مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“وسائل الإعلام التقليدية تراجعت لصالح وسائط الإتصال الإجتماعي”

مواطن مصري يمرّ إلى جوار مُلصق إشهاري لـ "البرنامج"، وهي حصة نقدية ساخرة يقدمها الإعلامي بسام يوسف في إحدى القنوات المصرية الخاصة منذ عام 2012، تثير الكثير من الجدل وتحظى بنسبة مشاهدة عالية جدا. Keystone

حمل الربيع العربي في طياته الكثير من التغييرات، التي تباينت من دولة لأخرى، وشملت النظام السياسي والعلاقات بين الدولة والمجتمع، إلا أن التغييرات التي طرأت على ميدان الإعلام والإتصال في هذه الدول تبقى الأهم والأبرز.

الربيع العربي.. “ثورات” و”انتفاضات” في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا رافقتها حِراكات جاءت في سِياقها، ومحاولات لاستباق تداعياتها مثلما حصل في البحرين والأردن والمغرب، حملت كلها شعارات موحّدة، تتمحور – وإن اختلفت التعابير والمُفردات المُستخدمة – حول العدالة والحرية وكرامة الإنسان، وذلك مقابل الفساد والديكتاتورية والقمْع الممزوج بالفقر والأمية والحِرمان، بالإضافة إلى شيخوخة النّخبة وإفسادها أو استقالتها من دورها.

وبقدر ما كان الإعلام عموما مجسَّدا للواقع العربي وقهْره وتخلُّفه، كان الإعلام، خاصة الرسمي منه، إعلاما متخلِّفا وغير مِهني وأحادي الرأي، في المقابل، لعب الإعلام غير الرسمي، والحديث منه (عبر الوسائط الحديثة والإنترنت عموما) دورا مهمّا في هذا الربيع، سواء تعلق الأمر بإشعال شرارته الأولى أو باستِمراره وانتِشاره، بل بات بعد حصول التغيير في البلدان المعنية، المُعبِّر الأول عن مدى تجسيد هذه الشِّعارات على أرض الواقع.

مرحلة ما قبل اندلاع الثورات

في مدينة تطوان، وعلى مدى أربعة ايام، تداول أستاذة جامعيون وباحثون وصحفيون، في مؤتمر حول البحث العِلمي في علوم الإعلام والاتصال، نظّمه المركز المغربي للدِّراسات والأبحاث في وسائل الإعلام والاتصال، ما بين  10 و13 أبريل 2013، أهمية البحث العلمي في ميدان الإعلام، في عالم أصبح كل شيء فيه يخضَع إلى البحث العِلمي وضبطه بقواعد وقوانين، بهدف تطويره ليكون مُـساهِما فِعليا في التطوّر المجتمعي.

في الندوة، تمّت القراءة في طبيعة وسائط الإعلام والإتصال في الدول العربية قبل اندلاع الربيع العربي، سواء كانت وطنية محلية، رسمية أو شِـبه رسمية، أو عابرة للحدود الوطنية العربية، والتي كان لها دور أساسي في هذا الربيع.   

كانت وسائط الإعلام والإتصال الوطنية الرسمية (صحف، إذاعات، فضائيات)، تابعة للحكومات التي تعكِس من خلالها رُؤيتها ومقاربتها لتدبير الشأن العام، وسائط محلية تتسم بالتخلّف وعدم الحرية والرأي الواحد الوحيد وعدم المِهنية وتزييف الحقائق، لأنها تعكِس نظْرة الحكومات لشعوبها وتعتبرها قاصِرة لا حقّ لها بالمبادرة والتعبير عن رأيها.

بموازاة ذلك، كانت هناك وسائط إعلام واتصال وطنية غير حكومية، تأسست (أساسا الفضائيات) بمبادرة من أصحاب رأس المال المقرّبين في معظم الأحيان من حكام أو أحزاب أو مهنيين (أساسا الصحف)، تحاول أن تتلمّس فضاءً بمِهنية أعلى، أكثر اتِّساعا من الفضاء السائد. وفي هذا السياق، يُسجّل للفضاء المصري نجاحه باستيعاب هذه المبادرات وتطويرها قبل 25 يناير، وإن كان يسجل عربيا للفضاء اللبناني رِيادته في هذا المجال.

حاولت الحكومات العربية، قبل اندلاع ثورة الحرية الكرامة في بتونس، عدم المُمانعة في إصدار صحف وإنشاء فضائيات، مع سقْف محدود من الحرية أو حتى (فضائيا) تحديد برامج المنوّعات أو البرامج الخفيفة.

ورغم الصعوبات التي كانت تُواجه هذه الوسائط، إلا أنها لعِبت دورا ملموسا في مُتابعة تطوّرات ما يجري في الشوارع والساحات، وحاولت الذهاب إلى أكثر من ذلك نحو نقل حقيقة ما يجري وآراء الشباب الذين أطلقوا نسائم الربيع، لكنها ظلت محكومة بالقوانين التي أصدرتها الحكومات قبل سقوطها.

اختتمت يوم 13 أبريل 2013 بمدينة تطوان المغربية، فعاليات الدورة السادسة لمؤتمر تطوان الدولي حول البحث العلمي في علوم الإعلام والإتصال.

انعقد المؤتمر ما بين 10 و13 أبريل 2013 بإشراف عِلمي من المركز المغربي للدراسات والأبحاث في وسائل الإعلام والإتصال، والمديرية الجهوية للإتصال بجهة طنجة – تطوان، ومدرسة الملك فهد العليا للترجمة بطنجة، والكلية متعدّدة التخصّصات بمرتيل، والمعهد العالي للصحافة والتدبير.

أجمع الباحثون والإعلاميون المؤتمرون المشاركون في دورة 2013، على الأهمية الإستراتيجية التي بات يشكِّلها البحث العلمي في علوم ووسائط الإعلام والإتصال في القرن الحادي والعشرين.

في إطار تمتين العلاقة مع المؤتمرين المصريين، أوصى المؤتمر بتوقيع خطاب نوايا لاتفاقية تعاون بين شُعبة محرِّري تكنولوجيا المعلومات والإتصالات بنقابة الصحفيين المصريين والمركز المغربي للدراسات والأبحاث في وسائل الإعلام والإتصال، وكذا إنشاء مؤسسة أهلية من جانب الوفد المصري المشارك في المؤتمر في مجال الثقافة الرقمية العربية.

(المصدر: وكالات)

الإنترنت سيد التكنولوجيا المعاصرة

جاء الربيع العربي، في وقت حقّقت فيه البشرية تقدّما عِلميا هائلا في تكنولوجيا الإتصالات، أدى إلى تقليص تكلفة التواصل مع المُتلقّي بوسائط البث الفضائي، ثم تبعه الهاتف النقال فالإنترنت، سيد التكنولوجيا المعاصِرة، الذي أصبح عنوانا لهذا الربيع، نُسب إليه الفضل في الكثير مما عرفته الجغرافيا العربية من أحداث وتطوّرات وتغييرات.

لكن، بحُكم تفشّي الأمية والفقر في المجتمعات العربية، كانت الفضائيات سيِّدة الموقف، وتحديدا الفضائيات العابِرة للحدود الوطنية. والملفت أن الصور والتقارير التي كان يتلقّاها المشاهد العربي أولا بأول لما يجري بشارع بورقيبة بتونس أو في ساحة التحرير بالقاهرة أو بساحة التغيير في صنعاء، كانت تأتي مباشرة من عواصم، غيْر تلك التي نهضت بربيعها، عبْر فضائيات احتلّت طوال السنوات الماضية الحيِّز الأكبر من مساحة المشاهدين في تلك الجغرافيا، المُمتدّة من البحرين إلى نواكشوط، وأثبتت – رغم بعض الهنات – أن المِهنية تتطور في ظل وجود هامش من الحرية.

عربياً، ظهرت وسائط الإعلام العابرة للحدود الوطنية، بعد أن نجحت قناة “سي ان ان” الأمريكية في أن تكون مرجعِية الأخبار في حرب الخليج الثانية التي تلت احتلال العراق للكويت (أغسطس 1990 – فبراير 1991)، وبعد أن اكتشفت الدول العربية الغنية بالنفط حالة العداء المُستشري لسياساتها ومواقفها، في الأوساط الشعبية العربية، إلا أن التِزام هذه الوسائط العربية بالسّقف الذي حدّدته سياسات الدول الراعية والمالكة لها، وعدم اختلافها في أي شيء (باستثناء برامج المنوّعات والمِهنية الصحفية) عن القنوات الوطنية في تلك الدول، أفقدها شيئا فشيئا قوة التأثير السياسي المطلوب.

الفضائيات العابرة للحدود

التحوّل الرئيسي بالفضاء السّمعي البصري كان بإطلاق قناة الجزيرة من دولة قطر في أول نوفمبر 1996، لتحتلّ بسرعة المرتبة الأولى من بين الفضائيات العربية، بعد أن نجحت في استثمار طاقات إعلامية عربية اكتسبت خِبرة في الإعلام الغربي مع حرية واسعة في التعاطي مع كل القضايا، بدون حدود وبدون سقْف، مع الإلتِزام بالمِهنية والحِرص على التعددية، بشعارها “الرأي والرأي الآخر”، مع تكسير “المقدّسات السياسية” والإقتِراب ممّا كان يُوضع في خانة المحرّمات، دون السقوط في الإسفاف أو القذف أو التهجّم والشتائم.

في الوقت نفسه، ذكّرت الفضائيات العابِرة للحدود الوطنية المُتلقّي العربي بوسائط أخرى (الإذاعات الدولية والموجّهة تحديدا) لعِبت أدوارا مُشابهة في العقود السابقة، من بينها إذاعة بي بي سي وإذاعة صوت العرب وإذاعة مونتي كارلو وغيرها.  

القنوات الوطنية قريبة من المتلقّـي

بعد التغييرات السياسية والمجتمعية التي عرفتها بلدان “ثورات” الربيع العربي، تراجَع بشكلٍ ملحوظ انتشار ونسبة مشاهدة القنوات الفضائية العابِرة للحدود، خاصة في هذه البلدان، لصالح القنوات الوطنية، التي كانت تبثّ قبل ثورة 14 يناير بتونس وثورة 25 يناير في مصر أو القنوات التي تناسلت بعد ذلك، وهو ما حفّز شبكات القنوات العابِرة للحدود لقنوات خاصة بمصر.

وفي حديثه عنما حدث في المشهد الإعلامي العربي، يعتقد الدكتور الطيب بوتبقالت، الأستاذ الجامعي بالإتصال ورئيس مسلك الإعلام في مدرسة الملك فهد للترجمة في طنجة، أنه “بالإضافة لأسباب أخرى، كانت وسائط الإعلام داخل المشهد الإجتماعي الوطني، أقرب إلى إعلام القُرب”، كما أن “تراجُع دور القنوات العابِرة للحدود، يعود إلى أن هناك منابر وطنية، ربّما متفاوتة الإحترافية والمِهنية، لكنها قريبة من المُتلقّي من جرّاء إعلام القرب، الذي كان امتدادا وانعكاسا للثورات العربية”، على حد قوله.

       

تجدر الإشارة إلى أن الهيمنة السابقة للقنوات العربية العابِرة للحدود، كانت تعود، بالإضافة إلى المِهنية والحُرية والإنفتاح (التي بات يتمتّع بها اليوم نِسبيا الإعلام الوطني)، إلى إيلاءها اهتماما بارزا بالقضايا الساخنة العربية والإسلامية، مثل القضية الفلسطينية والعراق ولبنان وأفغانستان، وهي قضايا توارت إلى الخلف بسبب التحوّلات الجارية في المشهد السياسي العربي، فيما تصدّرت المشهد القضايا المحلية.

“الثورات العربية بِنْتُ الإنترنت”

ما من شك في أن الوسائط العربية والدولية الناطقة بالعربية والعابرة للحدود، لعبت دورا أساسيا في الربيع العربي وثورات الشباب التي رافقته، إلا أن الفضل الأساسي لانطلاقتها يعود للإنترنت عموما ولشبكات التواصل الإجتماعي خصوصا.

وفي هذا السياق، يقول الطيب بوتبقالت، الجامعي والمسؤول عن مسلك الصحافة بمدرسة الملك فهد للترجمة في طنجة: “إن القنوات الفضائية لعِبت دوْرَ مكبِّر صوت لحركة الشارع العربي، وكانت طلقة في الهواء وأحدثت ضجّة كبيرة ووجدتها مادّة استهلاكية مهمّة، لذلك نالت حِصّة الأسد من المُشاهدة”، حسب رأيه.

وفي حوار خاص، أكّد بوتبقالت لـ swissinfo.ch، أن مبادرة تحريك الشارع العربي انطلقت من شبكات وسائل الإتّصال الاجتماعي، بل أن صحيفة لوموند الفرنسية قالت “إن الثورات العربية بِنْتُ الإنترنت”، مضيفا بأن ذلك “كان طبيعيا، لأن وسائل الإعلام التقليدية تراجعت لصالح وسائط الإتصال الإجتماعي أو ما نسمّيه الإتصال الجديد”.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية