مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

في الكوم.. طلبة سوريون بين طموحات مشروعة وعراقيل التمويل

يُساهم تدريب الطلبة السوريين ضمن البعثة الأثرية السورية السويسرية بالكوم في تعزيز الجانب العملي من تكوينهم. swissinfo.ch

يعتبر عدم وجود اتفاق تعاون ثقافي بين سوريا وسويسرا عائقا بوجه طموح طلبة الآثار السوريين الراغبين في الإستفادة من خبرة ومكانة الجامعات السويسرية. مع ذلك، تمكن عدد من الطلبة السوريين - بفضل الجهود الخاصة - من الإستفادة من هذه الخبرة ويتقلد البعض منهم اليوم مناصب هامة في إدارة الآثار.

عند الوصول الى موقع عمل بعثة التنقيب عن الآثار السورية السويسرية في الكوم، يُلاحظ المرء أن العنصر السوري لا يقتصر فيه على العمالة اليدوية وبعض المشرفين، بل يشمل بحاثة وطلبة يزاولون تدريبهم ضمن هذه البعثة إلى جانب زملائهم السويسريين أو الأوروبيين الذين اختاروا التخصص في حقبة عصور ما قبل التاريخ ورأوا تبعا لذلك أن أحسن مكان للتدريب هو في موقع الهمل بحوض الكوم.

يؤكد هذا مدير متحف وآثار تدمر المهندس وليد أسعد حيث يقول: “هناك طلبة من مختلف المحافظات يعملون مع البعثة السورية السويسرية، وهذا يُظهر الرغبة الحقيقية في دراسة هذه الحقبة أي عصور ما قبل التاريخ”. ويضيف المسؤول السوري: “أعتقد أنها حقبة مهمة فالآثار ليست فقط أعمدة وجدرانا ومباني، بل هناك أيضا جزء من تاريخ الإنسان وتكوينه يبدأ من طريقة التفكير وكيف انتقل هذا الإنسان من إنسان ساكن الكهوف البدائي إلى الإنسان العاقل ثم الإنسان باني الحضارات”.

إسهام في تكوين إطارات الغد

ويشدد المهندس وليد أسعد على أن “التوجه نحو فهم هذه الحقبة (أي حقبة عصور ما قبل التاريخ) هو نقطة أساسية في عمل المديرية العامة للآثار والمتاحف” السورية. ويستشهد على ذلك بالإشارة إلى أن جامعة دمشق – وبالتعاون مع المديرة العامة للآثار والمتاحف – ترسل سنويا طلبة من مختلف المحافظات للتدريب في موقع البعثة السورية السويسرية بالكوم، بل إن مدينة تدمر أرسلت طالبين لإعداد الدكتوراه في علم الآثار أحدهما في جامعة بازل بسويسرا والثاني بجامعة فرنسية وفي تعاون مع البعثة الأثرية الفرنسية.

من جهتها، تتذكر الدكتورة هبة السخل، مديرة المتحف الوطني بدمشق أنها استفادت من تدريب لدى البعثة السورية السويسرية. وأهم ما استرعى انتباهها هو أن “هذه البعثة متعددة التخصصات تسمح للطالب المبتدئ بالتعرف على كل هذه الفروع قبل اختيار المجال الذي يرغب التخصص فيه” في نهاية المطاف. وقد اختارت الدكتورة هبة التخصص في تكنولوجيا تصنيع الصوان، ولكن بسبب عامل اللغة، أكملت دراساتها في فرنسا بدل سويسرا.

وعن أهمية هذا التعاون في مجال التكوين، تقول الدكتورة هبة السخل: “مثلما نعرف في سوريا أينما حفرنا سنلاقي أثرا. فأكيد نحن بحاجة بالإضافة الى الإطارات الأجنبية الى كوادر وطنية متعلمة لأن هذا يعتبر علما حديثا بالنسبة لسوريا. ويوجد حاليا لدينا برامج واتفاقيات مع البعثات التي تأتي الى سوريا تقضي بأن هذه البعثات يجب أن تفيد سوريا من الناحية العلمية كنقل التكنولوجيا وتدريب الكوادر على التنقيب. ويمكن القول أنه منذ عشر سنوات أصبح هناك تطور كبير وأصبح لدينا عدد كبير من الطلاب المؤهلين في عدد من الإختصاصات ولكن لا يمكن القول في كافة الإختصاصات”.

علم الآثار ليس مجرد تعليم نظري

على صعيد آخر، يُعاني الطالب السوري الراغب في التخصص في فرع من فروع التنقيب عن الآثار من مشكلة تتمثل في أن برامج التعليم الجامعية نظرية في معظمها، وهو ما يؤكده الطلبة السوريون الذين التقينا بهم.

ويقول منار كردي، الطالب السابق بجامعة حلب والذي يُعدّ لنيل شهادة الماجستير في جامعة بازل السويسرية ويشتغل مع البعثة السورية السويسرية منذ عام 2005، “النظري كان في جامعة حلب، والعملي تعلمناه بموقع الكوم”. وبالإضافة الى هذه الفائدة العلمية، يرى منار أن هناك استفادة لغوية أيضا من خلال التحكم الجيد في التحدث باللغة الإنجليزية أو الألمانية.

مصطفى النجار الطالب السوري الثاني ببعثة الكوم والذي يعد لشهادة ماجستير في جامعة بازل أيضا يرى أن “الجامعات السورية كباقي الجامعات العربية تعتمد كثيرا على النظري وتكون بعيدة عن الجانب العملي. عندما تبدأ في دراسة الآثار تكون الدراسة نظرية فأنت تحكي عن الصوان وعن العظم بدون أن تراه. ولكن عندما تصل الى هنا تصبح أنت الذي يقوم بعمليات التنقيب وأنت الذي يخرج بيديه القطع الأثرية والذي يقيّمها. وهذه المعارف تأتي مع الوقت ومع الإحتكاك بالناس الموجودين في البعثة ومن نصائحهم”.

ويضيف مصطفى النجار أن “هذا التدريب فرصة لكي نطبق الجانب النظري الذي حصلنا عليه في الدراسة الجامعية كما نستفيد من الاحتكاك بالخبرات الموجودة. فالبروفسور لوتانسورر واحد من أهم أساتذة عصور ما قبل التاريخ في العالم أجمع. والمكان الذي أوجد فيه (حاليا) من الممكن أن هناك ألف طالب يتمنون أن يكونوا فيه”.

ومع أن هذا الصنف من الصعوبات (أي التوفيق بين النظري والعملي بالنسبة لطالب في علم الآثار) يمكن العثور عليه حتى لدى بعض الطلبة السويسريين الملتحقين بالتدريب في المواقع، إلا أن توماس هاو، المسوؤل عن التدريب بالبعثة الأثرية السورية السويسرية يرى أن “المشكلة تكمن في الفوارق الموجودة في نظم التعليم بين سويسرا وسوريا. لذلك يحاول البروفسور جون ماري لوتانسورر رئيس البعثة السويسرية في الكوم، استدراك ذلك بتقديم دروس مكثفة في المساء للطلبة السوريين لاستدراك ما ينقصهم”.

وفي هذا السياق، يقول البروفسور جون ماري لوتانسورر: “الطلبة السوريون لا يمكنهم التخصص في حقبة عصور ما قبل التاريخ لأنها غير متوفرة في البرامج التعليمية السورية كما أن المعاهد السورية تفتقر للمرافق والمخابر الضرورية لتعليم تقنيات وعلوم التنقيب في عصور ما قبل التاريخ. وما لم نقم بتكوين إطارات عليا سورية ستظل الأمور على ما هي عليه”.

نواة تعاون بعراقيل تمويل كبرى!

على الرغم من إشادة مختلف الأطراف بأهمية التعاون القائم في مجال تكوين الإطارات العلمية السورية في مجال التنقيب عن الآثار، وبالأخص في حقبة عصور ما قبل التاريخ، إلا أن تطبيق ذلك في غياب اتفاق بين البلدين يضمن التمويل الضروري، يضيف عبئا إضافيا مثلما يشرح البروفسور جون ماري لوتانسورر قائلا: “هذا التبادل واستقبال طلبة سويسريين في مواقع التنقيب في سوريا واستقبال طلبة سوريين في جامعات ومعاهد سويسرا هو تبادل مهم، ولكن مع الأسف يصعب تحقيقه ببساطة لعدم وجود أي اتفاق رسمي بين سويسرا وسوريا. وهذا ما يرغمنا على البحث عن الحلول بالإعتماد على جهودنا الخاصة وعلى مصادر تمويل خارجية وعلى مساهمة مؤسسات للسماح لهؤلاء الطلبة السوريين بمتابعة دراستهم في سويسرا”.

ومن بين الحلول التي توصل إليها البروفسور لوتناسورر بعد فشل محاولات متكررة قام بها لدى السلطات الفدرالية السويسرية، اللجوء إلى مؤسسة خاصة في بازل تُعنى بتمويل منح الدول النامية، وأقنعها بأن الطلبة السوريين في علم الآثار في حاجة ماسة لذلك نظرا لعدم توفر الإمكانيات والمخابر التعليمية. وقد سمحت هذه الخطوة بتمويل منحتين لطالبين أكملا دراستهما في بازل في غضون عامين، ومنحتين لمدة ثلاث سنوات للطالبيْن المشاركيْن في أعمال التنقيب في الكوم هذا العام.

في المقابل، يقلل مارتين إيشباخر، السفير السويسري في دمشق من أهمية وجود اتفاق ثنائي بين البلدين للقيام بعمل ناجع ويقول: “نحن السويسريون نتصرف دوما ببراغماتية، فنحن نقوم بالكثير من الإنجازات بدون إبرام اتفاقيات ثنائية في الوقت الذي تبرم فيه الكثير من الدول اتفاقيات لا تكون لها متابعة. إذ نبدأ بمشاريع تراعي الواقع وإذا ما تطلب الأمر التحول الى اتفاق ثنائي نقوم بذلك”.

البروفسور جون ماري لوتانسورر مدير معهد عصور ما قبل التاريخ وعلم الآثار بجامعة بازل ورئيس البعثة الأثرية السويسرية في الكوم بسوريا:
“في سوريا اليوم هناك حوالي 150 بعثة تنقيب أجنبية في معظم مكوناتها. وهذا يعني أن الأمريكيين والروس والألمان والإيطاليين وغيرهم هم الذين يحللون الإرث الأثري لسوريا اليوم. وهذا وضع غير طبيعي في أساسه . فالسوريون قادرون على القيام بذلك بأنفسهم لو يتوفر لهم التكوين في قطاع التنقيب عن الآثار بشكل متميز”.

المهندس وليد أسعد مدير متحف وآثار تدمر:
“الآثار ليست فقط أعمدة وجدران ومباني، بل هناك أيضا جزء من تاريخ الإنسان وتكوينه يبدأ من طريقة التفكير وكيف انتقل هذا الإنسان من إنسان ساكن الكهوف البدائي الى الإنسان العاقل ثم الإنسان باني الحضارات”.

منار كردي – طالب سوري:
“النظري في علم الآثار ليس كافيا يجب أن يرافق بعمل تنقيبي. ولكن هذا العمل التنقيبي ليس بالأمر السهل نظرا لصعوبة الأحوال الجوية كما أن هناك ضرورة للتواصل مع الجانب الأجنبي”.

مصطفى النجار – طالب سوري:
“الاكتشاف من قبل باحث أجنبي يأتي الى هنا من أجل حب الاكتشاف والمغامرة، هذا شيء جميل، ولكن عندما تكون أنت الذي يكتشف ذلك في بلدك فالتأثير مضاعف لأن هناك نشوة حب الاكتشاف من جهة ولكن هناك ايضا نشوة أنك تعمل من أجل بلدك. ولكن في الحقيقة هذا الشعور لم اكتشفه إلا لما كنت في بازل، لأنك عندما تتابع محاضرة من المحاضرات تجد أن كل المحاضرة عن بلدك، وكل القصص عن بلدك لأنه كلما تحدثوا عن التدجين سيحكون عن سوريا، وإذا حكوا عن العصر الحجري سيحكون عن سوريا. فإذا كنت أنت ابن البلد لا تعرف هذه الأشياء عن بلدك تشعر بنوع من الخجل وتتساءل اين أنا ولماذا كل هذا الجهل؟ وهذا يعطيك مسؤوليات مضاعفة ويدفعك للتركيز أكثر والاهتمام أكثر”.

البروفسور جون ماري لوتانسورر:
“هناك دول لها تقاليد تعاون دولية مثل ألمانيا وفرنسا بل حتى الدنمرك وايطاليا وإسبانيا تقدم منحا للبحاثة السوريين. ولكن سويسرا لا تملك مثل هذه الاتفاقيات. لذلك لا يوجد طلبة سوريون في سويسرا لأنهم يفضلون التوجه الى بلدان توفر لهم منحا مثل ايطاليا وألمانيا وفرنسا وروسيا وبولندا. وبلدنا هو البلد الوحيد الذي لم يطور بعد الاتفاقيات الثقافية التي يمكن أن تكون مهمة ومفيدة”.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية