مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

إنهاء انقسام الجيش اليمني لا يعني قطيعته بالسياسة

يمنيات يتظاهرن دعما لقرارات الرئيس عبدو ربّ منصور هادي القاضية بإنهاء انقسام الجيش يوم 11 أبريل 2013 بصنعاء Keystone

قرارات تعيين قيادات المناطق العسكرية التي أصدرها الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، أنهت على ما يبدو، انقسام الجيش اليمني بين طرفيْ الصِّراع العشائري، الذي تصاعَـد على خلفية الاحتجاجات الشعبية في البلاد عام 2011..

لكنها لا تعني في المقابل الانتِقال إلى جيش وطني مُحايِـد لا يتدخّل في السياسة، على غرار حياده في الحالتيْن، التونسية والمصرية، نتيجة للترابُط التاريخي بين الانتماء الاجتماعي والعمل السياسي، وبين المؤسسة العسكرية من جهة، ونتيجة لما يحققه الانخراط في المؤسسة العسكرية من موارد اقتصادية ومالية ورمزية، يعزِّز نفوذ العشيرة وسطوتها.

ومنذ أن أصدر الرئيس اليمني في ديسمبر 2012 قرارات تقسيم المناطق العسكرية، التي ألغت الحرس الجمهوري الذي يقوده أحمد علي، نجْل علي عبدالله صالح، والفرقة الأولى مدرع، التي يقودها اللواء علي محسن الأحمر،  ظلت عملية توحيد الجيش اليمني وإنهاء انقِسامه بين المُوالين لنظام صالح والمؤيِّدين للثورة، تصطدِم بتشبّث الطرفيْن بمواقعِهما العسكرية على رأس الوحدات التي كانا عليها، على الرغم من أنها أُلغِـيت بموجب تلك القرارات ودُمِجت في القوات البرية وحرس الحدود، وقد ترك ذلك الرّفض أثراً بالغاً على سلطات الرئيس هادي وأثارت الشّكوك بشأن قُدرته على تجاوُز المأزق الذي وُضِع فيه، غير أنه فاجَأ الجميع بإصْدار القرارات الأخيرة، التي أقصت نجل صالح ومحسن عن موقعهما.

مسلسل عملية الانتقال السياسي

ويرجِّح المراقبون والمحلِّلون أن يكون لخُطوة إنهاء انقسام الجيش، تأثيرا إيجابيا على استِكمال مسلسل عملية الانتِقال السياسي، بمُقتضى المبادرة الخليجية، لِما كان يشكِّله استمرار طرفَيْ الصراع على رأس أقوى الوحدات العسكرية في جيش مُنقسِم، من تهديد يُعيق تنفيذ المبادرة ويُعيد شبَح الحرب من جديد.

ورأوا أن إبعاد الرجُليْن القوييْن من الهيْمنة على الجيش، سيُعطي دُفعة قوية للحوار الوطني، الذي انطلق يوم 18 مارس الماضي، لاسيما لجهة القضية الجنوبية التي عبَّر ممثلوها في الجلسات الافتتاحية عن شكوكهم في نجاح الحوار مع بقاء قِوى النفوذ مُمسِكة ومُسيْطرة بمصادر القوّة والمال، وِفق ما عبَّر عنه وزير الصناعة والتجارة الجنوبي الدكتور سعد الدين بن طالب، المُصنَّف من القيادات الجنوبية المُعتدلة، خلال كلمته الافتتاحية في المؤتمر.

لقد جاء في كلمة القائد الجنوبي آنذاك: “بعد حرب 1994 تشكَّلت حلقة مُحكمة فولاذية على الدولة وعلى كل مقدراتها.. اتّخذت من الجنوب أرضاً للنّهب.. والغنيمة.. ومكوّنات هذه الحلقة تملك المال والجيوش.. كان يجب أن تُعاد هيكلة الجيش والأمن قبل بدء هذا الحوار، وأن يُنزَع السلاح والمال من أيْدي هذه القوة الغاشمة، ولكن ذلك لم يحدُث”.

قال التلفزيون اليمني إن الرئيس أقال يوم الأربعاء 10 أبريل 2013 قائد قوات الحرس الجمهوري من منصبه، في محاولة فيما يبدو لتوحيد القوات المسلحة المنقسِمة تحت قيادته.

وأعلن التلفزيون سلسلة قرارات أصدرها الرئيس عبد ربه منصور هادي بتعيين العميد أحمد علي عبدالله صالح – نجل الرئيس اليمني السابق – سفيرا لليمن لدى الإمارات العربية المتحدة.

وتعهّد هادي بتوحيد الجيش المنقسِم بين موالين ومناوئين لعبدالله صالح، الذي تنحّى بناءً على اتفاقٍ رعَـته دول الخليج العام الماضي، بعد عام من الاحتجاجات. لكن ما زال نفوذ الرئيس السابق قويا في البلاد.

وتخشى دول الخليج والبلدان الغربية أن يؤدي استمرار نفوذ الزعيم السابق – خصوصا عبر نجله القوي – إلى عرقلة الانتقال السياسي في البلاد وتحوّله إلى فوضى.

وتجمّع عشرات الشبّان خارج منزل هادي في العاصمة صنعاء لإظهار التأييد لقرارات الرئيس. وردّد الحشد هُتافات تطالب هادي بالمُضي قدُما، وأنهم يقفون وراءه حتى يتحقق التغيير.

وقال اللواء متقاعد محمد الساري لرويترز إن هذه الأوامر أنهت بالفعل الانقسامات في الجيش وجعلت كل هذه القوات تحت سيطرة هادي. وأضاف أنها “ضربة معلم” اقتلعت كل مراكز القوى في الجيش. وقال المعلق السياسي عبد الباري طاهر، ان هذه الاوامر جعلت هادي رئيسا للبلاد بحقّ وصانع القرار الوحيد في الجيش.

وتمثل استعادة الاستقرار في اليمن أولوية للولايات المتحدة وحلفائها الخليجيين القلقين من المتشدّدين المرتبطين بالقاعدة الذين ينشطون في اليمن. وقال التلفزيون إن الرئيس عيّن ايضا اللواء علي محسن الاحمر قائد الفرقة الأولى مدرّعات مستشارا رئاسيا للشؤون العسكرية.

والأحمر من خصوم أحمد صالح ووقف بجانب معارضي الرئيس السابق أثناء الأزمة السياسية التي شهدتها البلاد في 2011 ودعم النشطاء الذين خرجوا للشوارع للمطالبة برحيل صالح.

وقال التلفزيون الحكومي إن قرارات هادي شملت ايضا تعيين اثنين من أبناء شقيق صالح الذين خدموا في الحرس الجمهوري والمخابرات في منصِب الملحق العسكري في أثيوبيا وألمانيا، فيما بدا أنها محاولة للقضاء على أي نفوذ ربما ما زالا يتمتّعان به بعد إبعادهما عن مناصبهما العام الماضي.

وهذه القرارات هي الخطوة الرئيسية الثانية في إصلاحات هادي للجيش في إطار خطة مدعومة دوليا لإعادة الاستقرار إلى اليمن وينظر إليها على نطاق واسع على أنها جزء من جهود لتخفيف قبْضة عائلة صالح على القوات المسلحة.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 10 أبريل 2013)

عدم ثقة الجنوبيين

كانت كلمة الوزير مُعبِّرة عن عدم ثقة قطاع عريض من الجنوبيين في نجاح الحوار الوطني بسبب بقاء تلك القيادات على رأس قوات الجيش، وما راج خلال الجلسات الأولى للمؤتمر من دعوات تُطالب تأجيل توحيد الجيش وإعادة هيكلته إلى ما بعد الحوار الوطني، ولذلك، يرى أولئك المراقبون أن يكون للقرارات مفعول قوي على تعزيز ثِقة الجنوبيِّين بالحِوار والاطمِئنان لمخرجاته بعد إزاحة هيْمنة محسن وأحمد علي على الجيش وعلى مصادر التأثير على بلْورة مشروع للدولة وإقراره بحرية والتوافق عليه، دونما إكراه.

لكن ذلك الاطمئنان، لِمَا يُمكن أن تُحدثه تلك الخطوة من نتائج على استكمال مسار التسوية، لا يبدو مُقنِعاً لآخرين، بسبب الرِّهانات المعقودة دائماً على المؤسسة العسكرية من طرف اللاّعبين السياسيين في البلاد وحضور وتدخُّل العوامِل الاجتماعية في صياغة وتشكيل مؤسسة الجيش.

توزيع مصادر القوى العسكرية ومزاياها

فنظراً للدور الذي ما تزال المؤسسة العسكرية تلعبه في الحياة السياسة والاقتصادية، فإنه لا يمكن أن يكون بمنأىً عن  تأثير التركيبة الاجتماعية التقليدية العشائرية والقبلية والجهوية، التي تغلب على المجتمع اليمني، وأنه حتى بعد إبعاد صالح ومواليه وعلي محسن وحلفائه من الجيش، فإن الدولة المنشودة من قِبل القوى الداعية للتغيير، ستظل مُتأثِّـرة بتداخُل العسكري بالعشائري والقبلي والسياسي.

 ثمّ إن الخلافات والمخاوف بشأن الهيْمنة على قوات الجيش، لا تتعلق أصْلاً بموقف حاسِم يُطالب بإبعاد الجيش نهائياً عن السياسة، بقدر ما هو موقِف يميل إلى توزيع مصادِر القوى العسكرية ومزاياها بين الأطراف السياسية ومراكز النفوذ الاجتماعي، بكيفيةٍ تُراعي قدْراً من التوازُن العشائري والقبلي والجهوي، وبما يمنع هذه المؤسسة من أن تُحتَكر من طرف، كما يبدو من خلال إعادة توزيعها على قوى النفوذ التاريخي بمقتضى قرارات التوحيد الأخيرة.

الصحفي والمحلل السياسي محمد الغباري في تعليقه على ذلك قال لـ swissinfo.ch: “القرارات على المدى القريب، تنهي حالة الانقسام في الجيش، لكنها على المدى البعيد، لا تحقِّق هذه الغاية، لأن من عُـيِّنوا كقيادات جديدة في الجيش، يتوزّعون في ولاءاتهم بين ثلاثة أطراف، هُـم الرئيس هادي واللواء علي محسن وأحمد علي عبدالله صالح، علاوة على ذلك، تركيبة الجيش قائمة على الانتماء الجِهوي والعشائري، والمُضي في إعادة هيكلة قوات الجيش على أسُس وطنية وتغيير طبيعة تركيبته، سيؤدّي كما يرى الغباري إلى: “إنهاء هذا النفوذ، وهذا قد يواجَه باعتراض من قِبل تلك الأطراف”. 

إبعاد الجيش عن السياسة

الخلاصة، أنه نتيجة لِما يُمكن أن تلعبه التركيبة الاجتماعية التقليدية في اليمن من دوْر في الصِّراع على مصادِر القوة والنفوذ، التي يُعدّ الجيش أهمها، فإن هذا الأخير لا يمكن أن يتحوّل إلى جيش مأمون الجانب في الصِّراعات السياسية، إلا بقدر ما يتِم توزيع مصادِر قوّته بين مُختلف المكوِّنات، الاجتماعية والقبلية والعشائرية.

 أما أن يتحوّل إلى جيش مُحايد في الصراع السياسي، على غرار ما هو عليه في عديد من البلدان، فمن السابق لأوانه أن يكون كذلك في حال اليمن، على الرغم من الدعوات الصادِقة للكثير من شباب الثورة المُطالبة بإبعاد الجيش عن السياسة وبناء الدولة المدنية، لأن الضرورات السياسة فقط هي التي تحدّد دوْر الجيش في الحياة السياسية، كما هو حاصل في قرارات الرئيس اليمني الأخيرة.

ما لم تكن هناك بداية جديدة، ربما يسعى إلى إطلاقها الرئيس هادي، كما يتمنّاها كثير من المتطلِّعين للدولة المدنية الحديثة، التي لا يمكن أن تكون ولا تتحقّق، إلا بإبعاد العسكر عن السياسة.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية