مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

قمة بغداد.. رمـزيّـات كثيرة وإنجازات مـحـدودة

29 مارس 2012: صورة تذكارية للمشاركين في القمة العربية السنوية التي التأمت في بغداد و لم يحضرها سوى 10 من زعماء الدول الأعضاء (عددها 22) في جامعة الدول العربية swissinfo.ch

"كانت قمة رائعة، أعادت العراق إلى العرب وأكدت عودة العرب إلى العراق" ، هكذا جاءت كلمات رئيس الوزراء العراقى أنور المالكى لتقييم القمة، ومبررا بروعتها كل الإزعاجات الأمنية التى تحمّلها سكان بغداد لمدة أسبوعين سابقين على عقدها.

كلمات المالكى تعكس نوعا من التوازن، بين الذاتي العراقى والجماعي العربى، فالنتائج الإيجابية لم تكن عراقية وحسب، أو عربية وحسب بل جاءت للطرفين، وبذلك رد المالكى على المنتقدين من داخل العراق ومن خارجه أيضا الذين صوّروا عقد القمة العربية والكلفة المالية الضخمة التى خصصت لتأمين الوفود العربية المشاركة فيها والتى بلغت 1.2 بليون دولار، باعتبارها قمة لتكريس نفوذ المالكى فى مواجهة خصومه السياسيين فى الداخل ومنتقديه من العرب الذين يأخذون عليه نزعته الطائفية، وإفساحه مجالا واسعا للنفوذ الإيرانى، وتعاليه على حقوق السنة والاكراد. وتلك رمزية أولى.

وعلى المنوال ذاته، جاء إعلان هوشيار زيبارى وزير الخارجية عن ارتياحه لنتائج القمة رغم تدنى مستوى التمثيل العربى (تسعة قادة فقط من بين 21 رئيسا وملكا)، إذ عالجت – مع الأخذ فى الإعتبار الظروف العربية الراهنة – قضايا لم تكن مطروحة على القمم والإجتماعات العربية كالتغيير الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة، وحقوق الإنسان والمرأة وتمكين المواطن والحفاظ على كرامته.

أما عن النتائج فشملت قرارات وفق صيغة الحد الأدنى التوافقية المعتادة عربيا فما يخص فلسطين والأزمة السورية والصومال والسودان والقضايا الإقتصادية والإجتماعية المعلقة.

نهاية الغياب القسرى

وفق هذين السياقين تأتى عودة العراق بوزنه الإقليمى والسكانى وموقعه الجيوسياسى إلى المنظومة العربية، وهذا هو جديد ومهم بعد اثنين وعشرين عاما من الغياب القسرى، والعزلة والإحتلال الأمريكى، فلعل ذلك يؤدى ولو تدريجيا إلى ضبط التأثيرات الإيرانية على الحكم العراقى، ويوفر سندا معنويا للعراقيين من دعاة العروبة حضاريا وسلوكيا، باعتبارها المظلة الحامية للدول العربية بشعوبها وأقلياتها ومؤسساتها وليس فقط حكامها وحكوماتها. وتلك رمزية ثانية لا تقل أهمية عن سابقتها، تدعمها حقيقة أن رئيس العراق ورئيس القمة العربية لمدة عام مقبل هو الرئيس جلال طالباني، الكردي العراقى السني المذهب.

غير أن عودة العراق إلى الحضن العربى لم تكن بلا تمهيد، فقبل القمة بوقت قصير عدّلت بغداد موقفها السياسى والإعلامى من تطورات البحرين، ولم تعد تعيد إنتاج الموقف الإيرانى بحذافيره، بل خلقت مسافة معه، واقتربت أكثر من المواقف الخليجية، فكانت مشاركة عاهل البحرين فى القمة. كما اخذت بغداد مواقف انفتاحية كبيرة تجاه الكويت فكات مشاركة أميرها وزيارته للمرة الاولى ارض العراق بعد عقدين كاملين من الزمن.

ومع ذلك تظل هناك تحفظات عربية خليجية من قبل السعودية قطر وغير خليجية خاصة من مصر حول حدود التقارب بين حكومة المالكى وطهران، وهو ما يفسر نسبيا انخفاض مستوى المشاركة لهذه البلدان فى القمة، وبما لا يقطع شعرة معاوية مع الحكومة العراقية، ولكنه يعطى إشارة بضرورة الأخذ فى الإعتبار مصالح ومطالب المُكوّنات العراقية الأخرى فى المصالحة الشاملة من ناحية، وكذلك التحفظات والمصالح العربية فى إقليم الخليج من ناحية ثانية.

 

وهنا تكمن الرمزية البالغة الدلالة فى مبدإ “المراعاة المتبادلة” بين النظم العربية وبعضها، فالكل لديه مصالح بشكل أو بآخر مع الأطراف الأخرى، وعادة ما تكون مناسبة انعقاد القمة فى احد البلدان فرصة لتسوية بعض الملفات ذات الطابع الإشكالى. وقد بدا هذا فى قيام العراق بتحويل ما يقارب 500 مليون دولار إلى مصر وهى جزء من حقوق العمالة المصرية التى اضطرت إلى الخروج من العراق إبّان الحصار الذي فرض عليه قبل عقدين من الزمان.  

الدفع الذاتى للعمل العربى

إذا ما أخذنا فى الإعتبار حالة النظام العربى المتقلبة بين الإستقرار النسبى والسيولة السياسية، تبدو قمة بغداد، التى سبقتها تفجيرات فى أكثر من مدينة عراقية نفذها – حسبما يبدو – تنظيم القاعدة فى بلاد الرافدين، وكأنها قد حققت بالفعل هدفها الرئيس وهو الحفاظ على قوة دفع مناسبة لآليات العمل العربى المشترك ممثلة فى آلية القمة الدورية كل عام فى بلد عربى مختلف، ولا يهمّ هنا طبيعة القرارات المعلنة حتى وإن جاءت فى أفضل صيغة ممكنة. وتلك رمزية رابعة، وإن كان يتبعها استطراد لازم.

فالتنفيذ والإلتزام العربى مشهود له تاريخيا بالتراجع والمحدودية، وهو أمر سيظل قائما وفقا للمعادلات الجارية عربيا إلى أن تتغير طبيعة النظم العربية نفسها، ومن ثم تتغير طريقة صنع القرارات المتعلقة بالعمل العربى المشترك ومسؤوليات تنفيذها، ونصبح بالتالى أمام نظام إقليمى جديد يختلف عن سابقه الذى لم يسقط كله بعد، ولم يأت الجديد كله بعد.

وهنا بيت القصيد، فقمة بغداد عُقدت فى منتصف أو بالأحرى فى بداية تغيير بعض قواعد العمل العربى المشترك. فنتيجة لثورات وانتفاضات الشعوب العربية فى بلدان كتونس ومصر واليمن وسوريا وليبيا، لم يعد أمام الجامعة سوى التفاعل الضرورى مع ضغوط الرأي العام العربي بشكل أو بآخر. برز ذلك فى الحالة الليبية حين قرّرت الجامعة العربية إفساح المجال أمام تدخل عسكرى دولى لإسقاط نظام القذافى، ويُشاهد الآن فى الجهد الذي تبذله الجامعة لاحتواء الموقف المتفجر فى سوريا.

فى انتظار نظام عربى جديد

إجمالا، تظل المشكلة الرئيسية كامنة فى الموارد السيادية والقانونية والمالية الضعيفة لمؤسسة النظام العربى بشكله الراهن، ومن ثم يحدث التعثر فى تطبيق القرارات العربية حتى فى حدها الأدنى، وهو ما تعكسه المعالجة العربية الجماعية للأزمة السورية، والتى تحولت إلى معالجة مشتركة عربية – دولية لم يعد ممكنا الهروب منها. وما أقرته قمة بغداد فى الشأن السورى عكس بوضوح تام هذا المعنى، خاصة التأكيد على الدعم القوي لمهمة المبعوث الأممي – العربي المشترك الخاص بسورية كوفي أنان، لإطلاق حوار سياسي بين الحكومة وجماعات المعارضة السورية، استناداً إلى ما نصّت عليه المرجعيات الخاصة بولاية هذه المهمة أمميا وعربيا.

فى السياق ذاته، فإن تغير بعض الانظمة العربية وبروز قيادات جديدة كالرئيس التونسى المنصف المرزوقى الذى قدم اعتذارا علنيا عن مشاركة تونسيين فى عمليات عنف ضد العراقيين، ومصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الوطني الانتقالي فى ليبيا، وذلك بدلا من لقيادات عربية غابت عن الساحة إما موتا أو هروبا أو محاكمة، وكانت تؤثر بشكل كبير على منظومة العمل العربى الجماعى، يعكس معنى التغير الجزئى فى الحالة العربية والذى ما زال مفتوحا على خيارات غير واضحة بعد. فما زالت هناك رموز غائبة لاسيما من مصر واليمن وسوريا، وهى بلدان تؤثر أوضاعها الجارية بشكل مباشر على الحالة العربية العامة.

خلاصة القول، إن قمة بغداد حققت أهدافها الرمزية الكبرى التي سعى إليها العراق، وسعى إليها كثير من العرب، ولكنها تظل فى منتصف الطريق بخصوص تطبيق ما أصدرته من قرارات، لا تخرج كثيرا عما هو مُعتاد فى قمم سابقة، بانتظار استكمال مقومات نظام عربى جديد لا زال بحاجة إلى بعض الوقت حتى يفرض نفسه على الجميع.

شنت صحف سعودية وقطرية يوم الثلاثاء 3 أبريل 2012 هجوما عنيفا على رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي اثر تصريحات انتقد فيها دعوة المملكة وقطر الى تسليح المعارضة السورية وتاكيده أن نظام الرئيس السوري بشار الاسد “لن يسقط”.

وكتبت صحيفة “الشرق الاوسط” السعودية التي مقرها لندن “لا بد ان يبدأ الخليجيون بمقاطعة المالكي وحكومته” لافتة الى ان “رئاسة العراق للجامعة العربية الآن ليست ذات قيمة بالشان السوري، لذلك لابد من معاقبة كل من يقف مع طاغية دمشق واولهم حكومة المالكي”. وأضافت “قاطعوه لكي لا تسمحوا بظهور صدام جديد أو بشار آخر”. واعتبرت انقلاب مواقف المالكي على السعودية وقطر “خداع واضح ودليل على وجوب عدم الثقة في حكومة المالكي”.

وكان المالكي أعلن يوم 1 أبريل أن “لغة استخدام القوة لإسقاط النظام (السوري) سوف لن تسقطه، قلناها سابقا وقالوا شهرين فقلنا سنتين، ومرت سنة الآن والنظام لم يسقط ولن يسقط ولماذا يسقط”. واضاف “نرفض اي تسليح وعملية اسقاط النظام بالقوة، لانها ستخلف ازمة تراكمية في المنطقة”.

من جهتها، عنونت صحيفة “الرياض” افتتاحيتها ب “المالكي صوت لايران.. ام حاكم للعراق؟”. وكتبت الصحيفة “توقعنا بعد القمة العربية ان يكون واقعيا في ادارة علاقاته مع محيطه الخليجي ويخرج من حبوس ايران وهيمنتها على القرارات الحكومية في بغداد (…) والابتعاد عن خلق الازمات”. وتابعت الصحيفة ان “الشعب السوري ثار على مظالم تشابه ما كان يعانيه العراق مع صدام، لكن المبرر اكبر من حكاية الاسد الى المخاوف من وصول السنة الى الحكم لتعزز دور سنة العراق ولبنان”. واضافت ان “المالكي انتقد بشكل غير مباشر دعوة المملكة وقطر تسليح المعارضة السورية، بينما بلده قنطرة لتمرير السلاح لحكومة الاسد وتدعمها ماليا، وبالنفط”. واشارت “الرياض” الى ان المالكي “كان شخصيا يضج بالشكوى من دور حكومة الاسد في تدريب وتسليح اعضاء القاعدة وادخالهم عبر الحدود بين البلدين والآن يتباكى على اسقاط النظام السوري بانه سيحدث زلزالا في المنطقة كلها”.

بدورها، رأت صحيفة “الوطن” السعودية انه “لم يكد الحبر الذي كتبت به مقررات القمة العربية في بغداد يجف، حتى خرج المالكي (…) مدافعا عن النظام البعثي في سورية في +شيزوفرينيا+ سياسية لا يمكن ان توجد الا عند المالكي وامثاله”. وطالبت المالكي بان “ينشغل بهموم العراق الحالية وان ينجز ملف الوزارات السيادية الشاغرة، وان يجد حلا لمشكلة وقف اقليم كردستان تصدير النفط لبغداد، فذلك انجع للعراق والعرب”. واشارت الى ان “خطاب نوري قبل القمة (…) يحسب الف حساب لكل كلمة يتفوه بها، فاطلق بعد هذا التاريخ العنان للسانه لمهاجمة السعودية وقطر”. واعتبرت ان “ما قاله المالكي يثير الضحك والسخرية في آن، ان نظام الاسد لن يسقط، وهو ما راهن عليه منذ بدء الازمة السورية، ليس حبا في نظام دمشق الحالي ولكن انحيازا لموقف الحليف الايراني المشترك”. واضافت الوطن ردا على قول المالكي متسائلة “لماذا سقط صدام ولا يسقط بشار؟”.

من جهتها، خصصت صحيفة الشرق القطرية افتتاحيتها ليوم الثلاثاء 3 أبريل لانتقاد سياسة رئيس الوزراء العراقي. وقالت الصحيفة القريبة من السلطة في مقال افتتاحي تحت عنوان “بداية غير موفقة لرئاسة القمة” إن “المتابع للحملة التي يشنها نوري المالكي رئيس وزراء العراق ضد نائب الرئيس السيد طارق الهاشمي والدول التي تتعاطف معه يلحظ بوضوح النهج الذي يتبعه القيادي في حزب الدعوة الشيعي وسياسته، ليس فقط ضد الوجود السني في مؤسسات الدولة العراقية بل وضد كل من يبدي رايا لا ينسجم مع النهج الذي يدير به المالكي العراق من المنطقة الخضراء”. واضاف “بسبب جهله بالعلاقات الدبلوماسية راح (المالكي) يطلب من الدول التي يزورها نائب الرئيس الا تستقبله وان تقوم بتسليمه للمنطقة الخضراء في بغداد”.

ووصفت صحيفة الشرق القطرية تصرف المالكي بانه “لا يعكس فقط الجهل بالأعراف الدبلوماسية بل والجهل بالقيم العربية والعراقية الاصيلة التي غابت عنه بسبب بقائه خارج العراق فترة طويلة من عمره”. وأضافت أن “الحملة التي يشنها نوري المالكي رئيس وزراء المنطقة البغدادية الخضراء ضد السيد طارق الهاشمي والمكون السني في العراق تخفي نزعة طائفية من المؤكد ان الشعب العراقي يرفضها بكل طوائفه”.

(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ ف ب بتاريخ 3 أبريل 2012)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية