مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

تكثف المساعي للخروج من أزمات لا تنتهي في السودان

في التاسع من يوليو 2011، اشترك الرئيس السوداني عمر البشير (على اليمين) رفقة رئيس جنوب السودان سيلفا كير في مدينة جوبا في الإحتفالات التي رافقت الإعلان عن استقلال البلد الإفريقي الجديد. (أرشيف) Keystone

في نهاية زيارة عمل للقاهرة استغرقت يومين، وفي لقائه مع قيادات سياسية وحزبية مصرية، كان الرئيس السوداني عمر البشير واثِـقا في قوله أن بلاده "تجاوزت المرحلة الصعبة في مراجعة الأوضاع الإقتصادية، بفضل البرنامج الثلاثي الذي اعتمدته الدولة"..

.. ومؤكدا أن السودان الآن هو في أفضل حالاته، رغم التحديات التي تواجهه ومبشِّـرا بأن الأيام المقبلة، ستشهد انفراجا في العلاقات مع الجنوب، رغم بُـطء المفاوضات، التي تجري برعاية الإتحاد الإفريقي.

بالطبع، قد تكون إشاعة التفاؤل أمرا محبذا ومرغوبا فيه، ولكنه لا يمنع من وجود مصاعب وتعقيدات تتصادم مع قدر، ولو بسيط، لهذا التفاؤل.

ففي اليوم نفسه (أي 17 سبتمبر 2012)، كان هناك تقرير مُتلفَـز أذاعته فضائية عربية، حول زيادة معدّلات الهجرة السودانية إلى الخارج، أفاد أن عدد التأشيرات التي تُمنح لراغبي الهجرة وصل إلى ثلاثة آلاف تأشيرة يوميا، أي ما يعنى تسعين ألف سوداني يخرجون من الوطن شهريا، وغالبيتهم من الكفاءات والمهارات العالية، يبحثون جميعا عن فرصة عمل جيدة وعن دخل مناسب في الخارج، عَزّ الحصول عليه في الداخل. ومعروف أن ارتفاع النزوع إلى الهجرة الخارجية، يؤشر إلى انسِـداد الأفق في الداخل.

تغيير ناعم.. وإلا “مواجهة مفتوحة”

صحيح أن الإضطرابات والمظاهرات، التي جرت في شهر يونيو الماضي، على خلفية رفع الأسعار وسياسات تقشُّـف طبَّـقتها الحكومة السودانية، ذات ثلاثة مستويات، نتيجة انخفاض موارد الدولة من العُـملات الصّعبة، قد تمّ استيعابها بمزيج من إجراءات أمنية وأخرى إعلامية، فضلا عن تحركات سياسية، قام بها الحزب الحاكم تُجاه أحزاب معارِضة كُـبرى، كالأمة والحزب الاتحادي الديمقراطي وغيرهما، لغرض إعادة بناء الحكومة وتوسيع مساحة المشاركة السياسية لأحزاب في المعارضة، لكي تتحمل مسؤوليتها في الحفاظ على وِحدة الوطن والمرور من المطبّات الصّعبة.

بيْـد أن هذه الأحزاب المُستهدَفة، لم تقدِّم شيكا على بياض، كما يُقال، بل طالبت بوضع أجندة وطنية تؤيِّدها مساحات عريضة من المواطنين، وإصلاحات سياسية كُبرى وتغيير في آليات صُنع القرار، وتشكيل حكومة قومية (تتمخض عن حوار سلمي مع الجميع)، تعمل على طي صفحة الأزمات المتفجِّرة في دارفور وجنوب كردفان وأبيي والنيل الأزرق ودولة جنوب السودان الوليدة، وإلا كان البديل، حسب تقديرات حزب الأمة، مواجهة مفتوحة ترغم حزب المؤتمر الوطني على الرحيل من سدّة الحكم. وما زالت الاتصالات المُعلنة وغير المعلنة جارية، أما نتائجها فغير معروفة بعدُ.

المعاناة في زيادة

اقتصاديا، لم تتغيّر الأحوال، ومعاناة المواطنين في زيادة. فالتقارير الاقتصادية، تتوقع تراجع الاقتصاد السوداني بنسبة 13% حتى نهاية العام الحالي، وانخفاض الناتج المحلي بنسبة 65%، نتيجة حالة الركود التي تمر بها البلاد، وتوقف نسبة كبيرة من المصانع عن العمل، بسبب ضعف الموارد من العملة الصعبة، قدّرتها بعض المصادر بحوالي 40% من المصانع، ومنها توقف نحو 65% من جملة مصانع السكر، فضلا عن ارتفاع أسعار السِّلع الغذائية بنسبة تقترب من 200% وارتفاع نسبة الفقر بين السكان إلى ما يزيد عن 70%، حسب بعض التقديرات، وانخفاض قيمة الجنيه السوداني أمام الدولار بنسبة 55% وزيادة معدلات استيراد السلع الأساسية من الزيوت والحبوب، رغم إمكانات السودان الزراعية في سد فجوة الغذاء للعالم العربي كله.

في  الوقت نفسه، سُجل زيادة الإعتماد على مصادر دخل توصف بالعشوائية، مثل استخراج الذهب من مناطق تقع في أقصى الشمال وبالقرب من الحدود مع مصر، بواسطة المواطنين وبطُرق بدائية وبدون تنظيم أو رقابة حكومية، وهو ما وفّـر قرابة 2 مليار دولار، حسب تقديرات غير رسمية، للنصف الاول من العام الجاري، ساهمت في تخفيف حدّة انخفاض موارد العملات الصعبة، ولكن لا تمثل أسلوبا آمنا في التخطيط الاقتصادي العام.

يذكر أنه قبل انفصال الجنوب، كان البترول يمثِّـل مصدر 90% من الدخل الخارجي من العُملات الصعبة للسودان ككل، والنسبة الباقية، حصيلة صادرات أخرى تقليدية وزراعية، بالإضافة إلى تحويلات المُغتربين السودانيين. ومع الانفصال، فقَـد الشمال ما يقرُب من 70% من مصادر العملة الصعبة، وبات مصدره الرئيسي ناتجا عن حصيلة تكلفة مرور نفط الجنوب عبْر أراضي الشمال.

وحين قرّرت حكومة جنوب السودان، مطلع يناير 2012، وقف تصدير النفط عبْـر أنابيب الشمال، اعتِـراضا على النسبة العالية (38% من ثمن البرميل) التي قررتها حكومة الخرطوم كتكلفة عبور برميل النفط الواحد، توقف هذا العائد المحدود أيضا، مما شكّل ضغطا شديدا على المُوازنة السودانية، وعجزا بقيمة 2.4 مليار دولار. فما كان من حكومة الخرطوم إلا تطبيق زيادة تعرفة الجمارك وفرض ضرائب إضافية وتخفيض المرتبات للعاملين في الجهاز الإداري، بنِـسب معيّنة، وهي إجراءات أدّت إلى المظاهرات الشهيرة في يونيو الماضي.

الرِّهان الأكبر

الأمر على النحو السابق، يُـبرِّر القول، أن مبررات انتفاضة شعبية أكبر وأوسع، ما زالت موجودة. ولذلك، يظل الرِّهان الأكبر من قِـبل الحكومة، هو على الإنتهاء من الإتفاق الشامل مع الجنوب والذي بدوره يُعيد تصدير نفط الجنوب عبْر الأنابيب الموجودة في الشمال، ومن ثم، يتوافر بعض الدخل من العُملات الصعبة، مما يساعد على إعادة الاتزان النسبي للموازنة العامة.

هذا الرهان، ينتظر الإنتهاء من صياغة الاتفاق الإطاري، الذي يعكف عليه وسطاء الاتحاد الإفريقي، والمقرر أن ينتهي في غضون أيام، وأن يكون اللقاء المقرّر بين الرئيسين عمر البشير وسيلفا كير في 23 سبتمبر الجاري، خاتمة لمرحلة عدائية كبيرة وبداية لمرحلة تعاون، تتضمن تنظيم عملية تصدير نفط الجنوب وضبْط الأوضاع الأمنية على الحدود وترسيمها، ووضع أطُـر مفصلة لتنظيم العلاقات في مجالات التجارة والاقتصاد والديون والمتأخّرات والمعاشات وحقوق الجنوبيين، الذين عاشوا في الشمال وعادوا إلى دولتهم الوليدة.

مصادر الوساطة الإفريقية في أديس أبابا، تشير إلى أن إنجازا كبيرا تَـحقّق بالفعل، وأن 80% من بنود الاتفاق الإطاري، تم التوصل إليه ومحلّ اتفاق الطرفين. وبقيت بعض نِقاط شائكة، مثل النزاع على منطقة ابيي، تنتظر اللقاء المباشر بين رئيسيْ البلدين.

شروط شمالية

ما بقي من نقاط خلاف، حسب مصادر شمالية، تتعلّق بمطلب الخرطوم بضرورة انسِحاب الجيش الشعبي من منطقة “14 الميل”، كشرطٍ للقَـبول بخريطة الوسيط الإفريقي ثامبو مبيكى للمنطقة العازلة بين البلديْن وحسم بعض الأمور، تتعلق بالحركة الشعبية قطاع الشمال، ووقف دعم الجنوب لحركات التمرّد في جنوب كردفان والنيل الأزرق.

والثابت، أن هذه النقاط، ما زالت تخضع للتفاوض، لكن لا يوجد ما يؤكِّـد أن انفراجا قد يحدُث بها قبل اللقاء المقرر في 23 سبتمبر الجاري، وهو اللقاء – إن حدث – سيُـغيِّر الكثير من معادلات وطبيعة الأزمة بين البلدين من جانب، وفي داخل كل بلد على حِـدة، من جانب آخر. وما علينا سوى الانتظار.

أديس أبابا (رويترز) – قالت وكالة السودان للأنباء يوم الثلاثاء 19 سبتمبر 2012، إن الرئيس السوداني عمر حسن البشير سيعقد اجتماع قمة مع سيلفا كير، رئيس جمهورية جنوب السودان في 23 من سبتمبر الجاري بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، بعد مباحثات استمرّت أسبوعين، بغية انهاء الخلافات بين البلدين.

وكان دبلوماسيون قالوا في وقت سابق، إن البلدين يقتربان في محادثات في أديس أبابا، من إبرام اتفاق لأمن الحدود، سيتيح استئناف صادرات النفط، ذات الأهمية الحيوية لاقتصاد البلدين.

ونقلت وكالة السودان للأنباء عن مبعوث إثيوبي قوله، بعد أن اجتمع مع البشير في وقت سابق بالعاصمة السودانية الخرطوم، أن البشير وافق على قبول دعوة من إثيوبيا لعقد لقاء قمة مع كير في أديس ابابا في 23 من سبتمبر الحالي. ولم تذكر الوكالة تفاصيل أخرى.

وقال باجان أموم، كبير مفاوضي جنوب السودان لرويترز، إنه يحتاج إلى تأكيد موعد القمة مع الحكومة في جوبا، واستدرك بقوله أنه متفائل بأن الاجتماع سيعقد.

وجاء نبأ القمة بعد أن قال مسؤول غربي إن البلدين حققا تقدما كبيرا نحو اتفاق إطاري أوسع لإنهاء المنازعات، كما طلب مجلس الأمن بحلول 22 من سبتمبر.

وقال أندري اشتيانسن، المبعوث الخاص للنرويج للسودان وجنوب السودان “إننا نشيد بالجهود القوية التي بذلتها الأطراف نحو حل القضايا العالقة، ونحن على يقين انهم سيتوصلون إلى اتفاق قبل نهاية المُهلة المحددة لهما”. وقال لرويترز على هامش المحادثات، “والقمة ضرورية لإبرام هذا الاتفاق”.

والنرويج، وسيط رئيسي في المحادثات، لأنها تقدم المشورة للبلدين كِليهما في قضايا النفط وتحظى بالاحترام كبلد محايد.

وقال دبلوماسي لرويترز “لقد قطعنا شوطا طويلا. ولم يتم بعد حل بعض القضايا، لكنها قابلة للتسوية وجو المحادثات إيجابي”.

وأضاف الدبلوماسي قوله “المناقشات من أجل إبرام اتفاق نفطي نهائي، في مرحلتها الأخيرة، ولم تبق عقبة كبيرة في الطريق إلى ذلك”.

ويقول دبلوماسيون إن الهدف الرئيسي الآن، هو إقناع السودان بالموافقة على منطقة حدودية عازلة منزوعة السلاح، وهي خطوة أولى نحو تسوية المنازعات الحدودية. واضافوا قولهم أن الجانبين يناقشان اتفاقا، يقضي بأن يسحب جيش جنوب السودان قواته من المنطقة، على أن يتحدد مصيره النهائي فيما بعد.

(المصدر وكالة رويترز بتاريخ 19 سبتمبر 2012)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية