مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

قمــــة عاديــــة جــــدا…!

سجلت قمة الدوحة غياب قادة أربع دول، ولم يحضرها سوى السلطان قابوس في حين أناب بقيم القادة من يمثلهم في القمة Keystone

انتهت القمة الثالثة والعشرون لمجلس التعاون الخليجي دون مفاجآت تذكر، ورسمت بونا شاسعا بين الضجة التي سبقتها والنتائج التي خلصت إليها.

وتلا الأمين العام لمجلس التعاون بيانا ختاميا باردا، لا يختلف كثيرا عن بيان أي قمة سابقة، عدا إفراده لإعلان منفصل حول قيام الاتحاد الجمركي الخليجي بداية من 1 يناير المقبل.

طغت الصبغة الاقتصادية على أكثر من النصف الأول من البيان الختامي لقمة الدوحة، بما لفت الانتباه إلى أن مجلس التعاون الخليجي قد أصبح أقرب منه إلى تكتل اقتصادي إقليمي، في حين غاب عن البيان ما كان مفترضا من موقف جماعي تجاه ضربة عسكرية محتملة ضد العراق. كما أغفل البيان هذه المرة توجيه التحية المعتادة الى الانتفاضة الفلسطينية، بل وأغمض عينيه تماما عن “خارطة الطريق” بعد التحفظ الأمريكي عليها!

ورغم أن ذات البيان حافظ على لهجته المتوازنة نسبيا بخصوص ما يسمى “الحالة بين العراق والكويت”، وأيضا حث المفتشين على تحمل مسؤوليتهم ومراعاة ضمائرهم، والمجتمع الدولي على التسريع في أعمال التفتيش، والانتهاء إلى رفع الحظر على العراق، فقد أدانت قمة الدوحة كلمة الرئيس صدام حسين إلى الشعب الكويتي صراحة، معتبرة ما جاء فيها “افتراءات ومزاعم”.

وبدا للمراقبين، وكأن الدول الخليجية مجتمعة، تراجعت قليلا عن مواقفها منفردة، عندما كانت تعلن كل على حدة رفضها لتوجيه أي ضربة للعراق خارج إطار الأمم لمتحدة. وذهب وزير خارجية قطر، شوطا في الصراحة بقوله، إن الدول الخليجية لا تستطيع فعل الكثير من أجل منع ضرب العراق إذا قررت واشنطن ذلك، مردفا الحديث في مؤتمره الصحفي الذي عقب القمة عن “قرارات سرية” جاءت في معرض رده على سؤال حول غياب الحديث عن موقف خليجي مشترك من أي حرب يمكن أن تشن على العراق.

ظلال 11 سبتمبر

أما بالنسبة للملف الفلسطيني، فقد جاء غياب تثمين الانتفاضة وغض الطرف عن (خارطة الطريق)، ملفتا للانتباه، وهو أمر دعا المراقبين إلى اعتبار اللا موقف، موقفا يواتي الهوى الأمريكي الجديد تماما، مع محاولة تضمين البيان الختامي عبارات الشجب لممارسات شارون والتذكير بالشرعية الدولية، والمبادرة العربية، وهي المفردات التقليدية التي لا تخلو منها مواقف كل الاجتماعات العربية.

ومعنى ذلك، أن ظلال أحداث 11 سبتمبر أصبحت ماثلة بقوة وبوضوح في السياسة الخليجية المعلنة. فلأول مرة يرد ذكر لإصلاح التعليم في بيان قمة خليجية، وهو ما كان أمير قطر قد تعرض له في كلمته الافتتاحية، ثم قال وزير خارجيته بعد ذلك، إنه تم التعرض لهذا الموضوع بإسهاب، منوها إلى أن هناك ضغوطا على بعض الدول لإصلاح تعليمها، لكنه استطرد بأنه لم يتم اتخاذ قرار حول الأمر، وتم ترك حرية التصرف فيه لكل دولة حسب ما تراه صالحا.

وكانت قمة الدوحة قد حظيت قبل انعقادها بضجة إعلامية واسعة بسبب انخفاض مستوى التمثيل الخليجي فيها، وانعقادها وسط احتمالات شن حرب أمريكية ضد العراق. غير أن الأمين العام لمجلس التعاون ووزير خارجية قطر قالا، إن تحديد مستوى التمثيل في القمة هو شأن خاص بالدول الأعضاء. ولم يكن ذلك كافيا لحجب حقيقة الخلافات التي كانت وراء غياب كل من ولي عهد السعودية وملك البحرين، وهي خلافات في السياسات الداخلية الإعلامية والتعليمية، وحتى العسكرية .

وقال مصدر سعودي بارز في القمة، إن قطر هي التي تريد مثل هذه النتائج من تدني عدم التمثيل وغيره، لكنه أكد في الوقت نفسه أن تدني التمثيل لن يحول دون المضي قدما من منطلق الاهتمام باستمرار العمل المشترك داخل مجلس التعاون.

كما نفى المصدر السعودي أن تنسف الاتفاقية التي وقعتها قطر مع الولايات المتحدة مؤخرا اتفاق التعاون الدفاعي بين دول الخليج، والتي تم التوصل إليها في قمة مسقط العام الماضي. وبالفعل، فقد تضمن البيان الختامي ارتياحا لما تم قطعه من خطوات تنظيمية في اتفاقية التعاون المشترك، لكن ذلك لم يمنع وزير الخارجية القطري من الدفاع عن الاتفاقيات الأمنية التي عقدتها الدوحة مع واشنطن عندما أثيرت حول ذلك أسئلة عديدة في المؤتمر الصحفي.

وتحدث الوزير القطري بإسهاب نسبي عن مبررات ذلك، من غياب لمفهوم الأمن القومي العربي أو الخليجي، مما يدفع بالدول إلى البحث عن أمنها بشكل فردي. وقال الوزير القطري في ذات الإطار ان ما من دولة في العالم تحتاج إلى المساعدة العسكرية الأمريكية، بدءا من أوروبا ووصولا إلى اليابان، مشددا على أن بلاده كانت الأخيرة من بين دول الخليج التي سمحت بإقامة قواعد عسكرية أمريكية على أراضيها، وعزا الضجة حول الأمر إلى أن قطر قررت ألا تكتم شيئا تقوم به، “في حين يستعين البقية على قضاء حوائجهم بالكتمان”، على حد تعبيره.

مستقبل مجلس التعاون؟

ويرى العديد من المراقبين والمحللين السياسيين في الدوحة أن ما بعد القمة الثالثة والعشرين يشكل في حد ذاته اختبارا لمستقبل مجلس التعاون. فإذا استمر الفتور الرسمي على المستوى القيادي، فإن ذلك قد يؤثر على استمرارية المجلس كمنظمة إقليمية أنشئت في قمة أبو ظبي قبل 22 عاما لحماية المصالح الخليجية.

وتأتى هذه التخمينات في ضوء غياب كل من ولي العهد السعودي وملك البحرين عن قمة الدوحة لأسباب يعلم الجميع أنها تتعلق بموقف سياسي من العاصمة التي تحتضن القمة، على خلفية سجالات تجد قناة الجزيرة القطرية نفسها أحد محاورها، رغم أن وزير خارجية قطر نفى أن تكون برامج قناة الجزيرة قد نوقشت أثناء القمة، كما نفى ما نشرته صحيفة كويتية من أن قطر اشترت الرضى السعودي بإيقاف مذيع برنامج الاتجاه المعاكس في القناة فيصل القاسم عن العمل.

وفي نفس السياق، استبقت الكاتبة القطرية الدكتورة منى بنت سحيم آل ثاني، وهي ابنة عم أمير قطر، القمة بمقال قالت فيه إن قمة الدوحة “تنظر إلى ضرورة معالجة الخلل الواضح في النظرة الخليجية إلى مصادر التهديد ونوعه، إذ أن من الواضح أن كل دول في هذه المنظومة أصبحت تختلف عن مثيلاتها في رؤيتها وفي الحلول المطلوبة أيضا”.

وأشارت إلى أن “هناك بالفعل صدمة فجائية في العلاقات البينية الخليجية وأزمة ثقة بلغت ذروتها”. غير أن الكاتبة لم تشر إلى أسباب الصدمة أو أزمة الثقة في العلاقات الخليجية، وترى الكاتبة القطرية البارزة أن السعودية تبدو مختلفة أيضا في نظرتها للتهديد الإقليمي، وهي تعطي أولوية خاصة للمشكلات القائمة بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية منذ تفجيرات 11 سبتمبر، فيما تبدو الدول الأخرى ملتزمة الهدوء ومتخذة مواقف تنسجم والأهداف الأمريكية المعلنة مع إظهار معارضة ضمنية لأي عمل عسكري ضد العراق.

ويجمع المحللون على أن قمة الدوحة لم تكن قمة قرارات أو مواقف. فالدول الخليجية لا تقوى على اتخاذ موقف يمنع الحرب ضد العراق، كما أن القمة تنعقد في ظرف زمني بالغ الحساسية يجعلها تختار مراوغة القرارات والمواقف السياسية الحاسمة، خشية من أن تأتى الأحداث اللاحقة بما ينسفها من الأساس.

ولذلك، اكتفى البيان الختامي بترديد المطالبات التقليدية وركن إلى المواقف الآمنة، كما هرب إلى الإفاضة في تعداد الانجازات والمشاريع الاقتصادية، بما زاد في التخمين بأن مجلس التعاون الخليجي بات اقرب منه إلى أن يصبح تجمعا اقتصاديا أو ناد للأغنياء، كما يعتقد البعض.

فيصل البعطوط – الدوحة

تأسس مجلس التعاون الخليجي يوم 25 مايو 1981
يضم المجلس ست دول هي: السعودية، الكويت، قطر، البحرين، عمان، والامارات
عدد سكان الدول الست: حوالي 31 مليون نسمة
صادقت قمة الدوحة على الاتحاد الجمركي الخليجي بداية من 1 يناير 2003

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية