مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

غزة : “لا إعادة إعمار بدون مسار سلمي جدي وصادق”

عائلة فلسطينية أقامت كوخا فوق أنقاض منزلها المهدم في مخيم جباليا شمال قطاع غزة (الصورة بتاريخ 2 فبراير 2009) Keystone Archive

دعت الأمم المتحدة المجموعة الدولية إلى توفير 613 مليون دولار لتقديم المساعدات الطارئة لسكان غزة لكنها لفتت الإنتباه إلى عدم توفر الظروف الملائمة لإطلاق عملية إعادة إعمار جدية في القطاع، فيما خرج رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر عن تحفظه التقليدي للمطالبة بـ "مسار سلمي جدي وصادق".

وفي الوقت الذي تتعدد فيه النداءات الداعية إلى الإسراع في إعادة إعمار قطاع غزة بعد الحرب الشرسة التي خاضتها إسرائيل لأكثر من ثلاثة أسابيع ضد الفصائل الفلسطينية في القطاع، وعلى رأسها حماس، بدأت ترتفع بعض الأصوات المتسائلة عن “ما هي الفائدة من إعادة الإعمار في غياب مسار سلمي حقيقي وفعال”؟

هذا ما يستخلص مثلا من تدخل جون هولمس، نائب الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة المكلف بالقضايا الإنسانية أثناء تقديمه يوم 2 فبراير 2009 في جنيف للنداء العاجل الذي يطالب المانحين بتوفير حوالي 613 مليون دولار لتغطية المساعدات الطارئة في غزة.

ومن الملفت أيضا أن تساؤلات مشتبهة وردت في تصريحات أدلى بها مؤخرا جاكوب كيلنبيرغر، رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر، إلى صحف سويسرية، طالب فيها بضرورة الشروع في “مسار سلمي جدي وصادق في المنطقة”.

نداء عاجل لجمع 613 مليون دولار

في حديثه لمندوبي وسائل الإعلام في جنيف يوم الاثنين 2 فبراير، إثر اجتماع عقدته الدول المانحة حول احتياجات المساعدات الطارئة في غزة، أوضح جون هولمس، نائب الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، المكلف بالشؤون الإنسانية بأن “الأمم المتحدة في حاجة إلى 613 مليون دولار لتغطية المساعدات الطارئة التي يحتاج إليها حوالي 1،4 مليون من سكان القطاع خلال التسعة أشهر القادمة”.

وأشار السيد هولمس إلى أن ربع هذا المبلغ موجه للإحتياجات الغذائية وحدها، بينما سيخصص حوالي 119 مليون دولار للملاجئ والاحتياجات غير الغذائية، والبقية ستخصص للتعليم والصحة.

ويوم الثلاثاء 3 فبراير، طالب صندوق الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) بتخصيص حوالي 34 مليون لتلبية متطلبات أطفال غزة وعائلاتهم، نظرا لأن صغار السن هم الذين سيتأثرون أكثر من غيرهم من تداعيات ومخلفات هذه الحرب.

وإلى حد اليوم، لم تتوصل الأمم المتحدة إلا بتعهدات في حدود 82 مليون دولار من جانب المجموعة الدولية.

شروط لابد منها للعمل الإنساني

في سياق متصل، حرص نائب الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة المكلف بالشؤون الإنسانية على جلب الانتباه إلى المشاكل الأخرى التي تعترض العمل الإنساني (إضافة إلى المسائل المتعلقة بالتمويل)، بالتلميح الى أن هناك شروطا يجب توفرها للقيام بالعمل الإنساني أوجزها في ثلاثة شروط: أولا، وقف إطلاق نار دائم وفتح كل المعابر، حتى في وجه المواد غير الغذائية، وعدم التداخل بين التصورات السياسية والعمل الإنساني وإعادة إعمار القطاع.

وطالب مسؤول العمل الإنساني بالأمم المتحدة إسرائيل بالسماح بمرور مواد الإغاثة وعمال الإغاثة بدون عراقيل، موضحا بأن العديد منهم لا يزالون يتعرضون لمنع بالدخول الى القطاع. وحث المسؤول الأممي على “ضرورة فتح كل المعابر ليس فقط في وجه المساعدات الإنسانية بل أيضا بالنسبة للسلع التجارية… لأن السكان ليسوا فقط في حاجة الى سد رمق العيش للبقاء على قيد الحياة بل أيضا لممارسة نشاط اقتصادي بشكل مستقل”.

وكان المسؤول الأممي قد أشار إلى تخوفات إسرائيل من السماح بمرور بعض المواد مثل الإسمنت ومواد البناء الضرورية لإعادة الإعمار كالأنابيب وذكر أن “إسرائيل تتخوف من إمكانية استخدامها لأغراض عسكرية”.

وفي إشارته لتجنب “التداخل بين السياسة والعمل الإنساني”، أوضح السيد هولمس بأن “هناك حاجة لعدم إخضاع عمل المساعدة في الميدان لرقابة سياسية”، وعندما طلب منه توضيح ما يعنيه وهل الأمر يتعلق بحركة حماس، أجاب بأن “الأمر موجه للسلطات الإسرائيلية وللسلطة الفلسطينية وللمجموعات الأخرى بما في ذلك حماس”.

وإذا كان السيد هولمس قد أكد أنه “لا علم له بكون حماس حولت وجهة مساعدات دولية”، فإنه “لا يستبعد ان تكون قد قامت بذلك فيما يتعلق بالمساعدات الثنائية التي تقدمها الدول”.

لا بديل عن العملية السلمية

على صعيد آخر، يبدو أن رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر السيد جاكوب كيللنبيرغر الذي التزم الصمت منذ عودته من زيارة قطاع غزة تحت القصف في أيامه الأخيرة قد تأثر بما شاهده هناك إلى حد خروجه عن صمته وعن تقاليد التحفظ التي تلتزم بها اللجنة الدولية للصليب الأحمر (التي طبقها بشكل مفرط من قبل) لكي يطالب “بضرورة الشروع في مسار سلامي صادق وجدّي”.

فرئيس الجنة الدولية الذي زار مستشفيات غزة وشوارعها وعاين معاناة سكانها المدنيين تحت القصف، صرح في حديث لصحيفة لا تريبون دو جنيف الصادرة يوم الإثنين 2 فبراير “إنني أتساءل بعد كل ما شاهدته كم يتطلب الأمر من مزيد من القتلى والمعطوبين والمدنيين قبل أن نفهم بأنه لا بديل عن مسار سلامي نزيه وصادق”، وهو مسار يتطلب “إشراك كل الدول والمجموعات المسلحة التي لها تأثير في المنطقة”، حسب تعبير السيد كيللنبيرغر وهو ما يتضمن إشارة واضحة إلى ضرورة إشراك حركة حماس في أية عملية سلمية مستقبلا.

وبخصوص خروجه عن التقليد الراسخ الذي تتمسك به اللجنة الدولية للصليب الأحمر وهو الإحجام عن الخوض علانية في القضايا السياسية والتركيز على ضرورة الوصول للضحايا لمساعدتهم، أوضح السيد كيللنبيرغر بأنه “لم يعد مستعدا لحصر خطابه على العمل الإنساني، لأن الحديث عن العمل الإنساني يجب ألا يتخذ ذريعة، مثلما أخشى ذلك، لتفادي الخوض في القضايا السياسية”.

رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر أحجم عن الإجابة عن سؤال طُرح عليه حول ما إذا كانت إسرائيل في قصفها على قطاع غزة قد انتهكت القانون الإنساني الدولي، لكنه أوضح في المقابل بأن كل الإصابات التي شاهدها أثناء زيارته للمستشفيات في قطاع غزة “كانت من قصف بأسلحة ثقيلة في حيز به كثافة سكانية أكثر من كثافة حي مانهاتن بنيويورك”.

يجدر التذكير بأن اللجنة الدولية للصليب الأحمر كانت أول من تحدث عن “عدم احترام إسرائيل للقانون الإنساني الدولي” في حالات تم فيها استهداف المدنيين.

سويس إنفو – محمد شريف – جنيف

أدت الحرب التي خاضتها إسرائيل ضد قطاع غزة من 27 ديسمبر 2008 إلى 18 يناير 2009 إلى مقتل أكثر من 1300 فلسطيني 700 منهم من المدنيين، وإلى مقتل عشرة جنود وثلاثة مدنيين في إسرائيل وإلى تحطيم أو إلحاق اضرار بحوالي 21 ألف مبنى ومنزل.

نداء الأمم المتحدة لتغطية الاحتياجات الطارئة في القطاع يطالب الدول المانحة والمجموعة الدولية بتوفير 613 مليون دولار لتغطية حاجيات حوالي 1،4 مليون نسمة ولمدة تسعة أشهر.

تتوزع المساعدات الطارئة حسب النسب التالية: 153 مليون دولار للمساعدات الغذائية، 119 مليون للمساكن والأدوات غير الغذائية، والبقية للعلاج والتعليم.

إلى حد اليوم، لم تتجاوز استجابة المجموعة الدولية لتغطية هذا النداء العاجل لقطاع غزة حدود 81 مليون دولار فقط.

كانت دول عربية من بينها السعودية وقطر قد تعهدت في قمة الكويت بتخصيص أكثر من مليار و200 مليون دولار لفائدة قطاع غزة.

تشير التقديرات الأولية إلى أن النفقات الإجمالية لإعادة إعمار قطاع غزة قد تناهز 2 مليار دولار.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية