مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

في جنوب لبنان: العودة إلى القرية .. عودة إلى الحياة

أطلال في قرية كفرا كما تبدو في نوفمبر 2006 تنتظر من يرفع عن كاهلها أنقاض الحرب لتعود إليها الحياة swissinfo.ch

لا تخطئ العين مشاهد الدمار والخراب الذي أسفر عنه القصف الإسرائيلي الذي تواصل على لبنان طيلة 33 يوما، فوأد تحت أنقاضه أحلام اللبنانيين في العيش بصورة عادية.

هنا بيت تحطم، وهناك شارع ضاعت دروبه، وهذا جسر اختفى إلا من أطرافه، وهذه أطلال بنايات لا تعرف بأي ذنب هوت، وعندما تشاهد هذا كله بأم عينك فإنك تتساءل على الفور هل يمكن للحياة أن تعود هنا مرة أخرى؟

تساهم الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون في مساعدة أكثر المتضررين من آثار الحرب على تجاوز تلك المحنة من خلال مشروعات مختلفة تهدف جميعها إلى “العودة إلى الحياة”.

توجهت سويس انفو إلى جنوب لبنان مع فريدريك شتاينيمان مدير مكتب الوكالة في بيروت إلى جولة ميدانية لتفقد الأنشطة والمشروعات التي تقوم بها في الجنوب، لمساعدة المدنيين للعودة على العودة إلى حياتهم الطبيعية.

ويقول الرجل الذي اكتسب خبرة 35 عاما في العمل في مثل تلك الظروف “نعلم أن إمكانياتنا محدودة بالمقارنة مع حجم الدمار الهائل الذي رأيناه هنا منذ حضورنا قبل 3 اشهر تقريبا، لكننا نحاول أن نصل إلى من نسيهم الآخرون، فهناك العديد من المنظمات المحلية والدولية التي بدأت بالفعل العمل في مشروعات كبيرة”.

اختارت الوكالة في الجنوب اللبناني 7 قرى، لتبدأ فيها باقة متكاملة من المشروعات تحت اسم “العودة إلى الحياة”. عنوان كبير يحمل في طياته مضامين مختلفة؛ فالحياة هي البيت الآمن بمائه وكهربائه ومورد الرزق البسيط والعلاج عندما يشعر المرء بوعكة، والتواصل مع الآخرين ومشاركتهم أفراحهم وأتراحهم، وهذا تماما ما تسعى إليه الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون في الجنوب اللبناني.

دواء وماء .. لبداية الإستقرار

توجهت سويس انفو إلى قرية الخيام، وصولا إلى احدى الوحدات الطبية المهداة من سويسرا إلى القرية، ويقول شتاينيمان “لم يكن بإمكاننا ترميم وإصلاح المستشفيات، وفي نفس الوقت ندرك جيدا أن المرض لا ينتظر، فهو يأتي من حيث لا يحتسب المرء، فكان الحل الوحيد هو أن نمد القرى النائية أو الأكثر تضررا بوحدات صحية تضمن تقديم العلاج والدواء للمرضى، ولكنها بالطبع لا تصلح لإجراء عمليات جراحية معقدة أو فحوصات متخصصة”.

حصلت الوكالة على 5 وحدات طبية متنقلة من الجيش السويسري، توزعت بين قرى الجنوب، ويضيف شتاينمان “الممرضين والممرضات والأطباء هنا على دراية جيدة باحتياجات المرضى، الذين يأتون إلى هذه الوحدات الطبية يوميا من القرى المحيطة بها، ويحصلون على العلاج المناسب، وما لا يمكن تقديمه هنا يتم تحويله إلى المدن الكبرى مثل صور أو صيدا”.

ثم ذهبنا إلى قرية معركة التابعة لقضاء صور، حيث تساهم الوكالة في إصلاح خزانات المياه هناك، ويقول أندريا شيبا المهندس المسئول عن هذا المشروع، “الجميع يعلمون أن المياه ثروة هامة في الشرق الأوسط وفي الجنوب اللبناني بالتحديد، كنا نأمل في المساهمة في مشروعات إعادة البنية التحتية لشبكات المياه التي دمرتها الحرب، لكن جهات أخرى سبقتنا إلى هناك، وبدراسة قوائم قرى الجنوب التي تضررت من الحرب، وجدنا أن هناك بعض الإصلاحات التي يمكن القيام بها في خزانات المياه وآبار المياه الجوفية، فكان هذا المشروع في قرية معركة، لترميم الشروخ والتصدعات التي أصابت خزاني المياه الوحيدين بها، لتغذية 15000 نسمة هم سكان القرية”.

ويؤكد تشيبا لسويس انفو، أن العمل في مشاريع إعادة الإعمار والبناء في الجنوب اللبناني يحتاج إلى سرعة ودقة في آن واحد؛ فالسرعة ضرورية كي يتمكن المواطنون من العودة إلى حياتهم الطبيعية، والدقة لازمة لتفادي أية أخطاء يمكن أن تضر بالعمل أكثر مما تنفعه، كما لابد من مراعاة احتياجات السكان، وإذا أمكن إصلاح أخطاء سابقة مع أخذ البعد الثقافي والإجتماعي بعين الاعتبار.

وفي القرى الأخرى، تم توزيع محطات متنقلة لتوليد الطاقة تساعد على تشغيل المحركات لرفع المياه الجوفية، أو لتوليد الطاقة الكهربائية اللازمة لشبكات ضخ وتوزيع المياه، مع المساعدة في حفر الآبار وتقديم الدعم التقني اللازم للتعامل مع الآبار أو خطوط إمدادات المياه التي أصابها القصف.

غادرنا قرية معركة، التي تحمل إسما على ما يسمى، وفوق أطلالها شواهد تحكي أنها كانت حلبة مواجهة مع القوات الإسرائيلية، ويتذكر أحد سكانها في حديثه مع سويس انفو، حجم المعاناة التي عاشها المواطنون أثناء فترة الحرب وكيف كانت الأسر والعائلات تتنقل من مكان إلى آخر بحثا عن ملاذ آمن من القصف المتواصل، كان الصمود فيها زادهم رغم الإرهاق والإعياء والخوف.

“من قناعتهم يبدأون بالقليل”

وقع إختيار الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون على قرية “مارون الراس” ليستفيد بعض سكانها من برنامج “العودة إلى الحياة” مثلما هو الحال مع 6 قرى أخرى.

ويقول دانيال روتاخر مدير المشروع في حديثه مع سويس انفو، “تعاملنا مع منظمات غير حكومية محلية والجهات الرسمية، للوقوف على عدد البيوت التي تهدمت أو أصابها ضرر كبير ويمكننا أن نساهم في مساعدة أصحابها على العودة إلى القرية، ولأن الميزانية التي رصدناها صغيرة مقارنة مع حجم الدمار، فكان لابد لنا أن نضع أولوياتنا بشكل مختلف عن الجهات المانحة الأخرى”.

وقد اتفق فريق العمل على اختيار ما بين 700 و 750 بيت في 7 قرى، يمكن مساعدة أصحابها في ترميم منازلهم، ويضيف روتاخر “يتميز عملنا عما يقوم به الآخرون في أننا نسد النقص الذي يعاني منه المتضررون، فعلى سبيل المثال تدفع إحدى الجهات مبلغا إجماليا من المال لإصلاح الضرر، لكنه ينفذ مع إجراءات الترميم ربما لسوء تقدير المبلغ أو لارتفاع أسعار مواد البناء أو أجرة اليد العاملة، وهنا نساعد نحن”.

ويتعرف الفريق على أوجه النقص التي يعاني منها البيت المتضرر، ثم يتأكد من صدقية المعلومات الواردة إليه عن تلك الاحتياجات من مصدرين مختلفين؛ إذ من أهم شروط الحصول على الدعم السويسري أن تكون تلك البيوت مخصصة للسكن الدائم وليست للعطلات وأن يكون الدعم السابق الذي حصل عليه أصحابها تم إنفاقه بشكل عملي.

ويؤكد روتاخر على أن الناس كانوا متواضعين في طلباتهم، فأكثر من 80% من المساعدات المطلوبة تراوحت بين 50 و 200 دولار للبيت الواحد، و10 % من الطلبات تراوحت بين 2000 و 5000 دولار، وفي حالات قليلة للغاية وصل الدعم السويسري إلى 10000 دولارا.

ولا يتم تسديد المبالغ الكبيرة التي تزيد عن 2000 دولار دفعة واحدة بل على مراحل، لحث الناس على إجراء الإصلاحات المطلوبة في وقت سريع قبل أن يداهمهم الشتاء وترتفع الأجور وأسعار مواد البناء.

العودة إلى العمل عودة إلى النشاط

العودة إلى القرية لا تكتمل إلا بالعودة إلى العمل، وهذه عقبة أخرى أمام دورة الحياة الطبيعية؛ فنسبة كبيرة من المواطنين فقدوا تقريبا كل شيء، المزارعون احترق محصولهم، وصغار التجار ضاعت بضاعتهم، ومن كان يرتزق من تقديم خدمة هنا أو هناك، أصبح عاطلا.. فالجميع يمرون بأزمة مالية خانقة بعد تردي الحالة الاقتصادية.

ويقول روتاخر “وقع الاختيار على 1600 أسرة من أكثر المتضررين من الحرب، من الفلاحين وصغار التجار والعمال البسطاء، بحثنا حالتهم وأوضاعهم وتناقشنا مع المنظمات غير الحكومية المحلية في كيفية مساعدتهم، فوضعنا 3 شرائح مالية؛ 250 و 500 و 750 دولارا، كرأس مال ندرك أنه بسيط، لكن الآراء اتفقت على أن تكون البداية في أسرع وقت ممكن لتدور عجلة الحياة مرة أخرى”.

ويؤكد المهندس المعماري بحكم خبرته الواسعة في مجال إعادة الإعمار في القوقاز وكوسوفو ومن خلال أحاديثه مع اللبنانيين في الجنوب، أن الناس هنا مرتبطون بالأرض بشكل لافت للنظر، “يهتمون بتطوير أنفسهم وتحسين ظروفهم المعيشية والبحث عن الأفضل والجديد، على عكس ما أشيع بعد الحرب بأن موجة جديدة من الهجرة ستبدأ من جنوب لبنان، فلم ألحظ شخصيا هذا الشئ”.

ربما لهذه الملاحظة هي دفعت خبراء الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون إلى التفكير في إضافة مشروعات أخرى في القرى التي وقع عليها الإختيار، مثل تمويل بناء مقر للنفع العام، مثل دار للمناسبات أو قاعة يتجمع فيها أبناء القرية لممارسة أية نشاط يناسبهم، حتى تكون العودة إلى الحياة قد اكتملت، أو بالأحرى تهيأت للمثول في هذا الإتجاه.

لم ينس سكان الجنوب أيام الإحتلال الإسرائيلي الذي رحل عام 2000، ويتذكرون ايام الحرب الأخيرة، التي فتحت جراحا لم تندمل بعد، ورغم حجم الدمار الهائل الذي تراه حولك اينما تجولت في الجنوب فإنك لا تشعر بروح اليأس تسربت إلى النفوس، بل عزيمة جديدة، تقول لك “نحن لها، ومرحبا بالعودة إلى الحياة”.

سويس انفو – تامر أبوالعينين – قرية كفرا – قضاء بنت جبيل – جنوب لبنان

هو مشروع متكامل من تمويل الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون لمساعدة 7 قرى في الجنوب اللبناني للتغلب على آثار العدوان.

يتكون المشروع من عدة مراحل:

الأول تحت عنوان “العودة إلى القرية” يساعد في ترميم ما بين 700 و 750 منزل لتصلح للإستعمال الآدمي، وتتراوح المساعدات المالية بين 50 دولارا و 5000 دولار، حسب حجم الضرر.

الثاني يدعم 1600 أسرة لبدء حياتها العملية مجددا، ويستفيد منه صغار المزارعين والتجار والعمال البسطاء، وذلك بمبالغ تتراوح بين 250 و 750 دولارا كرأس مال يساعد في الإعتماد على النفس استنادا إلى خبرة سابقة في العمل الفلاحي أو الصناعي أو التجاري.

المرحلة الثالثة ستركز على دعم ذوي الإحتياجات الخاصة مثل المعاقين أو أصحاب الأمراض المزمنة أو المستعصية

أهدى الجيش السويسري 5 وحدات طبية متنقلة تقدم الرعاية الصحية الأساسية لسكان القرى النائية في الجنوب.

يعمل خبراء الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون في ترميم صهاريج المياه وإصلاح شبكات التوزيع وبعض الآبار، وربطها بمولدات للطاقة لزيادة نسبة المياه المستخرجة منها.

يتعاون الخبراء السويسريون مع المنظمات المحلية والجهات الرسمية في التعرف على احتياجات المواطنين وتنسيق العمل لتحقيق الفائدة القصوى.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية