مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

عقبات تعترض مكافحة الجريمة الاقتصادية

الرشوة والاختلاس وغسيل الأموال والتلاعب في ميزانيات المؤسسات: جرائم اقتصادية تكبد سويسرا خسائر تقدر بالمليارات Keystone

على الرغم من الإرتفاع المسجل في عدد القضايا المتعلقة بالجرائم الاقتصادية في سويسرا، إلا أن عدد المحققين في هذا المجال يتراجع على الصعيدين الفدرالي والمحلي.

ويتخوف الخبراء من أن يؤدي استمرار هذا العجز، إلى ارتفاع نسبة الجرائم الاقتصادية في سويسرا بشكل خطير.

ارتفعت في الآونة الأخيرة نسبة الجرائم الاقتصادية في سويسرا بدرجة ملفتة للنظر، ففي كانتون زيورخ وحده وصل عدد البلاغات المقدمة للتحقيق في عمليات غسيل أموال مشبوهة في عام 2002 إلى 37، ثم ارتفعت إلى 166 حالة خلال عام واحد، وذلك طبقا لما أوردته صحيفة نوية تسورخر الصادرة من زيورخ في طبعة يوم الأحد 21 مارس الجاري.

كما سُـجلت نفس هذه النسبة المرتفعة (وإن بدرجة أقل) في ملفات المساعدة القانونية والقضائية التي تتقدم بها بعض الدول إلى سويسرا للمشاركة في التحقيقات حول جرائم اقتصادية تقع في تلك البلدان ويظهر اسم الكونفدرالية بشكل أو بآخر في سياقها.

وتلقي هذه البيانات التي تعكس مدى كثافة العمل في ملفات الجريمة الاقتصادية الضوء على القصور الرسمي السويسري، فجهاز الإدعاء العام لم يف بتعهداته بتوفير الكوادر والعمالة اللازمة لجهاز مكافحة الجريمة الاقتصادية، على الرغم من البيانات الرسمية التي تؤكد تكبد الكنفدرالية لخسائر فادحة من ورائها.

من جهة أخرى تتحمل السلطات المحلية في الكانتونات جزءا من المسؤولية نظرا لأنها اعتمدت على تولي الحكومة الفدرالية بنفسها هذا الملف، ومن ثم قلصت أعداد العاملين لديها في هذا المجال، وهو ما أدى إلى افتقاد التنسيق الداخلي بين الحكومة الفدرالية ومختلف الكانتونات.

زيوريخ تتحول إلى مرجع

في المقابل، تُـولى السلطات السويسرية اهتماما لقضايا معينة، وتضع لها الكثير من الإمكانيات مثلما حدث في التحقيق في قضية شركة سويس اير بعد انهيارها، حيث خصصت الحكومة الفدرالية عددا كبيرا من المحامين والمحققين للنظر في هذا الملف، وذلك على حساب توزيع عادل للاهتمامات بين قضايا الجرائم الاقتصادية بمختلف أنواعها.

فعلى سبيل المثال شهد كانتون زيورخ في النصف الأول من عام 2003، فتح ملفات 128 قضية اشتباه في جريمة اقتصادية، بينما لا يوجد سوى 14 محققا للنظر فيها، ويقدر المسؤولون أن عدد القانونيين المطلوبين للنظر في هذا الملفات بشكل مناسب يجب ألا يقل عن 400 شخص، إلا أن الإجراءات التقشفية الصارمة التي فرضتها برن على جميع الإدارات، مسّـت بشكل واضح ومؤثر الميزانيات المخصصة لقطاعات بالغة الأهمية، ومن بينها الجهاز القضائي بمختلف تخصصاته.

ونتيجة لهذا العجز في الكوادر المتخصصة والمؤهلة في هذا المجال، ازداد العبء على الكانتونات التي تُـولي اهتماما كبيرا لهذا الملف.

فقد تحول كانتون زيورخ مثلا إلى مرجع “وطني” في القضايا المشابهة، نظرا للاهتمام الكبير الذي توليه السلطات المحلية لهذه الملفات بحكم مكانة زيورخ الدولية من ناحية، ونتيجة لارتفاع عدد القضايا المرفوعة، سواء من طرف أجهزة الرقابة أو من جانب الضحايا بمختلف أنواعهم، سواء كانوا شركات أو مؤسسات أو حتى رجال أعمال.

المخرج الوحيد

ويرى عدد من الخبراء أن هذا “التراخي” في الانكباب على معالجة ملفات الجرائم الاقتصادية يعود إلى أن التحقيق فيها ليس سهلا مقارنة مع الأصناف الأخرى من الجرائم. فقد أثبتت بعض الدراسات بأن هذه الجرائم تكون على درجة كبيرة من التعقيد، ويستغرق التحقيق فيها وقتا طويلا بحثا عن الأدلة، علاوة على ما أصبح يكتنف معظمها من أبعاد دولية متشابكة، مما يتطلب اللجوء إلى التعاون مع السلطات القضائية في دول أجنبية.

ويتخوف المراقبون من أن يؤدي هذا التباطؤ في معالجة ملفات قضايا الجرائم الاقتصادية إلى زيادة عددها، حيث من المحتمل أن يستنتج مرتكبو هذه النوعية من الجرائم، (سواء كانوا شبكات دولية منظمة أو أأفرادا يتقلدون مناصب مسؤولية)، بأن يد العدالة لن تطالهم، فترتفع تبعا لذلك نسبة جرائم غسيل الأموال، والاختلاسات، والرشاوى، والتلاعب في ميزانيات الشركات والمؤسسات المختلفة.

ويبدو أن المخرج الوحيد من هذه الأزمة يتمثل في اتخاذ قرار سياسي تظل مفاتيحه بيد جهاز الادعاء الفدرالي العام، الذي يجب أن يحدد المكانة التي يجب أن تُـمنح لمكافحة الجريمة الاقتصادية، وقضايا غسيل الأموال، والنظر في طلبات الدعم القانوني والقضائي مع الدول الأجنبية ضمن اهتماماته.

وفي الوقت الذي يسود فيه الاقتناع في مختلف الأوساط بأن الساحة المالية السويسرية يجب أن تكون فوق مستوى الشبهات، فليس هناك مفرّ من إعطاء هذا الملف ما يستوجبه من أهمية وعناية، وفي أسرع وقت ممكن.

تامر أبو العينين – سويس انفو

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية