مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

كارتر و”الخوف الإستراتيجي الكبير”

الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر يُحاضر يوم 17 أبريل 2008 أمام لفيف من الطلبة والضيوف في مبنى الجامعة الأمريكية بالقاهرة Keystone

كل شيء يُـوحي بأن حصيلة جولة الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر الأخيرة في الشرق الأوسط، بدت وكأنها انتزعت من أحد فصول آخر كُـتبه (لكارتر 21 مؤلفاً): "فلسطين: سلام لا تمييز عنصري" (*).

في هذا الكتاب، الذي صدر عام 2006، يصِـف كارتر حركة “حماس” بأنها” شريك معتدِل مُـستعدّ للتّـفاوض مع إسرائيل”، وبأنها “حركة إسلامية مناضِـلة كانت تُـعارض (في السابق) الاعتراف بإسرائيل، لكنها الآن تدعم قرار القمّـة العربية لعام 2002، الذي يحبِّـذ حلّ الدّولتين، بشرط أن يتضمّـن حق العودة للاّجئين”.

وينسب كارتر إلى رئيس وزراء حماس إسماعيل هنية قوله أنه “يدعم إجراء محادثات سلام بين إسرائيل ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، ويقبَـل خريطة الطريق برمّـتها، وسيُـقر معاهدة السلام في حال أقرّها الفلسطينيون في استفتاء عام”.

البيانات التي صدَرت عن قادة حماس بعد لقائهم مع الرئيس الأمريكي الأسبق، الحامل لجائزة نوبل للسلام، جاءت مُـطابقة تماماً لكلّ ما جاء في الكتاب، فهم كرّروا استعدادهم المشروط لقبول حلّ الدولتين ولتفويض عباس التّـفاوض حول هذا الحلّ ولإجراء استفتاء فلسطيني عام حول صفقة التسوية، في حال التوصّـل إليها، كما أعلنوا استعدادهم للإطلالة على الدّولة الإسرائيلية بصِـفتها “جار”، يمكن إبرام هُـدنة عشر سنوات معه.

بضاعة قديمة؟

ماذا إذن؟ هل كل ما أسفَـرت عنه جولة كارتر، كانت أشبه بتسويق جديد لكتابه أو أنها مجرّد لعب دبلوماسي من رجل يعشَـق الألعاب الدبلوماسية في الوقت الضائع في سنة انتخابية أمريكية؟

الأمر سيكون كذلك بالفعل، إذا ما قاربنا كلّ ما يجري “هنا والآن” ( كما يقول الأمريكيون). فحركة كارتر تبدو “بدون بَـركة”، في ضوء الرفض الرّسمي العنيف لها من جانب إسرائيل والولايات المتحدة، وربما أيضاً من قِـبل بعض الأطراف العربية (كما سنرى بعد قليل).

إيهود اولمرت، الذي رفض لقاء الرّجل الذي وصفته “فاينانشال تايمز” بأنه “ربما فعل لضمان مُـستقبل إسرائيل أكثر من أي رجُـل حيّ على وجه الأرض” (إخراج مصر من الصِّراع العربي – الإسرائيلي)، وصف الجولة بأنها “جاءت في الوقت غير المناسب وبالأجندة غير المناسبة”.

وطوم كايسي، الناطق باسم الخارجية الأمريكية، قال إن كارتر قام بالرِّحلة بمُـبادرة خاصة منه “ونحن نصَـحناه بِـعدَم التّـعامل مع “حماس”، لأنها لا تزال تسعى لتدمير إسرائيل”.

إضافة، العديد من المحلِّـلين العرب أعربوا عن اعتقادهم بأن الأوراق التي وضعها قادة “حماس” بين يَـدََي كارتر، مثل قَـبول دولة فلسطينية ضمن حدود 1967 والاعتراف بإسرائيل كـ “جار”، ليس أكثر من بضاعة قديمة لفت في لفافة ورق مُـزركشة جديدة.

فالحركة الإسلامية سبق لها أن وافقت على مبادرة القمّـة العربية في بيروت عام 2002، المُـستندة إلى مقايَـضة دولة 1967 الفلسطينية باعتراف كل الدّول العربية بها، كما تضمّـنت اتفاقاتها السابقة مع فتح في مكّـة، وقبْـلها إشارات عديدة إلى هذا الموقف نفسه.

لكن، حين نطَـل على جولة كارتر من منظور “هناك وغداً” وليس “هنا والآن”، تبرُز أمامنا لوحة مُـغايرة تماماً وعلى كل الصُّـعد. كيف؟

فضاء جديد

هناك أولاً الحقيقية بأن كارتر لا يتحرّك في فراع، هناك فضاء كامِـل له يتجسَّـد في برامِـج مرشحي الرئاسة الديمقراطيين أوباما وكلينتون، اللّـذين، وإلى جانب إلتزامهما الصّـارم بضمان أمن إسرائيل ومُـستلزماته، يتعهَّـدان ببذل كلّ جهد مُـمكن لحلّ النزاع العربي – الإسرائيلي عبر مُـفاوضات يجب أن تشمل “كل الأطراف في الشرق الأوسط”.

قبل جدول الأعمال الرئاسي المُـقبل هذا، كانت هناك مبادرة بيكر – هاميلتون، التي وافق عليها الديمقراطيون والتي تَـعتبر أن حلّ المشكلة الفلسطينية “أحد المداخل الرئيسية لإغلاق مِـلف العراق وضمان المصالح العُـليا للولايات المتحدة”، لا بل أكثر: عناق كارتر مع قادة حماس، ترافَـق مع انفتاح من وراء الكواليس تقوم به منذ أشهر إدارة بوش “الصقورية” مع حركة الإخوان المسلمين بكل فروعها تقريباُ.

ففي 20 يونيو 2007، نشرت “وورلد تريبيون” الأمريكية تقريراً، أشارت فيه إلى أن إدارة الرئيس الأمريكية “بدأت بهُـدوء التّـعاطي مع حركة الإخوان المسلمين”، مضيفة أن وزارة الخارجية أقرّت قواعد عمل “تسمح للدبلوماسيين الأمريكيين بالاجتماع والتّـنسيق مع قادة الأخوان في مصر والعراق وسوريا ودول عربية أخرى”.

“وورلد تريبيون” أوضحت أيضاً أن المقاربة الأمريكية الجديدة نحو “الإخوان”، والتي حظِـيت بدعم الحزب الديمقراطي الأمريكي و”السي. أي. آي” ووكالة الاستخبارات في البنتاغون، كانت حيَـوية في ضوء استيلاء حركة “حماس” على غزّة، لأنها (المقاربة) ستُـشجِّـع ما وصفه مسؤولون بأنه جناح مُـوالٍ للغرب في هذه الحركة الإسلامية الفلسطينية”.

هذا التطوّر استند إلى دراسة وضعها الباحث في مركز نيكسون روبرت ليكين وأقرها مجلس الاستخبارات القومي الأمريكي، وتدعو إلى فتح أقنية رسمية مع حركة “الإخوان المسلمين.

منذ ذلك الحين، أي طيلة الأشهر التِّـسعة الماضية، كانت تعقد اجتماعات علَـنِـية وسِـرية بين قادة الإخوان البرلمانيين والسياسيين وبين مسؤولين ودبلوماسيين أمريكيين داخل منطقة الشرق الأوسط وخارجها، وتوَجه واشنطن الدعوات لكوادر “الإخوان” للدّراسة أو العمل في الولايات المتحدة،
لكن، يبدو أن أمراً ما لم يَـسِـر على ما يُـرام في هذا الحوار، ممّـا دفع واشنطن إلى توجيه “نصائح” عبر الأستاذ الجامعي الأمريكي مارك لينش، مباشرة إلى المرشد العام لـ “الإخوان المسلمين، جاء في بعضها:

1: نصَـح الكاتب المرشد بالوضوح وضرورة الابتعاد عن الغُـموض فيما يتعلق بمعالِـم السياسة الخارجية للإخوان المسلمين وموقِـفهم من هجمات “حماس” على إسرائيل، كما لفت انتباهه إلى ما يجمع بين جماعته والولايات المتحدة من أهداف تتمحور حول نشر الديمقراطية ومكافحة الحركات المتطرفة الإسلامية.

2- دعاه إلى التحدث عن \ ومع الولايات المتحدة باللغة العربية، حيث يرَكز الأمريكيون أكثر على ما تقوله باللغة العربية، وأكد الكاتب على ضرورة عدم وقوع الإخوان في فخّ يُـظهرها كمَـن يُـدير ظهره للعملية الديمقراطية، “كما يريد البعض في الولايات المتحدة”. وتجربة نجاح حركة حماس في الانتخابات الفلسطينية وعدم اعتراف الغرب بها، لا يجب أن تكون ذريعة لرفض العملية الديمقراطية السلمية.

3- تطبيق الديمقراطية داخل جماعة الإخوان المسلمين والسماح بهامش أكبر من الحريات وتشجيع جيل الشباب داخل الجماعة على التعبير الحُـر عن أرائهم.

“الخوف الإستراتيجي”

هذه “النصائح” تؤكِّـد وجود خِـلافات بين الإدارة الأمريكية وبين الحركات الإسلامية، بالأخص حول المسألة الفلسطينية، لكنها لا تنفي الحقيقية بأن جُـسور الحوار باتت موجودة، وهذا، إضافة إلى مواقِـف الديمقراطيين الأمريكيين، يُـعطي جولة كارتر قيمة مُـضافة أو على الأقل نُـكهة مستقبلية، وهذا أيضاً ما جعل العديد من الأنظمة العربية تنظُـر بعينٍ حمراء إلى هذه الجولة وتتوجّـس خيفة من أن تكون مدخلاً لـ “تسوية تاريخية” عامة بين أمريكا والإخوان المسلمين عبر البوّابة الفلسطينية الحماسية، قد تشكِّـل في النهاية تهديدا لبقاء بعضها.

من هي هذه الأنظمة؟

ثلاثة منها تتحس رأسها الآن: النظام المصري، الذي كان يخشى حتى قبل جولة كارتر أن تكون غزّة الحماسية هي الصاعِـق الذي سيفجِّـر الوضع (المتفجِّـر أصلاً) في داخل مصر لصالح الإخوان المسلمين المصريين. والنظام الأردني، الذي فكّ خلال السنتين الماضيتين تحالُـفه التاريخي مع “الإخوان” الأردنيين، بسبب تخوفه من صعود “حماس” في غزة والضفة، والنظام الفلسطيني، الذي يعتبر أي حِـوار بين واشنطن وحماس بمثابة جرس نعْـي لوجوده.

كل هذه الأطراف تجد نفسها الآن، بحُـكم غريزة البقاء، مدفوعة للانحياز إلى الجمهورية كوندوليزا رايس، التي تواصل تحرّكها لتحقيق خطّـتها في “الاصطفاف الإستراتيجي الجديد”، الذي يضع حماس والجِـهاد وإيران وسوريا في سلّـة واحدة، والدول العربية “المعتدلة” في السلّـة الأخرى، كما يدفعها إلى الاعتراض بقوّة على كل الجُـهود التي يبذلها الآن كارتر.

وهذه النقطة الأخيرة تتضمّـن مُـفارقة كُـبرى، لأن الأطراف العربية التي تُـدين الآن الرئيس الأمريكي السابق، وعلى رأسها مصر، كانت المُـستفيد الأول من حركيته حين كان رئيساً للولايات المتحدة. هل تذكرون كامب ديفيد 1979؟

سعد محيو – بيروت

ريكيافيك (رويترز) – قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس يوم الثلاثاء 22 أبريل، إن الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر فشِـل في محاولته خلال محادثاته مع حماس لإقناعها بقبول اتِّـفاق سلام مستقبلي مع إسرائيل يقوم على أساس دولتين.

وقال كارتر بعد لقاءات خاصة مع قادة حماس في مصر وسوريا الأسبوع الماضي، إن الحركة الإسلامية والتي تتجنّـبها اسرائيل وعباس والغرب، ستقبل اتفاق سلام يوقّـعه الرئيس الفلسطيني، إذا وافق عليه الفلسطينيون في استفتاء. لكن حماس قالت إنها ستستمر في رفض حق الدولة العبرية في الوجود ورفضت اقتراحا لكارتر، الذي تنصلت الحكومتان الأمريكية والإسرائيلية من مهمته، بوقف إطلاق الصواريخ من غزة من جانب واحد.

وقال عباس للصحفيين في أيسلندا، حيث توقف في طريقه إلى الولايات المتحدة لإجراء محادثات مع الرئيس الأمريكي جورج بوش، إن “كارتر قدّم لهم (حماس) النصيحة الصائبة”، وأضاف أن كارتر “حثّ حماس على قبول حلّ الدولتين وقبول الاتفاقات السابقة، التي أبرمها الفلسطينيون مع إسرائيل، لكن فشل للأسف في إقناعها بذلك ولم تتمخّـض زيارته عن نتائج إيجابية”. ووصف كارتر لدى إعلان نتائج جولته يوم الاثنين 21 أبريل، الموافقة المشروطة لحماس بإقرار اتفاق لإنشاء دولة في غزّة والضفة الغربية المحتلة بأنها “انحراف عن مبدإ حماس القديم، الذي يرفض الاعتراف بدولتين”. ورحّـبت حماس، التي زادت عُـزلتها الدولية بعد تغلبها على قوات عباس وانتزاع السيطرة منها على غزة في يونيو الماضي، بجهود كارتر الرامية لإشراكها في العملية السلمية.

وقالت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس، التي تقود جهودا لضمان التوصل لاتفاق بين عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود اولمرت قبل ترك بوش للسلطة في يناير المقبل، إن الإدارة الأمريكية عارضت مهمّـة كارتر. وقالت رايس يوم الثلاثاء “الولايات المتحدة لن تتعامل مع حماس، وأبلغنا بالقطع الرئيس كارتر أننا لا نظن أن هذا الاجتماع مع حماس سيساعد الفلسطينيين”.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 22 أبريل 2008)

بيتسبرغ (رويترز) – عبر السناتور باراك اوباما، الذي ينافس للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي في انتخابات الرئاسة، عن قلقه يوم الثلاثاء 22 أبريل بشأن تقرير الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر عن حدوث تقدم في اجتماعاته مع زعماء حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وقال إن اجتماعات كارتر مع الحركة الفلسطينية “فكرة سيئة”.

وقال كارتر، الفائز بجائزة نوبل للسلام عام 2002، إن زعماء حماس أبلغوه أنهم سيقبلون اتفاق سلام مع إسرائيل، إذا قبله الشعب الفلسطيني في استفتاء. لكن التعهّـدات التي قطعتها الحركة كانت تفتقر للتفاصيل، وأشارت تصريحات مسؤول من حماس في غزة إلى أن الحركة لم تتخلّ عن مواقفها القديمة، ومنها تدمير الدولة اليهودية.

وقال اوباما للصحفيين أثناء جولة انتخابية في بنسلفانيا، التي تجرى بها يوم الثلاثاء انتخابات مهمّـة في السِّـباق للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي، “ما نراه الآن هو أنه حتى مع إشارة الرئيس كارتر إلى حدوث انفراجة تجد بعض نفس التصريحات القديمة تصدر من ممثلي حماس فيما يتعلق بإسرائيل”. وتعتبر الولايات المتحدة وإسرائيل والاتحاد الأوروبي حماس منظمة إرهابية. ويدعو ميثاق الحركة إلى تدمير إسرائيل.

ورفضت سناتور نيويورك هيلاري كلينتون، التي تنافس اوباما في السباق الديمقراطي، التعليق على تصريحات كارتر عقب اجتماعاته مع مسؤولي حماس. وقالت للصحفيين في كونشوهوكن، وهي إحدى ضواحي فلادلفيا، “لا أعرف أي شيء عنها”.

وكرّر سناتور ايلينوى اوباما وجهة نظر إدارة بوش بأن الولايات المتحدة يجب أن تركز جهودها على تشجيع المحادثات بين الزعماء الفلسطينيين المعتدلين وإسرائيل، وليس محاولة إشراك حماس. وقال اوباما “مِـن المُـهم جدا للولايات المتحدة أن تشارك بنشاط للمساعدة في بدء مفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين”، وأضاف أن الولايات المتحدة يجب أن تركز طاقاتها الدبلوماسية على تشجيع المفاوضات بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود اولمرت. ويسعى منتقدو أوباما إلى إثارة الشّـكوك حول قوّة تأييده لإسرائيل، كي يضعفوا مكانته لدى الناخبين اليهود في الولايات المتحدة.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 22 أبريل 2008)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية