مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

في المغرب.. معركة شرسة ضد استشراء الفساد والرشوة

على غرار معظم الدول العربية، يُواجه المغرب معضلة الفساد والرشوة بالمزيد من الأجهزة الرقابية والتشريعات لكن التناول الإعلامي يظل محدودا ومحفوفا بالمخاطر Keystone

يعيش المغرب منذ عدّة أسابيع على إيقاع مُـحاربة الفساد المُـستشري حسب التقارير الدولية، وفيما تُـدرِك الدولة مخاطِـر استِـفحاله وتسْـعى إلى تطويقه والحَـدّ منه، يُحاول المجتمع المدني بمنظّـماته المُـختلفة، أن يكون رقيبا على المال العام وتَـدبير المؤسّـسات العمومية وشِـبه العمومية لميزانياتها، المستخلصة من أموال دافعي الضرائب.

فإضافة إلى صدور قرارٍ بتطبيق قانون التّـصريح بالمُـمتلكات على أعضاء البرلمان والمستشارين بالمجالس المحلية، كشف تقرير المجلس الأعلى للحسابات، الذي اسُـتحدِث في دستور 1996 الذي تضمن نتائج افتِـحاص مالية المؤسسات العمومية وشِـبه العمومية لعام 2008، عن اختلالات مالية وإدارية وتنظيمية في عدد من المؤسسات العمومية والوزارات والجماعات المحلية والمراكز الإستشفائية والجامعات وبعض المكاتب التابعة للدولة.

وحِـرصا على إبقاء نتائج التقرير خاضِـعة للمتابعة، انتقى المجلس 61 مُـلخَّـصا للملاحظات الأساسية، التي أسفرت عنها مُـختلف المهام الرقابية المُـنجزة من قِـبَـل المجلس الأعلى للحسابات والمجالس الجهوية للحسابات، وذلك من أصل 130 تقريرا خاصّـا أعِـدَّت في إطار مُـراقبة التّـدبير ومراقبة استِـعمال الأموال العمومية.

وشكّـل التقرير أيضا حدثا شغَـل الرأي العام منذ الكشْـف عن بعض ملخّـصاته وطرح للنقاش في البرلمان، وتعِـدّ منظمات المجتمع المدني حاليا لعقد ندوات لقِـراءة التقرير ومصير خُـلاصاته. ومن بين هذه المنظمات، “الهيئة الوطنية لحماية المال العام بالمغرب”، التي تَـعقِـد يوم الاثنين غرة يونيو القادم، ندوة دَعا إليها وزراء ومسؤولون في مفتشية وزارتَـيْ الداخلية والعدل، باعتبارهِـما مكلَّـفتان بالتّـدقيق في الحسابات وآليات المراقبة المالية للأموال العمومية، بالإضافة إلى قُـضاة ورئيس المجلس الأعلى للحسابات وأساتذة اقتصاد. والملفت أن جُـلّ الذين وُجِّـهت إليهم الدّعوات للحضور والمشاركة، أكّـدوا حضورهم.

“خطوة جريئة نحو مراقبة المال العمومي”

وقال محمد طارق السّـباعي، رئيس الهيئة لـ swissinfo.ch، “إن الندوة تستهدِف تنْـوير الرأي العام بمصير أمواله وتحفيز الدولة على تطوير آليات المراقبة على صَـرف المال العمومي وإعادة هيكلة المجلس الأعلى للحسابات”.

ويقول السباعي، إن تقرير المجلس الأعلى للحسابات، الذي دلَّ على تطَـوُّر في أدائه وجُـهودٍ جيِّـدة بإمكانيات قليلة، خُـطوة جريئة نحْـو مراقبة صَـرف المال العمومي والسياسة المالية في المغرب، إذ لامَـس العديد من القضايا الكبيرة، وكان يجِـب نشْـر جميع خُـلاصاته، وليس فقط بعض الخُـلاصات، وأن يُـدقق بممتلكات الأحزاب والشخصيات العمومية، والتقرير بالأموال المُـهرّبة للخارج والدّفع بتجريم تبديد المال العمومي.

الرّشوة تنتشر والفساد ينتعِـش

وأمام مَـطَـالب إحالة الملفات، التي تقرِّر بوجود اختلالات، على القضاء، قال محمد الناصري، وزير العدل المغربي، إنه ينتظر إحالة هذه الملفّـات من طرف الوكيل العام (النائب العام) للحسابات، وهو المنصب الشاغِـر منذ عدّة أشهر، الأمر الذي يُـثير قلق منظمات المجتمع المدني. ويتساءل السّـباعي عن إبقاء هذا المنصِـب بهذه الأهمية شاغراً، قائلا: “يوجد في المجلس نُـواب لوكيل الملك يَـسمح لهم القانون بالتصرّف في بعض الحالات”.

ويقول رئيس الهيئة الوطنية لحماية المال العام في المغرب، إن الدولة كثّـفت من حضورها وفي خِـطابها الرسمي لمحاربة الفساد، لأنها وقعّـت وصادَقت رسميا على اتِّـفاقية الأمم المتحدة لمحاربة الفساد، وهي الاتفاقية، التي تُـصبح بعد المُـصادقة عليها، قانونا واجبَ التّـطبيق وتُـلزِم الدول الموقِّـعة عليها باستحداث هيئات لمُـراقبة الفساد ومحاسبة الفاسدين.

ويؤكِّـد السباعي أنه باستثناء إحداث الهيئة المركزية لمحاربة الرّشوة، فإن الدولة المغربية لم تذهب بعيدا في محاربة الفساد، إذ لا زالت الرّشوة تنتشر والفساد ينتعِـش وناهبو المال العمومي يمشُـون على أرجلهم، فيما البرلمان يتباطَـؤ في لعِـب دوره في حماية أموال المواطنين.

ويُـشير السباعي إلى فضيحة اختلاس أكثر من 22 مليار سنتيم من المال العمومي، والمتّـهم بها هو نائب في البرلمان يتلكّـأ البرلمان برفْـع الحصانة عنه من أجل متابعته، حتى تأخُـذ العدالة مَـجْـراها، وتساءل عن الجَـدوى من البرلمان إذا لم يقُـم بحماية أموال المواطنين وضرائِـبهم.

“البرلمان يُـعرقل سير العدالة”

وكَـشف السباعي لـ swissinfo.ch، أن الهيئة الوطنية لحماية المال العمومي ستوجِّـه رسالة إلى الدِّيوان الملَـكي، تطلُـب حلاّ لتباطُـؤ البرلمان برفع الحصانة عن النائب المَـعني، الذي أكدت التحقيقات أنه كان مسؤولا عن كل الإختلالات المالية وأنه يهدِّد، في حالِ رفْـع الحصانة عنه، بفضح شركائه، وهو ما يُـثير الشّـبهة حول التأخير في رفع الحصانة عنه، ويطرح بإلحاح سؤال القضاء غير المستقِـلّ والذي يخضَـع لسُـلطة وزير العدل، باعتباره رئيس النيابة العامة.

وشكّـل البرلمان المغربي خلال السنوات الماضية لِـجانَ تحقيقٍ في ملفّـات فساد تتعلّـق بالقرض العقاري والسياحي والصندوق الوطني للضّـمان الاجتماعي، لكن الملف الأول قدّم نتيجة التحقيق دون الوثائق المطلوبة، فصدرت أحكام مخفّـفة لصِـغار الموظفين وتـرِك كبار المسؤولين خارج المُـحاسبة، ولم يفرج مجلس المستشارين (الغرفة التشريعية الثانية) عن وثائق ملفّ الضمان الاجتماعي (وهي نتائج التحقيق الموجودة لديه منذ سبع سنوات)، إلا في بداية مايو الجاري، ويتّـهم طارق السباعي البرلمان بعَـرْقلة سيْـر العدالة ويُـطالب بحلِّـه وإجراء انتخابات سابقة لأوانها.

الفساد في المؤسسة العسكرية

وتعرّض المغرب لحملة إعلامية فرنسية على خلفِـية قضية ضابط سام برتبة مقدّم (كولونيل ماجور) وهو طيار سابق، قال إنه بعث برسالة إلى القصر الملكي يتحدّث فيها عن فسادٍ في المؤسسة العسكرية وأدانته محْـكمة عسكرية بتهمة “إفشاء السِـر العسكري” وقضت بسِـجنه 12 سنة.

وجاءت الحملة الإعلامية الفرنسية، بالنظر إلى أن الضابط قدّور طرزاز يحمل الجنسية الفرنسية وزوجته فرنسية أيضا، واضطرت السلطات المغربية لإصدار بيان ترُدّ فيه على هذه الحملة، وتقول إنها قدمته لمحاكمة نزيهة وعادِلة.

وأثارت قضية طرزاز مسألة الفساد بالمؤسسة العسكرية، التي كان عسكريون مثل مصطفى أديب والجلطي والزعيم، قد أثاروها خلال العقْـد الماضي في تصريحات صحفية وتوبِـعوا قضائيا بنفس التُّـهمة.

وقال محمد طارق السباعي لـ swissinfo.ch: “إن المؤسسة العسكرية جُـزء من مؤسسات الدولة وميزانيتها جُـزء من ميزانية الدولة، وبالتالي، هي جزء من المال العمومي، ولِـمَـصلحة البلاد أن تنظر في ملفّـات الفساد فيها محاكِـم مدنية وليس المحاكم العسكرية التي يبقى لها اختِـصاص متابعة القضايا الإنضِـباطية والمِـهنية، وأن للمحاكم المدنية صلاحيات واختصاصات إعادة المال العام المنْـهوب، وأن يكون المصير المِـهني للمتابع رهين حُـكم المحكمة المدنية”.

وتُـطالب هيئة حماية المال العام بالمغرب بالتِـزام الدولة بالاتفاقيات الدولية التي تحمْـي فاضحي الفساد والشهود وعدم مُـعاقبتهم وعدم حِـرمانهم من حقوقهم المدنية والسياسية. وأشار السباعي إلى أن الدول الديمقراطية أدخلت تعديلات هامّـة على قانون الوظيفة العمومية، اذ اعتبرت أن “فضح الفساد ونهْـب المال العام، ليس إفشاء سِـرّ مِـهني”.

معركة شرسة

خلاصة القول، تخوض الدولة المغربية معركة شرسة من أجل محاربة الرشوة والفساد، ليس فقط لأنها وقّـعت على اتفاقية دولية بذلك، بل أيضا لأن تفشِّـي واستفحال هذا الوَباء ووضعها في المَـراتب المتقدِّمة، التي تُـعاني من هذه الظاهرة، يُبعد عنها الاستثمارات، خاصة الأجنبية التي يحتاجها اقتصادها للإنتعاش والحدّ من أزمتها الاقتصادية وتقليص ظواهر البطالة والفقر والتهميش وما تُـنتجه من حالات عدم استقرار وتوترات اجتماعية.

محمود معروف – الرباط – swissinfo.ch

رغم الصعوبات، شهدت بعض البلدان العربية مثل البحرين ولبنان ومصر والأردن والكويت والمغرب والأراضي الفلسطينية واليمن تأسيس منظمات غير حكومية معنية بهذه الملفات أو فروعا رسمية لمنظمة الشفافية الدولية.

في الأراضي الفلسطينية، تأسس الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة “أمان” عام 2000 بمبادرة من بعض مؤسسات المجتمع المدني العاملة في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان والحكم الصالح، ثم وحدت جهودها في إطلاق برنامج وطني لمكافحة الفساد وتعزيز قيم النزاهة ومبادئ الشفافية ونظم المساءلة في القطاعات الفلسطينية المختلفة.

وتتوفر أمان- على مركز للمصادر يعمل على توفير الكتب والتقارير والأبحاث والإحصائيات والدراسات المحلية والإقليمية المتخصصة في مواضيع الفساد، بالإضافة إلى ما هو متاح دوليا، لخدمة الأعضاء والمجتمع المحلي والباحثين وصناع القرار وطلبة الجامعات والجمهور الفلسطيني بشكل عام.

ومن جماعات الضغط التابعة لهذا الإئتلاف هناك شبكة منظمات أهلية ضد الفساد وشبكة إعلاميون من أجل النزاهة والمساءلة وشبكة برلمانيون فلسطينيون ضد الفساد وشبكة شباب ضد الفساد

أما في الكويت فقد تأسست جمعية الشفافية الكويتية في 7 مارس 2005 وهي تهدف بالخصوص إلى “تنمية ثقافة المجتمع في مجال الإصلاح، ونشر المبادئ والقيم الداعية إلى إيجاد مجتمع خال من جميع أشكال الفساد وسوء استعمال السلطة” بالإضافة إلى “العمل على تعزيز مبدأ الشفافية والسعي إلى تفعيل كافة القوانين والقرارات الداعمة لها لدى كافة القطاعات الحكومية والأهلية”.

كما تعمل الجمعية على “اقتراح معالجة نواحي القصور التشريعي واللائحي في مجال الإصلاح ومناهضة الفساد واستغلال السلطة للمنفعة الشخصية” إضافة إلى “البحث في أسباب الفساد واقتراح وسائل علاجها وتلافيها وإيصالها إلى الجهات المختصة”.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية