مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

عفو فاستفتاء فملكية دستورية في البحرين

إقبال ملفت للناخبات على المشاركة في الاستفتاء على ميثاق العمل الوطني في البحرين swissinfo.ch

تحولًُ بمائة و ثمانين درجة داهم مائتين و سبعة عشر ألف بحرينيا - يحق لهم التصويت - في ظرف ايام قليلة..بعد ان قرر الامير الشيخ حمد بن عيسى ال خليفة جزءا من إصلاحات سياسية مهمة، أعلنها لسد الفجوة بين الحكومة والمعارضة.

صادق الناخبون البحرينيون بنسبة 98،4% على استفتاء اعتماد ميثاق العمل الوطني الذي يلخص هذه الاصلاحات. ويجيء هذا الاستفتاء وسجون البحرين قد أخليت تماما من آخر دفعة من الاسرى السياسيين ، في إطار العفو العام والشامل عن كل المسجونين السياسيين، والمنفيين خارج البحرين.

كما يلقى الميثاق الوطني، الذي جرت حوله عملية الاستفتاء امس واليوم شبه اجماع، في ظل تأييد المعارضة (الشيعية والسنية) التي تلقت تأكيدات من الشيخ حمد بن عيسى بتأمين استقلالية السلطات الثلاث، وعدم المساس بالدستور.

أبرز زعماء المعارضة الشيخ عبد الأمير الجمري، والذي أكد أنه لا يخالجه أدنى شك في أن الأمير سوف يحقق ما وعد به شعبه، قال: ” سنصوت بنعم للميثاق، لأنه سيعمل على تفعيل الدستور المعلق منذ خمسة وعشرين عاما، ويعيد الديمقراطية ويفتح صفحة جديدة
بين القيادة والشعب ” . وما قال به الشيخ الجمري، قالت به قيادات معارضة في الداخل والخارج، ويقول به رجل الشارع العادي في البحرين.

في الاثناء يعيش البحرينيون حالة وصفها مراقب بأنها ” صدمة الفرحة “، فخلال أيام معدودة تهاطلت ” المكرمات ” الأميرية بشكل متسارع يقطع أنفاس المتابعين، وانتشرت الفرحة بين مئات العائلات التي تستقبل أبناءها تباعا من السجون ومن المنافي، مما حول البلد إلى ما يشبه العرس الجماعي، اختلط فيه الذاتي بالموضوعي والعائلي بالسياسي.

وعلى هذا النسق المتسارع لم يعد يعرف الكثيرون على أي ساق يرقصون، لكنهم يرقصون لتحول البحرين مائة وثمانين درجة عن سياساتها التقليدية، عندما أفرغ الأمير الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة كل جعبة المعارضة، وامتص أغلب الاحتقانات الشخصية والسياسية، بمجموعة قرارات (مكرمات) يلخصها قبول غير مشروط بكل مطالب المعارضة، مما رفع الالتباسات، وحول موقف المعارضة في أربع وعشرين ساعة من متحفظ إلى مساند.

وكانت مطالب المعارضة تتلخص في إلغاء قانون أمن الدولة، السبب الرئيسي في حل البرلمان عام 75.. وفي الدور الذي سيلعبه المجلس المنتخب المقبل أمام المجلس المعين، وفي عدم المساس بالدستور، وكلها وافق عليها الأمير، ففتح شلالا من الثقة.

عندها تحول السؤال: أي دور للمعارضة الآن؟ وهل سحب الأمير البساط من تحت أقدامها لتعيش اليوم فقط على نسق الموافقة والتأييد؟ الشيخ عبد الأمير الجمري، ألمع أقطاب المعارضة يقول: ” ” يجب إن نتحول الآن من الشعار إلى المشروع “، ويشرح علي ربيع عضو لجنة العريضة الشعبية الأمر نافيا أنهم فريق مسلوب البصر لسرعة ما حدث. ببساطة، يقول ربيع الذي كان أيضا أحد
أعضاء البرلمان المنحل: ” لأننا نحن الذين صنعنا هذا الانجاز عبر تراكم نضالي، استجابت له القيادة أخيرا “، ويستطرد حول دور المعارضة المقبل: ” لقد أصبح دورنا أكثر أهمية الآن، ويتلخص في السهر على تنفيذ ما تم انجازه، ومراقبته حتى يأخذ طريقه الدستوري، و في كلمة، سننتصب حراسا لحماية ما تحقق، وسوف نبدأ الطريق الفعلية لتكريس التعددية الحزبية على الأرض..و خصوصا التأكد كل يوم من أن قانون أمن الدولة يأخذ طريقه بصدق نحو مزبلة التاريخ«.

وفي المقابل وبدون عناء كبير يمكن ملاحظة خيط رفيع من التوجس مازال يشق الصورة المشرقة.. بعض مصادر المعارضة البحرينية قالت إن المنفيين الذين بدأوا يتقاطرون من دول العالم على مطار المنامة.. قد لا يعودون كلهم الآن.. فهناك من مازال يميل إلى تصديق الواقع المعيش، أكثر من تصديق الأنباء المتداولة.. وهناك
من يضع كل شيء على محك الاختبار قبل قرار العودة.. و كذلك تفعل بعض المنظمات والجمعيات في الداخل و التي ما زالت تفضل التريث قبل اصدار بيانات التاييد..

هؤلاء يبررون ذلك باستمرار ” الحرس القديم ” في مواقع النفوذ، ويجد البعض الامر طبيعيا لأن كل هذا التغيير لا يحتمله الزمن الوجيز الذي يفيض به.. وقد يحتاج الأمر إلى مزيد من الوقت لكي يصبح للاستبشار العام روافد على الأرض، لكن وزير الاعلام الذي توقع تصويتا بنعم بنسبة 100%.. طمأن المراقبين الى ان (الثانية ثابتة) كما يقول المثل..وان البحرين استفادت من الدروس السابقة وهي تتجه نحو الملكية الدستورية على طريقة الديموقراطيات العريقة على حد قوله.

وهكذا تكون البحرين قد انضمت بقوة الى تيار التحديث السياسي في منطقة الخليج حيث الديموقراطية الكويتية المعروفة اضافة الى خطوات حثيثة قطعتها قطر و اخرى اكثر احتشاما في سلطنة عًمان.. في انتظار تبلور الصورة المتحركة ببطء في كل من
المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة اللتان لايشك المراقبون في ان ما حدث في البحرين سيدفعهما اكثر نحو مزيد التفكير بجدية في موضة العصر السياسة.

فيصل البعطوط – المنامة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية