مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

قمة بيروت: فوضى وجهود حثيثة للانقاذ

الصيغة التي سيتم بها أعتماد مبادرة الأمير عبد الله عربيا لا زالت محور اهتمام المتابعين لقمة بيروت Keystone

بذل المسؤولون السعوديون طيلة بعد الظهر وحتى وقت متاخر من مساء الاربعاء جهودا مضنية لأنقاذ مؤتمر القمة العربي الذي ترّنح بشكل خطر طيلة الساعات الماضية على شفير الانهيار..

وفيما كان رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري(المقّرب جدا من السعودية) يؤكد بأن الوفد الفلسطيني الذي أنسحب ظهرا من القمة أحتجاجا على عدم بث الخطاب التلفزيوني للرئيس ياسر عرفات، سيشارك مجددا في اعمال القمة صباح اليوم وان خطاب عرفات سيبث، كان الوفد السعودي يتصل بكل الوفود العربية تقريبا لاقناعهم بان مبادرة ولي العهد الامير عبد الله لا تزال حية وتركل أيضا.

وكان عبد الله اعلن مبادرته خلال خطاب الى القمة تضمن للمرة الاولى مناشدة سعودية مباشرة الى “الشعب الاسرائيلي” و “المجتمع الاسرائيلي”. وكما كان متوقعا، عرض ولي العهد السعودي مبادلة العلاقات الطبيعية والامن لاسرائيل بالانسحاب الشامل واقامة دولة فلسطينية وعودة اللاجئين.

بيد ان هذا العرض جاء عموميا للغاية، ولم يتضمن أيا من “التفاصيل” التي أصّر عليها الرئيس السوري بشار الاسد أمام القمة، والتي تضمنت تعهدات اسرائيلية علنية بالانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة، وقيام الراعي الاميركي بـ “دور القاضي” المعاقب لمن لا يطبق قواعد السلام، والتمييز بين الارهاب وبين حق المقاومة، ومواصلة المقاطعة لاسرائيل وقطع العلاقات معها.

وكان رئيس القمة الرئيس اللبناني أميل لحود افتتح القمة بخطاب لا يقل قوة عن الخطاب السوري، حين طالب العرب بدعم الانتفاضة الفلسطينية ولم يشر البتة الى المبادرة السعودية.

الفوضى

هذه المواقف، اضافة الى النكسات المتلاحقة التي لحقت بالقمة بعد التغيب المفاجيء لكل من الرئيس المصري حسني مبارك والملك الاردني عبد الله والغياب المتوقع لعرفات، دفعت وزيرا لبنانيا بارزا الى القول في مجلس خاص ل ” سويس أنفو” ان مؤتمر القمة ” دخل في مرحلة فوضى حقيقية ” .

وأضاف ان السعوديين “باتوا يخشون ان تأكل هذه الفوضى من رصيد مبادرة الامير عبد الله. ولذا فانهم يبذلون الان جهودا على مدار الساعة لانقاذ ما يمكن إنقاذه”. وتابع انهم، أي السعوديين، تلقوا حقنة تنشيط في الذراع من الولايات المتحدة، حين أعلن الرئيس الاميركي بوش دعمه لمبادرة عبد الله (برغم انها كانت عامة وأقتصرت على بضع كلمات). كما ان بوش دعا القادة العرب الاخرين الى “البناء عليها” لتقديم مبادرة متكاملة.

لكن هل تنجح الجهود السعودية لانقاذ ما اطلق عليه البعض أسم “قمة الفرصة الاخيرة” في بيروت؟.

يجب ان ننتظر ما سيتمخض عنه اليوم الاخير من القمة، خاصة بعد ان تعّذر على الاعلاميين معرفة ما يجري وراء الكواليس في لجنة الصياغة المكوّنة من لبنان وسوريا والاردن وفلسطين ومصر والسعودية، والتي اضيف اليها المغرب في وقت لاحق بطلب من الوفد المصري. وقد استبعد وزير الثقافة اللبناني غسان سلامة، المشرف على ترتيبات القمة، صراحة احتمال “توصل المؤتمر الى نتائج تحقق تطلعات الشعوب العربية”، لكنه قال في الوقت نفسه ان نتائج القمة “قد تفاجيء المتشائمين”.

قواعد ومعايير ستتغير!

لكن، وبغض النظر عما يمكن أن يلده جبل المؤتمر، الا ان مبادرة عبد الله أصيبت بالفعل بجروح بالغة، اولا لان القمة اصبحت ” نصف قمة ” مع تغيّب العناصر الرئيسة المعنية بالصراع العربي – الاسرائيلي عنها، وهي مصر والاردن وفلسطين. وثانيا، لان الطرفين الرئيسيين الباقيين وهما سوريا ولبنان، اطلقا نيرانا كثيفة على رجليها. وثالثا لان التصعيد القمعي الاسرائيلي المتوقع في فلسطين بعد العملية الانتحارية في نتانيا مساء الإربعاء، والتي اوقعت تسعة عشر قتيلا ونحو مائة جريح، ستجعل من أي تبشير بالسلام في هذه المرحلة أشبه ببيع الكحول في سوق إسلامي.

على أي حال، فوضى قمة بيروت أعادت الكرة بالكامل الى الملعب السعودي. وسنعرف خلال الساعات القليلة المقبلة ليس فقط مصير مبادرة الأمير عبد الله ، بل ايضا مصير المحور السعودي – السوري – المصري الشهير الذي كان مزدهرا وراسخا طيلة العقدين الماضيين، والذي أهتز بعنف مؤخرا بعد اطلاق مبادرة عبد الله.

ويقول هنا محلل سياسي لبناني متابع للعلاقات العربية – العربية، أن حالة الذعر التي سادت بين الدول الصديقة لأمريكا في أعقاب أحداث 11 سبتمبر-أيلول، دفعت كلا من هذه الدول (وخاصة السعودية) الى البحث عن “خلاصها الفردي” من خلال ارضاء واشنطن. وبالطبع، يضيف المحلل، مثل هذه التوجهات لا بد ان تؤدي في النهاية الى تغيير قواعد ومعايير العمل السياسي العربي السابقة.

ويتوقع المحلل أن يتاكد تبدل التحالفات والمحاور بعد القمة التي سيعقدها الامير السعودي عبد الله مع الرئيس الاميركي بوش في تكساس الشهر المقبل، قائلا: “أنا لا أستبعد ان يستغل السعوديون فوضى بيروت لادارة ظهرهم لسوريا ومصر ولتيميم وجههم نحو تكساس”.

سعد محيو – بيروت

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية