مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

في المغرب.. تجاذبات بين الإستقلال والإشتراكي قبل الإنتخابات المحلية

قيادات حزب الإستقلال يتقدمهم أمينه العام ورئيس الوزراء عباس الفاسي (الأول من اليسار) في حفل افتتاح المؤتمر السنوي للحزب يوم 9 يناير 2009 في العاصمة المغربية الرباط AFP

خلفت التصريحات التي أدلى بها مسؤول كبير بحزب الاستقلال وزعيم نقابته العمالية، واتهم فيها الزعيم المغربي الراحل المهدي بن بركة بقتل ناشطين سياسيين بُعيد استقلال البلاد عن فرنسا منتصف خمسينات القرن الماضي، إرباكات واضحة في المشهد السياسي المغربي، وتعددت التحليلات لأبعاد هذه التصريحات في هذا الوقت بالذات وانعكاسها على التضامن الحكومي الهش أصلا والذي يتعرض منذ أسابيع لهزات تجعل من التعديل الحكومي أمرا ملحا.

وكان حميد شباط، عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال (الحزب الرئيسي بحكومة زعيمه عباس الفاسي) والأمين العام للاتحاد العام للشغالين التابع له ورئيس بلدية فاس، اتهم المهدي بن بركة بالأمر بقتل عدد من الناشطين السياسيين اثر حصول البلاد على استقلالها ومن بين هؤلاء عبد العزيز ادريس وعباس المساعدي.

وقال شباط “إن بن بركة مسؤول مسؤولية كاملة عن مذابح وسفك دماء وقعت في منطقة سوق الاربعاء” وسط البلاد، واضاف “هذا تاريخ والتاريخ لا يمكن أن يُزور بتسمية بعض الأشخاص أو إطلاق بعض الألقاب عليهم، فالتاريخ لا يرحم والغريب في الأمر أن بعض المؤرخين الذين أرخوا لتلك المرحلة فعلوا ذلك باحتشام لكن هناك من تناولها بنوع من الجرأة”، حسب قوله.

خلافات وطموحات

ويعتبر المهدي بن بركة أشهر معارض مغربي خلال حكم الحسن الثاني (1961 – 1999). وبعد سنوات من مشاركته في قيادة حزب الإستقلال، قرر في موفى الخمسينات تأسيس الاتحاد الوطني (الاشتراكي فيما بعد) بتوجهات يسارية معارضة وعاش سنواته الأخيرة في المنفى متنقلا بين القاهرة وجنيف وباريس التي خُطف فيها واغتيل يوم 29 اكتوبر 1965 دون أن يُعرف حتى الآن مصير جثمانه بعد أن سمحت التحقيقات بمعرفة القتلة وما مثّلوه من أجهزة المخابرات المغربية (الكاب1) والأمريكية (CIA) والإسرائيلية (الموساد) وبأن الجريمة نفذت بفضل تعاون عملاء للمخابرات الفرنسية.

وعلى مدى العشريات الأخيرة، شكل المهدي بن بركة رمزا لليسار المغربي الحديث وملهم نضالاته وكفاحه لإقامة دولة ديمقراطية وعادة ما يتردد اسمه في نشاطات ومهرجانات جميع الأحزاب المنتمية لليسار وإن كان الإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يعتبره قائده.

وعلى إثر صدور هذه التصريحات، تقدمت شبيبة الإتحاد الاشتراكي بدعوى أمام القضاء ضد حميد شباط، في وقت أصدرت منظمات وجمعيات حقوقية ومدنية بيانات تندد بتصريحات المسؤول النقابي والسياسي في حزب الإستقلال.

انتخابات في الأفق

وتتفق مختلف الأوساط على أن أجواء الإنتخابات البلدية التي تستعد لها البلاد، كانت المحفز الأساسي لتصريحات حميد شباط القادم للمعترك السياسي من خلال سلوكيات تؤشر على انحدار مستوى العمل السياسي في البلاد أو “تبخيس العمل السياسي”، على حد تعبير ناشطين شكلوا مبادرة لمواجهة الإنعكاسات الكارثية لهذه التصريحات.

لكن الأوساط السياسية تحاول، من خلال تصريحات شباط حول المهدي بن بركة ربط العلاقات الفاترة بين حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بعد تحالف دام 15 سنة (إن كان ثنائيا والذي توج بالمرشح المشترك في تشريعيات 1993 أو من خلال “الكتلة الديمقراطية” التي ضمت الحزبين بالإضافة إلى حزب التقدم والاشتراكية ومنظمة العمل الديمقراطي الشعبي (الحزب الاشتراكي الموحد فيما بعد))، ونقل هذا التحالف المغرب من مرحلة التوتر والقلق السياسي والاجتماعي والاقتصادي الى مرحلة الانتقال الديمقراطي والتنمية والسلام الاجتماعي وإن كان بتعثر.

وباستثناء كلمة لعباس الفاسي زعيم حزب الاستقلال ورئيس الحكومة في اجتماع مع النقابات قال فيها: “إن المهدي بن بركة رمز وطني كبير”، يلتزم حزب الاستقلال الصمت وصحفه لم تنشر تصريحات شباط ولم تندد بها، والافتتاحية التي كانت معدة في صحيفة العلم لسان الحزب وتدافع بها عن رموز استقلال المغرب ومن بينهم المهدي بن بركة، ألغي نشرها قبيل الطباعة بقليل فيما يتحاشى مسؤولو الحزب التعليق أو الإدلاء بتصريحات حول هذا الملف الذي أوجد حالة من القلق بالحياة السياسية وأدى الى زيادة التباعد بين الاستقلال والاتحاد رغم اجتماع ضم قيادة الحزبين عُقد قبل أيام.

تباعد بين الإتحاديين والإشتراكيين

وفي الواقع، كانت مؤشرات التباعد واضحة منذ الإعلان عن تشكيل حكومة عباس الفاسي في نوفمبر 2007 ووصف الاتحاد الاشتراكي لمشاركته بها (5 وزراء) بالمشاركة النقدية، خاصة وأن هذه المشاركة وطبيعتها لم تلق قبول كل الإشتراكيين بعد تراجعهم الكبير في التشريعيات التي جرت في سبتمبر 2007 وارتفاع أصوات من بينهم تدعو للعودة إلى صفوف المعارضة.

في كل الملفات الساخنة التي واجهت حكومة عباس الفاسي، كان الإشتراكيون يتخذون موقف المعارضة مثلما حدث بخصوص قرار الحكومة اقتطاع أجور المضربين عن العمل أو إصدار مدونة السير وأخيرا الإصلاحات الدستورية التي باتت بالنسبة لهم مطلبا ملحا.

وفي هذا الصدد، تتحدث مصادر الإتحاديين عن إعداد مذكرة تحمل مقاربتهم لهذا الإصلاح ستُوجّـه إلى القصر الملكي قبل الانتخابات البلدية القادمة وهو ما يعارضه الاستقلاليون ويلمحون إلى ان تقديم المذكرة سيكون من باب المزايدات الإنتخابية وقد يؤدي الى المزيد من عزوف المواطنين عن المشاركة فيها، بل إن عباس الفاسي عبر عن امتعاضه من مواقف الاشتراكيين بالإشارة إلى أن “كل الأحزاب أصبحت الآن في المعارضة”.

وقد تكون المعارضة، في بلاد لا زالت تتلمس طريقها نحو الديمقراطية ويتزايد فيها الحديث عن الفساد والعجز والإرباك في تدبير الملفات في ظل أزمة اقتصادية واجتماعية محلية وعالمية، أكثر جذبا لأصوات الناخبين، خاصة وأن الإتحاد الاشتراكي لازال ينظر بألم الى نتائجه في تشريعيات 2007 ويطمح في أن تُرسل المحليات القادمة إشارات تُفيد بتجاوز كبوته تمهيدا لتشريعيات 2012 وعودته إلى صدارة البرلمان.

سيناريوهات

في سياق متصل، تتحدث الأوساط الحزبية في المغرب عن تعديل حكومي محتمل بعد المحليات وقبل بدء عطلة الصيف دون أن تحدد ملامح هذا التعديل مؤجلة رسمها بعد معرفة نتائج الانتخابات ونسبة الأصوات التي سيحصل عليه الإتحاد الإشتراكي تحديدا.

وتقترح هذه الأوساط أن يدفع الاشتراكيون (إذا ما حصلوا على نتائج ايجابية بالنسبة لهم) إلى طلب زيادة عدد حقائبهم الحكومية وتغييرها وهو ما سيكون – إن حدث – على حساب حزب الاستقلال أو أحزاب أخرى تطمح للمشاركة رسميا مثل حزب الاصالة والمعاصرة (الذي أسسه فؤاد عالي الهمة الوزير السابق في الداخلية وصديق العاهل المغربي)، حيث يشارك الحزب بعدة حقائب ويكتفي رسميا بصفه الأغلبية بالحكومة والداعم لها.

وإذا كانت النتيجة على العكس من ذلك سلبية، فإن أوساط الإشتراكيين المعارضين للمشاركة بالحكومة ستجد فرصة ثمينة للدفع نحو الخروج منها والجلوس في مقاعد المعارضة بجوار حزب العدالة والتنمية الأصولي المعتدل خاصة وأن أصواتا عديدة داخل الاشتراكيين ارتفعت خلال الشهور الماضية تطالب بتحالف بين الحزبين من أجل “مواجهة الفساد ولتحقيق الاصلاحات”.

ما بعد الإنتخابات

لا شيء يبدو واضحا في المشهد السياسي المغربي بعد انتخابات 12 يونيو القادم، لكن ما يطفو على السطح حاليا يتلخص في أزمة مصداقية الأحزاب وعزوف المواطنين عن الحياة السياسية وتزايد لجوئهم إلى مقدمي الخدمات اليومية ليجعلوا منهم “نخبة المغرب الجديد”.

واذا كانت تصريحات حميد شباط ليست الأولى التي تحاول النيل من مكانة المهدي بن بركة حيث سبق لأحد الدعاة (وهو عبد الباري الزمزمي) أن رفض إطلاق صفة الشهيد عليه وتناوله بأوصاف غير لائقة، فإن لتصريحات شباط وقع آخر! نظرا لصدورها عن مسؤول حزبي ونقابي كبير تُثار حوله العديد من الأسئلة ولا يتأخر خصومه داخل حزبه أو خارجه عن التذكير بماضيه (عامل إصلاح العجلات) وإثارة الشبهات بخصوص كيفية وصوله إلى ما وصل اليه عبر استخدام أساليب فاسدة (الرشوة أقلها) ولاأخلاقية.

وكانت الفعاليات المدنية لمناهضة تبخيس العمل السياسي والدفاع عن الذاكرة الوطنية المشتركة ورموزها التاريخيين قد أعلنت في بيان المبادرة التي أطلقتها أن المشهد السياسي المغربي يعرف “في مجموعه وضعية تبخيس ممنهج للعمل السياسي أصبحت من جرائه صورة السياسة مهتزة مما فتح المجال واسعا امام تفشي كل ضروب التيئيس والاحباط واللامبالاة وفقدان الأمل”. وأعادت الفعاليات هذه الوضعية إلى “سياسات وممارسات وفرت الامكانيات لمجموعة من الوصوليين والانتفاعيين للانقضاض على المشهد السياسي ويحولوه إلى سوق خاضعة لمنطق الريع والامتيازات والفساد”، حسب رأيها.

محمود معروف – الرباط

الرباط (رويترز) – دعا العاهل المغربي يوم الاربعاء (29 أفريل 2009) علماء الدين المغاربة الى ضرورة إدماج الخطاب الديني في المشروع المجتمعي”لتحقيق التنمية البشرية” مؤكدا الالتزام بوسطية واعتدال الدين الاسلامي.

وقال العاهل المغربي محمد السادس في رسالة وجهها الى علماء الدين المغاربة “اننا ما زلنا نؤكد على ضرورة إدماج الخطاب الديني في صلب المشروع المجتمعي الذي نعمل جاهدين على إنجازه لتحقيق التنمية البشرية المنشودة ورفع تحدياتها واستشراف المستقبل في ثقة وعزم واطمئنان”.

وأضاف العاهل المغربي في رسالة وجهها الى أعضاء المجلس العلمي الأعلى وهو هيئة دينية رسمية “وهذا يتطلب منا جعل الخطاب الديني.. قائما على الاجتهاد المقاصدي المبني على جلب المصالح ودرء المفاسد ومراعاة متغيرات الواقع في التزام بأصول الدين الاسلامي الحنيف ووسطيته وسماحته واعتداله”.

وكان العاهل المغربي قد أعلن منذ نحو خمس سنوات عن خطة لاصلاح الحقل الديني اشتملت إعادة هيكلة وزراة الاوقاف والشؤون الاسلامية كما أنشأ اذاعة وقناة تلفزية للقرآن بالاضافة الى احداث برنامج لتكوين أئمة المساجد ومرشدات دينيات يصل الى مائة كل سنة.

كما أعلن العاهل المغربي العام الماضي عن خطة “ميثاق العلماء” بهدف “محاربة التطرف والانغلاق والارهاب”.

ويقول محللون ان اهتمام المغرب بالاصلاح الديني بدأ مع أوائل الثمانينيات من القرن الماضي بعد قيام الثورة الاسلامية في ايران غير أنه زاد مع تنامي المد الاصولي والهجمات الارهابية التي عرفتها الدار البيضاء في العام 2003 وخلفت مقتل 45 قتيلا بمن فيهم 13 انتحاريا نفذوا الهجمات.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 29 أبريل 2009)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية