مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

في موريتانيا: حكومة ولد عبد العزيز.. مميِّـزات وتحدِّيات

5 أغسطس 2009: محمد ولد عبد العزيز يؤدي القسم الدستوري ويُنصب رئيسا في مراسم تابعها حوالي 20 ألف شخص في ملعب العاصمة نواكشوط AFP

حين أدّى الجنرال محمد ولد عبد العزيز اليمين الدستورية كرئيس منتخب لموريتانيا، توجّـهت أعيُـن المراقبين نحو الحكومة التي سيشكِّـلها.

فبعد حملة انتخابية اتّـسمت بخطاب حادٍّ وساخِـن، شن فيه هجوما لاذِعا على مُـنافسيه ونَـعتَهم بأبشع الأوصاف وتعهّـد بقلب الطاولة على رؤوس الطبقات السياسية والمالية، التي كانت تُـسيطر على البلد منذ عقود، توجّـهت أعيُـن المراقبين نحو الحكومة التي سيشكِّـلها ولد عبد العزيز، لمعرِفة ما إذا كان الرجل سعى بخطابه الانتخابي لاستمالة أصوات الشريحة الكُـبرى من ساكنة البلد، وهم الفقراء وأصحاب الدخول المحدودة، أم أنه سيكون جادّا فعلا في تجسيد خِـطابه على أرض الواقع؟

وبعد أسبوع جاء الإعلان عن التشكيلة الحكومية، التي يُـمكن القول أنها اتّـسمت بجملة مميّـزات أساسية:

أولها: كون معظم أعضائها من غير المعروفين سياسيا أو مَـن يوصفون ـ حسب رأي المعارضة ـ بالمغمورين.

ثانيا، أغلب أعضائها من الشباب.

ثالثا، كان الحضور التكنوقراطي فيها أكثر من الحضور السياسي.

رابعا، أهملت التّـوازنات الجهوية والقبلية في البلد، خِـلافا لما درجت عليه الحكومات السابقة.

خامسا، كانت حكومة ضيِّـقة، اقتصرت على مؤيِّـدي ولد عبد العزيز في الانتخابات الماضية، دون إشراك أحزاب المعارضة، بما فيها تلك التي اعترفت بشرعية انتخاب ولد عبد العزيز رئيسا للبلاد وعبّـرت عن استعدادها للدّخول معه في شراكة سياسية والتخلي عن موقِـع المعارضة، الذي كانت تنتهجه.

سادسا، أنها ضمّـت أكبر عددٍ من النساء في تاريخ الحكومات الموريتانية، فأسندت 6 من حقائِـبها الثمان والعشرين إلى سيِّـدات، من بينهم حقيبة وزارة الخارجية، التي تُـعتبر هذه المرّة الأولى التي تتولاّها فيها سيِّـدة عربية.

هذه المميِّـزات، إذا ما قرأنها بتمعُّـن، سنجد أنها حملت معها مبرِّراتها في خطاب الرّجل الذي سوّق له في الأشهر الماضية ووعد به، رغم أن حزب تكتّـل القِـوى الديمقراطية، بقيادة زعيم المعارضة أحمد ولد داداه قرأها من زاوية معارِضة، خلصت إلى أن المعيار الوحيد الذي تمّ اختيار أعضاء الحكومة على أساسه، هو “الزبونية السياسية والمكافأة خلال الحملة الانتخابية الماضية”.

كما ضمّـت الحكومة الجديدة عناصِـر من حكومة ما بعد انقلاب 6 أغسطس 2008، بما في ذلك الوزير الأول مولاي ولد محمد الأغظف.

خلفِـيات ومعايير

ويأتي اختِـيار ولد عبد العزيز لأغلبية أعضاء حكومته من الأوجُـه الشابة وغير المعروفة سياسيا، كمحاولة منه لتجسيد وعودِه بتجديد الطّـبقة السياسية، إذ طالما اعتبر أن النّـخبة السياسية التي حكمت البلد خلال العقود الماضية، هي المسؤولة عن ما يُـعانيه المواطن من تخلّـف وفقر وعدَم استقرار، لذلك، كان من الطبيعي أن يبدأ هذا التّـجديد بحكومته ورجاله الذين سيتولّـون معه إدارة شؤون البلاد في المرحلة القادمة.

أما عن غلبة الطابع التكنوقراطي على الحكومة، فمردّه أن الرجل فاز في الانتخابات الرئاسية الماضية، دون أن يدخل في أي تحالُـفات سياسية تفرض عليه استحقاقاتها في مرحلة ما بعد الانتخابات، بل يمكن القول أن معظم التكتّـلات السياسية والحركات والتيارات الأيديولوجية التقليدية في البلد، اصطفّـت ضدّه وسعت لإسقاطه في الانتخابات الماضية، ربما خوفا من خطاب تجديد الطّـبقة السياسية الذي رفعه، كما يقول أنصار الجنرال أو إيمانا بعدم صلاحيته للحُـكم في البلد، بسبب تهوّره ونزعته الانتقامية، كما يقول معارضوه.

وبما أن الرجل استطاع أن يحصد أغلبية أصوات الموريتانيين دون الحاجة إلى التّـحالف مع كبار الزعماء السياسيين في البلد وقادة التيارات، فقد كان في حلّ من أي التزام سياسي لتلك الحركات والتيارات، مما مكّـنه من الإفلات من قبضة مجموعات الضّـغط السياسي، ثم أن الجنرال ولد عبد العزيز نفسه رجل تكنوقراطي لم يُـعرف عنه أي ميول ايدولوجي ولا سياسي، لذلك، فهو ينظر إلى السياسيين في البلد بتوجُّـس، ويخشى تحكّـمهم في قبضة الأمور، خصوصا وأن مُـعظم الحركات السياسية في البلاد، عمِـلت لفترات طويلة في السِـر، بسبب الأنظمة الشمولية والاستبدادية الماضية، التي كانت تنتهِـج سياسة القمْـع وكبْـت الحريات السياسية، ومن هنا، يرى ولد عبد العزيز أن فِـكر العمل السِـرّي والتحرّك خلْـف الكواليس، هما السِّـمتان الغالِـبتان على أبناء الحركات السياسية الموريتانية، ممّـا جعله يتوجّـس خيفة من أولئك السياسيين، ويتعمد الابتعاد عنهم قدر المستطاع، ساعده في ذلك أن هذه الحركات، في معظمها، ناصبته العداء بعد الانقلاب وخلال الانتخابات الرئاسية الماضية.

أما احتلال النساء حقائِـب هامة في الحكومة من قبيل وزارات الخارجية والتشغيل والثقافة والرياضة والشؤون الاجتماعية والطفولة، فذلك خِـيار يأتي كمُـحاولة للتناغُـم مع خطاب التّـجديد، خصوصا وأن السيدات اللّـواتي تمّ اختيارهُـن لشغل تلك المناصب، هُـنّ من فِـئة الشباب.

وجوه جديدة

ومن أبرز الوجوه الجديدة في الحكومة، وزيرة الخارجية الناهة بنت حمدي ولد مكناس، وهي من مواليد سنة 1969، شغل والِـدها منصب وزير الخارجية خلال أول فترة حُـكم مدني في البلاد بعد الاستقلال، وعُـرف عنه أنه أحد أعمدة الدبلوماسية الموريتانية ومن أبرز حُـكمائها الكِـبار، خلَـفت والدها بعد وفاته سنة 1999 في رئاسة الحزب الذي أسّـسه، وعيِّـنت آنذاك وزيرة مُـستشارة في رئاسة الجمهورية إبّـان حُـكم الرئيس الأسبق معاوية ولد سيدي أحمد الطايع. وفي سنة 2007، انتُـخبت نائبة في البرلمان الموريتاني، وهو المنصب الذي ظلّـت تشغله إلى حين تعيينها وزيرة للخارجية، لتكون بذلك أول سيدة عربية تتولّـى قيادة الدبلوماسية في بلدها.

ومن أبرز الوجوه الجديدة كذلك، وزير الداخلية محمد ولد ابيليل، وهو إداري قديم، انتُـخب نائبا في البرلمان عن حزب تكتّـل القوى الديمقراطية المعارض سنة 2007، إلا أنه أعلن انشِـقاقه عن الحزب بعد الخلاف بين رئيسه أحمد ولد داداه والجنرال محمد ولد عبد العزيز، وانخرط في صفوف البرلمانيين المؤيِّـدين للجنرال ولد عبد العزيز. وقد عُـرف خلال تولِّـيه مناصب إدارية في الدولة، بالصّـرامة وقوّة الشكيمة.

وهناك أيضا ضمن الوجوه الجديدة، وزير العدل بهاه ولد احميدة، حاصِـل على شهادة دكتوراه في القانون، عُـرف عنه عزوفه عن ممارسة العمل السياسي، وقد اختِـير لمواجهة ما يقول ولد عبد العزيز، إنها “مافيات الفساد”، التي تعصِـف بالقضاء الموريتاني.

ويرى المراقبون أن ولد احميده سيكون أمام امتِـحان صعْـب، خصوصا وأنه سيُـواجه رجالا متمرّسين سبَـق وأن أطاحوا بوزراء سابقين وفرضوا رؤيتهم على القضاء، إلا أن الأخير أكّـد لمقرّبين منه، أنه يُـعوِّل على دعم الرئيس له في معركته من أجل إصلاح القضاء.

كما نجد من أبرز الوجوه أيضا في الحكومة، وزير الصحة الدكتور الشيخ ولد حُـرمة، وهو طبيب متخصِّص في الأشعّـة وابن أحد أبرز زعماء الاستقلال أحمد ولد حرمة ولد ببانا، وكان من السياسيين الذين عارضوا الرئيس السابق معاوية ولد سيدي أحمد الطايع، وقد اعتُـقل وقُـدِّم للمحاكمة أكثر من مرّة.

تحدِّيات تُـواجه الحكومة

وتواجه حكومة ولد عبد العزيز الجديدة عدّة تحديات، من أبرزها تنفيذ البرنامج الطّـموح الذي تعهّـد به الرجل خلال الانتخابات الرئاسية القادمة، خصوصا في المجالات التنموية والاقتصادية.

فقد وعد الرجل بالقضاء على أحياء الصّفيح في المدن الكبرى وتقليص نِـسبة الفقر في المجتمع، في حين استلَـم مهامّـه والبلاد تواجِـه أزمة مالية خانقة، دفعت ببعض المؤسسات التابعة للدولة إلى التأخّـر في دفع رواتِـب عمّـالها وتوقيف المشاريع التنموية في البلد، ويرجِّـع المراقبون أسباب هذه الأزمة إلى عوامل داخلية وأخرى خارجية.

فعلى المستوى الداخلي، واجهت البلاد خلال العام الماضي عقوبات اقتصادية وسياسية بسبب انقلاب أغسطس 2008، الذي قاده الجنرال محمد ولد عبد العزيز ضدّ الرئيس السابق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، وخارجيا، تسلّـم ولد عبد العزيز وطاقمه الحكومي مهامّـهم في وقت تضرب فيه الأزمة المالية العالمية أطنابَـها وتعصف بأمهات الاقتصاد العالمي، فمِـن أين لاقتصاد هشٍّ، يعتمد على المساعدات الخارجية، أن يصمُـد في وجهِـها أو يقاوم طوفانها؟

كما تواجِـه الحكومة تحدِّيا آخر لا يقِـلّ شأنا عن سابقه، وهو محاربة الفساد الذي استشرى في الإدارة وأصبح جزءً من الرّوتين اليومي، حيث باتت الوظائف تتفاضل بحسب ميزانيتها لا بحسب رواتب أو نفوذ أصحابها، هذا فضلا عن أن كِـبار المسؤولين المتورِّطين عادةً في قضايا الفساد، يحظون بحماية عشائرهم ولوبِـياتهم القبيلة والسياسية.

حريات في دائرة المخاوف

وإن كان بعض المراقبين يتوقّـعون ـ في حال نفّـذ الرئيس المنتخَـب تعهّـداته ـ تقدّما في مجال التنمية الاقتصادية وإحداث ثورة في مجال تجديد الطبقة السياسية، إلا أن هؤلاء المراقبين لا يتوقّـعون تقدما كبيرا في مجال الحريات السياسية وكذلك الحريات العامة والفردية، نظرا لعدم حضورها في صدارة اهتِـمامات الرجل، انطلاقا من خطاباته وتعهّـداته، وهو ما ينفيه مقرّبون منه.

غير أن مِـحكّ التجربة يبقى الفيصل الوحيد في الحُـكم على الرجل: هل سيكون على قَـدر التحدِّيات التي وعد بقهرِها خلال حملته الانتخابية وأين تتموقع الحريات من خارطة اهتماماته؟ أم أنه سيكون مجرّد حلقة في سلسلة أنظِـمة تعاقَـبت على البلد ورحلت، دون أن تخلِّـف وراءها سوى بُـؤس مفرط وفقْـر مدقع وتخلّـف مقيت؟

نواكشوط ـ محمد محمود أبو المعالي – swissinfo.ch

نواكشوط (رويترز) – أدى محمد ولد عبد العزيز -الذي أطاح بأول رئيس منتخب ديمقراطيا في انقلاب عسكري العام الماضي – اليمين الدستورية يوم الاربعاء 6 أغسطس، رئيسا لموريتانيا بعد أن فاز في الانتخابات الشهر الماضي.

وندّد المنافسون المهزومون بالانتخابات، وقالوا انها شهدت تزويرا، لكن فرنسا المستعمر السابق لموريتانيا، قالت انها مستعدة لاعادة التعامل مع الدولة الاسلامية التي تعهدت بأن تجعل الحرب ضد تنظيم القاعدة أولوية في سياستها.

وقال الان جويانديه، وزير التعاون الفرنسي “بهذه الانتخابات أصبحت موريتانيا، ليس فقط محترمة مرة اخرى، بل ايضا عادت لتصبح شريكا اساسيا لفرنسا في المنطقة”. واضاف الوزير الفرنسي مناديا بتعاون موريتانيا ومالي في هذا المجال “الرئيس عزيز مهتم بشكل خاص بمسألة الامن ومحاربة التهديد الارهابي”.

وشهدت موريتانيا ومالي المجاورة، عددا من هجمات القاعدة، كان احدثها اعلان جناح شمال أفريقيا التابع للجماعة المسؤولية عن اطلاق النار على عامل اغاثة أمريكي في نواكشوك في يونيو الماضي.

وتعهد عبد العزيز، الذي كان يتحدث أمام الالاف من أنصاره الذين حضروا حفل أداء اليمين في الملعب الاولمبي في نواكشوط، بمحاربة الفساد ودعم سيادة القانون.

وفرنسا، هي احد اكبر الشركاء لموريتانيا في التجارة والمساعدات. وخصصت في 2007 مساعدات قيمتها 93 مليون يورو (134 مليون دولار) في برنامج معونات يستمر أربع سنوات، دفعت منها حتى الان 30% فقط. وقال جويانديه، ان فرنسا ستنظر الان في الافراج عن باقي المبلغ. واضاف قائلا “في الاشهر القادمة، سيستأنف التعاون وسنعيد دراسة أولويات التنمية”.

وعلق الاتحاد الاوروبي مساعداته الى موريتانيا، احتجاجا على الانقلاب العسكري الذي وقع في أغسطس الماضي، لكنه أشار الى أنه ربما يكون مستعدا لاستئناف التعاون.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 6 أغسطس 2009)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية