مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

عرفات يحاول اختراق جدار الصمت..!

الرئيس الفلسطيني لا زال محاصرا في إقامة جبرية في رام الله وسط صمت عربي رسمي غير عادي Keystone

من اقامته الاجبارية في مكتبه المحاصر بالدبابات في رام الله، قرر الرئيس الفلسطيني ان يخترق جدار الصمت العربي عبر رسائل يحملها مبعوثون شخصيون الى القادة العرب مغربا ومشرقا.

سواء صحت انباء عن تعمد بعض القادة العرب عدم الرد على المكالمات الهاتفية للرئيس عرفات ام كذبت، فان هؤلاء استقبلوا مبعوثيه وتسلموا رسائل الاستغاثة، لكن بدون ان يبدر عن احد منهم تصريح مساند او حتى موقف موارب، مما اثار حفيظة المراقبين الذين طالما تعودوا بتصريحات الشجب العربية..

ياسر عبد ربه المبعوث الرئاسي الى قادة الخليج، قام بجولة مكوكية عبر مسقط وابو ظبي والمنامة فالدوحة، العاصمة الوحيدة التي شهدت مكالمة هاتفية بين اميرها والرئيس عرفات وصاحبة التصريح اليتيم الذي صدر في البدايات من وزيرها للخارجية مدينا ما يجري.

ولم يكن خفيا ان رسالة ابو عمار الى القادة الخليجيين كانت عبارة عن استغاثة حقيقية رغم ان رسوله ياسر عبد ربه، خفف من الطابع الماساوي لمهمته وهو يتحدث عن سعي لتوحيد الموقف العربي والاسلامي، دون ان يخفي الحاجة الملحة لتجيير علاقات الصداقة الخليجية الامريكية لناحية المازق السياسي والامني في الاراضي المحتلة.

لكن مصادر مطلعة قالت لاذاعة سويسرا العالمية، ان اهم نقطة في الرسالة كانت طلب الرئيس عرفات الضغط بقوة ليتمكن من حضور القمة العربية القريبة في بيروت، وقالت المصادر ذاتها ان ابو عمار الذي يخشى ان يطول سجنه في رام الله، طلب بإلحاح الا يجلس على الكرسي المخصص للرئاسة الفلسطينية في قمة بيروت احدا سواه مستنهضا لدى القادة الخليجيين نوعا من التحدي الذي يفرضه رئيس الوزراء الاسرائيلي على جميع القادة العرب، وهو يمنع احد رفاقهم في الجامعة العربية من حرية الحركة.

ورغم ان الطلب الفلسطيني قد لاقى استجابة من طرف قطر التي اوفدت وزيرها للخارجية الى واشنطن في زيارة مستعجلة لبحث الموقف هناك، فان السؤال عن الفتور العربي لم يفتر.

ففي المملكة العربية السعودية التي استقبلت نبيل شعث محملا برسالة عرفات رسميا والمقيم فيها منذ فترة للعلاج بصفة غير رسمية، لم تصدر موقفا ولا تصريحا جريا على عادتها في مثل هذه الظروف، وكذلك كان الشان بالنسبة لبقية العواصم الخليجية الاخرى ما عدا الدوحة في البدايات، مما حدا بدبلوماسيين الى الاعتقاد المقارب للجزم بان هناك ضغوطا استثنائية قد تم تسليطها على هؤلاء القادة لتخفيف دعمهم لعرفات.

هذا الأمر عليه المراقبون بعض الشواهد، ومنها عدم انعقاد اجتماع لجنة المتابعة المنبثقة عن القمة الاسلامية الاخيرة الطارئة والتي كان يفترض لها الانعقاد في الدوحة قبل ايام، لكنها تاجلت بسبب (انشغالات بعض الوزراء الاعضاء فيها).. و بدا ان ياسر عبد ربه لا يريد التوقف كثيرا عند هذه الحقيقة المرة وهو يهون من الامر ويقول لسويس انفو، ان الاجتماع تاجل لاسباب ادارية وليست سياسية رغم حرص قطر على انعقاده، كما جاء في تصريحاته..

تهوين سياسي خليجي ومخاوف..

ورغم كل محاولات التهوين السياسي من امر بات صارخ الظهور، فان مسالة الضغوطات على القادة الخليجيين لكي لا يصدعوا بالمواقف المعتادة امر ما يزال محيرا بالنسبة للعديدين، غير ان البعض لا يتردد في ربطه مباشرة بتداعيات احداث 11 سبتمبر والخوف الذي اورثته الى عدد من القيادات العربية في ظل غضب امريكي مزدوج ورؤية حازمة لملف الارهاب، حيث يختلط فيها بن لادن بالانتفاضة وافغانستان بفلسطين، حتى باتت المواقف القديمة في حاجة الى تعديل من اجل تفادي مزيد من الغضب الامريكي..

فقد بات كثيرون يشكون جديا في ان واشنطن تريد سحب الغطاء بالكامل عن الرئيس عرفات ولا احد يبدو مستعدا للاعتراض على هذه الرغبة في الوقت الراهن او في العلن على الاقل.

غير ان المسالة لا تبدو بهذه البساطة عندما يتعلق الامر بدواخل الاشياء، اذ يعتقد المراقبون ان الدبلوماسيات العربية تنشط ما استطاعت في الخفاء لمحاولة التوسط لدى واشنطن ومن ذلك الزيارة التي يؤديها وزير الخارجية القطري حمد بن جاسم الان الى العاصمة الامريكية، باعتبار مسؤولية قطر وهي تراس المنظمة الاسلامية.

وعدا ذلك، فان مهمة البقية لا تبدو سهلة في ضوء الشد الذي تشهده العلاقات الخليجية الامريكية، وخصوصا مع المملكة العربية السعودية، التي طالما ربطت الحملة الامريكية غير الرسمية ضدها بمواقفها من القضية الفلسطينية وبتطبيقها للشريعة الاسلامية، مما قد يدفع للاعتقاد بان الوقت غير مناسب لوساطات لن تمر بدون ثمن قد يطلبه الامريكيون من الوسيط نفسه..

واذا كان الموقف الرسمي على هذا الشكل، فان الموقف الشعبي الذي يطالب به الفلسطينيون ايضا، يبدو عسير المنال في اجواء مختلفة تماما عن اجواء بدايات انتفاضة الاقصى عندما كانت المظاهرات تجوب الشوارع الخليجية بحرية غير مسبوقة وخصوصا عندما كان 11 سبتمبر في حكم الغيب..

فيصل البعطوط – الدوحة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية