مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

صـدمـةٌ بــاكــسـتــانــيــة

اغتيال بي نظير بوتو، أحد الرموز المعارضة الباكستانية يوم 27 ديسمبر 2007، يثير قلقا داخليا ودوليا Keystone

كان من المعروف أن بي نظير بوتو مُـستهدفة وأن هناك من وضعها في المرتبة رقم 2 على قائمة القتْـل في باكستان، وتمّـت مشاهدة محاولة سابقة لاغتيالها على الهواء مباشرة، ومع ذلك، صُـدم الجميع عندما سمعوا بأن ذلك قد حدث.

فقد تمّ الاعتياد مؤخرا على فِـكرة أن باكستان تشهد محاولات اغتيال، وليس اغتيالات فعلية، ولم يعُـد أحد يُـصدِّق شيئا، إلا بعد أن يقع بالفعل، لكن ثبت أن المسألة أعقَـد من ذلك، والآن يضع كثيرون – حسب تعبير عامي – أيديهم على قلوبهم، فتأثيرات ما قد يحدث في باكستان، لن تتوقف عند حدودها الجغرافية المفتوحة أصلا.

لقد كانت بي نظير بوتو ذاتها تُـدرك أنها قد تُـغتال عندما قررت العودة إلى باكستان في 18 أكتوبر الماضي، بعد 8 سنوات في المنفى، وقد أرسلت قبل عودتها بأيام، رسالة شهيرة إلى الرئيس برفيز مشرف تتضمّـن معلومات محدّدة – كما قيل وقتها – حول الجِـهات، وربّـما الشخصيات، التي تخطط لاغتيالها، ولم تتحدّث بعدها كثيرا حول فحوى الرسالة، لكنها لم تكُـن في حاجة إلى ذلك.

فقد كانت أعمال القتل قد حصدت حوالي 235 شخصا منذ منتصف العام، وكانت التهديدات الموجهة ضدّها من جانب زعماء الجماعات الإسلامية المتطرِّفة مُـعلنة تقريبا، وبالفعل، لقيت خلال ذلك اليوم استقبالا دمويا في كراتشي، أدّى إلى مقتل 139 من أنصارها، لكنها نجت في تلك المرّة من الموت.

إن عملية 18 أكتوبر الماضي، تمثِّـل نقطة البداية لفهم ما جرى يوم 27 ديسمبر 2007، عندما تم التمكّـن من اغتيالها بالفعل، فقد صُـنّـفت تلك العملية على أنها الأكثر دموية في تاريخ باكستان، استنادا إلى أعداد الضحايا، وكان من المُـمكن أن تُـقتل بوتو وقتها، لولا واحدة من الصُّـدف غير المخطّـطة، فقد كانت قد هبطت لتستريح قليلا داخل سيارتها المدرّعة قبل أن تواصِـل تحية المستقبلين حين وقع التفجير، وكان المعنى الواضح لذلك، هو أن هناك قرارا قاطعا باغتيالها، وهو ما حدث في المرة التالية، التي لم تترك فيها الأمور للمُـصادفات، فقد أطلِـقَـت عليها رصاصات القنّـاصة قبل حدوث التفجير الإنتحاري الكبير.

ألغاز قابلة للحل

كانت هناك بعض الألغاز القابِـلة للحلّ قد أثِـيرت في أعقاب محاولة الاغتيال الأولى، على الأقل بالنسبة لمَـن يُـتابعون شؤون باكستان من بَـعيد، فقد يكون مفهُـوما أن تستهدِف الجماعات الدِّينية المتطرِّفة فى باكستان الجنرال مُـشرّف، في ظل الحرب المفتوحة بين الطرفين، منذ أن اتّـخذ قرار اقتحام المسجد الأحمر في يوليو 2007. لكن لماذا هذا الإصرار على استهداف زعيمة أحد أحزاب المعارضة السياسية المدنية؟ كما لم يكُـن مفهوما تماما أيضا كيف لا تتمكّـن المؤسسة العسكرية – الأمنية الباكستانية ذاتها من حماية بوتو، التي عقدت صفقة مع الجنرال، وربّـما مع تلك المؤسسة ذاتها، خاصّـة وأنها تُـدرك من خلال رسائل بوتو المتكرِّرة وتقاريرها الأمنية، أن محاولات اغتيالِـها ستتواصل.

تحوّلت الألغاز القابِـلة للحلّ إلى أسئلة كُـبرى بعد أن تمّ اغتيال بوتو بالفعل، فعادة ما يتفجّـر سؤالان كبيران، مثلما يحدُث إثر أية أحداث تَـطَـال الرُّؤوس الكبيرة في الدول، وهما: مَـن الذي قام باغتيال بي نظير بوتو، وما الذي يعنيه ذلك بالنسبة لحالة الأمن في باكستان؟

وعادة ما لا توجد إجابات محدّدة بهذا الشأن، من واقع خِـبرة كثير من عمليات الاغتيال الكُـبرى، التي عادت إلى الأقاليم في السنوات الأخيرة. لكن المثير، أن عدم وجود إجابة يبدُو أحيانا وكأنه مُـشكِـلة فنِّـية تتعلّـق بعدم توافُـر أدلَّـة إثبات، فأحيانا ما تكون لدى رجل الشارع العادي إجابة شديدة التّـحديد حوْل الأطراف المتورِّطة أو التَّـداعِـيات المُـحتملة.

إنها الجماعات المتطرفة

نظريا، لا يُـمكن استبعاد فِـكرة أن أحد المتعصِّـبين الدِّينيين قد قام بذلك في منطقة شهدت قِـيام مثل هؤلاء العشوائِـيين أو المهْـوُوسين بأعمال اغتيالٍ مُـروّعة لكثير من الزعماء السياسيين الكِـبار، لكن الأمور في باكستان لا تسير بتِـلك الصورة.

فقد كانت هناك دائما مؤشِّـرات على وجود فاعل “منظم” وراء كل عملية اغتيال، بحيث لم يعد من المُـمكن أن يفسّـر مجرّد سقوط طائرة على أنه حادِث، وبالنسبة لبي نظير تحديدا، كان هناك مَـن ينتظرون وصُـولها ويخطِّـطون لاغتيالها، وقد تعرّض أنصارها في الأيام السابقة لمقتلها، إلى عمليات قتل شِـبه جماعية في عدّة ولايات، بينما كانوا يستعدّون لانتخابات يناير 2008، فما جرى لم يكُـن حادثا بالتّـأكيد.

إن الجماعات الدِّينية المتشدِّدة هي التي اغتالت بوتو على الأرجُـح، فقد سَـيطرت على تلك الجماعات مُـيول سلفِـية عَـنِـيفة في السنوات الأخيرة، وتنامت قُـوّتها بصورة مكّـنتها من السَّـيطرة تقريبا على القبائل في المنطقة الشمالية الغربية وتداخلت علاقاتها مع عناصر القاعدة، المتواجدة على الحدود وطالبان في الجوار، وسَـيطرت تقريبا على الساحة الإسلامية في المجتمع وبدأت في الاندفاع نحو ما يُـعرف بمُـحاولة “طلْـبَـنة” باكستان، قبل أن تندفِـع إلى مواجهة الدولة، متجاوزة قواعِـد الاشتباك التي حكَـمت علاقة النُّـظم العسكرية بها لعقود طويلة، وكانت بوتو بالنسبة لها، تمثل دائما هدفا شرعيا وِفقا للطّـريقة التي يفهمون الشرع بها.

مسؤولية نظام مشرف

لكن مسؤولية نظام مُـشرّف عن قتلها لا تقِـل على الإطلاق عن مسؤولية الجماعات الراديكالية ذاتها. فقد قامت تلك النُّـظم بتوظيف العناصر الدِّينية طِـوال الوقت، للعمل ضد الحكومات المدنية وإثارة القلاقل، تمهيدا للإطاحة بها أو لإبقائها خارج السلطة. ولأن المسألة تتعلّـق بمتطرِّفين حقيقيِّـين، أصبحَـت توجُّـهات التنظيمات الدِّينية إزاء الأحزاب السياسية وقياداتها، كبي نظير بوتو أو نواز شريف وغيرهم، ممَّـن يعتبرونهم دُعاة للديمقراطية العِـلمانية، لا تقِـلّ عُـنفا عن توجُّـهاتهم إزاء الدكتاتوريات العسكرية، لذا، كانت القائمة التي أعلنها وزير الداخلية الباكستانى قبل يوم واحد من الاغتيال، كأهداف مُـحتملة للقتل من جانب تلك الجماعات، تضُـم مُـشرّف وبوتو معا.

الفارق الأساسي، هو أن مُـشرّف قد اضْـطُـر لاتخاذ أصعب قرارات حياته بمواجهة المتطرِّفين في المسجد الأحمر، في ظل حالة من “اللاخيار”، عندما وضَّـح أنهم يتَـحدَّوْن سُـلطته عَـلنا، بينما كانت بوتو قد تبنّـت نفس موقِـفه الأخير طوال الوقت.

فقد كانت تؤكِّـد دائما أنه من غير المُـمكن عقد صفقات مع المتعصِّـبين دِينِـيا وأن حكومة ديمقراطية يمكنها أن تستعيد السَّـيطرة على المناطق، التي تقول الحكومة إنه تصعُـب السيطرة عليها، لِـذا، كانت المباراة بينها وبين الجماعات الإسلامية صفرية، من وجهة نظرها ومن وجهة نظرهم، فإمّـا أن تكون حاكما أو مقتولا، وقد تمكّـنوا مِـنها.

أما السؤال الخاص بالسّـبب، في أنه لم تتوفَّـر لها الحماية الأمنية الكافية، فإنه يفتح الطريق واسعا لنظرية المؤامرة.

فقد كانت العلاقات بينها وبين مُـشرّف قد توتَّـرت بشدّة في الأيام السابقة لاغتيالها بسبب دعوتها لِـما يُـشبه ثورة شعبية ضدّ سياسته، إضافة إلى ما تواتر حول قِـيامها بعقْـد صفقَـة من نوع ما مع المؤسسة العسكرية، ترسي صيغة مفادُها بأن حُـكمها، استنادا على توافُـق مع قيادات المؤسسة، يمكِـن أن يكون المخرج الأنسب للبلاد من أزمتها الراهنة، لكن لا يمكِـن تصديق أنّ مُـشرّف قد قام باغتيالها أو أنه سمح بحدوث ذلك.

فمُـشرّف يختلف عن ضياء الحق، الذي أعدَم والدها، رغم أنها أعلنت مِـرارا أنها تعود إلى باكستان لإحداث تغيير، بينما كان هو يستمِـيت للحِـفاظ على بقائه.

لكن القصة لا تنتهي عند هذا الحدّ، فإحدى مُـشكلات باكستان، التي لا يعرف أحد حجمها بالضبط، هي أن التيارات الدِّينية قد اخترقت صفوف المؤسسة الأمنية – العسكرية على نِـطاق واسع، وأن هناك مُـيولا دينيَّـة واسِـعة النِّـطاق داخل تلك المؤسسة، من جانب مَـن اعتادوا مُـسبقا على اللَّـعب مع المتطرفين أو على دعْـم حركة طالبان أو إقامة علاقة مع الأفغان العرب أو قبائل الحدود، وأن أعمال التنقّـلات أو التطهير، لم تُـنه تلك المشكلة.

لكن الأهم – على الأقل بالنسبة لاحتمالات المستقبل – هو ما يثار عن أن عمليات الفساد داخل الدولة قد أدّت إلى تقليص كفاءة قُـوات الجيش على العمل ضدّ أشباه المتمرِّدين في المناطق الحدودية، وتقليص قُـدرة قوات الأمن على العمل الفعّـال ضدّ التّـهديدات الداخلية التي تواجه الدولة، ممّـا أدّى إلى فُـقدان السَّـيطرة بصورة ما، وبالتالي، فإن الأمن الباكستاني لم يكُـن قادرا على حماية بوتو، حتى لو كان راغبا في ذلك، ومن المؤكّـد أنه كان راغبا، لأن قياداته تُـدرك أنه سيكون أحد المتّـهمين الكِـبار في حالة اغتيالها، إن لم يكن بالسّـماح لذلك بالحدوث، فبالتقصير في تحقيق مهمّـة، توجَـد لديهم مؤشِّـرات محدّدة بشأنها، ويمكن أن تؤدّي إلى نتائج خطرة.

من حلٍّ إلى مشكلة

لقد كانت هناك دائما مخاوِف في باكستان من احتمالات انهيار الوضع الأمني العام في الدولة، فهناك حالة “طلبنة” فعلية في المنطقة الشمالية الغربية، ومُـيول انفصالية لا تنتهي من جانب القوميين في إقليم بالوشيستان الجنوبي الغربي، وتوتُـرات عِـرقية وطائفية فى البنجاب والسِّـند، وهي مناطق الزراعة والصناعة الرئيسية في البلاد، مع عُـنف متزايد في الشارع، وصل إلى العاصمة، وأحد السيناريوهات المطروحة بجدية، هو أن اغتيال بوتو سيؤدّي إلى الدّفع في هذا الاتجاه بأكثر ممّـا كان مُـتصوَّرا.

لقد بدأ أنصار بوتو في الاتِّـجاه بالفعل نحو أعمال العُـنف عقِـب اغتيالها، وترتّـبت على ذلك أعمال قَـتْـل وتدمير أخرى، ليَـبرز مصدرٌ إضافي للفوضى هو “حزب الشعب”، الذي كان قبل يومين فقط جزءا من الحلّ، وليس جزءا من المشكلة.

وقد يتّـخذ ذلك الحزب قرارا بعدم خَـوض الانتخابات القادمة، كما قد يفعل حزب نواز شريف، الذي بدأ يرتبِـك بشدّة، لتدخل البلاد إلى حالة فراغ سياسي، تُـطرح خلالها كل الاحتمالات السيِّـئة.

لكن مقتل بوتو قد يؤدّي إلى بدء السَّـير في الاتِّـجاه المُـضاد أيضا، فإثر مثل تلك الأحداث الكبرى، تجد كل القِـوى السياسية المُـعتدلة نفسها أمام مفترق تاريخي، كما قالت بوتو ذاتها مِـرارا، فإمّـا أن تترك الدولة نَـهبا للفوضى أو أن تشُـن معركة نهائية لإنقاذ باكستان من العودة إلى عصور الظلام.

ومن الصحيح أنه لن يحدُث مرة أخرى، أن يُـعيد التاريخ نفسه بأن تعود “بوتو” للسّـلطة، كما حدث بعد مقتل الجنرال ضياء الحق عام 1988، لتُـصبح رئيسة للوزراء بعد عودتِـها من المنفى بعامين، لأنها قُـتلت، لكن الفكرة هي أن سيناريو مختلفا قد يحدُث، رغم أنه أقَـل احتمالا.

إن باكستان سوف تنشغِـل خلال الفترة القادمة بمحاولة إجراء تلك الحسابات المعقّـدة بشأن ما جرى أو ما يُـمكن أن يجري. فاغتيال شخصية بوزْن بي نظير بوتو، لن يمُـر هكذا، لكن أطرافا أخرى في العالم، ومنها دول الشرق الأوسط، سوف تحاول أيضا أن تقرأ درس باكستان، كما حاولت من قبل أن تقرأ درس الجزائر أو درس قِـطاع غزة، فقد كان هناك دائما تصوّر بأنه إذا ساءت الأمور في المنطقة، سيُـواجه الجميع أعراضا باكستانية، لذا، فإن كل تطوّر قادم لن يكتسِـب أهمية في نِـطاق حدود باكستان، لكنه سيُـمثل أهمية بالنسبة لكل الأطراف التي تعتقد أن باكستان تُـمثل بالفعل “حالة خطرة”، وليس هناك من يرغَـب في الوصول إلى تلك الحالة، لذا، فإن ما سيحدُث في المستقبل القريب داخل باكستان، سينعكِـس على كثير، ممّـا يدور بعيدا عنها، خاصة فيما يتعلق بكيفية التعامل مع جماعات التطرف الدِّيني.

أسطورة شِـبه إغريقية

يبقى الجانب الإغريقي من القِـصة، إذ أن ثمة مأساة إنسانية قد وقعت، ففي كل التقارير العاجلة التي تم بثها حول سيرة حياة بوتو، كانت هناك عِـبارة مؤثِّـرة تُـقرر “أنها آخر أبناء ذو الفقار علي بوتو، الذين هم على قيد الحياة”، فشقيقها شاهنواز، الذي مارس العمل السياسي السلمي، قد عثر عليه ميِّـتا في شقته بفرنسا عام 1985، أما شقيقها الأكبر مُـرتضى بوتو، الذي كان قد فرّ إلى أفغانستان بعد سقوط والِـده ليحاول تشكيل مليشيات مسلحة والذي فاز في انتخابات عام 1993، بينما كان في المنفى، قد قُـتل بالرصاص في ظروف غامضة، إثر عودته إلى باكستان، فلم يبقَ أحد من تلك الأسرة، باستثناء الأحفاد الصِّـغار، على قيد الحياة.

لقد ذكَـرت بي نظير بوتو في مقال لها نشرته صحيفة لوس أنجلوس تايمز الأمريكية قبل عودتها مباشرة إلى كراتشي تحت عنوان “باكستان على مُـفترق طرق”، أن “نجاحنا يُـمكن أن يكون إشارة إلى مِـليار مُـسلم في أنحاء العالم، بأن الإسلام يتَّـسق مع الديمقراطية والحداثة والاعتدال. أعود إلى باكستان هذا الخريف وأنا أعلم بأن أياما صعبة تنتظرني، لكنني أضع ثقتي في الشعب وأضع مصيري بيد الله، أنا لست خائفة، نعم، نحن عند نقطة تَـحوُّل، لكنني أعلم بأن الوقت والعدل وقِـوى التاريخ تقف إلى جانبنا”، فهل كانت تُـراهن بأكثر ممَّـا يجب على التاريخ؟

د. محمد عبد السلام – القاهرة

نوديرو (باكستان) (رويترز) – وصل جُـثمان زعيمة المعارضة الباكستانية بي نظير بوتو إلى قرية عائلتها، لدفنه يوم الجمعة بعد يوم من اغتيالها، الذي هوى بباكستان في غِـمار واحدة من أسوإ الأزمات التي شهدتها منذ قيام الدولة قبل 60 عاما.

وأثار مقتلها، الذي جاء عقِـب تجمّـع انتخابي في مدينة روالبندي، موجة من العنف، لاسيما في إقليم السِّـند، مسقط رأسها، وأذكى المخاوف من أن يؤدّي إلى تأجيل الانتخابات المقرّرة في الثامن من يناير 2008، والتي كانت تهدِف إلى عودة باكستان إلى الديمقراطية تحت قيادة مدنية.

وحثّ زعماء العالم باكستان على أن لا تنحرف عن المسار الديمقراطي، في حين هزّت المخاوف مِن مزيد من عدَم الاستِـقرار في منطقة تعصِـف بها تيارات التشدّد الإسلامي الأسواق يوم الجمعة 28 ديسمبر، ودفعت المستثمرين إلى الهروب إلى الأوعية الأقل خطرا مثل السندات والذهب.

وتدفّـق آلاف المشيِّـعين على موطن أجداد بوتو يوم الجمعة، قبل دفنها في مقبرة العائلة إلى جوار والدها. ونقل جثمان بوتو في طائرة عسكرية من طراز سي- 130 يرافقه زوجها آصف علي زرداري وأطفالها الثلاثة إلى موطنها، إقليم السِّـند بجنوب باكستان بعد ساعات من اغتيالها، وأخذ الناس ينتحِـبون ويصرخون، بينما نقِـل النَّـعش الذي يحوي جثمان بوتو في سيارة إسعاف إلى بيت عائلتها. وحث زرداري المشيِّعين أثناء نقل النعش إلى المنزل، قائلا “تحلَّـوا بالصّـبر، شجِّـعونا على تحمُّـل هذا المُـصاب”.

وكانت بوتو (54 عاما) تأمل أن يسهم التأييد الشعبي الكبير الذي تتمتع به بين فقراء باكستان، في وصولها إلى السلطة للمرة الثالثة رئيسة للوزراء، خلال انتخابات كانت تهدِف إلى تحقيق الاستقرار في بلد يعصِـف به عُـنف المتشدّدين، ولكن، حينما غادرت التجمع الانتخابي الذي تحدّثت فيه عن المخاطر التي تعرّضت لها حياتها، وقفت لتحية أنصارها من فتحة سقف سيارتها المُـضادة للرصاص. وقالت الشرطة وشهود عِـيان، إن المُـهاجم أطلق عليها أعْـيِـرة نارِية قبل أن يُـفجِّـر نفسه.

وأُعلِـنت وفاتها في مستشفى بروالبندي، التي يوجد بها مقر الجيش الباكستاني، وهي نفس المدينة التي أعدِم فيها والدها رئيس الوزراء الأسبق ذو الفقار علي بوتو شنقا عام 1979، بعد الإطاحة به في انقلاب عسكري. وقالت فرزانا راجا، وهي مسؤولة كبيرة بحزب الشعب الباكستاني الذي تتزعّـمه بوتو “إنه من عملِ مَـن يريدون تفكيك باكستان… لقد قضَـوا على عائلة بوتو”.

وفي أنحاء باكستان، ذلك البلد الذي اعتاد على العُـنف السياسي وحَـكَـمه الجيش أكثر من نصف سنوات تاريخه، أصيب الأعداء والأصدقاء على السَّـواء بالذّهُـول لوفاة امرأة انتقدها كثيرون في وقت من الأوقات، بأنها زعيمة إقطاعية دعمها الشعب، لكنها تتمتع بثروات عائلتها.

وقُـتل أربعة أشخاص على الأقل في كراتشي، عاصمة السِّـند، خلال ساعات من العُـنف الذي تفجّـر بادئ الأمر في أعقاب مقتلها. ويوم الجمعة، قتَـل مسلَّـحون مجهولون، شرطيا بالرّصاص في المدينة.

وقال نواز شريف، رئيس الوزراء الباكستاني الأسبق والمنافس السياسي القديم لبوتو، إن حزبه سيُـقاطع الانتخابات، وأنحى باللائمة في خلق عدم الاستقرار في البلاد على الرئيس برويز مُـشرف، الذي استولى على السلطة في انقلاب عسكري عام 1999، لكنه تنحّـى في الآونة الأخيرة عن قيادة الجيش. وقال شريف “الانتخابات الحُـرة غير مُـمكنة في وجود مشرّف. مُـشرّف، هو السبب الأساسي لكل المشاكل”.

وفرض مشرف حالة الطوارئ في شهر نوفمبر، فيما اعتبره البعض محاولة لمنع القُـضاة من الاعتراض على إعادة انتخابه رئيسا للبلاد. ورفع حالة الطوارئ هذا الشهر.

وفي كراتشي، عاصمة إقليم السِّـند، والتي تشتهر بالعنف، خرج آلاف ليل الخميس إلى الشوارع، للتعبير عن غضبِـهم، وتراجعت حدّة العنف عند منتصف الليل بعد إضرام النيران في عشرات المركّـبات وعدة أبنية.

وقال مراسل لرويترز تنقل بين أنحاء إقليم السِّـند، انه شهد مئات من المركّـبات المحترقة وأن الناس يخرجون صباح يوم الجمعة ويحرقون المزيد من السيارات ويحاولون سدّ الطرق. وقرّرت السلطات إغلاق البنك المركزي وجميع المدارس لمدة ثلاثة أيام، حدادا على مقتل بوتو.

وكانت الولايات المتحدة، التي تعتمد على باكستان حليفا في محاربة القاعدة وطالبان في دولة أفغانستان المجاورة، قد ناصرت بوتو التي تلقّـت تعليمها في اوكسفورد وهارفارد، ورأت أنها أفضل أمل لعودة باكستان إلى الديمقراطية. وقال الرئيس الأمريكي جورج بوش في بيان “تُـدين الولايات المتحدة بقوة هذا العمل الجبان الذي ارتكبه متطرفون قتلة يحاولون تقويض الديمقراطية في باكستان”. وأجرى بوش اتصالا هاتفيا بالرئيس الباكستاني، وحث الباكستانيين على تكريم ذِكراها بمُـواصلة العملية الديمقراطية.

وأدان مجلس الأمن الدولي اغتيال بوتو، ووصفه بأنه “عمل شنيع من أعمال الارهاب”، ودعا كل الباكستانيين إلى التحلي بضبط النفس والمحافظة على الاستقرار.

وقال محللون، إن مقتل بوتو الذي جاء في أعقاب موجَـة من الهجمات الانتحارية في أنحاء البلاد وتفاقُـم تمرّد الإسلاميين على حدود باكستان مع أفغانستان، قد يجعل من المستحيل المُـضي قدُما في إجراء الانتخابات.

وقالت فرزانا شيخ، من تشاتم هاوس وهو مركز لأبحاث العلاقات الدولية في لندن “أعتقد أن هناك احتمالا كبيرا للغاية أن يقرر مشرّف أن الوضع خرج عن السيطرة، وأنه يحتاج إلى فرض حالة الطوارئ مرة أخرى”.

وقال محللون من الحكومة الأمريكية وآخرون مستقلون، إن تنظيم القاعدة هو المشتبه به الرئيسي في الاغتيال، إذ من المحتمل أن يستفيد من المحافظة على معقَـله النَّـائي وتقويض سُـلطة مُـشرّف وزعزعة استقرار البلاد. وقال مسؤول أمريكي “يوجد عدد من الجماعات المتطّرفة داخل باكستان، التي من المحتمل أن تكون قد نفّـذت الهجوم… والقاعدة من الجماعات التي تأتي على رأس هذه القائمة”.

وقال محلل خاص، إن أنصار القاعدة في أجهزة الأمن الباكستانية، ربما لعِـبوا أيضا دورا، لكن مِـن غير المُـحتمل أن يكون مُـشرف نفسه متورّطا.

وأدان مُـشرف “بأقوى العبارات المُـمكنة الهجوم الإرهابي، الذي أدى إلى مقتل بوتو المأساوي”، والذي قُـتِـل فيه 16 شخصا من “الباكستانيين الأبرياء”، ودعا للهدوء، وأضاف “هذه القُـسوة هي من عمل الإرهابيين الذين نُـقاتلهم”، وتابع “أطلب الوِحدة والدّعم من الأمة… ولن يهدأ لنا بال حتى نتخلّـص من هؤلاء الإرهابيين”، وأعلن الحداد ثلاثة أيام، لكنه لم يذكُـر شيئا عن الانتخابات في كلمته القصيرة التي ألقاها عبر التلفزيون.

وكان هذا هو الهجوم الثاني الذي استهدف بوتو في أقل من ثلاثة أشهر. ففي أكتوبر الماضي، فجّـر مهاجم انتحاري نفسه، فقتل قرابة 150 شخصا، بينما كانت تمُـر بموكبها في شوارع كراتشي لدى عودتها بعد 8 سنوات قضتها في منفى اختياري. وفي كلمتها خلال الاجتماع الحاشد يوم الخميس 27 ديسمبر، تحدّثت بوتو عن المخاطر التي تواجهها. وقالت في تجمع روالبندي “عرّضت حياتي للخطر وجِـئت إلى هنا، لأنني أشعر أن هذا البلد في خطر. الناس قلقون، سنُـخرج البلاد من هذه الأزمة”.

وأصبحت بوتو أول امرأة تتولى رئاسة الوزراء في باكستان عندما انتخبت عام 1988، بينما كان عمرها 35 عاما، لكنها نحيت عام 1990، غير أنه أعيد انتخابها عام 1993 قبل الإطاحة بها مرة أخرى في عام 1996 وسط اتِّـهامات بالفساد وسوء الإدارة. وقالت بوتو “إن الاتهامات ذات دوافع سياسية”، وطالب زوج بوتو الحكومة بالاستقالة، وقال لرويترز هاتفيا “نحن نطالب بالاستقالة الفورية للحكومة، والمسؤولون عن هجوم 18 من أكتوبر هم أيضا مسؤولون عن هذا الهجوم”، ولم يسهب فيما يعنيه، لكنه أشار إلى رسالة بعثت بها بوتو إلى مُـشرّف قبل عودتها إلى باكستان تقول فيها، إنها إذا تعرّضت لاعتداء، فان بعض حلفاء مُـشرّف وجهازا أمنيا سيكونون مسؤولين عن ذلك.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 28 ديسمبر 2007)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية