول طعام الغداء، لم تكن لدي أي إجابة، ولم أكن أعرف كيف سأتوصّل إلى حلٍّ وسط، وشعرت بحملٍ ثقيل على ظهري، إذ أن الجميع مُعَوّل عليّ في إيجاد حلّ، وأنا ليست لديّ أدنى فكرة.

وماذا فعلت؟

ديفيد غورمان: في نهاية المطاف، دائما ما تقدح فكرة ما تُسهم في إعادة إطلاق الحوار، والمُهم هو فتح طرف الباب، وما تبقىّ يأتي بعد ذلك من تِلقاء نفسه، وتمكّنا من إيجاد أرضية مشتركة.

كيف يمكن البقاء على الحياد مع وجود أشخاص من المتّهمين بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان واغتصاب وجرائم الحرب؟

ديفيد غورمان: لا يسَعُني البقاء على الحياد، وأتحدّث مع الجميع، بما في ذلك مُجرمي الحرب، وليس من مهمّتي التحدّث علانِية بشأن هذه الجرائم، ولكني أناقشها مباشرة مع الأطراف، وأدِين هذه الأعمال وأطلب من أصحابها أن يَعُوا عواقب أفعالهم. وفي الوقت الحاضر، يتعيّن على كل طرف أن يُبرْهِن علنا بأنه يقوم بجُهد حِيال هذا الموضوع، وبالتالي، أصبح من السّهل علينا مواجهة مسائل من هذا القبيل.

هل سبق وأن شعرتَ بخطر على حياتك؟

ديفيد غورمان: قطعا، في وجود كلا الطرفين، لكنّي أذكر بأننا وُجِدنا تحت مرمى النيران خلال اجتماع ثنائي مع جبهة تحرير مورو، في مقاطعة سولو بجزيرة مينداناو، حيث كان الطرفان يناقشان شروط وقف إطلاق النار.

كانت النيران تأتي من فوقنا ومن أسفل منا، ولم يكن يخطر ببالي ما إذا كانت حياتي في خطر، وكان كل تفكيري في إيجاد ملاذ، إذ عندما ردّت جبهة تحرير مورو على إطلاق النار، خُفنا من أن نجِد أنفسنا في وسط المعركة، لكن لِحُسن الحظ، أصدر القائد أمْرَه لجنوده بالتوقف عن إطلاق النار.

هل تنتهي مهمّتكم عند التوقيع على اتفاق سلام؟

ديفيد غورمان: نادرا ما ينتهي الحوار بالتوقيع على اتفاق، وليس التوقيع ليُنْهِي المهمّة بالضرورة، ولا أحد يدري إن كان سيعقبه سلام دائم. فقد يحصل أن بعض أسباب الصّراع لا تُشمَل بكاملها في الإتفاق، وقد تكون هناك مجموعات مشاركة في الصراع، لكنها لم تشارك في عملية السلام.

المزيد

المزيد

نــــزاعــــــات مـنـسـيـّة

تم نشر هذا المحتوى على swissinfo.ch اختارت تسليط الأضواء على عدد محدود من هذه “الأزمات المنسيّة” استنادا إلى “مقياس النزاعات لعام 2012” الصادر عن معهد أبحاث الأزمات الدولية التابع لجامعة هايدلبرغ الألمانية.

طالع المزيدنــــزاعــــــات مـنـسـيـّة

أنتم في هذه المِهنة منذ 20 عاما، فهل هناك تغيّر في أسلوب عملكم؟

ديفيد غورمان: بداية، كان جُلّ عملي خارج “القاعة الرئيسية”، أي خارج المكان الذي تدور فيه المفاوضات وجها لوجه، وفي اعتقادي، فإن النقاش مع الأطراف خلْف الكواليس وفي أجواء انفرادية وبعيدا عن الأضواء، يمكن أن يكون مُثمرا أكثر.

اليوم، أصبحت الوساطة أكثر صعوبة، أليس كذلك؟

ديفيد غورمان: لا أدري إن كانت أكثر سهولة أم أكثر صعوبة. بالطبع، اختلفت الأمور، فاللاّعبون، مسلحون وغير مسلحين، أصبحوا أكثر عددا وأصبحت الوساطة برمّتها أكثر علانية، بسبب المطالبة بالشفافية واستِخدام وسائل الإعلام والإجتماعية، ولم يعد الحديث يدور بين الطرفين المتصارعين، وإنما أيضا باتجاه الخارج.

ما مدى قوّة “سلاح” الحوار في حلّ النزاعات؟

ديفيد غورمان: كبيرة جدا، إنه لأَمْر مُذهِل أن ترى الأعداء صاروا أصدقاء، إنه أبسَط مما تتصوّر، وفي كثير من المناسبات، عايَنتُ كيف يحصل التقارب بين الطرفين المتفاوضين، فكلاهما واجه نفس الضغوط ونفس المصاعب، وأمضيا أوقاتا طويلة سويا، وحتى أنا شخصيا كوّنت العديد من الصداقات.

ولعلّ اتفاق مينداناو [الذي تمخّض عنه قيام كيان مستقل جديد في جنوب الفلبين ]، واحد من أفضل الأمثلة على مدى قوة الحوار. وأعتقد بأن أكبر دور لعبناه، كان في اتشيه [إندونيسيا]، حيث تهيّأ لنا لأول مرّة جمْع أطراف الصراع ووضع أسُس اتفاق مستقبلي.

ألَم يصل بكم الحال إلى القول بأن “الوساطة في هذه الحالة لا طائل منها”؟

ديفيد غورمان: في حالة جيش الرب في أوغندا، حيث حالت أنشطته الإجرامية، دون إمكانية قيام أي مفاوضات.

تعتبر حالة جيش الرب واحدة من أكبر التحديات في الوقت الحاضر. نحن كثيرا ما نتعامل مع أطراف لديها بعض أوجه من الإجرام، ومفاهيمها مثار نقاش إلى حدّ ما، ربما كانت لديها بعض الحجج المنطقية في الماضي، وكانت تدفعها أيديولوجيات معيّنة أو أسباب سياسية محدّدة، لكنها، في وقت لاحق، رفضت إلقاء السلاح، بالرغم من أن بعض القضايا جرى حلّها. هناك توجه نحو الأنشطة الإجرامية بشكل حصري. في بعض الأحيان يمكنك التفاوض مع مجرمين، لكن ليس في حالة جيش الرب.

معنى هذا، أنه ليس بمقدور الحوار حلّ جميع النزاعات…

ديفيد غورمان: بالتأكيد، وفي اعتقادي أن غالبية الصراعات اليوم، يمكن حلّها عن طريق نظام الحكم الرشيد والعدالة والإصلاح الديمقراطي وحقوق الأقليات.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية