مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

دستور مصر المُرتقب.. بين الرفض والقبول

على غرار تونس، تشهد الساحة المصرية تحركات بعض أطياف المجتمع المدني للتعبير عن الرفض أو التوجس من بعض توجهات الجمعية التأسيسية المنكبة على إعداد دستور جديد للبلاد Keystone

في اليوم الذي أعلنت فيه قيادات أحزاب مدنية وليبرالية عزمها رفض الدستور الجاري وضعه من قِـبل جمعية تأسيسية يشوبها العوار القانوني ولا تعبِّر عن جموع المصريين، قرّرت أربع شخصيات محسوبة على التيار الليبرالي، العودة إلى أعمال الجمعية التأسيسية، بعد أن كانوا انسحبوا منها بعد 6 ساعات فقط من تشكيلها..

وبرّرت الشخصيات المعنية أمر العودة الطوعية، بأنه يأتي استجابة للإرادة الشعبية في التواجد للعمل من داخل الجمعية، عقلا وعينا وساعدا، للمجتمع المصري الذي ينتابُه القلق حول النصوص المُقترحة، والتوجّس من ضبابية عملية صناعة دستوره.

كان المعارضون لعمل الجمعية التأسيسية، قد أقروا أسبابا عديدة لدعوة كل القِوى السياسية، الوقوف ضد الدستور المُنتظر والعمل في الشارع والإعلام والقنوات والأطُـر القانونية، لإسقاط الجمعية ومقاطعة أعمالها، ودعوة الرئيس محمد مرسي للوفاء بوعوده، بإعادة تشكيل الجمعية لكي تكون أكثر توازُنا وتعبيرا عن المجتمع وفِئاته العديدة.

أسباب المعارضين

ومن بين هذه الأسباب “غياب مفاهيم أساسية تهُمّ المواطن المصري، تضمن الحريات الأساسية وحقوقه الاقتصادية والاجتماعية في العمل الشريف والعلاج وتكافؤ الفرص، ومخالفة ما تسرَّب من نصوص، صدرت عن الجمعية، ما استقرت عليه الأعراف الجامعة في التاريخ المصري، وصيانة حق الوطن وكفالة الحقوق والحريات الشخصية والعامة، إضافة لتعارُضها مع المعايير والمواثيق الدولية”، حسب البيان الصادر عن اجتماع بعض الرموز المدنية، ومنهم حمدين صباحي ود. محمد البرادعي وسامح عاشور ورؤساء وممثلي أحزاب عدّة وشخصيات عامة.  

وقبل ثلاثة أيام من هذا البيان، كانت الناشطة الحقوقية منال الطيبي قد أعلنت استِقالتها من الجمعية التأسيسية، وممّا جاء في خطاب الإستقالة أن “الدستور يُعدّ ليكون على مستوى فِئة محدّدة تُرسِّخ مفهوم الدولة الدِّينية، لتستحوذ بذلك على السلطة، ليتمخّض الأمر في نهاية المطاف، عن دستور يُحافِظ على ذات الرَّكائِز الأساسية للنظام، الذي قامت الثورة من أجل إسقاطه، مع تغيير الأشخاص فقط”، ومشيرة إلى أن مصر مُقبلة “على وضع دستور أسْوَأ من كل الدساتير السابقة”.

ويعكس الأمران، الرفض القاطع للدستور المُنتظر وآلية صناعته وعودة رموزٍ ليبرالية، منهم أستاذ قانون دستوري وآخر مساعدا لرئيس الجمهورية، وثالث عضو بارز في الجمعية الوطنية، ضبابية الموقِف من أعمال الجمعية التأسيسية، ووجود مِساحات كبيرة من القلق الشعبي، وكذلك عدم توافُق القِوى السياسية، خاصة المدنية، على ما يجب عمله لمَنْع صدور وثيقة دستورية، تعكِس هيْمنة التيار الإسلامي الإخواني السلفي، بينما ينتظِر المصريون دستورا يَليق بالثورة وشِعاراتها وقيَمِها، والتضحيات التي بُـذلت من أجلها، يُؤكِّد مدنِية الدولة والحرية والإنصاف للمصريين جميعا.

ويُـذكَر هنا، أن بعض الرموز المدنية في الجمعية، كعمرو موسى، المرشح الرئاسي السابق وأيمن نور وغيرهما، يعتقِـدن أن الإنسحاب الآن من التأسيسية، يضُر أكثر مما ينفَع، وأن الأفضل هو الإستِمرار في الحوار مع الأعضاء الآخرين، وصولا إلى توافُق عام يؤدّي إلى دستور مقبول وغير مُحبِط للمصريين.

عيوب جوهرية

إشكاليات الضبابية والقلق الشعبي على هذا النحو، هما امتداد طبيعي لكمٍّ هائل من الإنتقادات التي وُجِّهت للجمعية التأسيسية، حين تشكلت للمرة الثانية قبل أربعة أشهر، في ظل البرلمان المُنحل بحُكم المحكمة الدستورية العليا، وكان يُفترض أن يراعي متطلبات التشكيل الثاني، أن يكون مُعبِّرا عن تنوّع الخريطة السياسية والإجتماعية في الواقع المصري، ولكنه جاء بنفس الثَّغرات والعيوب، التي شابت التشكيل الأول. وأبرزها، استِـناد التشكيل إلى نوْع من المُحاصصة، بين القِوى الإسلامية، ولها ما يقرُب من 62 عُضوا، والقِوى المدنية، ولها 38 عضوا، انسَحب مِنهم تسعة أعضاء في حينه ولم يَحُلّ محلهم آخرون. 

بهذا الأسلوب، تُعدّ الجمعية التأسيسية الثانية، بعيدة عن أحد أهَـم أصول عملية صُنع الدساتير، وهي التوافُق الوطني والتمثيل الجيِّد لمُكِّونات المجتمع، والإستِعانة بالخبراء القانونيين، ممَّن تعُجّ بهم مصر، في مجال القانون الدستوري تحديدا. وزاد الأمور سوءا، افتقاد الجمعية آليات التّواصل الفعّال والمُستمر مع المجتمع المدني والسياسي، بطريقة تُسهِم في تعديل وضبْط ما يقوم به أعضاء الجمعية، أولا بأول، وصولا إلى صِيَغ توافُقية على الصعيد الوطني ككل، ومن ثَـمَّ، كان ما يتسرّب إلى الإعلام وتصريحات مُتضاربة ومتناقضة لبعض الأعضاء عمّا يجري داخل اللِّجان المختلفة، هو الوسيلة الوحيدة تقريبا لمعرِفة ما الذي يجري داخلها.

صحيح، هناك موقِع للجمعية على شبكة الإنترنت، ينشُـر بعض صياغات لمواد وأبواب واقتراحات بالتعديل والحذْف والإضافة، ولكنها لا تشكِّل أساسا متكامِلا للحُكم على أعمال الجمعية، ومن هنا، جاء المزيد من التّضارب والضَّبابية والقلق لدى جموع المواطنين، مما يُحاك لهم من دستور لا يعرفون عنه الكثير ولم يشاركوا فيه أصلا.

هيمنة الإسلام السياسي

ثمَّة رأي عام غالب، يرى في الجمعية التأسيسية وما قد ينتج عنها، سيكون تعبيرا عن هيمنة أحزاب الإسلام السياسي، وساعد على ذلك، تركُّز الحوارات على ما يسعى إليه ممثِّلو أحزاب الحرية والعدالة والوسط والنور السلفي، من وضع مواد وصياغات تؤكِّد بشكلٍ أو بآخر، دينية الدولة وليس مدنيَّتها، من قبيل طرح صياغات تربِط أداء الدولة ككل بأحْكام التشريع، وليس مبادئِها الأكثر شمولا وعمومية، وِفقا لِما استقرت عليه التقاليد القانونية والدستورية، واستحداث هيئة لجمع الزكاة من المُكلَّفين بها (وهو ما يُثير القلق حول: كيف سيتم التعامل مع الأقباط غير المُكلفين بالزكاة كما في الإسلام، وهل يُعدّ ذلك مدخلا غيْر مباشرٍ لفرْض الجِزية مثلا؟) وتجاهُل حقوق المرأة، والإنتقاص منها وربطها بتفسيرات مُعيّنة، ومحاولة جعل الأزهر، وهو المؤسسة التعليمية السُنِّية الوسطية لتكون مرجعا في تفسير الشريعة، وبما يعني قذف الأزهر إلى أتُـون السياسة، وتحويله إلى مؤسسة فوْق كل المؤسسات، في وضع يُـشبه النظام الإيراني، ومواد تتعلّق بالحريات، لاسيما الإعلامية والصحفية، لم تخلُ من قيود، بل تضمّن بعضها اقتراحات بتوقيع عقوبات جماعية على الصحيفة بإغلاقها، إن أخطأ أحد مُحرِّريها. وفيما قيل أن هذه العقوبة الجماعية أُلغِـيَت، ظلت هناك مواد أخرى ما زالت تنذر بحبْس الصحفيين.

وهناك أيضا مواد غامِضة تتعلّق بالسلطة القضائية وخفْض مكانة المحكمة الدستورية، وجعلها ذات اختِصاص استشاري وحسب، وفرض مادة ترفض المسّ بالذات الإلهية، وأخرى لتنشيط الوقْف، وغموض الإقتراحات بشأن مجلس الشورى، وهل يبقى أم يُلغى؟ وإن بقِي، فما هي اختِصاصاته؟

تشدُّد السلفيين

وحسَبَ عددٍ من أعضاء التأسيسية، فإن المشكلة ليست في طرح اقتراحات بمواد لا تلقى توافُقا عاما بين باقي أعضاء الجمعية ويُمكن التحاور حولها، وصولا إلى صيغة توافُقية مقبُولة من الجميع، بل في محاولات ممثلي السلفيين الإلتِفاف على ما يتِم الإتفاق عليه، من خلال إعادة الصياغة في مواد أخرى، تلغي ما اتفق عليه في أبواب سابقة، ومساعي البعض الإلتِفاف على مبدإ التوافق العام، على ما تتِم صياغته، وفَـرض صِبغة دينية ظاهِرة على النظام العام للدولة، واللّجوء إلى الإعلام، لطرح رأي عام مُسانِد لوِجهة نظرٍ مُعيَّنة وإدانة المُخالفين لها، ممّا يُسبِّب التوتُّر في المجتمع ويضع التأسيسية في موضع الشُّبُهات.

والأخطر من كل ذلك، يتمثَّل في أن بعض القوى السياسية – حسب أعضاء في الجمعية – ترى في عملية وضع الدستور، جزءا من التحالفات الإنتخابية، وعينُها على حشد الناخبين، من خلال الإصرار على صبغ الوثيقة الدستورية بصبغة دينية، اعتقادا منها أن ذلك كفيل بتحقيق انتصار ساحِق على القِوى المدنية والليبرالية في الإنتخابات، المقرَّر عقدها بعد الإنتهاء من الدستور، في غضون ثلاثة إلى ستة أشهر.

وفي مقابل الاعتراضات العديدة، هناك أعضاء بارزون جلّهم من ممثلي تيار الإسلام السياسي في الجمعية التأسيسية، يُـقدِّرون ما يقومون به من جُهد، ويرونه مِثاليا. ونقطة انطِلاقهم، أن الدستور الذي سيخرج من التأسيسية، سيكون الأفضل في تاريخ مصر وسيجد التأييد الجارف عند الإستفتاء عليه، لأنه سيُعبِّر عن هوية المصريين الأصيلة، والتي غابت ـ وِفقا لهم ـ عن دساتيرها السابقة، غيْر أن عمل الجمعية – حسب العديد من المؤشرات المتاحة – لا يقدِّم الأسانيد الكافية، لهكذا طموح.

الأسبوع الأول من أكتوبر 2012: الانتهاء من إعداد الدستور الجديد.
 
الأسبوع الثاني من أكتوبر 2012: فتح حوار مجتمعي حول مواد الدستور.
 
الأسبوع الثالث من أكتوبر 2012: إجراء الإستفتاء الشعبي على الدستور.
 
نهاية ديسمبر 2012: الإعلان عن فتح باب الترشح لانتخابات مجلس الشعب.
 
موفى فبراير 2013: الإعلان عن فتح باب الترشح لانتخابات مجلس الشورى في حال الإبقاء عليه في الدستور الجديد. 

أعلنت أربعة أحزاب ناصرية يوم الجمعة 28 سبتمبر  2012 اندماجها في حزب واحد لمواجهة صعود التيار الاسلامي السياسي، تمهيدا للإنتخابات التشريعية القادمة.

فقد اعلنت أحزاب العربي الديمقراطي الناصري والوفاق القومي والمؤتمر الشعبي والكرامة، الاندماج في حزب ناصري واحد في بيان قرأه عبد الحكيم، نجل الزعيم الراحل جمال عبد الناصر على ضريح والده في الذكرى الـ 42 لوفاة الرئيس الاسبق.

ويريد الحزب الجديد، الذي لم يختر رئيسه بعد، مواصلة العمل على تحقيق اهداف ثورة 25 يناير التي اطاحت بالرئيس حسني مبارك في فبراير 2011 وعلى تحقيق “الحرية، العدالة الاجتماعية، الكرامة الانسانية”.

وبعد تكاثر الاحزاب السياسية عام 2011 بدات العديد من هذه الاحزاب والحركات الدخول في ائتلافات تمهيدا للانتخابات التشريعية المقبلة المقررة بعد الانتهاء من وضع الدستور الجديد واقراره في استفتاء شعبي.

وفي مطلع سبتمبر الماضي، اعلنت عشرة احزاب وحركات يسارية، تشكيل التحالف الثوري الديمقراطي، من اجل التصدي لمحاولات “تحويل مصر الى دولة دينية”.

من جانبه، أعلن عمرو موسى، الامين العام السابق للجامعة العربية، الذي لم يفز في الانتخابات الرئاسية، تكوين كتلة حزبية جديدة باسم “حزب المؤتمر المصري” برئاسته تضم 25 حزبا ليبراليا ويساريا. ومن ابرز هذه الاحزاب، المصريون الأحرار وحزب الجبهة الديمقراطية وحزب غد الثورة.

ومنذ سقوط نظام مبارك، تواجه الاحزاب العلمانية صعوبة في مواجهة التيار الاسلامي من اخوان مسلمين او سلفيين الذين حققوا فوزا ساحقا في الانتخابات التشريعية الاخيرة واوصلوا واحدا منهم هو محمد مرسي القيادي في جماعة الاخوان الى كرسي الرئاسة.

(المصدر وكالة الصحافة الفرنسية أ ف ب بتاريخ 28 سبتمبر 2012)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية