مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

علي بن حاج، “كابوس الدولة الجزائرية”

يؤكد عارفون بالشؤون الجزائرية أن إصرار بن حاج على إعادة المحاكمة ورفض سياسة العفو الشامل، يزعج بوتفليقة والمؤسسة العسكرية على حد سواء، كما أنه قد يثير انتباه المنظمات الدولية لحقوق الإنسان.

هذه الأفكار وغيرها أبلغها قياديون بارزون في الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة إلى البرلمان الأوروبي المتحرر عادة من الالتزامات الرسمية للدول.

بعد مرور عام على إعادة انتخاب عبد العزيز بوتفليقة لفترة رئاسية ثانية، برزت إلى السطح حقيقة أنه المسؤول الجزائري الوحيد، الذي يصرح ويخطب، لا يَـردُّ عليه ولا يُـعلق على كلامه أحد، ويقابله في وضع معاكس تماما الشيخ علي بن حاج، الرجل الثاني في الجبهة الإسلامية للإنقاذ، والمواطن الجزائري الوحيد الممنوع من التصريح والخطب والتجمعات. فماذا لو أجرينا مقارنة بين ما يقوله الرجلان؟

من المسلّـمات في السياسة الجزائرية، أن عبد العزيز بوتفليقة كان مرشح النظام لرئاسة البلاد منذ بدء الأزمة في عام 92، بشهادة الرئيس الأسبق أحمد بن بلّـة، الذي صرح علنا بهذه الحقيقة للتلفزيون الجزائري.

كما أنه من المسلّـم به أيضا، أن الشيخ علي بن حاج يمثل كابوس الدولة الجزائرية، الذي يجب أن يصمُـت إلى الأبد، ويبدو أن الرئيس بوتفليقة يوافق على هذا المعنى، حيث صرح مؤخرا (في إشارة إلى علي بن حاج ورفاقه في الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة): “لن يعودوا إلى التألق السياسي أبدا”.

رفض رئاسي بعودة الجبهة!

طبيعي أن يكون الرد من قبل علي بن حاج نفسه، غير أن الحظر يمنعه من الرد للصحافة ووسائل الإعلام، حسب الشروط التي أعقبت خروجه من السجن في يونيو 2003، وعلى هذا الأساس، عادة ما يتكفل شقيقه عبد الحميد بالرد عنه، وهو يقول بهذا الخصوص لسويس إنفو: “لماذا نُـمنَـع من العمل السياسي ونحن أصغر منهم سنا؟ ألم يكن بوتفليقة وزيرا للخارجية وهو في الرابعة والعشرين من عمره؟ بأي حق يُسلطون على جيلنا مثل هذه العقوبة”؟

ليس هناك جواب معلوم للرئيس الجزائري على هذا السؤال، غير أن الحوار يستمر بين من يمكن نقل الحديث عنه من كل وسائل الإعلام، وبين من ينقل عنه الكلام “مرفوعا”، كما يقول المتخصصون في علوم الحديث.

ويرفض الرئيس الجزائري أن تعود الجبهة الإسلامية للإنقاذ للعمل السياسي، كما يرفض أيضا أن يعطي الاعتماد القانوني لحزبي سيد أحمد غزالي، رئيس الحكومة الأسبق، ووزير الخارجية أحمد طالب الإبراهيمي. وعادة ما يُبنى هذا الرفض على مبررات من قبيل أن الأحزاب السياسية كثيرة أو أن حزب الإبراهيمي يختبئ تحت مظلته أنصار الجبهة الإسلامية للإنقاذ “المحظورة”.

وهنا يقول عبد الحميد بن حاج: “هذا يدل على أن هناك منطقا واحدا هو السائد، يريدون أن يتفردوا في الساحة السياسية، وكل من يخالف منطقهم، سيكون مصيره الإقصاء”.

“الحكومة تفكير والشعب يعيش ما فكّـرت فيه الحكومة”

ومن الأبجديات الأخرى للسياسة في الجزائر منذ الاستقلال عن فرنسا في عام 1962، “أن الحكومة تفكر والشعب يعيش ما فكّـرت فيه الحكومة”، وعلى هذا الأساس، قال بوتفليقة في خطاب له عند افتتاح أسبوع القرآن الكريم قبل خمسة عشر يوما: “إن الشعب سيعفو عن من أخطّـأوا، غير أنه لن يسمح لهم بالعودة إلى البروز من جديد”.

وجهة النظر هذه لا تخرج قيد أنملة عن المنطق الذي تتعامل به الدولة الجزائرية منذ خمسة عشر عاما، عندما قرر مجموعة من الجنرالات أن الجبهة الإسلامية للإنقاذ هي الخطر الأبرز على مستقبل الجمهورية العلمانية، ولا يبدو أن الرئيس بوتفليقة مستعد للخروج عن هذا المنطق، لأنه يدافع عنه بكل ما أوتي من قوة.

وفي هذا الصدد يقول عبد الحميد بن حاج: “هذا خرق للدستور وتحميل للشعب من المسؤوليات ما لا يُـطيق، لأن الشعب من حقه الاختيار بين البدائل التي قد تكون الجبهة الإسلامية للإنقاذ أو جبهة التحرير الوطني أو التجمع الوطني الديمقراطي وغيرها من الأحزاب السياسية، لكن لا يمكن أن يُـعطى للشعب حق الإقصاء، لأن هذا ممنوع قانونا ومضر بالحياة الديمقراطية”.

ومن جهته، أكد الرئيس الجزائري في أكثر من مناسبة أن الإسلام هو دين الدولة، وأنه الفصل والحكم في كل النزاعات التي يعيشها الشعب الجزائري، وكانت آخر هذه التصريحات في أسبوع القرآن الكريم أيضا.

تخدم هذه التصريحات خطط بوتفليقة في توحيد الصف الداخلي خلف مشروع العفو الشامل الذي يُـراد منه العفو عن كل من قتل أو ذبح خلال الأزمة الجزائرية، سواء انتمى إلى قوات الأمن أو الجماعات المسلحة.

ورغم الصمت المفروض على علي بن حاج، إلا أن شقيقه عبد الحميد رفع إلى سويس إنفو أفكار شقيقه بهذا الخصوص.

يقول عبد الحميد بن حاج: “إذا كان الإسلام هو الفيصل، فنحن متفقون، ولا مشاكل بيننا، بل ويجب أن نضع كلام الرئيس على المحك، لأن حل الأزمة على أساس الشرع الإسلامي سهل، لكن إذا لم يكن الحل هو الكتاب والسنة، فلا ينبغي أن يكون الحل هو السباب”، على حد تعبيره.

ويضيف عبد الحميد بن حاج: “مشروع العفو الشامل مجهول الهوية ولا نعرف عنه شيئا، لابد أن يُقدّم للطبقة السياسية بشكل أوضح حتى تتعرف عليه وتناقشه وتتقدم باقتراحاتها للتعديل، إن لزم الأمر، ثم لا مانع من استفتاء الشعب عليه”.

معرفة الحقيقة ومحاسبة المجرمين

لا فارق فيما يبدو، بين أفكار علي بن حاج، التي حصلنا عليها بواسطة شقيقه، وأفكار المنظمات الدولية لحقوق الإنسان والتيارات السياسية الجزائرية الرافضة للعفو الشامل، بمعنى العفو التام دون معرفة الحقيقة ومحاسبة المجرمين، وهو ما يعني أن “يتحول الظالم إلى مظلوم والمظلوم إلى ظالم”، حسب قول عبد الحميد بن حاج.

وبالجملة، يعارض بن حاج نقلا عن أخيه، سياسة التفرد بالقرار السياسي التي ينتهجها بوتفليقة، وربما يكون هذا الموقف وراء إصرار الرئاسة على منع الرجل الثاني في الجبهة الإسلامية للإنقاذ من أبسط حقوق المواطنة، بسبب ما يملكه من قدرة على تجميع الأنصار وإصراره على انتقاد منطق النظام.

وفي هذا السياق، يتعارض الرجلان حول مسألة الانفتاح الإعلامي، وخاصة حيال مسألة السماح للأفراد والأحزاب السياسية بامتلاك قنوات إذاعية وتلفزيونية خاصة، فمن جهته، عبر الرئيس الجزائري مرارا و تكرارا عن رفضه المُـطلق لخصخصة القطاع السمعي البصري، وبرر ذلك بأن الجو العام لا يسمح بانفتاح كهذا.

في المقابل، يعتبر عبد الحميد بن حاج: “أن الحياة الديمقراطية، تفقد كل معانيها من دون وسائل الإعلام الثقيلة (أي السمعية والبصرية)، ولك أن تتساءل عن حزب مثل جبهة القوى الاشتراكية، سيعرف الناس أفكاره بشكل أفضل لو كان يملك قناة إذاعية أو تلفزيونية”.

كثيرا ما ردد علي بن حاج عن طريق محاميه، أنه مستعد لمحاكمة ثانية تجمعه بالجنرالات الذين أوقفوا الانتخابات التشريعية التي كادت أن تفوز بها الجبهة الإسلامية للإنقاذ في يناير 1992، كما أنه يريد محاكمة العسكر الذين عزلوه أربعة أعوام في أقصى الجنوب الجزائري خلال فترة سجنه، التي امتدت من عام 1991 إلى 2003.

انزعاج المنزعجين

العارفون بالشؤون الجزائرية يؤكّـدون أن إصرار بن حاج على إعادة المحاكمة ورفض سياسة العفو الشامل، يزعج بوتفليقة والمؤسسة العسكرية على حد سواء، وقد يثير انتباه المنظمات الدولية لحقوق الإنسان. وقد أوصل مثل هذه الأفكار قياديون بارزون في الجبهة الإسلامية إلى البرلمان الأوروبي المتحرر عادة من الالتزامات الرسمية للدول والحكومات.

قد تُفهم أسباب سياسة الإقفال التام لفم علي بن حاج على ضوء هذا الإصرار، الذي يبدو فيه وحيدا، لأن القوم يريدون إدارة الصفحة ونسيان الموضوع، فيما يُـصر هو على أن الصفحة يُـراد تمزيقها.

ويقول عبد الحميد بن حاج: “انظر إلى الأرمن ومطالبهم المتكررة للأتراك بالاعتذار عن جريمة اقتُـرفت في عام 1905، ثم هل سكت اليهود عن حقهم بعد المجازر التي تعرضوا لها في الفترة النازية بألمانيا؟ لماذا يُـراد للجبهة الإسلامية أن تسكت عن حقها الذي اغتُـصب منها قبل ثلاثة عشر عاما فقط”؟

الخلاف حول ما حدث قبل ثلاثة عشر عاما، والطريقة التي يُـراد بها حل الأزمة، أدّت بعلي بن حاج إلى ما هو فيه، كما أن رفضه التخلي عن أفكاره زاد في انزعاج المنزعجين منه “طبيعة”، ثم زادوا في القيود لإسكاته أطول فترة ممكنة.

التناقض صارخ بين وجهتي نظر بوتفليقة وبن حاج، فعندما يريد الأول أن يعفو عن الجميع، يريد الثاني سماع الجميع ومعرفة ما فعل، وإخبار الناس باسمه واسم أبيه.

إسكات علي بن حاج

على صعيد آخر، يقول أنصار العفو الشامل، بأنه سيَـطال الإسلاميين المسلحين وأنصار الجبهة الإسلامية الذين ذبحوا وقتلوا، وسيُـعفى أيضا عن قوات الأمن، أما موقف علي بن حاج، حسب رواية أخيه دائما، فيتمثل في سؤالهم جميعا ومحاولة معرفة حيثيات أفعالهم، خاصة بعد أن بدأت المذابح عام 1995، أي بعد أن فشل الحوار مع قادة الجبهة الذين كانوا في السجن في تلك الفترة.

كما أن الخلاف بين الرجلين واضح حيال أسلوب التعامل مع الأزمة وإنهائها. فعندما يرى بوتفليقة أن العفو الشامل ومواصلة سياسة الوئام المدني كفيلان بحل الأزمة، يرى الجزائري الوحيد الممنوع من الكلام أن ندوة وطنية تضم كل التشكيلات السياسية دون استثناء أو إقصاء، كفيلة بتطييب الخواطر وإصلاح ذات البين.

وفي إشارة إلى الوضع السياسي الراهن، أبلغ عبد الحميد بن حاج سويس إنفو أن أخاه منزعج من تطورات الأحداث في بلاد القبائل، وبأنه “يتساءل عن كيفية حوار رئيس الحكومة أحمد أويحيى مع “بلعيد عبريكا”، الذي لا يملك أي حزب سياسي أو جمعية ثقافية، وهو مجرد متمرد دفع الناس للحرق والكسر؟ هل هذا يعني أنه يجب أن تُـحرق وتُـكسر حتى يُسمع لصوتك”؟

لا يمكن فصل الجبهة الإسلامية للإنقاذ عن التيارات الإسلامية الجزائرية الأخرى، مثل حركة مجتمع السلم التي يقودها أبو جرة سلطاني، وحركة الإصلاح الوطني التي يقودها عبد الله جاب الله. فكل منهما له نواب في البرلمان، بل دخلت حركة مجتمع السلم التشكيلة الحكومية، وعلي بن حاج في السجن.

ويعلق عبد الحميد بن حاج على هذا الوضع بقوله: “انظر إلى الولايات المتحدة، ألم تقرر الحوار مع الحركات الإسلامية المعتدلة بسبب مواجهتها لتنظيم القاعدة؟ على من يوصفون بالمعتدلين داخل التيار الإسلامي أن يترحموا على من يوصفون بالتشدد أمثالنا، فدخول الحكومات والبرلمانات تم عن طريقنا، ثم يجب أن نُـذكّـرهم أنهم وصلوا إلى هذه المرتبة بالدعوة في المساجد والخطاب الذي نقلوه إلى الناس، وهو الحكم بالكتاب والسنة”.

وفي المحصلة، يبدو أن هذه المعطيات وغيرها، دفعت الرئاسة وأجهزة الأمن الجزائرية إلى إسكات علي بن حاج، الذي يبدو أنه يحتجّ على اعتبار كلام بوتفليقة قرآنا مُـنزّلا لا يَـرد عليه أحد، ولا حتى هو، لأنه ممنوع من الكلام، والأكيد، أن هذا يحز في نفسه، لأنه الجزائري الوحيد الذي لا يمكنه التعبير عن أفكاره وآرائه.

سويس انفو – خـاص

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية