مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

أوباما بين مطرقة الدولة الفلسطينية وسندان الاستيطان الإسرائيلي

رئيس السلطة الفلسطينية محمود عبّاس يلقي خطابا أمام مؤيديه من امام مقرّ السلطة برام الله يوم 2 ديسمبر 2012 في إطار الإحتفالات بحصول فلسطين على صفة البلد المراقب غير العضو بالأمم المتحدة swissinfo.ch

بينما يستعد الرئيس أوباما لبدء فترته الرئاسية الثانية التي يؤكد الخبراء أنه يتعين عليه فيها إنقاذ حل الدولتين قبل أن يصبح مستحيلا، شهدت الأيام الأخيرة علامتان فارقتان على هذا المستوى.

فمن ناحية فشلت الجهود الدبلوماسية الأمريكية في الحيلولة دون صدور قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة  بمنح فلسطين صفة دولة غير عضو مراقب وهو ما يضيف اعتراف من المجتمع الدولي بأنها دولة تخضع لاحتلال إسرائيلي يجب إنهاؤه،  ومن ناحية أخرى أضاف ناتانياهو عراقيل جديدة بقراره إنشاء ثلاثة آلاف وحدة سكنية جديدة في القدس الشرقية والضفة الغربية منتهكا تعهده لأوباما بتجميد الاستيطان ومضيفا خطرا جديدا على فرص حل الدولتين.

ومع هذه المستجدات يرى عدد من خبراء عملية السلام أن أوباما سيواجه في فترته الثانية ما وصفه وزير الخارجية الأردني السابق مروان المعشر الذي يشغل حاليا منصب نائب رئيس الأبحاث بمؤسسة كارنيجي للسلام العالمي التحرك بين ما هو صعب وما هو مستحيل.

ويشرع المعشّر ما ذهب إليه قائلا: “الصعب هو محاولة تحريك عملية السلام في وقت ينشغل فيه أوباما بمشاكل داخلية مثل الهوة المالية ومعارضة مشروعه للرعاية الصحية ومشاكل خارجية في سوريا وإيران وأفغانستان، والمستحيل هو تأجيل التحرك فيما تتقلص فرص تطبيق حل الدولتين في ضوء استمرار الاستيطان، وتنامي القيود على الحلول الوسط في ضوء تصاعد التيار الإسلامي في إطار الربيع العربي، ودخول مبادرة السلام العربية غرفة الإنعاش ولذلك فإن على الرئيس أوباما سرعة التحرك ومواجهة الصعب قبل أن يتحول إلى مستحيل”.

التحرك يخدم المصالح الأمريكية

يرى البروفيسور وليام كوانت رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة فيرجينيا والذي شارك بدور أساسي في مفاوضات كامب ديفيد التي انتهت بمعاهدة للسلام بين مصر وإسرائيل أن تداعيات الربيع العربي تفرض على الرئيس أوباما التحرك بسرعة ليس لمجرد الالتزام بعملية السلام فحسب، وإنما لخدمة المصالح القومية الأمريكية مع عودة الاهتمام الشعبي العربي بالقضية الفلسطينية ومسارعة عدد من الزعماء العرب بالتوجه إلى غزة بعد المواجهات الأخيرة مع إسرائيل لتأمين شرعيتهم بين شعوبهم.

وقال: “مع التأثير الواضح لمصر بعد الثورة على حركة حماس، وتحركات قطر وتركيا تسنح لأوباما فرصة تعاون تلك الأطراف معه لتأمين موقف معتدل لحماس من عملية السلام وهو ما ظهر في موافقتها على تفويض الرئيس عباس بالتفاوض ثم الرجوع لاستفتاء الشعب الفلسطيني على ما يتم التوصل إليه، ولكن يتعين على أوباما إذا كان جادا في العمل للتوصل لحل الدولتين أن يشكل فريقا متميزا لإدارة المفاوضات بجدية وليس لإدارة الصراع في إطار إجراءات شكلية.”.

صياغة سياسة أمريكية جديدة

أما دانيال كيرتزر السفير الأمريكي السابق لدى مصر وإسرائيل، فأكد أنه لم تكن لدى الولايات المتحدة على مدى الثلاثين عاما الماضية سياسة محددة المعالم إزاء ما يمكن أن يكون عليه شكل التسوية الدائمة واكتفت بتكتيكات ومقاربات وإجراءات ولذلك فإن الرئيس أوباما كان على حق حينما طرح تصوره لأن تبدأ المفاوضات استنادا لحدود الرابع من يونيو عام 1967 على أن يقود التفاوض إلى تعديلات متفق عليها ومقايضة أراض متساوية في الحجم والقيمة بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

 وردا على سؤال لسويس إنفو عما يجب أن تكون عليه السياسة الأمريكية اللازمة للتحرك الجدي قال: “أولا: تصور أمريكي واضح لما يمكن أن تكون عليه حدود دولة فلسطينية قابلة للحياة والبقاء ودولة إسرائيلية يتوفر لها الأمن الذي تبحث عنه منذ عقود في إطار حقيقة أن الحل الوحيد هو تقسيم الأرض بين شعبين، وتصور أمريكي لما يمكن أن يكون حلا لقضية اللاجئين الفلسطينيين ولمستقبل القدس ووضع مرجعية للمفاوضات وفق ذلك التصور.

ثانيا: توفير ضمانات أمنية لإسرائيل وللفلسطينيين وقد يتطلب ذلك تخصيص مساعدات أمريكية إضافية كحافز لإسرائيل ومساعدات أمريكية لضمان ألا تتحول الدولة الفلسطينية التي سيمكن إقامتها إلى دولة فاشلة.

ثالثا: الكف عن فكرة إجراءات بناء الثقة بين الطرفين والاستعاضة عنها بضرورة كف الطرفين الفلسطيني عن العنف والتحريض والإسرائيلي الكف عن النشاط الاستيطاني حيث أدت تلك الممارسات خلال السنوات العشر الماضية إلى الافتقار إلى الحافز السياسي للتفاوض الجدي.”

الرئيس أوباما وعراقيل الكونجرس

وطرحت سويس إنفو سؤالا عما يمكن للرئيس أوباما أن يفعله لتحريك المفاوضات بناء على تصوره للبدء من حدود عام  1967، إذا كان الكونجرس الأمريكي قد صفق أكثر من عشرين مرة لناتنياهو عندما رفض ذلك التصور علنا أمام الكونجرس.

 وقال البروفيسور وليام كوانت: “لقد كان ذلك أمرا يبعث على الاستياء فقد أخفق أعضاء الكونجرس في الاهتمام بما يعنيه تطبيق حل الدولتين إيجابيا بالنسبة لمصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وتركز اهتمامهم على مناصرة ناتنياهو ليظهروا أمام الناخبين كمناصرين لإسرائيل. واضطر الرئيس أوباما لسوء الحظ إلى التراجع خوفا على فرصه في فترة رئاسية ثانية.

 أما الآن فلم يعد يخش شيئا وبوسعه لو كان جادا في سعيه لتسوية الصراع العربي الإسرائيلي أن يحشد التأييد داخل الكونجرس وراء تصور أمريكي واضح المعالم لتسوية تخدم المصلحة القومية الأمريكية وتوفر الأمن لإسرائيل والعدل للفلسطينيين.”.

ولكن كان للسفير إرون ميللر مستشار وزارة الخارجية الأمريكية السابق لعملية السلام. رأي آخر في إجابته على سؤال swissinfo.ch: “مخطئ هو كل من يعتقد أن الكونجرس الأمريكي هو أرض تحتلها إسرائيل أو أن النظام السياسي الأمريكي هو السبب في الاحتفاظ بعملية السلام كرهينة للضغوط داخل الكونجرس وفي إطار قيود النظام السياسي الأمريكي، فحقيقة الأمر أنه لو كان الرئيس الأمريكي جادا ومحنكا سيمكنه أن يبحر بمهارة في بحور الكونجرس وأمواج النظام السياسي الأمريكي خاصة لو أمكنه طرح الأسانيد الدالة على ارتباط ذلك الحل بالمصالح القومية الأمريكية ووجود الفرصة السانحة للتحرك ورغبة الأطراف في التوصل لذلك الحل”.

ما الذي يجب عمله الآن؟

 ويرى السفير ميللر أن الرئيس أوباما لم يترك مجالا كبيرا أمام وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون للتحرك في عملية السلام واحتفظ لنفسه وحده بصلاحية التحرك أو التراجع وبذلك اقترب من الرئيس نيكسون في هيمنته على السياسة الخارجية وإذا أراد التحرك الجدي فيجب عليه ألا يحرم وزير خارجيته الجديد من حرية العمل لتنفيذ السياسة المتفق عليها وألا يعين مبعوثا جديدا للسلام وإنما يفوض وزير خارجيته ويمنحه صلاحيات أوسع لتوجيه فريق أمريكي مؤهل لقيادة عملية التفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

أما البروفيسور وليام كوانت فيرى أنه يتعين على إدارة أوباما أن تتوقف فورا عن سياسة الفصل بين حركة فتح وحركة حماس وتشجيع المصالحة بينهما بدلا من إعاقتها  لأنه لن يمكن التوصل إلى تسوية عن طريق المفاوضات طالما بقي الفلسطينيون منقسمين وأن تتذكر أن الولايات المتحدة كانت وحتى عام 1985 تعتبر منظمة التحرير الفلسطينية منظمة إرهابية ترفض الحوار معها كما هو حاصل الآن مع حماس أما وقد اتخذت حماس موقفا أكثر اعتدالا بتفويض الرئيس محمود عباس بالتفاوض بشرط أن يتم استفتاء الشعب الفلسطيني على ما يتم التوصل إليه فيجب أن يرى الرئيس أوباما في ذلك موقفا يمكن العمل معه.

وينبه الدكتور مروان المعشر إلى نقطة هامة في أي تحرك أمريكي يقوده الرئيس أوباما في فترته الرئاسية الثانية  فيقول: “يجب أن يحصل الرئيس أوباما بشكل واضح من كل من إسرائيل والفلسطينيين على تحديد لما يمكن أن يعطيه كل طرف للطرف الآخر في المقابل في نهاية المطاف لحل القضايا المحورية خاصة الحدود واللاجئين والقدس وبذلك يمكن لكل طرف التراجع عن طموحاته القصوي إذا كان سيحصل في المقابل على ما يفي بأهدافه من التفاوض ويمكن للرئيس أوباما أن يحدد بذلك ملامح الحل المقبول من الطرفين والذي يمكن أن يحظي بغطاء عربي أشمل.”

وخلص وزير الخارجية الأردني السابق إلى أن العرب لن يقدموا أي شيء مقابل وعود لأن الثقة أصبحت منعدمة فإذا كانت إسرائيل تريد السلام الكامل مع الدول العربية والإسلامية فلا أقل من دولة فلسطينية يمكن لها البقاء تكون عاصمتها القدس الشرقية.

 قال مصدر دبلوماسي يوم الاثنين ان بريطانيا تفكر في استدعاء سفيرها من اسرائيل احتجاجا على قرار رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بتوسيع البناء الاستيطاني.

وذكرت صحيفة هارتس الإسرائيلية ان فرنسا تفكر أيضا في سحب سفيرها.

ورفضت السفارتان البريطانية والفرنسية التعليق لكن السفارة البريطانية أصدرت بيانا قالت فيه ان البريطانيين أوضحوا انهم لا يؤيدون اي رد اسرائيلي قوي على تصويت الامم المتحدة الاسبوع الماضي الذي اعطى الفلسطينيين اعترافا بدولتهم بأمر الواقع.

وقالت السفارة البريطانية في تل ابيب “قرار الحكومة الاسرائيلية الاخير ببناء 3000 وحدة سكنية جديدة يهدد حل الدولتين ويصعب امكانية تحقيق تقدم من خلال المفاوضات.”

وأضافت “طالبنا الحكومة الاسرائيلية باعادة التفكير.”. وقال مصدر دبلوماسي طلب عدم الكشف عن اسمه ان لندن ستقرر في وقت لاحق يوم الاثنين ما اذا كانت ستستدعي سفيرها.

وتمثل هذه الخطوة من جانب لندن وباريس تأنيبا دبلوماسيا لنتنياهو. وقال موشي يعلون نائب رئيس الوزراء الاسرائيلي لراديو الجيش الاسرائيلي انه لا علم له بأي قرار للاستدعاء.

وقال “لم أسمع بهذا. لا من خلال وزارة الخارجية ولا من مكتب رئيس الوزراء. ولذلك يصعب علي تصديق الامر.”

وتجاهل رئيس الوزراء الإسرائيلي يوم الأحد الادانة الدولية لخطط إسرائيل لتوسيع المستوطنات اليهودية والتي أعلنت بعد ساعات من فوز الفلسطينيين باغلبية باعتراف فعلي بدولتهم في الامم المتحدة وترقية وضعها الدبلوماسي في المنظمة الدولية الى “دولة غير عضو”.

وقال نتنياهو في الاجتماع الاسبوعي لحكومته يوم الاحد بنغمة تحد “سنواصل البناء في القدس وفي كل الاماكن التي على خريطة المصالح الاستراتيجية لإسرائيل.”

وأعلنت إسرائيل يوم الجمعة انها ستبني 3000 وحدة سكنية اضافية للمستوطنين الاسرائيليين في القدس الشرقية وحولها كما وافقت الحكومة الاسرائيلية على تسريع العمل في بناء الاف المنازل في منطقة قاحلة قرب القدس يقول منتقدون انها ستقضي على آمال الفلسطينيين في اقامة دولة قابلة للبقاء.

وفي ضربة اخرى للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية أعلنت إسرائيل يوم الاحد ايضا انها ستوقف تحويل عائدات الضرائب للسلطة الفلسطينية لهذا الشهر والتي تبلغ نحو 100 مليون دولار.

وأضافت اسرائيل انها ستأخذ الاموال لأن السلطة الفلسطينية مدينة لشركة الكهرباء الإسرائيلية بنحو 200 مليون دولار.

(المصدر، رويترز، من إعداد أميرة فهمي للنشرة العربية – تحرير محمد نبيل يوم 3 ديسمبر 2012)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية