مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

عين الحلوة: اقتحام .. لا اقتحام!؟

مشهد من المواجهات التي شهدها مخيم عين الحلوة القريب من مدينة صيدا جنوب لبنان في الأيام الأخيرة Keystone

"لا قرار باقتحام مخيّـم عين الحلوة الآن.. لكن لا قرار أيضا بعدم اقتحامه"!

بهذه الكلمات المتناقضة والغامضة لخّـص مصدر سياسي لبناني بارز لسويس إنفو، موقف الدولة اللبنانية من التطورات الأخيرة في هذا المخيم الفلسطيني الذي يقع على أطراف مدينة صيدا.

من المعروف أن مخيم عين الحلوة الذي لا تتجاوز مساحته الكيلومتر المربع الواحد، يضم نحو 70 ألف لاجئ فلسطيني وأكثر من 20 فصيلا مسلحا من مختلف التيارات الفلسطينية الوطنية والإسلامية والقومية.

وقد شهدت هذه الرقعة الجغرافية الصغيرة قبل يومين اشتباكات عنيفة بين ما يسمى بـ “مجموعة الضنية” (وهي جماعة إسلامية مسلحة هربت من منطقة الضنية في شمال لبنان بعد هجوم شنه الجيش اللبناني عليها)، وبين أفراد “الكفاح المسلح” وحركة “فتح” أكبر الفصائل الفلسطينية في لبنان. وذهب ضحية هذه الاشتباكات قتيل وتسعة جرحى من “فتح” وقتيل واحد من تنظيم “النّور” (جماعة الضنية) يدعى “ابو ثابت”.

“لكن لماذا انفجر العنف على هذا النحو؟”

معروف أن مجموعة الضنية، التي يعتقد أن عددها يتراوح ما بين أربعة وسبعة عناصر، مطلوبة للعدالة اللبنانية. وكانت قضيتهم نائمة في أدراج النسيان، إلى أن طرأ تطوران بارزان. الأول، مقتل ثلاثة جنود لبنانيين الشهر الماضي على أيدي أصوليين لبنانيين وفلسطينيين ينتمون إلى التنظيمات العديدة المنشقة عن تنظيم “عصبة الأنصار” المتهمة من طرف واشنطن بأن لها علاقة بتنظيم أسامة بن لادن “القاعدة”.

والثاني، تقرير رفعته السفارة الأمريكية في بيروت إلى السلطات اللبنانية، يتضمن معلومات شاملة عن أسماء وأعضاء الحركات الأصولية اللبنانية والفلسطينية كافة المتهمة بأن لها علاقة بالإرهاب، وأشفع التقرير بمطالب محددة من السلطات اللبنانية والسورية باعتقال أو تصفية هذه العناصر.

هذان التطوران دفعا الدولة اللبنانية إلى ممارسة ضغوط كبيرة على حركة “فتح” في المخيم لتسليم مجموعة الضنية، كمقدمة لضرب كل الحركات الأصولية المسلحة. بيد أن هذه الحركات التي يحتمي بها “الضّنيون”، رفضت تسليمهم وهدد أحد قادتها أبو رامز السحمراني “بإغراق المخيم ولبنان ببركة دماء إذا شن هجوم عسكري عليهم”.

نار ورماد

كانت الاشتباكات حتى ظهر يوم الخميس متوقفة. لكن النار ما تزال تحت الرماد. وقد علمت سويس إنفو من مصادر فلسطينية أن المسؤولين اللبنانيين والسوريين يناقشون الآن ثلاثة خيارات لمواجهة الأوضاع المتردية في عين الحلوة.

الأول، تخويل حركة “فتح” مهمة الإجهاز على الأصوليين أو طردهم إلى خارج المخيم، حيث تكون قوات الجيش اللبناني بانتظارهم.

والثاني، تشكيل مرجعية سياسية – عسكرية فلسطينية من كل الأطراف، تحظى بقبول دمشق وبيروت، وتعمل بشكل مشترك على إنهاء الظاهرة الأصولية، سلما إذا أمكن، وحربا إذا ما تطلب الامر.

وأخيرا، وهو آخر دواء، اقتحام الجيش اللبناني للمخيم وقيامه بـ “تنظيفه” بنفسه.

وترجح المصادر أن يقع خيار السلطتين اللبنانية والسورية على الخيار الثاني، إلا إذا ما قام الأصوليون بعمليات “دراماتيكية” قد تجبر الجيش اللبناني على صب جام غضبه عليهم حينذاك.

أما لماذا هذا الخيار أكثر من غيره فلأنه، من جهة، يجنّـب الدولة اللبنانية السيطرة على المخيمات الفلسطينية، التي تسعى بيروت ودمشق إلى إبقائها ورقة ضغط في المفاوضات مع إسرائيل، ومن جهة ثانية، يعيد تنظيم أوضاع المخيم تحت إشراف أجهزة الأمن اللبنانية والسورية، تماما كما حدث من قبل في المخيمات الفلسطينية شمالي لبنان.

بيد أن المصادر تشدد على القول إنه – وبغض النظر عن طبيعة الإجراءات التي ستطبق في مخيم عين الحلوة – إلا أنه من المؤكد أن القرار بضرب المجموعات الأصولية اتخذ وانقضى الأمر. وهو قرار سوري في الدرجة الأولي، إذ أن دمشق التي تتعرض أساسا إلى ضغوط أمريكية كبيرة لدفعها إلى تحجيم حزب الله أو حتى نزع سلاحه، لا تستطيع أن تضم إلى هذه الضغوط ضغوطا أخرى حيال مجموعات أصولية تتهمها واشنطن بالضلوع في شبكات بن لادن.

سعد محيو- بيروت

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية