مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

في الصحراء الغربية يستمر “النزاع من أجل النزاع”

AFP

كانت مدينة العيون، كُـبرى حواضر الصحراء الغربية، طِـوال الأسبوع الماضي تسهَـر على إيقاعات العالم. أكثر من 200 فنان أتوا من 60 دولة يقدِّمون في ساحات المدينة فنونهم، أما في شوارع المدينة نهارا، فكان عدّاؤون مغاربة يتسابقون في ماراثونهم الثاني.

بين إيقاعات الليل وجَـرْي النهار، كان سكّـان العيون خارج تغطِـية النزاع الصحراوي، الذي يؤرق المنطقة الممتدّة من السلّـوم إلى نواكشوط، التي تُـسمى سياسيا منطقة المغرب العربي بدُوله الخمس واتِّـحادها، الذي أطلقوا عليه عام 1989 اتِّـحاد المغرب العربي، الذي يعيش في غرفة الإنعاش وترفض أطرافه الاعتِـراف بمَـوته ودفنِـه منذ مُـنتصف التسعينات.

والنِّـزاع الصحراوي، أحد الأسباب الرئيسية للمَـوت السَّـريري لاتِّـحاد المغرب العربي، وبغضّ النظر إن كان النِّـزاع نتيجة من نتائج حساسية العلاقات الجزائرية المغربية أو كان سبب هذه الحساسية، فإنه منذ اندلاعه في منتصف السبعينات، كان الرّداء الدّائم لهذه العلاقات الذي أخذت أشكالا مختلفة، تراوحت بين المواجهة أو التوتّـر أو الفتور، وفي حالات قليلة ولِـفترات زمنية قصيرة، حملت عنوان الوِئام والدِّفء والتّـعاون.

وأنا أجول في شوارع المدينة نهارا وأشاهد الجري في الشوارع أو في الليل أشاهد قليلا السّهرات الغنائية في ساحة المِـشوَر، المنظمة في إطار الدورة الثانية لمهرجان روافد أزوان، كنت أحدق في العيون المتوجّهة إلى العدّائيين أو الفنانين وأبحث فيها عن هذا النِّـزاع المؤرق، الذي بات وكأنه النِّـزاع من أجل النِّـزاع.

خلال أيام إقامتي في مدينة العيون، بحثت عن ناشطين صحراويين في ميدان حقوق الإنسان أو مؤيدين لجبهة البوليساريو، كنت ألتقي بهم في زياراتي السّابقة، لكن في زيارتي خلال الأسبوع الماضي، كان جميع مَـن أعرفه منهم، ليس فقط خارج مدينة العيون، بل خارج المغرب للمشاركة أو للحضور في نشاطات حقوقية لدعم جبهة البوليساريو.

تظاهرات.. مطالب وتحفيز

هناك في واشنطن، وفي مقر مجلس الشيوخ الأمريكي، كانت أمينَـاتو حيدرة، الناشطة الصحراوية البارزة في حقوق الإنسان، تحضر حفل تسلّـمها جائزة مؤسسة روبرت كينيدي لحقوق الإنسان، وكان معها بالإضافة لقادة في جبهة البوليساريو ومسؤولين جزائريين، ناشطون صحراويون تردّدت أسماؤهم كثيرا في وسائل الإعلام أو في تقارير منظمات حقوق الإنسان.

وهناك على الضفّة الشرقية للمحيط الأطلسي، كان ناشطون صحراويون آخرون في مدينة بَـلينسِـيا الإسبانية أو في مدريد في تظاهرات حاشدة نظّـمتها منظمات المجتمع المدني الإسباني لدعم جبهة البوليساريو، لذلك، بقيت مدينة العيون فارغة من ناشطيها، الباحثين عن دعم لإقامة دولتهم المستقلة، تكون العيون عاصمتها.

وحسب أحد الحقوقيين في المدينة، فإنها ليست المرة الأولى التي تعرف المدينة هذه الحالة، لأن هؤلاء الناشطين اعتادوا مهرجانات الدّعم من جهة، وأيضا لأنهم يجِـدون في هذه النشاطات مَـيدانا يكسبون فيه تأييدا لمَـطالبهم، وتحفِـيزا لممارسة الضغوط على المغرب وإضعاف موقِـفه الدبلوماسي.

وقد يكون مدبِّـر مصير المنطقة ونزاعها غير عابئ باهتمامات سكانها وبما يفكِّـرون، ليكون النزاع أساسا نزاعا سياسيا، يبحث كل طرف عن دعم دولي أو قرار من هذا المحفل أو ذاك أو من مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة، لا يثير المرتبط مصيرهم به أين ستكون محطته النهائية.

لكن النزاع والسياق الذي يتّـخذه منذ اندلاعه، لا يهم فقط مَـن قرّرت الأمم المتحدة حقهم في الذهاب إلى صناديق الاقتراع في استفتاء، تزمع منذ بداية التسعينات تنظيمه لتقرير مصير المنطقة المتنازع عليها، بل يهُـمّ مباشرة أكثر من ثمانين مليون نسمة يرتبط مصير أوطانهم الخمسة، بمستقبل هذا النزاع.

فالعلاقات بين الجزائر والمغرب لا تتحكّـم وتضبط فقط العلاقات بين البلدين، بل تتحكّـم في مصير الدّول الخمس، لأن البلدين، علاوة على كونهما الأكثر سكانا والأكبر جغرافيا، فإن الحدود البرية بينهما هي الشّـريان الحيوي الذي يربِـط الدول الخمس.

وكانت الحدود البرية الجزائرية المغربية قد أغلقت منذ 14 عاما لأسباب أخرى، دون نزاع الصحراء، لكن التّـباين الجزائري المغربي حول تطوّرات النزاع الصحراوي، كان السبب في استمرار إغلاقها طوال هذه الفترة ودون أن تظهر في الأفق إمكانية لفتحها قريبا، ما دام حلّ النزاع لا زال بعيدا.

“تقدّم الملفات الاقتصادية رغم الخلافات السياسية”

وحالة المغرب العربي مُـؤرقة أيضا للضفة الشمالية للبحر المتوسط والمؤسسات المالية الدولية. فالمدير العام لصندوق النقد الدولي دومينيك ستروس – كان، الذي حضر مؤخرا مؤتمرا في طرابلس – ليبيا حول الاندماج والتعاون المغاربي، حثّ دول المغرب العربي على تحقيق اندماجها الاقتصادي، باعتباره رافدا قويا للتنمية بالمنطقة، رغم العوائق السياسية. وقال، إنه ليس من المعقّـد إقدام هذه الدول على أن تطبِّـق فيما بينها قواعد العلاقات التي تربطها بالاتحاد الأوروبي في مجال التجارة وإلغاء التعريفات الجمركية، مضيفا بأن صندوق النقد الدولي يدعم بشكل قوي هذا الاندماج.

وأشار ستروس-كان، وهو وزير سابق للاقتصاد والمالية في فرنسا، إلى أن الأزمة المالية العالمية الحالية تحتِّـم أكثر من أي وقت مضى على الدول المغاربية، الإسراع بتحقيق هذا الاندماج الذي من شأنه أن يكون عامل نمو، لاسيما من خلال تفعيل البنك المغاربي للاستثمار والتجارة الخارجية، الذي سيسهم في تيسير حركة التجارة ورؤوس الأموال في المنطقة، ويعزز دور القطاع الخاص في إحداث مشاريع تنموِية مُـشتركة، وخاصة في قطاع البنيات التحتية.

وشدّد ستراوس (متقمصا دور الأستاذ المدرس ذي الخبرة) أنه يجب التقدّم على درْب التكامل الاقتصادي، وكأنه ليست هناك مشاكل سياسية، في المقابل، ينبغي معالجة المشاكل السياسية، وكأنه لا توجد مشاكل اقتصادية، مستدِلا بنموذج فرنسا وألمانيا، اللتين استطاعتا تجاوُز خلافاتهما السياسية والحروب التي جرت بينهما، ونجحتا في إرساء كِـيان مكّـن من امتصاص المشاكل السياسية.

وقال، إن المسألة تتعلّـق بمعرفة ما إذا كنّـا قادرين على إحراز تقدم في الملفّـات الاقتصادية، حتى مع بقاء الخلافات السياسية، مشيرا إلى عوائق أمام التجارة ومشاريع البنية التحتية المشتركة والعديد من المشاريع الخاصة المعلَّـقة.

وهذه ليست الدّعوة الأولى للاندماج والتعاون المغاربي التي تأتي من خارج المنطقة. ففي منتصف التسعينات، قدّم وزير التجارة الأمريكية مشروعا للاندماج الاقتصادي، مغربي – جزائري – تونسي، يرتبط باتفاقية تبادُل حُـر مع الولايات المتحدة، أطلق عليه مشروع ايزنشتات، لكنه فشل، لأنه لم يأخذ بعين الاعتبار العقبات السياسية القائمة، وإن كان الغريب أن مسؤولي دول المنطقة رفضوا التعاون في إطار هذا المشروع، بحجّـة استبعاده لليبيا، التي كانت آنذاك تقبع تحت الحصار الغربي بسبب أزمة لوكربي.

سخرية!

وقد يكون من المثير للسّخرية والتندر أن تشكل مبادلات دول المغربي العربي مع الاتحاد الأوروبي نحو 80% من إجمالي مبادلاتها التجارية، في حين لا تزيد المبادلات البينية بينها عن 3%.

والأكثر سخرية، أن وزراء المالية في البلدان المغاربية خلال مؤتمر طرابلس، قرّروا قيام المصرف المغاربي للاستثمار والتجارة الخارجية، الذي سيتولى تمويل المشاريع المغاربية المُـشتركة، واتّـفقوا على العمل من أجل بذل المزيد من الجهود لإزالة الحواجز والقيود أمام التجارة المغاربية، وإنشاء مؤسسة مغاربية لتأمين الصّادرات وتشجيع إقامة فُـروع للبنوك المغاربية عبر الحدود، والتعجيل بإقامة الطريق المغاربي السريع والطريق الحديدي وتطوير النقل البحري والجوي، بما في ذلك زيادة معدّل تسيير الرّحلات الجوية بين البلدان المغاربية.

واتخذ الوزراء المغاربيون هذه القرارات، وكأنهم قادمون من خارج دُولهم التي قلَـبت كل المعادلات النظرية الكونية، التي تقول إن الاقتصاد يتحكّـم في السياسة، فرغم أن ستراوس-كان يؤكِّـد أن الدول المغاربية تخسِـر أكثر من 2% من إنتاجها الخام بسبب أزماتها السياسية، وأن معدل خسائر مباشرة لكل دولة بسبب هذه التوترات، تُـقدَّر بـ 4.5 مليار دولار، فإن صانع القرار لا يأخذ بعين الاعتبار كل ذلك، وتراهن دُول المنطقة على الخارج لتصفِّـي كل منها حساباتها مع الأخرى وتحقق ضدّها نقاطا ومكاسب دبلوماسية أو إعلامية.

في انتظار أوباما…

وآخر هذه المراهنات على باراك أوباما، الرئيس الأمريكي المنتخب وإدارته وما تم تداوله من تحليلات صادرة عن هذا الطرف أو ذاك، تحاول أن توهم الرأي العام، أن أوباما سيفتح فور دخوله البيت الأبيض في واشنطن ملف العلاقات الجزائرية المغربية وملف نزاع الصحراء الغربية..

في حين أن الواقع والممارسات تُفيد بأن هذه العلاقات وهذا النزاع، ظلت في أغلب الحالات ملفات خارج اهتمامات الإدارات الأمريكية، إلا في الحيِّـز الضيق الذي تُـوليه هذه الإدارات للمنطقة بأسْـرها، خاصة في السنوات الأخيرة في إطار تداعيات ملف ما يُعرف بـ “مكافحة الإرهاب”، وما قد يعكسه النزاع الصحراوي والحساسية الجزائرية المغربية من آثار سلبية لصالح الجماعات الأصولية المتشددة، هنا أو هناك.

وقد تبين فيما بعدُ للإدارة الأمريكية (وللأطراف المعنية الأخرى أيضا) عدم وجود أي رابط من هذا القبيل وأنه بالإمكان استمرار التعاون الأمني الجزائري المغربي، في ظل استمرار إعلاق الحدود البرية وتواصل نزاع تدفع المنطقة وشعوبها باهظا ثمنه الاقتصادي والتنموي، حتى ولو أنها كانت تخرج ليلا لترقص على إيقاعات موسيقى العالم أو تصطف نهارا لتصفق لعدائين يجرون في شوارعها.

محمود معروف – الرباط

الرباط (رويترز) – انتقد العاهل المغربي الملك محمد السادس يوم الخميس 6 نوفمبر، الجزائر لعدم استجابتها لطلب المغرب فتح الحدود بين البلدين والمغلقة منذ عام 1994، معتبرا ذلك “توجها معاكسا لمنطق التاريخ والجغرافيا”.

وقال الملك في خطاب وجهه الى الشعب المغربي مساء يوم الخميس بمناسبة الذكرى الثالثة والثلاثين “للمسيرة الخضراء” السلمية، التي نظمها المغرب لاسترجاع اراضيه الصحراوية من الاستعمارالاسباني “أبان المغرب عن ارادته الصادقة في الفصل بين النزاع الاقليمي حول الصحراء وبين التطور المنشود للعلاقات الثنائية مع الجزائر”، وأضاف قائلا “التمادي في رفض كل مساعي التطبيع المغربية أو تلك المبذولة من بلدان شقيقة وصديقة وقوى فاعلة في المجتمع الدولي، يعد توجها معاكسا لمنطق التاريخ والجغرافيا الذي يتنافى مع اغلاق الحدود بين بلدين جارين شقيقين”.

وكان المغرب أغلق حدوده البرية مع الجزائر في 1994 اثر تفجير فندق في مراكش وألقى بالمسؤولية عن التفجير على أجهزة الاستخبارات الجزائرية.

وطبقت الرباط نظام التأشيرات على الرعايا الجزائريين الراغبين في زيارة المغرب، وردت الجزائر بالمثل وأغلقت حدودها مع المغرب. وألغى المغرب نظام التأشيرات في عام 2005 ثم ألغته الجزائر في 2006. لكن الجزائر تعتبر مسألة فتح الحدود بين البلدين، التي دعا اليها المغرب، أكثر من مرة “لا يمكن فصلها عن تصور شامل للمغرب العربي الكبير”.

وتقول الجزائر، ان مسألة فتح الحدود ستنعكس سلبا على اقتصادها بسبب نشاط التهريب، لكنها تشير الى أن نشاطها التجاري مع المغرب في تطور وتضع الرباط في مقدمة شركائها التجاريين في المنطقة المغاربية.

والعلاقات بين البلدين الجارين متوترة بسبب دعم الجزائر لجبهة البوليساريو التي تطالب بانفصال الصحراء الغربية عن المغرب، وهو ما يؤثر سلبا على اتحاد المغرب العربي الذي تأسس في عام 1989 ولم يجتمع سوى مرة واحدة.

وقال العاهل المغربي يوم الخميس “تشبث بلادنا بفتح هذه الحدود وتطبيع العلاقات، ليس الا وفاء لاواصر الاخوة وحسن الجوار وتمسكا بحقوق الانسان في حرية التنقل والتبادل، وكذا استجابة لحتمية الاندماج المغاربي”.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 6 نوفمبر 2008)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية